الكاتب: نقيب/ خالد كنيفو مراقب عسكري سابق في دارفور
يعتبر أقليم دارفور أكبر
الأقاليم السودانية وتمتد حدوده السياسية مع الجماهيرية وافريقيا الوسطى
وتشاد ، وتبلغ مساحة الأقليم نصف مليون كيلو متر مربع وهي تساوي خمس مساحة
السودان وكل مساحة فرنسا ، ويبلغ عدد سكان الاقليم أكثر من ستة مليون نسمة
يمثلون ايضاً خمس عدد سكان السودان جميعهم مسلمون ، ويسكن الاقليم حوالي
مئة قبيلة ينقسمون إلى مجموعتين هما :ــ
1 . القبائل المستقرة : وهي
القبائل ذات الاصـــول الافريقيـــة التي تحتـرف الزراعـة ومنـها ( الفـور ،
الزغـاوة ، البرقـد ، البرتـي ، المساليت ، الداجو ) وغيرهم .
2 . القبائـل الغيـر مستقرة : وهـي القبائــل
العربيــة الـتــي تحتــرف الرعــــي ومنـــها ( الرزيقات ، المعاليا ،
المحاميد ، بني حسين ، بني هلبة ) وغيرهم هذه القبائل لها تاريخ طويل من
الصراع حول المراعي ومصادر المياه ولكن هذا الصراع لم يظهر بصورة واضحة إلا
في فترة السبعينات ، ونظراً لمساحة الاقليم الكبيرة وانتشار الاسلحة
إزدادت حدة النزاعات القبلية ، وليس من السهل معرفة الحقيقة كاملة للنزاع
في دارفور ولكن يمكن معرفة بعض الأحداث التي تكشف جوانب مهمة
في عام
2000 نزح الرعاة نحو الجنوب وبدأت النزاعات حول منطقة خصبة فتجددت
الإشتباكات التي نتج عنها أعمال عنف أدت إلى مقتل اكثر من ثلاثة الآف ونزوح
مليون شخص وإحراق الآف القرى خلال سنتين .
ونظراً
لبطء تدخل الحكومة السودانية بسبب إنشغالها في مشكلة الجنوب وايضاً لعدم
تفهم أبعاد التمرد الحقيقة في دارفور ثم تشكيل مجموعات قبلية ( مليشيات )
لصد هجمات القبائل الاخرى وأصبح الأقليم في حالة من الفوضى . تتهم حركات
التمرد مليشيا مايسمى بالجنجاويد ( القبائل العربية ) بالهجوم على القرى
وقتل الاهالي وطردهم من اراضيهم بمعاونة الحكومة السودانية بغرض طرد السود
من دارفور والحكومة السودانية تقول بانه لا علاقة لها بالجنجاويد وبانهم
يهاجمون قواتها ايضاً ، وبالرغم من ان الميليشيات كان الغرض منها صد هجمات
( الجنجاويد ) إلا ان التصريحات والعمليات وجهت رسائل مختلفة منها الدعوة
لطرد القبائل العربية من الاقليم ومحاسبة الحكومة على ضعف التنمية و عودة
سلطنة دارفور و إعادة تعيين منصب رئاسة الجمهوريـــــــة وتكويــــن
الســودان الجديـــد.
دارفور ذات ابعاد سياسية هي :
1
. حركة جيش تحرير السودان : ورئيسها عبدالواحد نورالذي يعيش في اوربا وكان
قد رفض كل الوساطات الافريقية والدولية لتوقيع اتفاق سلام مع الحكومة
والذي أنشقت عنه فيما بعد عدة فصائل تعرف الان بحركة تحرير السودان جناح
مناوي وحركة تحرير السودان جناح السلام وحركة تحرير السودان الإرادة الحرة
وحركة تحرير السودان الإتحاد منهم من وقع اتفاقية سلام مع الحكومة ومنهم
من مازال يرفض.
2 . حركة العدل والمساواة : ورئيسها خليل ابراهيم هو
أيضاً يعيش في اوربا وهو الذي قاد الهجوم الأخير على الخرطوم ومازال يرفض
توقيع اتفاقية السلام حتى الآن ، وفي عام 2003 دخل الصراع منعطفاً خطيراً
عندما قام متمردون من الحركتين بمهاجمة أهداف حكومية في دارفور منهامطار
الفاشر وتدمير طائرات على المدرج واحتلال الفاشر لساعات ومن ثم الانسحاب
إلى مواقعهم متهمين الحكومة بالتحيز لصالح العرب ضد السود وتهميش الإقليم
الذي يفتقد للتنمية مما الى تدخل الحكومة عسكرياً لمنع هجمات المتمردين ،
ولا شك ان مطالب هذه الحركات ستكبر وقد لاتنتهي عندما تتدخل جهات خارجية في
هذا الصراع خصوصاً وان حركات الصراع في دارفور من السهل توجيهها بما يؤثر
على مستقبل السودان والمنطقة ، وهذا ماتفعله الحركات المتمردة التي تحاول
تحقيق اهدافها عن طريق تدويل النزاع الداخلي والاستقواء بدول غربية للضغط
على الحكومة السودانية وهذا يؤكد أن نجاح التمرد يعني تقسيم السودان لكن
لماذا السودان ؟ لان قرى دارفور هي عبارة عن مدارس كبيرة لتحفيظ القرآن
الكريم ولكبر مساحة السودان وخصوبة الارض ولإكتشاف كميات هائلة من النفط في
الاقليم ولانه العمق الاستراتيجي لشمال افريقيا ولانه سلة غذاء العالم
العربي ولانه يملك ثروة حيوانية تفوق الاستهلاك المحلي ولهذه الاسباب
التي نعرفها وأخرى استهدف السودان واصبح لابد من وضع سيناريو لتنفيذ
المؤامرة ، فقد كشف الصادق هارون أحد القياديين المنشقين عن حركة تحرير
مسئولين صهاينة بتنسيق من اريتريا في مقر سفارة الكيان الصهيوني بدولة
غرب افريقية لغرض تمويل المتمردين ، وهذا لم يعد الآن سراً او خبراً
مشكوكاً فيه بعد ان اعلن عبدالواحد نور افتتاح مكتب للحركة في اسرائبل
ومحاولات التسلل اليومي للسودانيين الى اسرائيل عبر الحدود المصرية والعثور
على أسلحة صهيونية كان يستخدمها المتمردون في معاركهم مع الحكومة ، كما أن
توتر العلاقات التشادية السودانية سببه التدخل الأجنبي والمتمردين ، ويبدو
أن السيناريو وصل للمراحل الأخيرة بقرار محكمة الجنايات الدولية توقيف
الرئيس السوداني ، هذا القرار ذو الأبعاد السياسية كان غير قانونيا فقد
تعاون السودان مع الإتحاد الأفريقي والأمم المتحدة ولم يكن الجيش السوداني
مسئولاً عن ارتكاب المجازر في الأقليم بل المناطق التي تقع تحت سيطرة
الحكومة يعيش فيها الناس بسلام وأمن ولم يسجل أي حادث اعتداء متعمد على
القوات الافريقية أو المنظمات الإنسانية من قبل الجيش السوداني كما حدث من
قبل أفراد من حركات التمرد في المناطق التي تسيطر عليها . تدخل الاتحاد
الافريقي كوسيط بين اطراف النزاع واستطاع عقد مؤتمرات مصالحة وتوقيع
اتفاقيات سلام حتى تم الاتفاق على نشر مراقبين عسكريين وشرطة مدنية وقوات
حماية بالاقليم بالعمل مع ممثلين من الامم المتحدة والاتحاد الاوربي
والولايات المتحدة الامريكية وكندا ، ولكن قلة الامكانيات المادية
واللوجستية وقفا عائقاً امام نجاح اتمام مهمة الاتحاد الافريقي فاصدرمجلس
الأمن قرارا ً باسناد المهمة لقوات مشتركة من الامم المتحدة والاتحاد
الافريقي بدأت العمل بداية عام 2008 ولم تكمل انتشارها التام حتى الآن....
في 20.سبتمبر.2003 ابشة / تشاد وقعت اول اتفاقية لوقف
اطلاق النار وفي 08 . ابريل . 2004 انجامينا / تشاد اتفاقية حقوق الانسان
لوقف اطلاق النار وفي 28 . مايو . 2004 اديس ابابا / اثيوبيا اتفاقية نشر
مراقبين وقوات حماية في دار فور وفي 09 . ابريل . 2004 الفاشر / السودان
المهمة الافريقية في السودان تبدأ بعدد 60 مراقباً وعدد 310 قوات حماية من
نيجيريا وروندا وفي 20 . 10 . 2004 مجلس السلم والامن الافريقي يصادق على
عمل المهمة الافريقية في السودان وفي 28 . 4 . 2005 مجلس السلم والامن
الافريقي يقرر زيادة القوات الافريقية في دارفور الى 6171 عسكري 1560 شرطة
مدنية وفي اغسطس. 2005 تم ارسال اول مجموعة مراقبين عسكريين ليبيين
للمهمة وعددهم 9 ضباط وفي 5 . 5 . 2006 ابوجا / نيجيريا تم توقيع اتفاقية
سلام دارفور بين طرفي النزاع الرئيسييين وهما الحكومة السودانية وحركة
تحرير السودان/ جناح مناوي ( اكبر حركة تمرد في الاقليم) والوسطاء( الإتحاد
الأفريقي والممثلين) وحددت الاتفاقية 4 محاور للوصول للسلام في الاقليم
هي:ـ
- تقاسم السلطة .. بعد توقيع الاتفاقية تم
تعيين قائد الحركة ( مني اركو مناوي ) كبير مساعدي رئيس الجمهورية ورئيس
الحكومة الإنتقالية بدارفور .
- اعادة اعمار دارفور: تشكيل لجان لإعمار
دارفور .
- امن دارفور : نزع السلاح واستيعاب المتمردين في الجيش
والشرطة .حوار اهل دارفـور : جلـوس قبائـــل دارفـور للحـــوار . وحــددت
الاتفاقــية دور الاتحاد الافريقي فيما يلي :
1. توفير الامن للمدنيين
والعمل على عودة النازحين ومراقبة حقوق الانسان .
2. مراقبة مدى التزام
اطراف النزاع بتطبيق بنود اتفاقية السلام .
3. المساعدة في بناء الثقة .
وبعد
استبدال المهمة الافريقية لمهمة مشتركة مع الامم المتحدة زادت الاشتباكات
بين أطراف النزاع والهجمات على القوات الأممية في الأقليم ، يستطيع أي شخص
يعمل في دارفور التكهن بالمعركة القادمة وربما مكانها وزمانها ويستطيع ان
يحصي القتلى والجرحى والدمار ، يستطيع ان يرى ويسمع ويعرف ولكن لا أحد
يستطيع التكهن بنهاية هذه الأزمة ، ومهما أختلف أطراف النزاع والمحللين
السياسيين حول أسباب النزاع إلا أنه لا يختلف اثنان على أن النزاع قبلي
تحول إلى أهداف سياسية بدعم خارجي ، أخيراً استشهد بالآية الكريمة ـ
إن الله لا يغيـر مـا بقـوم حتــى يغيــروا ما بأنفسهم..
والقصد من ذلك ان مشكلة دارفور لن تجد الطريق للحل
إلا بقرار السودانيين انفسهم ولو تدخل كل من في هذا الكون للتوسط بينهم ،
أما فكرة فرض السلام إذا كان لابد منها فيجب ان تكون بقوات افريقية عربية
مسلمة بدعم من يهمه حل هذه المشكلة وإلا خرجت مشكلة دارفور عن السيطرة
وانتقلت تداعياتها للدول المجاورة .