(من اليمين) خالد نزار ومحمد العماري
دبي - العربية.نت
أثار موضوع استجواب الجنرال السابق في الجيش الجزائري خالد نزار جدلاً كبيراً بعد أن خضع للتحقيق في سويسرا، بتهم ارتكاب جرائم حرب خلال فترة التسعينات من القرن الماضي، وجهها له ضحايا جزائريون مقيمون في سويسرا، بمساندة من منظمة "ترايال" الحقوقية التي تعنى بمناهضة الإفلات من العقاب وتتبّع مجرمي الحرب في العالم.
وكان خالد نزار وزير الدفاع والرجل الأقوى في الحكم الجزائري بين 1990 و1993، وظل يحتفظ بنفوذه حتى بعد تقاعده، وهو من مجموعة الضباط الذين يوصفون بـ"جماعة فلانا"، وهو اسم يطلق على العسكريين الذين التحقوا بالثوار الجزائريين فترة قصيرة قبل استقلال الجزائر عن فرنسا في يوليو 1962.
ووفقاً لما قالته جريدة "الخبر" الجزائرية، فإن الجنرال السابق تم توقيفه لمدة 36 ساعة بتهمة ارتكاب جرائم حرب، هذا فيما نفى اللواء المتقاعد خالد نزار كل التهم التي نسبت إليه خلال جلسة الاستماع له بمقر الشرطة بالعاصمة السويسرية جنيف، مشدداً على أن كل الاتهامات الموجهة له وللجيش باطلة وكاذبة، وأعرب عن استعداده للمثول أمام المحكمة السويسرية.
ومثل وزير الدفاع السابق خالد نزار أمام لجنة مكونة من مساعدة النائب الفيدرالي السويسري، لورانس بويا، مديرة الإجراء، وكذا مساعد آخر للنائب العام لودوفيك شميد، وقد مثلته المحامية ماغالي بوزر التي منحت له من طرف السلطات السويسرية.
ونفى نزار التهم التي وجهها إليه المناضل في الجبهة الإسلامية للإنقاذ المنحلة، أحسن كركادي، بالتعذيب في مركز ببوزريعة، نافياً أن يكون للجيش مركز من هذا النوع في أي مكان ولا في بوزريعة الذي يعد حياً سكنياً في الجزائر.
وبعد الاستماع للواء خالد نزار قرر النائب العام سحب جواز سفره، وكذا وضعه تحت الإقامة الجبرية في الفندق بوريفاج. كما أعلمه النائب العام بأن عائلته قامت بالاتصال بالمحامي فالتيكوس بجنيف من أجل الدفاع عنه، كما أن السفارة الجزائرية بسويسرا اتصلت بالنائب العام لمعرفة حيثيات القضية.
نزار يتهم "الإنقاذ"
وذكر نزار في أول سؤال بالقضية بشأن تعليقه حول الأحداث التي عرفتها الجزائر بين 1992 و1999، بما جاء في اتفاقية 1984 التي تؤكد أنه لا يمكن متابعة أي شخص بتهمة جرائم حرب إن لم يكن متابعاً في بلده. كما سئل إن كان قد تم تقديم شكوى ضده.
ووفقاً لـ " الخبر" فقد أكدت النائبة العامة المساعدة أنه من حق القضاء السويسري أن يتابع أي فرد حتى ولو لم يُتابع في بلده حسب القانون السويسري المخالف للمعاهدة. كما تساءل نزار عن سبب طرح هذا السؤال عليه، حيث أكد أنه ليس هو من أطلق شرارة الصراع في الجزائر، وقال: ''لقد كنت وزير الدفاع، والحديث عن شكوك يبقى غامضاً، فقد مثلت أمام القضاء الفرنسي في 2002 بناء على شكوى تقدم بها عضو سابق في ''الفيس''، تم دفعه لإيداع الشكوى من طرف أصحاب نظرية من يقتل من".
وفي ردّه عن سؤال حول تسمية الأزمة في الجزائر بـ''الحرب الوسخة''، أجاب نزار بأن كل حرب أهلية هي حرب وسخة. وعاد لوضع البلاد في 1992، حيث أكد أن الجبهة الإسلامية للإنقاذ أرادت أخذ السلطة بكل الوسائل، حتى بالقوة، مشيراً إلى أن استقالة الرئيس الشاذلي بن جديد بين الدور الأول والثاني من الانتخابات خلقت إشكالاً هل تستمر الانتخابات أم لا؟ وقد قرر مجلس الأمن الوطني توقيف المسار، ''وقد كان هذا رداً سياسياً، ردت عليه الجبهة الإسلامية رداً عسكرياً"، رافضاً تسمية استقالة الشاذلي بالانقلاب العسكري.
وعن دور الجيش في الفترة الممتدة بين 1992 و1999، أكد نزار أن الجيش قد طلب منه المشاركة في مكافحة الإرهاب وحماية الوطن، وخلق مراقبة مراكز الإبعاد التي نصبت في الصحراء، مشيراً إلى أن قرار إرسال أي مواطن نحو هذه المراكز ومدة إقامته كان بأمر من العدالة الجزائرية. وذكر نزار أنها كانت مراكز إبعاد وليست معتقلات، مؤكداً أن المتواجدين في هذه المراكز لم يكونوا يخضعون لأي استجواب.
وعن مدى معرفته بقضايا التعذيب في الجزائر بين 92 و99 وخلال انتفاضة شعبية على الحكم في أكتوبر 1988 أطاحت بنظام الحزب الواحد، قال الجنرال نزار إنه سمع بحالات لأناس تم تعذيبهم، لكنه أوضح أنه لا يعرف من عذبهم، مضيفاً ''والأكيد أنه ليس الجيش''، نافياً لجوء الجيش للتعذيب في الفترة الممتدة بين 92 و99، ومؤكداً أن مناضلي الجبهة الإسلامية للإنقاذ كانوا يقدمون كل المعلومات دون أن يتم تعذيبهم.
"الحرب القذرة"
كما دافع اللواء خالد نزار عن قائد الأركان السابق محمد العماري، حيث فند في ردّه عن سؤال في الموضوع أن يكون هذا الأخير قد أعطى أمراً باعتقال المسلحين وقتلهم: "كيف لشخص ساهم في توبة 6 آلاف عنصر مسلح أن يعطي مثل هذا الأمر، وأنا أعرفه شخصياً". كما نفى نزار نفياً قاطعاً لجوء الجيش إلى التعذيب، مؤكداً أنه لا يوجد أي مركز تعذيب بالبلد.
يُذكر أن القوانين السويسرية تسمح بمقاضاة المتهمين بانتهاك القوانين الإنسانية الدولية في حال وجودهم على الأراضي السويسرية.
وكان نزار قد تعرض للاستجواب في 2002 بباريس إثر دعوى قضائية من لاجئين سياسيين جزائريين استدعي خلالها ضباط فارون بينهم الملازم في القوات الخاصة حبيب سوايدية، الذي نشر كتاباً خارج الجزائر بعنوان "الحرب القذرة"، يتهم فيه قادة كباراً في الجيش الجزائري بتدبير مجازر جماعية بحق السكان في الأرياف، خاصة في المناطق التي انتخبت لصالح جبهة الانقاذ.
يُذكر أن الحرب الأهلية في الجزائر التي اندلعت بين الجيش والمحليين الإسلاميين في أعقاب إلغاء انتخابات برلمانية فازت بها جبهة الإنقاذ في ديسمبر 1991، أدت الى مقتل أكثر من 150 ألف جزائري حسب بيانات رسمية وأكثر من 200 ألف وفقاً لتقارير منظمات حقوقية.
وكان الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة الذي أنهى الحرب بعد إقراره سياسة "مصالحة وطنية" قد شرّع قوانين تعفو عن المسلحين الاسلاميين الذين يسلمون أسحلتهم، وتوفير حماية لقادة الجيش المتهمين بارتكاب جرائم حرب من المتابعة القضائية داخلياً.