بسم الله الرحمن الرحيم
تقدمت
مصر في يوليو 2003 بمبادرة تهدف إلى حماية النظام العربي وتفعيل مؤسسته
الرئيسية جامعة الدول العربية. وأعربت عن أملها في أن تكون الأفكار التي
تنطوي عليها مبادرتها لإصلاح الجامعة العربية محفزة لحوار عربي حقيقي يؤدي
إلي رؤية واضحة وقابلة للتنفيذ للنهوض بالعمل العربي المشترك في ظل
التحديات الصعبة التي تمر بها الأمة العربية في الوقت الراهن وحذرت من أن
الإخفاق في التحرك الراهن لإنقاذ النظام العربي سيؤدي إلي إخفاق في حماية
حاضر الأمة ومستقبلها.
وفيما يلي نص المبادرة المصرية التي ارتكزت علي أحد عشر محورا وطرحت تصورا محددا لتعديل ميثاق الجامعة العربية :
" إدراكا لحقائق الواقع العربي الراهن, التي جاوزت تحدياتها وصعوباتها
وتعقيداتها وتداعياتها حدود أي أزمات سابقة, والتي وضعت النظام العربي,
ومؤسسته الرئيسية جامعة الدول العربية في أكثر أزماته صعوبة, وفي أشد
ساعات الحرج في تاريخه, فإن مصر تستشعر مسئوليتها العربية, وتستحضر
أدوارها السابقة في الدفاع عن النظام العربي وهويته, وتري أن مسئوليتها
هذه تفرض عليها التذكير بأن الأزمة الراهنة, علي ضراوتها, لم تكن
الأولي, وأن تجارب النظام العربي تشير إلي مناعته في مواجهة التحديات,
وقدرته علي اجتيازها.
لقد مر النظام العربي بنكبة1948, ولم تكد تمضي سنوات قليلة حتى شهد موجة
عارمة لمد قومي تمت في غماره عملية تحرير أقطار الوطن العربي من الاستعمار
الأوروبي التقليدي,. ومر أيضا بهزيمة1967, التي لم تكد نتائجها تتكشف
حتى بدأت العمليات العسكرية تتصاعد علي جبهات القتال لتصل إلى حرب استنزاف
حقيقية ثم إلي ذروة نصر أكتوبر1973. ومر ثالثا بمحنة الانقسام المصري ـ
العربي حول سياسات تسوية الصراع العربي ـ الإسرائيلي, في أواخر
السبعينيات, لتعود العلاقات المصرية العربية إلي سيرتها الأولي بعد أقل
من عقد من الزمان. إن النظام العربي لم يكن قادرا علي اجتياز تلك الأزمات
والمحن فحسب, بل إن قواه الفاعلة استطاعت دائما أن تدرك, علي نحو
سليم, أن معركة البقاء لا يمكن الانتصار فيها إلا بالسعي نحو التطوير.
وهكذا أعقبت كل كبوة من كبوات النظام العربي محاولة للنهوض والتطوير,
فتوصلت الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية, عام1950, وبعد حوالي
سنتين فقط من نكبة1948، إلي معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي,
متقدمة بذلك علي عديد من مشاريع التكامل الإقليمي بما في ذلك المشروع
الأوروبي. وأقامت هذه الدول كذلك في عام1967, معادلة صحيحة للأمن
القومي العربي تضافرت فيها الدول العربية, في قمة الخرطوم, لتشكل ظهيرا
لجهود إزالة آثار العدوان الإسرائيلي ، وشهدت أول قمة عربية تعقد بعد
تحرير الكويت ـ قمة القاهرة1996 ـ محاولة جادة لإعادة بناء النظام
العربي, ثم شهدت قمة القاهرة2000 توقيع بروتوكول دورية القمة التي كانت
مطلبا عربيا كثر الإلحاح عليه.
وتذكر مصر, بكل الاعتزاز والفخر, أنها لم تتردد أبدا في المشاركة في
هذه الجهود, بل والمبادرة بها, فقد كان لدي السياسة المصرية دائما ذلك
الحس الصادق الذي مكنها من استشعار لحظات الخطر التي يتعين فيها البحث عن
عوامل القوة, والسعي في طلب التطوير, اتقاء لهذا الخطر وانطلاقا إلى
الآفاق الرحبة لتحقيق الأهداف والغايات. لقد طرحنا في كلمة مصر, أمام
قمة الدار البيضاء في مايو1989, رؤية لتطوير الجامعة العربية والعمل
العربي المشترك. كذلك تقدمت مصر, كما هو معروف, بميثاق الشرف العربي
في أعقاب الغزو العراقي للكويت. ونجد أنفسنا اليوم مجددا، أمام
مسئوليتنا العربية التي تحتم علينا أن نبادر في هذه الظروف بالتذكير بأن
التطورات الأخيرة التي شهدها الوطن العربي, علي فداحتها, لا تمثل
الأزمة الأولي التي مر بها النظام العربي ـ وإن مثلت واحدة من أخطر أزماته
ـ, وأن هذا النظام كان قادرا غير مرة علي اجتياز محن حقيقية.
وإذا كانت بعض الأصوات قد ارتفعت, في الآونة الأخيرة, منددة بضعف
الانتماء القومي وعدم فاعلية أهم رموزه وهو جامعة الدول العربية, فإن علي
هذه الأصوات أن تأخذ في اعتبارها أن الأصل في ضعف هذه الجامعة هو طبيعتها
كمنظمة لا تملك سلطة فوق الدول الأعضاء. ومن ثم, فإن القصور لا يعود
أساسا إليها وإنما إلى الافتقار إلي الإرادة السياسية لتفعيل دور
الجامعة. وتتجاهل هذه الأصوات كذلك أن سجل الجامعة العربية لم يكن فقط
سجلا للإخفاق والتردي, فقد قامت الجامعة العربية بدور مشرف في دعم معارك
التحرر في الوطن العربي في عقدي الخمسينيات والستينيات, وتمكنت غير مرة
من أن تقدم إطارا لرؤى إستراتيجية مشتركة وخطوات تنفيذية فعالة في مجال
صيانة الأمن القومي العربي, وبصفة خاصة منذ عقد الستينيات من القرن
الماضي, ونجحت عندما كانت الظروف مواتية في تجنيب النظام العربي ويلات
الأبعاد الدولية لصدام مبكر بين العراق والكويت في عام1961, وأقامت شبكة
من منظمات العمل العربي المشترك في المجالات الاقتصادية, والاجتماعية
والثقافية وغيرها.
إن هذا السجل الذي نتحدث عنه, لأداء الجامعة العربية وإنجازها, لا يعني
بطبيعة الحال أننا نذكر وجود جوانب واضحة للقصور, وإلا ما كان الحديث عن
ضرورة التطوير, لمواجهة التحديات التي باتت تحدق بالنظام العربي من كل
حدب وصوب, ومن هنا, فإن تصورنا للتحرك نحو المستقبل وتجاوز آثار الواقع
الراهن, بكل ما ينطوي عليه, ينبغي له بالضرورة أن يتسم بواقعية أساسها
الوعي الكامل بالمتغيرات الدولية والإقليمية, التي لا مناص من التعامل
معها, في إطار من الحرص علي ثوابتنا ومنطلقاتنا الوطنية والقومية,
وبرؤية شاملة تتفاعل مع روح العصر وتستوعب سرعة إيقاعه, وتستلهم أنجح
تجارب الآخرين فيه, وترسم صورة المستقبل بمداد عربي ناصع لا ينفصل عن
ماضينا العريق أو حضارتنا الخالدة, ولا يتجافي أو يتناقض مع مفردات العصر
وأطروحاته.
لكل الاعتبارات السابقة, فان النظام العربي بات في حاجة إلى مبادرة كبري
تجمع بين ما هو سياسي وما هو قانوني, أي تحاول البحث في الإطار السياسي
اللازم لتفعيل جامعة الدول العربية, وفي الوقت نفسه تسعي إلى تحديد
الأبعاد الضرورية لإصلاح بنيتها من المنظور القانوني. ومن هنا تدعو مصر
إلى بدء حوار صريح بناء لتطوير النظام الإقليمي العربي وجامعة الدول
العربية, يضع في الاعتبار الأفكار والمبادرات والمقترحات التي سبق أن
طرحها عدد من القادة العرب في هذا المجال, وينطلق من المحاور التالية:
أولا: تنقية الأجواء العربية : إن المدقق لمسيرة جامعة الدول العربية يلاحظ أن الانجازات التي حققتها قد
ارتبطت دائما إما بادراك سليم للمخاطر التي هددت النظام العربي, وإما
بمناخ صحي للعلاقات العربية ـ العربية. وعلي سبيل المثال فإن نجاح مجلس
الجامعة في التصدي للمشكلة العراقية ـ الكويتية, في عام1961, في مقابل
الإخفاق التام لمجلس الأمن في هذا الصدد, يرجع إلي وقفة الاتفاق بين
الدول العربية, علي الرغم مما كان بينها من خلافات في ذلك الوقت, علي
ضرورة الحفاظ علي المبادئ المؤسسة للنظام العربي, ومن بينها الحفاظ علي
السلامة الإقليمية لأعضائه, ورفض مبدأ استخدام القوة في العلاقات العربية
ـ العربية وانبثقت الانجازات التي حققتها القمتان العربيتان في القاهرة
والإسكندرية, عام1964, علي صعيد التصدي للأطماع الإسرائيلية في المياه
العربية والعمل علي بناء الكيان الفلسطيني, من حقيقة التهديد الذي مثلته
إسرائيل في ذلك الوقت. وينطبق الشيء نفسه علي الانجاز التاريخي لقمة
الخرطوم, في أغسطس1967, عقب العدوان الإسرائيلي واحتلال أراض تابعة
لبعض الدول العربية, وفي1987, عقدت قمة عمان التي ينسب لها الفضل في
إعادة التواصل إلي العلاقات العربية ـ المصرية مع الإحساس بتفاقم تداعيات
الصراع العراقي الإيراني في ذلك الوقت, وعقدت قمتا1996 و2000 في
القاهرة, توجسا لتداعيات الانقلاب الذي طرأ علي السياسة الإسرائيلية تجاه
التسوية السلمية واعتماد لغة القوة المفرطة في التعامل مع الشعب
الفلسطيني
ولما كان النظام العربي يمر الآن بمرحلة من أخطر مراحل تطوره في ظل متغيرات
عالمية وتقليمية ظاهرة للعيان, أوجدت وضعا جديدا في المنطقة, يشكل,
دون مبالغة, خطرا داهما علي المصالح العربية, فإن التعامل الرشيد مع
هذه الأوضاع يستلزم بالضرورة أن تتم إزالة كل الشوائب من العلاقات العربية ـ
العربية, والعمل علي تسويتها جميعا, في إطار مسعى جاد لتنقية الأجواء
العربية, بما يؤدي إلي تقوية أسس النظام العربي, ودعم مؤسسته الرئيسية
جامعة الدول العربية
ثانيا: اضطلاع الجامعة العربية بدورها كأداة رئيسية للعمل العربي المشترك : علي الرغم من تواضع النظرة العربية إلى جامعة الدول العربية, والاكتفاء
بالنظر إليها علي أنها أداة لتوثيق الصلات بين الدول المشتركة فيها,
وتنسيق خططها السياسية, تحقيقا للتعاون بينها, وهو الأمر الذي عبر عنه
نص المادة الثانية من ميثاق جامعة الدول العربية, فإن تاريخ الجامعة كان
مرآة عكست, في معظم الأحيان, افتقارا إلي الإرادة السياسية للدول
الأعضاء لدعم الجامعة وتقوية دورها. وليت الأمر وقف عند هذا الحد, بل
إن الممارسة علي مدي ذلك التاريخ قد حفلت بالعديد من المناسبات التي رفضت
فيها الدول العربية عرض بعض شئونها أو منازعاتها علي أجهزة الجامعة,
ميممة شطر منظمات دولية أخرى .
كما انطلقت الدول الأعضاء نحو بناء مؤسسات وآليات عربية علي مستويات مختلفة
موازية, بل ومنافسة أحيانا للجامعة. وعلي الرغم مما تحقق لبعض هذه
المؤسسات والآليات من نجاح, فإن أحدا لا ينكر أن مثل هذا النجاح كان خصما
من رصيد ما يجب أن يتوافر من دعم وتعضيد لجامعة الدول العربية من جانب
جميع الدول الأعضاء فيها.
لقد آن الأوان أن تصبح جامعة الدول العربية هي الأداة الرئيسية للعمل
العربي المشترك من أجل تحقيق الغايات المشتركة التي تسعي إليها الدول
الأعضاء في الجامعة, وهو الأمر الذي يفرض, بالضرورة، إيجاد آلية
جديدة في إطار جامعة الدول العربية لتعمل علي تحقيق القدر الكافي من
التنسيق بين هيئات ومؤسسات العمل العربي المشترك, حتى ما تم إنشاؤه منها
خارج نطاق وطار جامعة الدول العربية.
إن النظر إلى جامعة الدول العربية, بوصفها الأداة الرئيسية للعمل العربي
المشترك, كفيل في الوقت ذاته بتأكيد تكامل المصالح الوطنية, بل
والمصالح علي مستوي التجمعات العربية المختلفة مع المصالح القومية. فهذه
انتماءات وحلقات متكاملة يجب أن تصب جميعا في خانة دعم جامعة الدول
العربية, وتعزيز العمل العربي المشترك, في ظل مناخ دولي مختلف,
وأوضاع اقليمية تفرض تحديات هائلة غير مسبوقة، لا قبل لنا بمواجهتها إلا
من خلال الوقوف صفا واحدا في إطار جامعتنا العربية, التي يجب أن نعمل
جميعا علي أن تكون قاطرة العمل العربي المشترك, وأداته الرئيسية الفاعلة
ومحورا رئيسيا للنظام العربي.
ثالثا: احتواء المنازعات العربية ـ العربية وتسويتها: إن أبسط موجبات مصارحة النفس تفرض الاعتراف بأن النزاعات العربية ـ
العربية, التي اتخذت صورا وأشكالا متنوعة, كانت من أبرز سلبيات الفترة
السابقة, وإذا كنا لا نرغب في أن ننكأ جراح الماضي, فإن هذه الجراح
التي بدا البعض منها غائرا في الجسد العربي لسنوات طوال, والتي لم تفلح
في مداواتها المفاوضات, والمبادرات, والوساطات, كان يمكن لها أن
تلتئم وتندمل آثارها فيما لو وجدت من الوسائل والآليات الدبلوماسية ما يكفل
احتواء مثل هذه المنازعات في بدايات نشوبها, أو الأداة القانونية
الحاسمة التي تضع لها نهايات قاطعة,بما يجعل أطرافها تتطلع إلي مستقبل
التعاون بعد التحرر من أثقال خصومات وضغائن لا مبرر لها.
ومن هنا فإن العمل علي احتواء المنازعات العربية ــ العربية في مهدها,
وقبل استفحال أمرها, يصبح واجبا قوميا ملحا يجب أن يسبق التفكير في
الآلية القضائية العربية لتسوية المنازعات. فقد أثبتت التجارب, في
العديد من المناسبات, أن الدبلوماسية الوقائية هي التجسيد الناجح للمبدأ
القائل بأن الوقاية خير من العلاج, وهو ما يقودنا إلي ضرورة العمل علي
إنشاء آلية للوقاية من المنازعات وإدارتها وتسويتها لتقوم بالدور
الوقائي, ومحكمة عدل عربية تكون أداة تضع نهايات حاسمة للنزاعات العربية
ـــ العربية:
أ ــ آلية الوقاية من المنازعات وإدارتها وتسويتها : إن الهدف من إنشاء هذه الآلية هو الوقاية من النزاعات بين الدول العربية,
والعمل, حال وقوعها, علي احتوائها والحد من آثارها وتسويتها,
والتعاون مع المنظمات الإقليمية والدولية الأخرى عند الاقتضاء, مع الأخذ
في الاعتبار المبادئ الأساسية التي يقوم عليها ميثاق جامعة الدول
العربية, وبصفة خاصة مبادئ احترام سيادة الدول الأعضاء وسلامة أراضيها,
وعدم التدخل في شئونها الداخلية, وتسوية المنازعات الدولية بالوسائل
السلمية.
لقد سبقت الموافقة من حيث المبدأ في مؤتمر القمة, في عام1996, علي
إنشاء آلية جامعة الدول العربية للوقاية من النزاعات وإدارتها وتسويتها,
وأحيلت إلي مجلس الجامعة, حيث تمت دراسة تفصيلات مشروع إنشاء هذه الآلية
ومختلف جوانبها, ثم تمت الموافقة علي إنشائها عام2000 من جانب وزراء
الخارجية العرب. وما علينا الآن إلا تنفيذ هذين القرارين بإخراج هذه
الآلية فورا إلي حيز الواقع العربي, في إطار سعينا لتطوير جامعة الدول
العربية, والعمل علي تنشيط العمل العربي المشترك, تقديرا للظروف
والمتغيرات والتحديات الإقليمية والدولية التي تواجه النظام العربي ومؤسسته
الرئيسية جامعة الدول العربية.
ب - إنشاء محكمة عدل عربية وإذا كانت بعض المنازعات العربية- العربية التي عرفت سبيلها إلي محكمة
العدل الدولية قد وصلت إلي نهايات حاسمة, قبلت بها الأطراف المتنازعة,
فإن في ذلك ما يكشف عن مدي الحاجة الملحة إلي إطلاق مشروع إنشاء محكمة
العدل العربية من عقاله, بعد أن توافر لهذا المشروع ما لم يتوافر لغيره
من مراجعة وتمحيص من جانب الدول الأعضاء ولجان الخبراء المتخصصين.
إن إنشاء محكمة عدل عربية يوفر آلية قانونية تسهم في حسم المنازعات العربية
-العربية, وتنقية الأجواء العربية, ويلقي عن كاهل الدول الأعضاء أعباء
إدارة أزمات لا يبررها منطق التضامن العربي، ولا يسوغها عمق العلاقات
بين هذه الدول الشقيقة, بما يوفر الجهد, ويزيل الاحتقان في بعض جوانب
العلاقات العربية ــالعربية, ويبدد الكثير من الحساسيات التي لا مبرر
لها, ولا طائل من ورائها, ويؤدي بالدول العربية إلي تكتيل جهودها
لمواجهة الواقع العربي الراهن بكل ما يحيط به من أخطار وتحديات علي
الصعيدين الدولي والإقليمي علي السواء.
ومن نافلة القول الإشارة إلي أن إنشاء هذه المحكمة سيؤدي إلي توفير آلية
تدفع العمل في إطار جامعة الدول العربية من خلال الآراء الاستشارية, التي
يمكن لأجهزة الجامعة أن تطلبها من المحكمة, والتي ستؤدي بكل تأكيد إلي
انسياب العمل في أجهزة الجامعة, وإلي تجاوز ما يثار من خلافات في الرؤى
والتفسيرات لنصوص المواثيق والاتفاقات والقرارات
ولاشك أن الاحتكام إلي آلية قضائية محايدة سيؤدي إلي إطلاق روح المبادرة
وطاقات النشاط الخلاق في ظل اطمئنان تام إلي سلامة الأسس القانونية التي
يقوم عليها العمل العربي المشترك.
رابعا: التكامل الاقتصادي العربي : إن أحد المداخل الرئيسية لخروج النظام العربي من أزمته الراهنة هو مدخل
التكامل الاقتصادي, وهو ما تشير إليه خبرة عدد من تجارب التكامل الإقليمي
الناجحة, لعل الاتحاد الأوروبي أهمها. ولا يخفي أن النظام العربي قد
أخذ منذ بدايته بهذا النهج, وليس أدل علي ذلك من أن اتفاقية التعاون
الاقتصادي تعود إلي عام1950, بما يسبق الاتفاقية النواة للاتحاد الأوروبي
بسبع سنوات. وقد مرت جهود التكامل الاقتصادي العربي بمراحل عديدة, لكن
الملاحظ أنها لم تفض في أي مرحلة من المراحل إلي الثمرة المرجوة, التي
تتناسب وعظم التحديات التي تواجه الوطن العربي من ناحية, وطموح الوثائق
والاتفاقيات التي طرحت كإطار للتكامل الاقتصادي العربي من ناحية أخري,
والدليل علي ذلك أننا مازلنا بعيدين, بعد أكثر من نصف قرن علي بداية تلك
الجهود, عن التحقيق الكامل لمنطقة التجارة الحرة العربية, بينما وصلت
دول الاتحاد الأوروبي في مدة زمنية أقل إلي ما يقرب من الوحدة الاقتصادية
الكاملة, لذا فإن علينا أن نطرح عددا من الأفكار الجديدة, في محاولة
لكسر الحلقة المفرغة التي تدور فيها جهود التكامل الاقتصادي العربي. وفي
هذا الإطار يمكن تقديم الأفكار التالية:
1 ــ عمل مسح شامل لما تم من تلك الجهود, ومدي تكاملها أو تضاربها,
فيما بينها, أو في علاقاتها مع الأطر والترتيبات الأخرى الإقليمية
والدولية, بما يتيح التوصل إلي رؤية واضحة وتخطيط سليم لمستقبل التكامل
الاقتصادي العربي.
2 ــ التفكير في لجان للتنسيق بين القطاعات الاقتصادية المتماثلة في
الدول العربية, بما يمكن من إعطاء دفعة قوية, في المدى المتوسط,
لتيارات وجهود التكامل بين الاقتصاديات العربية, وذلك بالنظر إلي ما لوحظ
من أن الإزالة التدريجية للعوائق التجارية لم تؤد إلي أي زيادة يعتد بها
في تدفق التجارة بين الدول العربية, نتيجة للتشابه في بنية عديد من
القطاعات الاقتصادية المتماثلة في الدول العربية. وعليه, فإن أي تفكير
جدي في حفز تيارات التجارة البينية العربية لابد وأن ينطلق من التنسيق
المسبق بين الدول المعنية, وعلي أساس اختياري, وبما يحقق الصالح الوطني
لكل دولة من هذه الدول علي حدة.
3 ــ اقتراح مشروعات للتكامل الاقتصادي العربي, لا يجب بالضرورة أن
تكون شاملة للدول الأعضاء كافة أو لجميع القطاعات الاقتصادية, وإنما يكون
شرطها الوحيد هو قدرتها علي تحقيق عوائد إيجابية للأطراف المشاركة فيها,
ولو بدرجات متفاوتة, أو في مجالات مختلفة. ومن المأمول أن تؤدي هذه
المشروعات الجزئية الاختيارية, حال نجاحها, إلي إقدام مزيد من الدول
علي المشاركة فيها وفقا لنموذج الاتحاد الأوروبي.
4 ــ وضع تصور شامل, مبني علي دراسات علمية, لدخول القطاع الخاص,
بالثقل الذي يتناسب وتنامي دوره في الاقتصاديات العربية, في مجال التكامل
الاقتصادي العربي, وذلك بغرض تحرير قرار التكامل من سيادة الدولة,
مادام القرار في هذا الصدد سيكون بين المؤسسات الاقتصادية الخاصة, وفق
اعتبارات الجدوى الاقتصادية. ولاشك أن مردود هذه الجهود, إن تمت, سوف
يصب في التحليل الأخير في المجري العام لجهود التكامل الاقتصادي العربي.
خامسا: تشكيل برلمان عربي: إذا كنا نتفق جميعا علي أهمية البحث, علي المستويات الوطنية, عن الصيغ
والصور والأشكال التي تقود إلي توسيع دائرة المشاركة الشعبية, دعما
للاستقرار السياسي, وإعلاء لمفهوم دولة القانون, وتعزيزا لاحترام
الحقوق الأساسية للإنسان والقيم الديمقراطية, وهو الأمر الذي يتجلي في
اتجاه الدول العربية قاطبة إلي بناء المؤسسات الوطنية التي تكفل تحقيق
المعاني والمفاهيم المتقدمة, فإن هذا التيار الصاعد لابد له بالضرورة أن
ينعكس علي العمل العربي المشترك وأداته الرئيسية جامعة الدول العربية,
استهداء بتجارب لمنظمات وهيئات إقليمية ودولية سبقت في هذا المضمار, وهو
ما يجعلنا نشعر بأن إنشاء برلمان عربي قد أصبح ضرورة لوضع العمل العربي
المشترك وجامعة الدول العربية علي المسار الصحيح.
إن المرحلة التي نقف اليوم علي أعتابها, تتطلب تضافر جميع الجهود من أجل
دفع العمل العربي المشترك وتفعيل آلياته, وهو أمر يجب ألا يقتصر علي
السلطات التنفيذية العربية دون سواها.ولكن يتعين أن تسهم سلطات الدولة
جميعا, وبصفة خاصة السلطة التشريعية, في تعزيز العمل العربي المشترك
لما لهذه السلطة داخل الدولة من دور فاعل ومؤثر, ومن ثم فإنه من المتعين
أن يكون لهذا انعكاسه علي المستوي الإقليمي, وفي إطار العمل العربي
المشترك. ومن هنا تأتي أهمية إنشاء برلمان عربي يتم تشكيله بالصيغة التي
نتفق عليها, إما من خلال المجالس النيابية العربية القائمة, أو عن طريق
الانتخاب المباشر في الدول العربية الأعضاء, أو بأسلوب يجمع بين
الطريقتين, ولكن المهم هو ما يمكن أن يقوم به هذا البرلمان من وظائف
ومهام داخل نظام جامعة الدول العربية. إن الوظيفة الرئيسية للبرلمان
العربي ينبغي أن تكون نوعا من الرقابة السياسية علي عمل أجهزة الجامعة,
والمساهمة في رسم السياسات العامة للجامعة, في جميع مناحي عملها وأوجه
نشاطها, مع توفير الآليات والوسائل والأساليب التي يمكن أن تحقق مثل هذه
الرقابة السياسية.
وفضلا عن الرقابة السياسية, فإن الرقابة التشريعية ستكون في صلب اختصاصات
البرلمان المنشود. كما أن الرقابة المالية علي ميزانية الجامعة
ومشروعاتها المشتركة وما عساه أن يتوافر لها مستقبلا من موارد ومصادر مالية
مستقلة عن مساهمات الدول الأعضاء, ستكون أمرا بالغ الأهمية يؤدي إلي
إطلاق العمل العربي المشترك إلي آفاق التحديات التي تواجه العالم العربي في
المجالات كافة.
سادسا: إقامة نظام للأمن القومي العربي: فلا يمكن تجاهل أن أخطر المشكلات التي أصابت النظام العربي في الصميم كانت
تلك المتعلقة بالأمن القومي, وهو ما يدعونا اليوم إلي ضرورة إعادة ترتيب
أوضاع النظام الأمني العربي. وإذا كانت التجربة العربية التي أثمرت أطرا
أمنية دفاعية قد افتقرت إلي مقومات أساسية, وأعوزتها عناصر ضرورية تكفل
لها الفاعلية, فإن علينا أن ندير حوارا صريحا وبناء حول هذه القضية بالغة
الحساسية والدقة, تطلعا إلي أفضل الصيغ التي يمكن أن نلتقي عليها,
والتي يجب أن تكون خطوة أولي علي طريق تحقيق الأمن القومي العربي.
ومن هنا يمكن التفكير في أحد البديلين الآتيين أو الجمع بينهما في إطار صيغة ما تكون محلا لاتفاقنا جميعا:
أ - إنشاء مجلس أمن عربي
إن إدراكنا, في ضوء التجارب السابقة, لأهمية التضامن العربي في حالات
الإخلال بالسلم والأمن العربيين, ومدي فداحة الأخطار والمعقبات التي
تترتب علي التقاعس عن اتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة لمواجهة مثل هذه
الحالات, يجب أن يقودنا اليوم إلي الإقدام علي إقامة نظام للأمن القومي
العربي علي غرار ما هو قائم في المنظمات الدولية والإقليمية, وقد يجمل أن
تكون واسطة العقد في هذا النظام مجلسا للأم وإذا كانت تفصيلات تشكيل هذا
المجلس, ونظام التصويت فيه, وحدود صلاحياته واختصاصاته هي أمور تحتاج
إلي دراسات تحظي منا جميعا بأكبر قدر من الاهتمام والعناية, فحسبنا أن
نشير هنا إلي أن ما اتفق عليه بشأن هذه الأمور الحيوية يجب أن يكفل لمجلس
الأمن العربي أكبر قدر ممكن من سرعة التحرك, والقدرة علي اتخاذ القرار
الحاسم, الذي يجب ألا تقف في وجهه عراقيل الإجماع أو الحق في الاعتراض,
فضلا عن صلاحية القيام بالعمل المباشر في بعض الحالات, سيما حيث يقع
عدوان علي إحدى الدول الأعضاء. وأخيرا, إمكانية متابعة ما يصدر عن
المجلس من قرارات من خلال الآليات والوسائل التي ينشئها لهذه الغاية.
ب ـ إقامة منتدى للأمن القومي العربي
أما البديل الثاني فهو التفكير في إقامة منتدى للأمن القومي العربي,
للتعامل مع القضايا الأمنية. ويقوم هذا المنتدى في ظل جامعة الدول
العربية, كإطار مؤسسي, يشارك فيه ممثلو الدول من مسئولين دفاعيين
وأمنيين, وخبراء استراتيجيين, فضلا عن المتخصصين من الجامعات ومراكز
البحوث.
ويعقد المنتدى لقاءات وحوارات, وليس اجتماعات, يتم خلالها النقاش الحر
والمفتوح, دون قيود, حول القضايا التي تحددها أمانته, لبلورة اتجاهات
عامة بشأنها, فيما يتعلق بمفاهيم الأمن, ومصادر التهديد, والصراعات
الإقليمية, والجوانب غير العسكرية للأمن, وكذا كل الإشكاليات التي تري
الدول العربية أنها يمكن أن تسهم, خلال مرحلة تالية, في بناء نظام أمني
عربي جديد, وعلي أسس واقعية, تحقق المصالح العربية وتدعم أمن كل
دولة, في إطار عربي عام.
سابعا: دعم المنظمات العربية المتخصصة: تضطلع المنظمات العربية المتخصصة بدور مهم في العمل العربي المشترك,
وتعكس حقيقتين مهمتين: أولاهما: أن الرابطة العربية تتجاوز بكثير البعد
السياسي لتشمل جميع جوانب الحياة, ومن أهمها الجانب الثقافي.
والثانية: أن تلك المنظمات تمثل تجسيدا للنهج الوظيفي في السعي لتحقيق
التكامل العربي, فما تعوقه السياسة يمكن أن تنهض به الثقافة أو الاقتصاد.
ثامنا: وصل جامعة الدول العربية بالمجتمع المدني العربي ومؤسساته: تعاظم دور وتأثير الهيئات والمنظمات غير الحكومية, ومؤسسات المجتمع
المدني, بوجه عام, علي جميع الصعد, ولم يعد من المستطاع تجاهل الدور
المهم الذي تقوم به هذه المؤسسات أو إنكاره. لقد فرضت هذه المؤسسات نفسها
معبرة عن إرادة المشاركة الشعبية في مختلف مسارات العمل السياسي
والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والإنساني, بوجه عام, علي نحو غير
مسبوق. ولا شك أن هذه الظاهرة الصحية التي بعثت قوة الدفع الشعبي عضدا
للعمل الرسمي علي الصعيد الوطني سرعان ما وجدت لها آفاقا رحبة علي الصعيدين
الدولي والإقليمي, حيث أفسحت العديد من المنظمات الدولية العالمية
والإقليمية مجالات واسعة للاستماع إلي آراء هذه المؤسسات والمنظمات الدولية
غير الحكومية ورؤاها. وكانت هيئة الأمم المتحدة من أولي المنظمات
الدولية في هذا المضمار من خلال إضفاء الصفة الاستشارية, في نطاق المجلس
الاقتصادي والاجتماعي, علي هذه المنظمات. وسرعان ما حذا حذوها العديد
من المنظمات الدولية العالمية والإقليمية, بل إن بعض المؤتمرات الدولية
الكبرى, التي عرفتها السنوات الأخيرة, كانت خير شاهد ودليل علي أهمية
إسهام المنظمات الدولية غير الحكومية في العمل
الدولي العام, بما يؤدي إلي تعزيز التعاون الدولي والعمل المشترك الذي يستهدف خير الإنسان وصالح الإنسانية جمعاء.
وإدراكا لما تقدم, وانطلاقا منه, فإنه قد آن لجامعة الدول العربية أن
تفسح مجالا أوسع ونطاقا أرحب لمؤسسات المجتمع المدني العربي وهيئاته, علي
النحو الذي يصبح فيه صوت المجتمع المدني العربي مسموعا بوضوح وقوة داخل
أجهزة جامعة الدول العربية, وبحيث يصبح هذا الصوت رافدا من روافد الرأي
والرؤية التي تقود العمل العربي المشترك, ويسهم في تصويب مساراته,
والتذكير بنبض الشارع العربي وهواجسه وتطلعاته وأمانيه, وهو ما يجب أن
يكون في بؤرة اهتمام الجامعة وأجهزتها, بل وأن يكون بمثابة الدليل ومؤشر
الاتجاه الصائب الذي يتعين أخذه دائما في الاعتبار.
ومن هنا, فإن تعديل ميثاق الجامعة يجب أن يتضمن أفكارا خلاقة حول علاقات
صحية ومتواصلة بين جامعة الدول العربية ومؤسسات المجتمع المدني العربي,
وأن يحدد العلاقات والروابط التي ينبغي أن تقوم علي نحو دائم بين الجامعة
وهذه المؤسسات, والمنتديات, أو المجالس أو الآليات التي تكفل تحقيق
علاقة الوصل المنشودة بين الجامعة ومؤسسات المجتمع المدني العربي بكل
أطيافها, وعلي تنوع مجالات اهتماماتها النوعية.
تاسعا: تعديل نظام التصويت في أجهزة الجامعة : تركز الانتقادات التي توجه إلي ميثاق جامعة الدول العربية بصفة خاصة علي
نظام التصويت في مجلس الجامعة, وكيف قام هذا النظام أساسا علي قاعدة
الإجماع, وبحيث لا تلتزم الدول الأعضاء, من حيث الأصل العام, إلا بما
وافقت عليه.
وإذا كانت قاعدة الإجماع, بما انطوت عليه ـ من الناحية الفعلية ـ من حق
اعتراض لكل دولة من الدول الأعضاء, قد بدت ملائمة ومناسبة للظرف التاريخي
الذي نشأت فيه الجامعة العربية, ومحدودية عدد الأعضاء فيها, فإنه من
المؤكد أن هذه القاعدة لم تعد كذلك في الوقت الراهن.
لقد أثبتت تجارب الممارسة العملية أن نظام التصويت بشكله الراهن كان عائقا
يحول دون انطلاق القرار العربي الواجب في بعض الأوقات الصعبة والظروف
الدقيقة التي واجهت جامعة الدول العربية, بما أدي إلي شلل الجامعة
والتأثير علي مصداقيتها لدي الشعوب العربية. ومن هنا فقد آن أوان البحث
عن أساليب وطرائق جديدة للتصويت في أجهزة جامعة الدول العربية, تقيم
توازنا مرنا بين معطيات واعتبارات سيادة الدول الأعضاء في الجامعة, وبين
موجبات العمل العربي المشترك وضرورة تحرير القرار العربي وإطلاقه من عقال
حق الاعتراض الفردي, بما يرتفع بالقرار العربي إلي مستوي التحديات التي
تواجه العمل العربي المشترك. والأمر المؤكد أن قاعدة الإجماع لم تعد
ملائمة أو مناسبة, وعلينا جميعا أن ندير حوارا نبحث خلاله عن أنسب الصيغ
التي يجب أن يفرغ فيها نظام التصويت.
إن الاجتماعات التشاورية, والتصويت بنظام توافق الآراء, أو بالأغلبية
الموصوفة, أو البسيطة, وإمكانية إعادة التصويت أكثر من مرة بشأن
المقترح ذاته, في حدود أطر وضوابط معينة, هي أفكار جديرة بالتأمل
والتفكير وصولا إلي ما يؤدي إلي تجاوز الصعوبات التي ترتبت علي النظام
القائم, وبما يفتح المجال أمام نظام جديد يتسم بالتوازن والمرونة,
ويطلق القرار العربي نحو خدمة المصالح العربية وتحقيق أهداف العمل العربي
المشترك.
عاشرا: اعتماد أسلوب الدبلوماسية الجماعية:
كثير من القرارات التي تصدر عن جامعة الدول العربية تتصل بعلاقاتها
الإقليمية والدولية, ويظهر إمعان النظر في هذه القرارات أن متابعتها لا
تتم علي النحو الواجب, وبالتالي فإنها تتحول إلي مجرد تسجيل مواقف, أو
أنها تصبح علي أحسن الفروض موجهات لسلوك الدول الأعضاء, علما بأن بعضا من
تلك القرارات يرتبط بتحركات إقليمية ودولية للمجموعة العربية, تتصل
بمصالح عربية عليا وتتضمن إجراء حوارات مع تكتلات ومؤسسات إقليمية
ودولية, أو الدخول في مفاوضات معها بما في ذلك مفاوضات ذات طابع
اقتصادي. ولعله قد أصبح من الضروري إيجاد نظام يوجب إتباع أسلوب
الدبلوماسية الجماعية في تنفيذ مثل هذه القرارات, وسوف يحقق هذا الأسلوب
مزايا عديدة في مقدمتها ميزتان ظاهرتان:
الأولي: أنه سيضمن الالتزام بتنفيذ القرارات حيث إن اللجنة المكلفة
بالتحرك الدبلوماسي العربي الجماعي سوف تتحدث باسم جميع الدول الأعضاء.
والثانية: أن التحرك الجماعي سوف يعطي الجانب العربي ميزة مضافة دون شك نظرا لأنه سوف يكون مستندا إلي قاعدة جماعية.
وليست مصادفة أن الاتحاد الأوروبي, وغيره يتعامل مع الدول العربية بوصفه
طرفا واحدا, بينما يتعامل مع هذه الدول نفسها كأطراف منفردة, الأمر
الذي يحرمها من فرصة تعظيم مكاسبها في هذه التعاملات لو أنها تحركت بدورها
في إطار جماعي. ومن الممكن أن تتشكل لجان الدبلوماسية الجماعية علي نحو
متغير بحيث يتم التركيز في عضويتها دائما علي الدول صاحبة المصلحة الأكبر
في كل حالة حتى لا تحتكرها دول بعينها.
حادي عشر: تطوير جهاز الأمانة العامة وتدعيمه: تبقي الأمانة العامة في التحليل الأخير هي الجهاز المنوط به متابعة وتنفيذ
كل ما تتوصل إليه مؤسسات الجامعة من قرارات, ولذلك فإن وجود أمانة عامة
فاعلة, وكفء, وهو أمر لا غني عنه إذا أريد لهدف تطوير الجامعة أن
يتحقق. وقد بذلت جهود مقدرة في عملية التطوير هذه حتى الآن طالت هيكل
الأمانة العامة. ويمكن مواصلة هذه الجهود وتعزيزها وتعديل مسارها حسب
نتائج التطبيق مع مزيد من الحرص علي تطعيم جهاز الأمانة العامة بأفضل
العناصر بما يحقق التوازن بين اعتبارات التوزيع الجغرافي العادل,
والكفاءة. ومن ناحية أخري, فإنه من المتعين تحرير الأمانة العامة من
القيود المالية التي تكبل حركتها بحيث لا تتعرض بشكل مزمن لاحتمالات التوقف
عن العمل, بسبب نضوب الموارد المالية. ولن يتحقق هذا إلا بإعطاء
أولوية لسداد أنصبة الدول الأعضاء في ميزانية الجامعة, والتفكير في وسائل
أخري, غير
مباشرة, لدعم موارد الأمانة العامة خاصة أن متطلبات التفعيل قد تقتضي في مرحلة من المراحل ضرورة رفع سقف الميزانية.