جوانب من تطوير منظومات الصواريخ والأجيال الجديدة منها
عبدالرحمن حمادي
يتفق المؤرخون العسكريون على أن أول ظهور للصواريخ كان في نهاية الحرب العالمية الثانية على يد الألمان، وكان الإنجليز هم أول الضحايا عندما قصفت الصواريخ (V1-V2) مدينة لندن، ومنذ ذلك الوقت والصواريخ تزداد أهمية في منظومات تسليح الجيوش، وتزداد وتيرة الأبحاث الجارية عليها بهدف تطويرها والوصول إلى أجيال جديدة منها، تجسيداً لحقيقة أن الصواريخ صارت الأداة المفضلة في كافة الحروب، وإحدى الضمانات الأساسية لتحقيق التفوق والنصر.
ومن المتعارف عليه عسكرياً، ومن خلال تجارب الحروب منذ الحرب العالمية الثانية حتى الآن، أنه حيثما استخدمت الصواريخ في مسارح العمليات كانت تثبت نجاحها، وبالتالي كان من الطبيعي أن تصبح الصواريخ موضع اهتمام العلماء والعسكريين.
الصواريخ المضادة للدروع
تظل الدبابات هي العنصر الحاسم في المعركة البرية، ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية أخذ في الحسبان الدور الحاسم الذي قامت به الدبابة، فأعطيت أهمية خاصة للبحوث المضادة للدبابات، وكان الباعث على هذا ترسانة الأسلحة التي طورت منذ عام 1984م الصواريخ الأولى المضادة للدبابات (S.S-10)، وهو صاروخ تكتيكي مضاد للدبابات (S.S-11) الذي استعان بتقنية التوجيه عن بعد، وصواريخ الجيل الأول هذه سجلت تقدماً كبيراً في الأسلحة التقليدية صغيرة العيار والمضادة للدبابات، غير أنها لا تخلو من نقطة ضعف، وهي قيادتها اليدوية، وقد تم تفادي هذا النقص بإدخال التوجيه نصف الآلي على صواريخ الجيل التالي التي بدأ إنتاجها فعلياً في منتصف الستينيات، وأهم صواريخ هذا الجيل الثاني نذكر منها على سبيل المثال:
- صاروخ هوت: ويتميز بسرعته العالية، ويطلق من سبطانة بعد توجيهه عن بعد.
- صاروخ ميلان: صاروخ خفيف تستخدمة المشاة ضد الدبابات، ويمكن تركيبه وحمله على المركبات.
ومع كل الفاعلية التي أظهرها صاروخا هوت وميلان في المعارك الحديثة ضد الدبابات إلا أن الأبحاث والتجارب استمرت للوصول إلى صواريخ مضادة للدروع تتلافى كل ثغرات الجيلين الأول والثاني، وخصوصاً في الولايات المتحدة التي وصلت فعليا إلى ما يمكن تسميته بالجيل الرابع والخامس. وقد أنهت الإدارة العسكرية الأمريكية استبدال صواريخ الجيل الثالث بصواريخ الجيل الخامس، فتم استبدال صاروخ دراغون (dragon) الذي يوجهه الراسي، والبالغ مداه كيلومترا واحداً، بالصاروخ AAWS-M)) البالغ مداه ضعف الأول على الأقل.
وهناك على سبيل المثال تطويرات أخرى للصاروخ تاو (TOW) ذي المدى البالغ 3750 متراً، وكذلك يتم تطوير الصاروخ (HELL (FAIRE) الذي تجهز به الحوامات من نوع أباتشي بتحويله إلى نموذج القوس الطويل، مع استخدام رادار تحكم بالرمي ذي الموجة المليترية، وباحث جديد عن الأهداف يعمل بالتردد اللاسلكي.
وقد حول الجيش وفيلق مشاة البحرية الأمريكية نحو 15 ألف صاروخ (دراغون) إلى نموذج أحدث هو (دراغون-2) الذي يحمل رأساً حربياً جديداً يحسن قدرة النفوذ في الدروع الشديدة المقاومة بنسبة 85%، إضافة إلى ذلك فإن برنامج الجيش الأمريكي بشأن الصاروخ (AAWS-M) معد لتطوير نموذج أو أكثر يستخدم عوضاً عن الصاروخ (تاو) الحالي، كما يركز الجهد الرئيس في الوقت الراهن على صاروخ الطاقة الحركية الذي يتحرك على شعاع الليزر ويحلق بسرعة تزيد على 1500 متر-ث، وله مدى فعال يزيد عن 3200 متر. وفي الوقت ذاته يتم العمل على تصنيع المنظومة الصاروخية الجديدة (A.M.S.H) التي تعمل على مبدأ: ارمِ وانس؛ "نسبة الفعالية في صواريخ هذه المنظومة تبلغ 94% في أسوأ الظروف الجوية.
وفي الوقت نفسه فإن الصاروخ (تاو 1) قد تم تطويره إلى سلاح مختلف جداً عن النموذج الذي عرف به لأول مرة في عام 1970م، وكانت الشركة الأمريكية الصانعة قد أكملت صنع 500 ألف صاروخ من هذا النوع، كما قامت شركة أخرى بصنع صواريخ (تاو-2)، في حين قامت شركة ثالثة بصنع الصاروخ (B.G.M.FI.FTO) والصاروخ الأكثر تطوراً (W-2b) لجعله قادراً على تدمير مختلف الدروع الحديثة، وهو يستخدم للانقضاض من الأعلى، ويحمل رأسين حربيين لا يستخدم في موادهما المتفجرة مبدأ الحشوة الجوفاء.
منظومة Parse-3
الأمثلة التي ذكرناها من الولايات المتحدة الأمريكية، أما في غيرها من الدول فنذكر على سبيل المثال أيضاً أن وزارات الدفاع في كل من فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة تقوم بتطوير عائلة جديدة من الأسلحة المضادة للدروع ذات الأمد الطويل والمتوسط تحمل تسمية (Parse-3) في ألمانيا و (Traigat) في المملكة المتحدة، وقد حلت محل قسم كبير من صواريخ هوت وتاو وميلان وسوينغ فاير، ومنذ عام 1988م دخلت بلجيكا في هذا المشروع، ثم أسبانيا وهولندا واليونان، وقد تم وضع هذه الصواريخ في الخدمة عام 1996م.
يبلغ مدى هذه الصواريخ 4500 متر عندما تطلق من آلية برية و 5000متر عندما تطلق من الحوامة، وتبلغ سرعته الصاروخ 320متراً في الثانية، ويصل إلى مدى 4600 متر في 5ر17 ثانية، ثم ينقض على الهدف بزاوية 30 درجة تقريباً، ويمكن إطلاق أربعة صواريخ على أهداف منفردة في 12 ثانية.
ومن المعروف أن الصاروخ (Erx) دخل الخدمة في الجيش الفرنسي مع نهاية عام 1992م، ومع نهاية عام 2002م كانت قد تسلحت به جيوش كل من بريطانيا والنرويج وسويسرا وكندا، وهو مصمم كي يستخدم من قبل رجل واحد، ويمكن أن يطلق من أماكن مغلقة، ويوجد في مسنده جهاز رؤية يكبر ثلاث مرات، بالإضافة إلى مقياس زوايا بالأشعة تحت الحمراء وكومبيوتر توجيه. وبعد 8ر3 ثوان من انطلاق الصاروخ من أنبوبته تبلغ سرعته 600 متر في الثانية، ويمكن تطويل هذا المدى ليصبح 750 متراً في الثانية بواسطة تمديد سلك التوجيه.
أما الصاروخ هوت (Hot) المضاد للدبابات فقد أنتج على المستوى الأوروبي منه أكثر من 700 ألف صاروخ منذ عام 1977م، وقد أدخل الصاروخ (هوت-2) المطور الخدمة في عام 1985م، ثم جرت تحسينات عليه وحمل اسم (Hot-2.T).
من جهة أخرى فقد طلبت 44 دولة أكثر من 460 ألف صاروخ ميلان منذ أن دخل الخدمة في عام 1972م، أما الصاروخ (ميلان-2) الذي بوشر إنتاجه عام 1983م فإنه يحمل رأساً حربياً من عيار (115) مم عوضاً عن الرأس السابق الذي كان عياره (103) مم، ويتم إنتاجه بموجب اتفاقية ثنائية بين ألمانيا وفرنسا، في حين تعاونت كل من أمريكا وأسبانيا على تصنيع الصاروخ م-د "ايريس" (Aries) الذي من مواصفاته أنه يستطيع الاشتباك مع أية عربة بنسبة نجاح تبلغ 98%، وفي الوقت ذاته تم تصنيع الصاروخ (Rbs.56.bill) لصالح الجيش السويدي، ويبلغ مدى هذا الصاروخ الموجة سلكياً 2000 متر، كما طورت البرازيل صاروخاً مضاداً للدروع من نوع (Mac.Mp) يبلغ مداه عشرة كيلو مترات، ويوجه بواسطة الألياف البصرية ليحلق على ارتفاع يصل إلى 300 متر بسرعة 200 متر في الثانية، ورغم ذلك كله فإن دول أوروبا تسعى بجدية لامتلاك صواريخ عالية السرعة للاشتباك مع الدبابات والطائرات، وقد انتهت وزارة الدفاع الفرنسية من دراسة تكنولوجيا للصواريخ ذات السرعات العالية التي يمكنها الاشتباك مع الدبابات على مسافة 4كم، ومع الطائرات ذات الأجنحة الثابتة على مسافة 15كم، وتصل سرعة هذا السلاح 2000م-ث.