بسم الله الرحمن الرحيم
الاخوة الكرام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الملف الكامل لحرب أكتوبر1973 من وجهة النظر السورية
الملف من اعداد : الفريق الأول الركن خالد بن سلطان بن عبدالعزيز، قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات، في حرب تحرير دولة الكويت
مقدمة
مقدمة
حرب 1973 هي الحلقة الرابعة من سلسلة الحروب العربية ـ الإسرائيلية. وقد سبقتها الحرب الأولى (1948)، والحرب الثانية (1956)، والحرب الثالثة (1967)، ويسميها العرب "حرب رمضان"، لأنها وقعت في اليوم العاشر منه، و "حرب التحرير"، لأنها هدفت إلى تحرير الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل في حرب 1967. ويسميها الإسرائيليون "حرب الغفران"، لأنها جرت في يوم عيد الغفران اليهودي "Yom Kippur".
وعلى شاكلة حرب 1967، غيّرت حرب 1973 معالم الوطن العربي، وبخاصة في مشرقه. وبين الحربين علاقة قوية، هي علاقة العلة بالمعلول. ففي رحم حرب 1967، تكوّنت نطفة حرب 1973، ووُلدت منها بعد ست سنوات وأربعة أشهر، على الرغم مما بينهما من فارق جوهري في الغرض الإستراتيجي. ففي حين كان هذا الغـرض ما قبـل حـرب 1967 هـو "تحـرير فلسطـين من الاستعـمار الصهيوني"[1]، أصبح بعدها "إزالة آثار العدوان"[2]، أي آثار حرب 1967. ويعني هذا النص أن الغرض الإستراتيجي في حرب 1973، هو إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل 5 يونيه 1967.
كان من الطبيعي أن تختلف الوسائل أيضاً باختلاف الأغراض. فقد رافق غرض ما قبل حرب 1967 خطط وتدابير عسكرية، هي من الوسائل لتحقيق ذلك الغرض. أمّا بعد حرب 1967، فقد أضيف إلى "تضافر جميع الجهود لإزالة آثار العدوان" و "اتخاذ الخطوات اللازمة لدعم الإعداد العسكري"، وسيلة جديدة هي "العمل السياسي على الصعيد الدولي والدبلوماسي لإزالة آثار العدوان"، وذلك في نطاق المبادئ الأساسية التالية: لا صلح مع إسرائيل، ولا اعتراف بها، ولا تفاوض معها، والتمسك بحق الشعب الفلسطيني في وطنه[3].
وإذا ما أخذنا في الحسبان مقياس الحروب العادلة والحروب غير العادلة، فإننا نجد حرب 1973 تدخل في فئة الحروب العادلة، إذ كان هدفها تحرير أراضٍ تم احتلالها بالعدوان وقوة السلاح.
[1] قرار مؤتمر القمة العربي الثاني، الرقم 18 (11/9/1964)، الإسكندرية.
[2] قرار مؤتمر القمة العربي الرابع، الرقم 39 (1/9/1967)، الخرطوم.
[3] من قرارات مؤتمر القمة العربي الرابع، 29/8 - 1/9/1967، الخرطوم.
المبحث الأول
في الطريق إلى الحرب
أولاً: حرب الاستنزاف (1967-1970)
يمكن القول إن حرب الاستنزاف بين مصر وإسرائيل (1967-1970)، كانت في منزلة "الفاصل الواصل" بين حربَي 1967 و 1973. فما كاد إطلاق النار يتوقف، يوم 10/6/1967، حتى شهدت الجبهة المصرية، يوم 1/7/1967، هجوم قوة إسرائيلية على "رأس العش"، جنوبي بورفؤاد، وحاولت احتلاله. وقد ردّتها القوة المصرية خاسرة. وفي يوم 14/7/1967 تصدت الطائرات المصرية لطائرات الاستطلاع الإسرائيلية، وأجبرتها على الابتعاد عن الضفة الغربية. وفي البحر، تصدت القوات البحرية المصرية للمدمرة الإسرائيلية "إيلات"، يوم 12/10/1967، فأغرقتها وبحارتها[1]. ولجأت إسرائيل إلى تصعيد القتال، فأخذت تضرب الأهداف المدنية المصرية، مبتدئة، يوم 24/10/1967، بقصف مدفعي على مستودعات الوقود ومصافي النفط في السويس.
بعد أن احتلت إسرائيل سيناء وقطاع غزة، نشرت قواتها على الأجزاء الحيوية فيهما. وفاق عديد تلك القوات 50 ألف جندي. وفي مقابل الضفة الغربية لقناة السويس، انتشرت القوات المصرية على طول الضفة الشرقية، وحول المرافق والمراكز الحيوية العسكرية والمدنية.
بدأت حرب الاستنزاف بمرحلة الصمود (يونيه 1967 ـ أغسطس1968)، لتنتقل بعدها إلى مرحلة الدفاع النشط (سبتمبر 1968 ـ فبراير 1969)، ثم مرحلة الاستنزاف (مارس 1969 ـ أغسطس 1970). وهذا التقسيم قائم على أساس تطور أشكال المواجهة وأنواعها، والوقائع الميدانية، التي رسمت مراحل تطور المواجهة.
استطاعت القوات المصرية أن تنجز، في شهر نوفمبر 1967، حشد خمسة ألوية مشاة ولواءيْن مدرعيْن وخمس كتائب صاعقة، على طول القناة، وأن توالي التعبئة والحشد حتى أصبح النسق الدفاعي الأوّل بطول 170 كم، وعمق 60 كم. وقد انضم إلى هذا النسق قوة جزائرية رمزية، كبُرت، فيما بعد، حتى أصبحت في حجم لواء مشاة. وكان جهد القيادة المصرية منصباً على إعادة بناء القوات المسلحة وتدريبها وتسليحها، وإقامة الخـط الدفاعي غربي القناة، في حين انهمكت القيادة الإسرائيلية في إنشاء "خط بارليف" الدفاعي.
ابتدأت مرحلة الدفاع النشط حينما انهمرت، في 8/9/1968، قنابل المدفعية المصرية على المواقع الإسرائيلية، على طول القناة. وقد اشتركت في هذه الرمايات 150 بطارية مدفعية. فردّت إسرائيل بقصف مدينتَي السويس والإسماعيلية ومصافي النفط في السويس. فما كان من مصر إلا أن أكّدت صمودها وعزمها على المقاومة، فنفذت عملية إجلاء واسعة، شملت نحو مليون ونصف مليون مواطن، نقلتهم من منطقة القناة، خاصة من المدن الرئيسية (بورسعيد، والإسماعيلية، والسويس) حتى لا يقيّدوا قـوات الجبهـة في تنفيذ مهامها.
قصفت المدفعية المصرية المواقع الإسائيلية، في 26/10/1968. فردّت إسرائيل في 31/10/1968، بغارتين، نفذتهما وحدات محمولة بالطائرات العمودية، على جسريْن على نهر النيل، وعلى مراكز تحويل كهربائي (المحولات الكهربائية)، هادفة إلى الضغط على مصر، كي تخفف الحشد القائم على الضفة الغربية. وقد ردّت القيادة المصرية باستمرار عملية بناء الخط الدفاعي على القناة. كما نشط القتال الجوي بين سورية وإسرائيل، خاصة في شهري فبراير ويوليو 1968.
ازدادت عمليات القنّاصة المصرية في الشهرين الأولين من العام 1969. حتى إذا حل يوم 8/3/1969، شرعت المدفعية المصرية تُصْلِي القوات الإسرائيلية نيراناً كثيفة ومستمرة. وقُدّر ما أطلقته المدفعية المصرية، في ثلاثة أيام متتالية، بحوالي 40 ألف قذيفة. وبذلك، بدأت المرحلة الثالثة، وهي مرحلة الاستنزاف نفسه.
وفي 19/4/1969، عبَرت وحدة مغاوير مصرية القناة، واحتلت موقعاً إسرائيلياً، ورفعت عليه العلم المصري. وتتالت عمليات العبور في مواضع مختلفة من القناة، حتى إنها بلغت خمس مرات في أسبوع واحد خلال شهر أبريل. ثم أخذ حجم الدوريات المصرية العابرة يكبُر. فردّت إسرائيل بنسف خطوط الضغط الكهربائي العالي بين أسوان والقاهرة، قرب سوهاج (30/6/1969). وفي أثناء ذلك، كانت المعارك الجوية تنشب بين يوم وآخـر. وقـد وقع أكبرها في 24/7/1969، بعد أن قامت وحدة مغاوير إسرائيلية ليلة 19 -20/7/1969، بالهجوم على الجزيرة الخضراء، في خليج السويس، ودمرت راداراً فيها. وبعد ذلك بأربعة أيام، شنت 40 طائرة مصرية هجوماً على المواقع الإسرائيلية. فردّت الطائرات الإسرائيلية بهجوم مماثل على الضفة الغربية للقناة، في اليوم نفسه. وفي 9/9/1969، قامت سرية دبابات إسرائيلية بإنزال بحري على منطقة منعزلة على الشاطئ الغربي لخليج السويس، ردّتها القوات المصرية. وفي 11/9/1969، شنّت 60 طائرة مصرية هجوماً كبيراً على المواقع الإسرائيلية. وتتالت الهجمات والردود الجوية والبرية بين قوات الطرفين.
قامت الجبهة الشرقية (السورية ـ الأردنية) بدور مهم في هذه المرحلة من الحرب. ونشطت منظمات المقاومة الفلسطينية في الأراضي المحتلة. وكثُرت الغارات الجوية الإسرائيلية على الأراضي السورية والأردنية، خاصـة في شهري أغسطس، وسبتمبر 1969، في حين قامت الطائرات السورية في 30/7/1969، بقصف المواقع الإسرائيلية في جبل الشيخ.
أخذت الغارات الجوية الإسرائيلية على أهداف في العمق المصري تكثُر بدءاً من مطلع العام 1970، وطالت أهدافاً مدنية وعسكرية. وغزت قوة منقولة بالطائرات العمودية جزيرة شدوان[2] في خليج السويس، في 22/1/1970، وفكّت جهاز رادار نقلته بالطائرات. وكانت الطائرات والمدافع المصرية ترد على هذه الهجمات. كما كانت وحدات المغاوير تتابع عمليات العبور إلى الضفة الشرقية، لتضرب القوات والدبابات والتحصينات الإسرائيلية.
تميّز شهر فبراير 1970 بالغارة، التي شنتـها الطائرات الإسرائيليـة (في 12/2)[3]، على منطقـة "أبي زعبل" في الدلتا (شمالي القاهرة بحوالي 20 كم)، وذهب ضحيتها 80 عاملاً[4]، في مصنع متخصص في إنتاج حديد التسليح، الذي يستخدم في أساسات المباني. كما أغارت الطائرات، في 8/4/1970، على مدرسـة[5] في "بحر البقر" (قرية في محافظة الشرقية)، فقتلت 46 طفلاً.
بدأت صواريخ سام -3 SAM-3 ، وطائرات ميج -21 MIG- 21 ، مع طواقمها السوفيتية العاملة عليها، تصل إلى مصر في شهر مارس 1970. وكان ذلك أحد الأسباب التي حدّت من العمليات الجوية الإسرائيلية في العمق المصري. وقد توقفت هذه العمليات بدءاً من 2/4/1970.
شهدت الجبهة السورية، في مطلع العام 1970، عدّة معارك جوية، خاصة في 8 و 29/1، و 2/2، و12 و16/3. كما جرت معارك برية. كان أهمها يوم 29/3/1970، حين اجتاحت القوات السورية 21 موقعاً إسرائيلياً على طول الجبهة. فردّت القوات الإسرائيلية بهجوم جوي وبري كبير، في 2/4/1970.
وجرت على الجبهة الأردنية عدة اشتباكات برية، وقع أبرزها في 21/1/1970. وكانت الطائرات الإسرائيلية تغِير على الأراضي الأردنية بكثرة. أمّا الجبهة اللبنانية، فقد عبَرتها القوات الإسرائيلية عشر مرات في الأشهر الأربعة الأولى من العام 1970. وكان معظم الهجمات الإسرائيلية، على الجبهتين الأردنية واللبنانية، يهدف إلى ضرب قواعد الفدائيين الفلسطينيين.
ما أن اضطرت إسرائيل إلى وقف العمليات الجوية في العمق المصري، حتى استعادت مصر زمام المبادأة والهجوم. وكانت الحرب سجالاً، استمرت مرحلتها الأخيرة حتى 7/8/1970، حين توقف إطلاق النار. وقد سعت مصر، في هذه المرحلة، إلى زيادة حشد القوات والأسلحة على الجبهة، ودفع صواريخ سام-3 إلى داخل منطقة الصدام المباشر، لجَبْه التفوق الجوي الإسرائيلي، ومتابعة الغارات الجوية والبرية، على الخطوط الإسرائيلية الأمامية والخلفية.
في هذه المرحلة الأخيرة من الحرب، ازداد نشاط القوات المصرية، فكثُرت غاراتها الجوية والبرية، وعمليات عبور القناة، وضرب الخطوط الأمامية، والتسلل إلى الخطوط الخلفية في الضفة الشرقية، وغزُرت نيران المدفعية وكُثِّفت، وكبُر حجم القوات والأسلحة المشتركة في هذه العمليات. وبلغت الطائرات في غاراتها الحدود المصرية - الفلسطينية، وطالت المستعمرات الإسرائيلية في سيناء. وفي مقابل ذلك، ركّزت إسرائيل جهدها العسكري على الضفة الغربية للقناة، في منطقة طولها طول القناة، وعمقها 25 كم، وصبت عليها نيران الطائرات والمدافع.
استطاعت القيادة المصرية، بمساعدة الخبراء السوفيت، أن تنجز إقامة شبكة من صواريخ سام - 2 وسام - 3 على عمق 27 كم قرب القناة، وذلك في ليلة 29-30/6/1970، وحمتها بحوالي ألف مدفع مضاد للطائرات. وقـد فوجئت الطائرات الإسرائيلية بهـذه الشـبكة الغزيرة من الصواريخ والنيران، ووقعـت في إسارها. وبذلك دخلت "الحرب الإلكترونية" أعلى مراحلها آنذاك.
ومن أجل وضع حد لانهيار وقف إطلاق النار، وبخاصة على الجبهة المصرية، أعلن وزير الخارجية الأمريكية وليم روجرز William Pierce Rogers ، يوم 9/12/1969، مبادرة مبنية على أساس أن تكون سياسة الولايات المتحدة الأمريكية متوازنة (Balanced) ، وعلى رفض التوسع، وعلى أن التسوية الإقليمية يجب ألا تعكس "ثقل الاحتلالWeight of Conquest". ودعت المبادرة إلى الانسحاب الكامل من سيناء، مقابل معاهدة صلح مصرية ـ إسرائيلية. وبالنسبة إلى الأردن، دعت المبادرة إلى الانسحاب إلى حدود الهدنة، مع بعض التعديلات، وإلى مشاركة الأردن إسرائيل في القدس، كما لمحت إلى إعطاء اللاجئين حق الخيار بين العودة والتعويض. أمّا الجولان السوري، فلم تأتِ المبادرة على ذكره.
رفضت إسرائيل المبادرة. ونظمت المنظمات الصهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية مظاهرات للضغط على الإدارة الأمريكية. وهو ما دعا روجرز إلى تقديم مبادرة معدلة في 25/6/1970، إلى مصر والأردن وإسرائيل، قائمة على مبادئ قرار مجلس الأمن ذي الرقم 242، والصادر في 22/11/1967، قبلتها مصر والأردن، ولم تقبلها إسرائيل إلا في يوليه 1970، بعد أن حصلت على تطمينات من الرئيس الأمريكي نيكسون Richard Milhous Nixon ، فحواها أن الانسحاب الإسرائيلي لن يكون، بالضرورة، إلى حدود العام 1967، وأن تسوية قضية اللاجئين لن تضعف الصبغـة اليهوديـة لإسرائيل، وأن الولايات المتحدة الأمريكية ستؤمن لإسرائيل التفوق في السلاح. وتأكيداً لذلك، أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية إلى إسرائيل، بسرعة، 45 طائرة مقاتلة من طراز فانتوم Phantom ، و80 طائرة قاذفة من طراز سكاي هوك Sky-Hook .
وعلى أساس مبادرة روجرز ، تم وقف اطلاق النار بدءاً من 8/8/1970، لمدة تسعين يوماً. وقد توفي الرئيس جمال عبد الناصر خلال تلك المدة (28/9/1970).
ثانياً: العمل السياسي على الصعيد العالمي
تناولت وسيلة العمل السياسي، على الصعيد الدولي والدبلوماسي، في الفترة ما بين حربَي 1967 و1973، التعامل، أساساً، مع قرار مجلس الأمن الدولي، المعروف بالرقم 242، والمؤرخ في 22/11/1967. وقد قبلته، آنذاك، مصر والأردن. ورفضته سورية. وعين الأمين العام للأمم المتحدة مبعوثاً شخصياً له، هو السفير السويدي جونار يارنج Gunnar Jarring ، ليقوم بالاتصالات مع مصر والأردن وإسرائيل، من أجل تنفيذ أحكام قرار مجلس الأمن. وقد استمر هذا الوسيط الدولي في اتصالاته حتى نشبت حرب 1973.
وإلى جانب مهمة الوسيط الدولي وجهوده، نشطت وساطات ومبادرات متعددة، انتهت جميعها، ومعها جهود الوسيط الدولي، إلى الفشل، بسبب تعنّت إسرائيل، وتهرُّبها من الالتزام بأحكام القرار الرقم242، وبخاصة ما يتعلق بالانسحاب من الأراضي المحتلة. وهو ما دعا مصر إلى اللجوء إلى مجلس الأمن، في يوليه 1973، لمناقشة المأزق الذي وصلت إليه المساعي لحل الأزمة. وكانت تأمل استصدار قرار من المجلس، يوضح ويعدل القرار 242، في شأن الانسحاب من الأراضي المحتلة وحقوق الشعب الفلسطيني، غير أن مشروع القرار، بعد أن حاز الأكثرية اللازمة، سقط بحق النقض "Veto" ، الذي استخدمته الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي المدة بين حربَي 1967 و1973، نشطت الدبلوماسية العربية، في المحافل الدولية ومجال العلاقات الثنائية، من أجل توضيح طبيعة إسرائيل الاستعمارية والعنصرية، وتعبئة الرأي العام العالمي لدعم انسحاب القوات الإسرائيلية من جميع الأراضي التي احتلتها في حرب 1967، واستعادة الشعب العربي الفلسطيني حقوقه الوطنية الثابتة، وفي مقدمها حقه في العودة وتقرير المصير.
ثالثاً: العمل العسكري العربي
في موازاة خط العمل السياسي، سار خط آخر هو العمل العسكري، الذي كان عليه أن ينطلق في مجالات كثيرة، بدءاً بإعادة تنظيم القوات المسلحة في الأقطار التي احتُلت أجزاء من أراضيها، وانتهاء بوسائل العمل العسكري العربي المشترك، ومروراً بالتسليح والتدريب والتخطيط.
وفي الوقت نفسه، أخذت منظمات المقاومة الفلسطينية تنشط وتزيد عملياتها الفدائية، وتنوعها داخل فلسطين المحتلة، وعبْر حدود الأقطار العربية. في حين راحت إسرائيل تعمل لتجميد الحالة الناجمة عن الحرب، أطول مدة ممكنة، هادفة إلى توفير العوامل اللازمة لضم الأراضي المحتلة، جزءاً تلو جزء.
كان من الطبيعي أن تستفيد البلدان العربية، وبخاصة بلدان المواجهة، من دروس حرب 1967، في ما يتعلق بالتعاون العسكري. ولهذا، بدأ التعاون منطلقاً من إطار بلدان المواجهة. فعقد وزراء دفاع مصر وسورية والأردن والعراق مؤتمراً، في 17/6/1968، ووضعوا خطة لحشد القوات على جبهتين: جبهة شرقية (سورية والأردن)، وجبهة غربية (مصر). ويكون لكل جبهة قائد عام، ويشرف على الجبهتين، وينسق بينهما قائد عام، مقره في القاهرة. بيد أن خلافات اعترضت سبيل الخطة، ما أدى إلى حل القيادات في العام 1970.
عملت مصر وسورية على إيجاد صيغة جديدة للتعاون. فعقدتا، في 9/8/1969، اتفاقية للتعاون السياسي والعسكري بينهما، هدفت إلى تنسيق العمل السياسي والعسكري العربي، لتحرير الأرض المحتلة عام 1967. وأوجبت هذه الاتفاقية تكوين قيادة سياسية، تضم رئيسَي مصر وسورية ووزراء الدفاع والخارجية في البلدين، على أن تقوم هذه القيادة بتعيين قائد عسكري، يكون مسؤولاً عن التخطيط العسكري للمعركة، مع إعطاء أفضلية للقوات الجوية والدفاع الجوي في التخطيط والإعداد. وبناء على ذلك، عُيِّن الفريق الأول محمد فوزي قائداً عاماً للقوات المسلحة في مصر وسورية، إضافة إلى منصبيه كوزير للحربية، وقائد عام للقوات المسلحة المصرية.
سعت مصر وسورية إلى استقطاب قوات من الدول العربية، لدعم الجبهتين الشرقية والغربية. وتنفيذاً لهذه الفكرة، عُقد اجتماع قمة مصغر، في 1/9/1969، حضره رئيسا مصر وسورية وملك الأردن ونائب الرئيس العراقي، وعملوا على تنظيم الجبهة الشرقية.
تلا هذا الاجتماع المصغر، انعقاد مجلس الدفاع العربي المشترك في القاهرة (الدورة 11 - 1/11/1969). وقد وافق المجلس "على تقرير الفريق الأول محمد فوزي، القائد العام للقيادة الشرقية والغربية، وعلى حجم القوات المطلوبة، كحد أدنى، من أجل إزالة آثار العدوان[6]. وسجل التزام بعض الدول العربية تقديم القوات التي طلـب منها تخصيصـها للعـمل العسـكري. وأوصـى بدعوة مؤتمـر القمـة العـربي إلى الانعـقاد، لينـظر في:
1. حشد جميع القوى العربية ضد العدوان الإسرائيلي.
2. دعم الثورة الفلسطينية.
3. دعم الصمود في المناطق المحتلة.
انتقلت قرارات مجلس الدفاع وخطة العمل الموحدة إلى مؤتمر القمة الخامس (الرباط - 23/12/1969)، لتنال موافقته. ولكن المؤتمر عجز عن اتخاذ قرار في هذا الشأن[7]، وانفض دون أن يتمكن من إخراج فكرة توحيد العمل العسكري العربي من أجل المعركة، إلى حيز التنفيذ.
وبعد حوالي ستة أشهر، عُقد في طرابلس، في ليبيا، (12-23/6/1970)، مؤتمر حضرته القيادات السياسية والعسكرية لمصر وسورية وليبيا والأردن والعراق والسودان ومنظمة التحرير الفلسطينية، لوضع التخطيط الإستراتيجي الموحد للجبهتين الشرقية والغربية. وأوفدت هذه البلدان ممثليها إلى مركز القيادة في القاهرة. وقد ظلت هذه القيادة تعمل منذ يوليه 1970 إلى أن وقعت أحداث سبتمبر 1970، بين الحكومة الأردنية ومنظمة التحرير الفلسطينية، فتعطل عملها.
وكانت مصر وليبيا والسودان، قد عقدت، فيما بينها، في 25/1/1970، ميثاقاً، سمِّي "ميثاق طرابلس"، انضمت إليه سورية في 17/11/1970. وقبل أواخر العام 1970، عقدت مصر وسورية اتفاقية دفاع مشترك (26/11/1970)، وسمِّي القائد العام للقوات المصرية قائداً عاماً للجبهتين المصرية والسورية. وقد كُلّف بالمهام التالية:
1. التخطيط للعمليات، وإصدار التوجيهات لقيادتي الجبهتين.
2. التنسيق بين الجبهتين.
3. إعداد المقترحات عن حجم القوات على الجبهتين، وعن مناطق تمركزها بما يتفق مع الخطط الموضوعة.
4. متابعة أوضاع التشكيلات المكلفة بالقتال، ودرجة كفاءتها.
5. الاشتراك مع قيادتَي القوات المسلحة المصرية والسورية في التحضير لمشروعات التدريب.
6. تجميع الدروس المستفادة من المشروعات التدريبية، وتعميمها على قوات القطرين.
انتقلت مهام هذه القيادة الثنائية إلى "القيادة العامة للقوات المسلحة الاتحادية"، التي تكونت في إثر قيام "اتحاد الجمهوريات العربية" (مصر وسورية وليبيا ـ 17/4/1971). وقد نص دستور الاتحاد على أن تتولى قـيادة الدولة الاتحادية الجديدة في المجال الدفاعي:
1. تنظيم وقيادة الدفاع عن اتحاد الجمهوريات العربيـة.
2. إنشاء قيادة عسكرية مسؤولة عن التدريب والعمليات.
3. تحريك القوات بين الجمهوريات الثلاث بقرار من مجلس الرئاسة أو ممّن يفوض إليه المجلس ذلك في أثناء العمليات.
4. التنسيق بين الصناعات العسكرية في الجمهوريات الأعضاء.
عيّن مجلس رئاسة اتحاد الجمهوريات العربية الفريق الأول أحمد إسماعيل علي، القائد العام للقوات المسلحة المصرية، قائداً عاماً للقوات المسلحة الاتحادية. وقد أنجز القائد العام، بدءاً من 1/6/1972، إنشاء القيادة العامة للقوات المسلحة الاتحادية، لتتولى شؤون الدفاع عن الاتحاد في المستوى الإستراتيجي، في مجالات العمليات والتدريب وتنسيق الصناعات العسكرية، مع بقاء قيادة القوات المسلحة في كل من الجمهوريات الثلاث مسؤولة عن تخطيط العمليات والتدريب وإدارتها، على المستوى العملياتي والتكتيكي والقطْري. وتستمد القيادة العامة للقوات المسلحة الاتحادية سلطاتها واختصاصاتها من مجلس رئاسة الاتحاد، بوصفه القيادة السياسية العليا للاتحاد.
وكان مجلس الدفاع العربي المشترك، قـد اجتمع، قبل ذلك، في القاهرة (الدورة 12، من 27 إلى 30/11/1971)، وأوصى الحكومات العربية بالموافقة على تقرير الأمين العام المساعد العسكري في شأن مساهمة القوات العربية في الجبهتين الشرقية والغربية. وكلفت القيادة العامة لقوات اتحاد الجمهوريات العربية التنسيق بين قوات الاتحاد وقوات الجبهة الشرقية[8].
عاد مجلس الدفاع العربي إلى الاجتماع في القاهرة (الدورة 13، 30/1/1973)، وقرر تقسيم مسرح الحرب إلى ثلاث جبهات:
1. الجبهة الشمالية: تشمل جميع القوات السورية والقوات العربية، التي توضع تحت قيادتها.
2. الجبهة الشرقية: تشمل جميـع القـوات الأردنيـة والقـوات العربيـة، التي توضـع تحـت قيادتـها.
3. الجبهة الغربية: تشمل جميع القوات المصرية والقوات العربية، التي توضع تحت قيادتها. وقرّر المجلس أيضاً أن توضع الجبهات الثلاث تحت قيادة قائد عام واحد، هو القائد العام للقوات المسلحة المصرية، الفريق الأول أحمد إسماعيل علي، تعاونه مجموعة عمليات من الأقطار المشتركة في القتال. ويكون للقائد العام كامل الصلاحيات على القوات المسلحة في مسرح الحرب للجبهات الثلاث. وتُعَدّ أراضي بقية الأقطار العربية مسرحاً للأعمال القتالية، التي تخدم تحقيق الهدف العربي الإستراتيجي للمرحلة الراهنة، وهو "إزالة آثار عدوان يونيه 1967، دون المساس بالقضية الفلسطينية والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني".
حدد المجلس لبعض البلدان العربية (وهي البلدان المساندة) الوحدات البرية والجوية، التي يجب أن تكون جاهزة في غاية شهر مارس 1973، في أماكن تمركزها في دولها، ومستعدة للتحرك إلى الأماكن التي يحددها القائد العام للقوات المسلحة العربية.
لم تتهيأ العوامل والشروط اللازمة لهذه القيادة العامة وقيادات الجبهات الثلاث، لكي تقوم بمهامها، بسبب خلافات بين الدول العربية. وانتهى بها الأمر إلى الجمود والعطالة.
يدل هـذا العرض السريع للاتفاقيات والمواثيق، التي عقدت في المدة بين حربَي 1967 و 1973 (6 سنوات و 4 شهور)، والتجمعات التي قامت، والمؤتمرات التي عقدت، والقيادات المشتركة التي أنشئت، على أن دفع العمل العسكري المشترك إلى أكثر مما بلغه قبيل حرب 1973، لم يكن ممكناً، إذ لم تتيسر له العوامل السياسية الكافية لتطويره إلى مستوى ونوع أعلى وأوثق مما كان عليهما قبيل الحرب.
وفي نهاية المطاف، وجدت مصر وسورية، أن عليهما أن تستمرا، وحدهما، في التخطيط المشترك للمعركة المقبلة، مستندتين إلى ثلاث دعامات أساسية:
1. الأمة العربية كلها تؤيد المعركة ضد إسرائيل.
2. التضامن العربي الذي تحقق ذو مستوى ونوع كافيين لاتخاذ قرار بالحرب.
3. الإيمان بأن انطلاق الحرب بمبادرة مصرية ـ سورية كافٍ لرفع التضامن العربي إلى مستوى التعبئة العربية، العسكرية والسياسية والاقتصادية، اللازمة والكافية لاستمرار المعركة والنصر فيها.
عملت مصر وسورية لإعداد جبهة عربية واسعة، تساعدهما على توفير عوامل النجاح في المعركة المنتظَرة. فانطلقتا من فكرة أساسية، هي أنه لا يمكن لبلدان المواجهة أن تخوض، مرة أخرى، حرباً ضد إسرائيل المدعومة بقوة الصهيونية العالمية، وأسلحة الولايات المتحدة الأمريكية، وتأييد حلفائها في العالم الغربي، ما لم تكن وراء بلدان المواجهة جبهة عربية متماسكة، تستطيع، وقت الحاجة، أن تمارس ضغوطاً رادعة ضد أي أذى موجه إلى المجهود الحربي العربي. تأسيساً على هذه الفكرة، تعددت محاور الحركة أمام مصر وسورية، من أجل تكوين الجبهة العربية المتماسكة.
استطاعت هذه السياسة العربية المنفتحة، أن تنجز أعمالاً جيدة في ميدان العمل العربي المشترك، وبخاصة في المجالين العسكري والاقتصادي، مثل القوات العربية الرديفة، التي اشتركت في الجبهتَيْن، والمساعدات الاقتصادية والمالية، التي أرسلتها الدول العربية إلى مصر وسورية. ويمكن القول، إن تضامن البلدان العربية، وتوحُّد الشعور العربي الشعبي، كانا من أبرز مظاهر حرب 1973. وهو مظهر لم يعتد الوطن العربي على تكوينه وإبرازه، إلاّ في اللحظات التاريخية المصيرية.
وهكذا تحققت العوامل والشروط والظروف، واكتملت الاستعدادات في الجانب العربي، لتفتح السبيل أمام القوة المسلحة العربية إلى الحرب، التي خُطِّط لبدئها في اليوم السادس من أكتوبر 1973م، الموافق لليوم العاشر من شهر رمضان 1393 هـ.
رابعاً: التخطيط المصري ـ السوري المشترك
لم تكن العوامل والشروط اللازمة لتنظيم عمل عسكري جماعي عربي، يهدف إلى تحرير الأراضي المحتلة، واستعادة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني متاحة، حتى أوائل العام 1973، إذا ما قصد بالعمل العسكري الجماعي:
1. اشتراك جميع الدول العربية في ذلك العمل.
2. التخطيط الجماعي للحرب في إطار أجهزة معاهدة الدفاع المشترك.
3. التخطيط للتعبئة العامة، ونقل القوات من أقطارها، وحشدها على حدود فلسطين والأراضي المحتلة.
وكل ما كان متاحاً، يومذاك، يتمثل في:
أ. إمكان دعم الجبهتين المصرية والسورية بقوات مسلحة ـ ترِد إليهما من بعض البلدان العربية الراغبة والقادرة على الإسهام في المعركة بقوات مسلحة.
ب. دعم مالي واقتصادي من البلدان القادرة على تقديم هذا الدعم.
ج. تأييد كامل من الأمة العربية، مع الاستعداد للتضحية.
د. تضامن جميع الدول العربية مع بلدان المواجهة.
تأسيساً على ذلك، رأت القيادتان السياسيتان في مصر وسورية، أن العوامل والظروف العربية والدولية، إضافة إلى العوامل والاستعدادات الداخلية، الخاصة بكل من الدولتين، توفر لهما القدرة على التخطيط لعملية عسكرية تعرضية مشتركة. ومن أجل البدء بذلك، عيّنت القيادتان السياسيتان الفريق الأول أحمد إسماعيل علي، القائد العام للقوات المسلحة المصرية، قائداً عاماً للقوات المسلحة الاتحادية (مصر وسورية)، بدءاً من 10/1/1973، تعاونه هيئة للعمليات، عكفت على دراسة الوضع العسكري في الجبهتين المصرية والسورية، وتحديد طرائق العمل للإستراتيجية المشتركة، ووضع أسلوب القيادة والسيطرة على الجبهتين، وحصر قوات الدعم من بلدان الخط الثاني، التي يرجّح إمكان حشدها في الجبهتين، والتخطيط للضربة الجوية المشتركة لإضعاف القوات الجوية الإسرائيلية وشلّ شبكة السيطرة والحرب الإلكترونية المعادية، وتنظيم التعاون بين الجبهتين، وطرائق تبادل المعلومات بينهما، ودراسة العدو وأساليب قتاله ونظامه الدفاعي، وفكره ومذهبه العسكري، وتقويم إمكاناته وقدراته، وبخاصة نقاط قوّته (التفوق الجوي، المقدرة التقانية، مستوى التدريب المتقدم، الدعم الأمريكي) ونقاط ضعفه (الطاقة البشرية المحدودة، الطاقة الاقتصادية المحدودة، طول خطوط المواصلات، وبخاصة بالنسبة إلى الجبهة الجنوبية مع مصر، الوضع الجغرافي لإسرائيل، عدم القدرة على تحمل حرب طويلة).
كوَّنت القيادتان السياسيتان لمصر وسورية مجلساً، اسمه "المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية ـ السورية المشتركة" برئاسة وزير الحربية، القائد العام للقوات المسلحة المصرية. ويتولى هذا المجلس دراسة المسائل العامة، المتعلقة بالقوات المسلحة للبلدين، وإعدادها للحرب، وإعداد التوصيات الخاصة بشؤون الدفاع.
تمثل هذه التوجهات المصرية ـ السورية شكلاً جديداً، يختلف عن أشكال العمل العسكري العربي المشترك، التي كانت معروفة في ما قبل ذلك، والتي كانت تستند، في مجملها، إلى أسلوب القيادات الموحدة أو المشتركة، أو أسلوب اتفاقيات الدفاع الثنائية أو الثلاثية، دون أن تتجسد تلك الأساليب بتنظيمات مادية قائمة، فعلاً، بواجباتها ووظائفها، ومتمتعة بصلاحياتها وسلطاتها القيادية.
تميزت القيادة العسكرية المشتركة، التي أقامتها مصر وسورية، بالقدرة على الإعداد للحرب، والتخطيط لها على أساس انطلاقها من مسرحَي عمليات، لا رابـط جغرافياً بينهما. وتمتعـت هذه القيادة، في مرحلة الإعداد للحرب، ببعض المركزية، من خلال تواصل التشاور واللقاء والتخطيط المشترك. غير أن هذه السمة، لم تبرز في مرحلة الحرب وما تلاها مثل ما كانت عليه قبل بدء العمليات. وهذا ما يفسّر التطورات التي طرأت على سير القتال، وبخاصة بدءاً من اليوم الرابع للحرب.
وكان الرئيس المصري، أنور السادات، والرئيس السوري، حافظ الأسد، قد اجتمعا في برج العرب، غرب الإسكندرية، أوائل أبريل 1973، واتخذا قراراً بالحرب، غرضها الإستراتيجي تحرير الأراضي المصرية والسورية المحتلة في حرب 1967، وتوظيف نتائج الحرب لتحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة لمصلحة الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية[9]. وأبلغ الرئيسان القائد العام للقوات المسلحة الاتحادية هذا القرار، وطلبا منه أن تكون القوات المسلحة في القطرين جاهزة، بدءاً من 15/5/1973، لتلقّي المهام القتالية.
وستهدف هذه الحرب المقررة إلى "تحدي نظرية الأمن الإسرائيلي، وذلك من طريق القيام بعملية هجومية، يكون من ضمن أهدافها العمل على تحرير الأرض المحتلة، على مراحل متتالية، حسب نمو وتطور إمكانيات وقدرات القوات المسلحة، وتكبيد العدو أكبر خسائر ممكنة في الأفراد والأسلحة، حتى يقتنع أن استمراره في احتلال أراضينا يكلفه ثمناً باهظاً لا يتحمله. ومن ثم، فإن نظريته في الأمن، القائمة على أساس التخويف النفسي والسياسي والعسكري، ليست درعاً من الفولاذ تحميه الآن أو في المستقبل" .
سُميت خطة العمليات المشتركة للحرب "خطة بدر". وقد جسدت الخطة فكرة العملية الهجومية في الخطوط الرئيسية التالية:
1. أن يكون الهجوم في الجبهتين شاملاً.
2. أن تستعد القوات لتعمل في ظروف تفوّق العدو الجوي.
3. أن تكون المهمة الأولى تدمير قوات العدو، وبخاصة الدبابات، وذلك بعد العبور إلى سيناء، وبعد الاقتحام في الجولان.
4. أن تكون القوات مستعدة لتطوير الهجوم والتقدم في ضوء نتائج معارك العبور والاقتحام.
انتهى المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية ـ السورية المشتركة، في أواسط العام 1973، من وضع التصور النهائي للعملية الهجومية. وكان هذا التصور يفترض أن يدور القتال على الشكل التالي:
1. في الجبهة المصرية: يتم في اليوم الأول (ي) عبور القناة وإقامة رؤوس الجسور. وفي اليوم (ي + 1)، يُدمَّر خط بارليف، وتُرسّخ رؤوس الجسور. حتى إذا حل اليوم (ي + 4)، تكون القوات المهاجمة قد وصلت إلى خط الممرات (متلا والجدي)، حيث تتصل بقوات الإنزال الجوي، التي تكون قد أنزلت بطائرات عمودية في منطقة الممرات، في اليوم نفسه، وتعمل جميعـها على تحـرير الممرات، ثم تتخذ الوضع الدفاعي، تمهيداً للاندفاع إلى عمق سيناء، وصولاً إلى الحدود الدولية بين مصر وفلسطين، إذا سمح الموقف بذلك.
2. في الجبهة السورية: تقتحم القوات السورية، في اليوم الأول (ي)، الترتيب الدفاعي الإسرائيلي. ويتم في اليوم (ي + 1) احتلال خط التحصينات، مع دفع طلائع القوات إلى المواقع المهمة الحاكمة لخط الدفاع الإسرائيلي، لاحتلالها. وفي اليوم نفسه، تندفع فرقة مدرعة في اتجاه نهر الأردن، مستغلة نجاح قوات الموجة الأولى، وتعمل على تعزيز الخط المحرر، وتستعد لتطوير الهجوم في تقدمها، بحسب تطور ظروف القتال.
3. يربط الجهد الحربي في الجبهتين تعاون وتنسيق، يقومان على أساس استفادة كل جبهة من الموقف في الجبهة الأخرى، وتفاعلها مع الموقف، تفاعلاً إذا تعرضت معه إحدى الجبهتين لتركيز وضغط كبيرين من العدو، مارست الجبهة الأخرى تركيزاً وضغطاً مماثلين على العدو، استقطاباً لجهده الحربي، وتخفيفاً عن الجبهة الأخرى.
على هذه الترتيبات، صيغت "خطة بدر" المشتركة بين مصر وسورية. وقد أظهر المخططون العرب كفاءة مهنية "لن تجد لها مثيلاً على الأرجح في أي جيش في العالم [...] فقد درس المخططون العرب الاحتمالات والظروف المتعددة، المتعلقة بتحديد يوم الهجوم، بشكل يسمح للجنود بالتعود والتدرب على الأعتدة الحديثة، التي وصل بعضها من روسيا وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا في أواخر شهر سبتمبر، كما أخذوا في الحسبان ألاّ يكون اليوم المحدّد متأخراً جداً، كي لا يقع في موسم الثلوج في هضبة الجولان، مما قد يؤدي إلى إعاقة العمليات الهجومية السورية". والأمر الثاني الذي أخذه المخططون العرب في الحسبان في دراستهم، هو الشروط الجوية والزمانية. وقد أظهرت الدراسات، أن يوم السادس من أكتوبر مناسب جداً. فهو "يوم الغفران" لدى اليهود، ويقع في شهر رمضان، إضافة إلى أن المد والجزر في قناة السويس في ذلك اليوم، وفي الأيام القليلة التالية، يكونان في أعلى منسوب لهما، كما أن ضوء القمر، كان مناسباً أيضاً، إذ يهيّئ وقتاً مضيئاً قبل منتصف الليل، ثم يصبح الليل أشد ظلاماً. وقد تم اختيار توقيت غير مألوف لبدء الهجوم، إذ حدّد في الساعة 14.05 بدلاً من الفجر أو الغسق، كما جرت العادة. وكان السوريون يفضّلون الفجر، إذ تكون أشعة الشمس في أعين المدافعين الإسرائيليين في هضبة الجولان. وبعد نقاش في إطار القيادة العامة الاتحادية، وافقت القيادة السورية على التوقيت المقترح (14.05)، لأن القوات المصرية، كانت تحتاج إلى بضع ساعات في ضوء النهار، لعبور القناة، ثم يحل الظلام، فلا تستطيع القوات الإسرائيلية القيام بهجوم معاكس قبل حلول الظلام.
بدأت القيادتان العامّتان للقوات المسلحة في مصر وسورية، كل في ما يخصها، بوضع خطط العمليات لجبهتيهما، استناداً إلى "خطة بدر" آخذتين في الحسبان الأوضاع والخصائص لكل جبهة، بطرفيها العربي والإسرائيلي، ومحددتين متطلبات التعاون الإستراتيجي بين الجبهتين. وعكفت هيئات عمليات القيادة العامة الاتحادية والقيادتين العامّتين المصرية والسورية، على وضع اللمسات والتفصيلات الأخيرة للخطة المشتركة، مثل أسلوب الخداع الإستراتيجي والمفاجأة، واليوم (ي) والساعة (س).
تتابعت الاجتماعات العسكرية المشتركة في القاهرة ودمشق. وكان آخرها في الإسكندرية، حيث اجتمع المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية ـ السورية (21-26/8/1973). وقرر أن يكون يوم الهجوم هو السبت 10 رمضان 1393 هـ، الموافق يوم 6 أكتوبر 1973م. ومن الأسباب التي دعت المجلس إلى تبنّي هذا القرار:
1. ملاءمة هذا التاريخ للظروف المائية في قناة السويس، لنصب الجسور العائمة.
2. هو يوم سبت، يتوقف فيـه الإسرائيليون عن العمل، بسبب عيد يوم الغفران لديهم.
3. وقوع هذا التاريخ في شهر رمضان، الذي يستبعد الإسرائيليون قيام العرب فيه بهجوم.
4. ملاءمة هذا التاريخ الأحوال الجوية في الجبهة السورية.
وفي اليوم التالي لاجتماع المجلس، التقى الرئيسان المصري والسوري، في بلودان في سورية (27/8/1973)، وصادقا على ما أوصى به المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية ـ السورية.
[1] قدّر الفريق محمد فوزي، أن جميع البحارة، وعددهم 250، غرقوا مع المدمرة.
[2] تقع جزيرة شدوان في البحر الأحمر، قرب مدخل خليج السويس، ولا تزيد مساحتها عن 70 كم2. وعليها فنار لإرشاد السفـن، وتبعد عن الغردقة 25 كم إلى الشمال الشرقي، وعن السويس 225 كم.
[3] المصنع، الذي أغارت عليه طائرات الفانتوم، يتبع الشركة الأهلية للمنتجات المعدنية. وقد هاجمته طائرتان، أطلقتا عليه الصواريخ وقنابل النابالم، في الساعة الثامنة والربع صباحاً، بعد دقائق من بدء الدورية الأولى في المصنع. وقد أصاب أحد الصواريخ، إصابة مباشرة، ورشة الصيانة والإصلاحات بالمصنع، وهي ورشة تقوم بالعمليات الخاصة بإصلاح آلات الوحدات الأخرى الموجودة في المصنع، وأهمها وحدة الأفران العالية لصهر الحديد، ووحدة الدرفلة التي يتم فيها تحويل الحديد إلى أسياخ. وفي الوقت نفسه، أصاب صاروخ آخر محطة المحولات في المصنع، وجانباً من وحدة الدرفلة`.
[4] قدّرت جريدة `الأهرام`، الصادرة في 8 أبريل 1970، عدد الشهداء بثمانية وتسعون عاملاً.
[5] هي مدرسة بحر البقر الابتدائية المشتركة، في قرية الصالحية رقم 3، التي تبعد عن الزقازيق بنحو 110 كم، وتتبع مركز الحسينية. والمدرسة تتكون من دور واحد، وتضم ثلاثة فصول فقط، غير حجرة الإدارة. ويبلغ عدد تلاميذها 120 تلميذاً، غير أنه لم يكن موجوداً بها سوى 89 تلميذاً. وتقع المدرسة في عزبة تضم الفلاحين المهجرين لزراعة الأراضي المستصلحة، وهي محاطة بالحقول، وليس حولها أي هدف عسكري. وقد أصيب في الغارة، مخازن المؤسسة المصرية لاستصلاح الأراضي، التي تضم الوقود وقطع الغيار والمهمات الزراعية، كما أصيب عشرة منازل.
[6] مجموعة قرارات مجلس الدفاع العربي المشترك.
[7] مجموعة قرارات القمة العربية، الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، القاهرة، 1996.
[8] مجموعة قرارات مجلس الدفاع العربي المشترك .
[9] أشارت بعض المراجع الأمريكية إلى أن اتفاق مصر وسورية، في شأن حرب 1973، كان مقتصراً على أن يقاتل البلدان `على جبهتين`.