أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، اذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بالاطلاع على القوانين بالضغط هنا. كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة المواضيع التي ترغب.
موضوع: التفكير العسكري الأمريكي ومسائل الانتصار والهزيمة الإثنين 26 سبتمبر 2011 - 17:38
بقلم :الطاهر الأسود
عندما تُطرح مسألة عوامل حسم الصراع العسكري ينبعث دائما نفس السؤال المرجعي: أيهما العامل الرئيسي التكنولوجيا أم البشر؟ هذا السؤال هو موضوع هذه المقاربة. لا يمكن أن توجد أسس قوية في الحسابات العسكرية للعوامل المطلقة أو تلك المسماة بالرياضية... يتعلق فن الحرب بكائنات حية لديها قوى معنوية... وعموما هناك طرف مندفع أكثر من الآخر وهو ما ينعكس على سلوكه: فالعامل الهجومي يهيمن وهو ما يؤدي في العادة إلى ضمان استمرارية نشاط ذلك الطرف المندفع
كلاوسفيتز (Clausewitz)
من الأفضل أن تكون لديك خطة بديلة في جيبك الخلفي، لأنك عندما تهاجم أناسا... في وطنهم فإنهم سيحاربون بشكل يختلف عن قتالهم، دعنا نقول، في الكويت. الدفاع عن الوطن مسألة جدية لأنهم ليس لديهم أي مكان يذهبون إليه بعد ذلك .
الجنرال الأمريكي جيمس جونس (James Jones)
زحفت مع أوائل صيف 1812 قوات نابليون بونابرت بأعداد هائلة (500 ألف جندي) وبسرعة غير مسبوقة نحو حدود الإمبراطورية الروسية الشمالية الغربية، عند نهر نيمن (Niemen). لم تكن أي من الملكيات الأوروبية المخلخلة تتوقع آنذاك أي معركة جدية بين الكسندر الأول قيصر روسيا والذي لم يكن يحظى بمواهب تذكر والإمبراطور الكورسيكي الشاب الذي أصبح في تلك المرحلة بمثابة الكسندر جديد ـ ذلك النموذج الغربي للإمبراطور الكلاسيكي ـ ألف عنه ولأجله بيتهوفن سمفونيته الثالثة. لم يكن يبدو هناك أي مجال لتوقع أي نتيجة بخلاف سقوط موسكو. وفعلا مع شهر أيلول (سبتمبر) واثر معارك محدودة وفتوحات فرنسية لمدن خالية دخلت القوات الفرنسية بدون تهليل السكان ـ غير الموجودين أساسا ـ إلى موسكو فارغة سيُحرق ثلاثة أرباعها، أمام ذهول بونابرت، في أيام قليلة اثر ذلك. لم يمكث الجيش الفرنسي في مدينة الأشباح تلك أكثر من ثلاثة أسابيع. وبحلول شتاء مبكر بدأ الجنود الفرنسيون وحلفاؤهم احد أفظع وأشهر الانسحابات العسكرية في التاريخ: تحت ضربات الجنرال برد والهجومات المفاجئة والسريعة للقوات القوقازية من الحرس الملكي الروسي لم يصل إلى نهر نيمن بحلول شهر كانون الأول (ديسمبر) من سنة 1812 إلا 20 ألف جندي من أصل النصف مليون الذين بدؤوا الحملة. كانت تلك هزيمة مدوية بدأت مسلسل اندحار الإستراتيجية الإمبراطورية لبونابرت والتي سقطت نهائيا مع هزيمته في معركة واترلو Waterloo. يمثل الانسحاب الفرنسي من موسكو درسا أساسيا في التاريخ العسكري الغربي. درس آخر من الانسحابات البونابرتية لا يُذكر بكثرة هو الانسحاب من مصر. لم يحرق المصريون القاهرة غير أنهم جعلوها مخيفة ومقلقة إلى حد كاف لكي يبحر الفرنسيون متقهقرين إلى مارسيليا.
في المعايير العسكرية لم يكن الانسحاب من روسيا مهما في ذاته بقدر ما كانت أسبابه والظروف التي أحاطت به داعية للاهتمام. كلاوسفيتز، احد مؤسسي العلم العسكري الحديث مع بداية القرن التاسع عشر، أولى اهتماما خاصا بالحملة الروسية. كان الدرس الأساسي بالنسبة له انه لا يمكن أن توجد أي قوة عسكرية قادرة على الانتصار في أراض غريبة دون دعم سياسي محلي. وسواء كانت المدن والمجالات المسيطر عليها عامرة أم غير آهلة بالسكان فإنها ستبقى في جميع الحالات في حكم الخالية من الناحية السياسية إذا كانت مناوئة في موقفها السياسي العام للحاكم العسكري الجديد. إن فكرة الدور الرئيسي للعامل السياسي في المسائل العسكرية هي الإضافة الأساسية التي قام بها كلاوسفيتز، والتي جعلته احد المصادر العسكرية الأساسية في الأكاديميات العسكرية الغربية. غير انه لا يوجد مثال واحد يشير إلى تعلم الجيوش الاستعمارية الغربية افكار كلاوسفيتز من الاكاديميات التي تخرجوا منها: فقد كان على هذه الجيوش على مدى القرنين الماضيين ان تتعلم حكمة كلاوسفيتز من حركات المقاومة الوطنية المسلحة. وأخيرا كان عليها، بعد فشل كل مشروع استعماري، ان تجرب انسحابا بونابارتيا مكررا بأمجاد ضئيلة وبخسائر متفاوتة.
ليس العراق روسيا القرن التاسع عشر، ولا يملك العراقيون الجنرال برد ولم يهجروا مدنهم، كما لا يجرؤ احد على الادعاء بانه يشاهد ملامح الرئيس الامريكي في الصورة البونابارتية الساحرة، مثلما لا يمكن مقارنة سرعة هجوم نصف المليون جندي مشاة من الجيش الفرنسي بالسرعة الالكترونية لفرق الجيش الامريكي. غير انه هناك نقطة أساسية تشترك فيها الحملة الروسية مع الحملة العراقية: مادامت القوى المحتلة مهزومة سياسيا فان هزيمتها العسكرية ليست مستحيلة.
على ضوء الحرب الأمريكية المستمرة في العراق سنتعرض في هذا المقال إلى المسألة التالية: إن مسألة حسم الهزيمة أو الانتصار في الصراع العسكري لا يتعلق بحساب الخسائر البشرية أو المادية، كما لا يتعلق بالتوازن التكنولوجي. تتحقق هزيمة عسكرية ما متى أصبح أحد الطرفين غير متأكد من الانتصار. سنوضح في هذا المقال أن داخل الطرف الأمريكي هناك أوساط (عسكرية) مؤثرة مستعدة للاقتناع بحتمية الهزيمة، يأتي هذا الاستعداد في إطار صراع فكري حول الاستراتيجية العسكرية الضرورية يشق منذ مدة مختلف المؤسسات الحربية الأمريكية.
دروس العراق
في مقابل النقاش الهزيل الذي ميز الأوساط السياسية والبحثية والإعلامية الأمريكية قبل الإعلان عن الهجوم على العراق والذي تجاهل خلاله العديد من الخبراء و المختصين أبسط الإشارات عن مميزات الصراع العسكري القادم وهو ما جعلهم آنذاك ضمنيا موافقين على التوصيف السياسي للعمل العسكري ضد العراق كما بلوره النيومحافظون (سنتخلى عن المصطلح المعرب الرائج لـ المحافظين الجدد والذي نعتقد أنه يشوش المعنى الدقيق لهذا التيار وهو ما سنتعرض إليه في مناسبات قادمة) والذي يصور الحملة العسكرية على أنها حملة تحريرية تماثل المعركة ضد النازية خلال الحرب العالمية الثانية، إذا في مقابل هذا النقاش الهزيل السابق للحرب بدأت في السنة الأخيرة الأوساط البحثية والإعلامية ولكن الأهم من ذلك الرسمية الأمريكية الإفصاح أكثر عن رغبتها في الاستفادة مما تسميه دروس العراق . وبالرغم من أنها غير متباينة تماما فإن هذه الدروس تعبر بالتحديد عن الصراع الفكري الجاري في أروقة وزارة الدفاع الأمريكية والذي يتصاعد بتصاعد الإخفاقات العسكرية الأمريكية. وفي خضم معركة الفلوجة نقل عدد يوم السبت 13 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري لصحيفة النيويورك تايمز خبرين منفصلين يعكسان التباين بين المشرفين على المجهود العسكري الأمريكي من خلال نوع الدروس العراقية التي توصلوا إليها: من جهة أولى دروس تتلخص في ضرورة التركيز أكثر على التقنية العسكرية لمواجهة حروب لم يقع تعريفها إلا كحروب ضد الإرهاب ومن جهة أخرى دروس تركز على أهمية العوامل السياسية في حرب يقع تعريفها أكثر فأكثر على أنها حرب شعبية طويلة الأمد. الرؤية الأولى تتصرف على أنها رؤية تجديدية واعية بوجود رؤية معاكسة تصفها بـ التقليدية والرؤية الثانية تؤمن بأن هناك مفاهيم كلاسيكية ثابتة في الاستراتيجيات العسكرية بالرغم من التطور التكنولوجي الفائق خلال القرن الفائت وهي واعية بوجود رؤية مخالفة تصفها بأنها غير واقعية .
مشروع عين الرب
يقول خبر النيويورك تايمز الذي نُشر على الصفحة الأولى أن بيتر تيتس وستيفن كامبون اللذين يشغلان على التوالي خطتي نائب وزير الدفاع الأمريكي لسلاح الجو ولشؤون المخابرات قد عرضا على الكونغرس مشروعا سمياه عين الرب يتيح منح المقاتل الميداني صورة آنية ودقيقة عن مختلف الحقائق على الأرض بسرعة قياسية وهو ما يتيح له التغلب على المصاعب التي تفرضها خصوصية الحرب على الارهاب والتي تتطلب ردود فعل سريعة. ويتمثل المشروع عمليا في إطلاق أقمار صناعية وصناعة طائرات (ف ـ 35) جديدة تتميز بالتناسق البرامجي ومتخصصة في جمع المعلومات لنقلها إلى ساحات المعارك وذلك عبر شبكة انترنت دولية جديدة خاصة بالبنتاغون وهو ما يذكر بالدور الخاص الذي لعبته وزارة الدفاع الأمريكية في إنشاء شبكة النت العالمية المستعملة الآن. بالإضافة إلى ذلك سيتم تصنيع أجهزة أرضية متنوعة تتميز بقدرتها على التنزيل السريع للمعلومات المُرسلة من الانترنت وتوفيرها بشكل صوتي وذلك من خلال التطوير في قدرات تنزيل الذبذبات الصوتية. وتتمثل تكلفة المشروع حوالي 200 مليار دولار ومن المفروض أن يتم منحه للشركة العملاقة لوكهيد مارتن (Lockheed Martin) والتي تمثل أحد أهم أقطاب اللوبي الصناعي العسكري الذي يحتكر الصناعة العسكرية الأمريكية والذي يدعم بشكل عام الحزب الجمهوري وبالتالي التيار النيومحافظ الذي يسيطر على الادارة الامريكية. وفي الواقع يأتي هذا المشروع في إطار برنامج كامل يهدف للاستفادة القصوى من التكنولوجيا المعلوماتية لأهداف عسكرية وتشرف على هـــــذا البرنامج مجموعة من شركات التكنولوجيا العالية الأمريكية الرئيسية مثل هيفلت باكارد (Hewle ـ Packard) وإي بي أم (IBM) ومايكروسوفت (Microsoft) ولكن أيضا شركات أخرى من الأقطاب التقليدية للوبي الصناعي العسكري الأمريكي مثل لوكهيد وبوينغ.
و مما لا شك فيه أن هذه البرامج تعكس جزئيا النزعة المعتادة في البنتاغون والتي تخدم اللوبيات الصناعية من خلال الانفاق الكبير على مشاريع عسكرية غير ضرورية في أحيان كثيرة. غير أن هذا التشابك القوي بين المؤسسة العسكرية ـ السياسية والنخبة المالية ـ الصناعية والذي يمثل خاصية ثابتة في البنية الأمريكية يلتقي هنا مع عامل آخر جديد وهو هيمنة النيومحافظين على الإدارة الامريكية والذين يتميزون برؤية خاصة لمسائل الإستراتيجية العسكرية، فللدفاع عن هذا المشروع المكلف يقول أحد مساعدي رامسفيلد إن ما نتحدث عنه هنا هو نظرية جديدة للحرب في حين يشير آخر إلى أن الثقافة (العسكرية السائدة) هي أكبر عقبة أمام مشاريع هذه النظرية الجديدة . وتأتي هذه الاشارات في إطار الصراع المستعر بين خبراء وباحثين مختلفين حول الجدوى من هذه المشاريع. فحسب النيويورك تايمز فإن فينت سيرف (Vint Cerf) وهو أحد العاملين السابقين في البنتاغون وأحد الذين اخترعوا وأسسوا شبكة الانترنت اعتبر مشروع عين الرب مجرد أحلام لا تستند إلى أسس واقعية لتحقيقها. لكن جانبا آخر من المنتقدين الموصوفين بأنهم تقليديون وجه شكوكه إلى الأساس النظري الذي يقف وراء مثل هذه المشاريع حيث اعتبروا أن قتال الشوارع الدائر في مدن مثل الفلوجة يثبت أن الحرب هي أمر أكثر تعقيدا من التكنولوجيا الخلوية.
دليل عملي للحرب المضادة للمقاومة
في صفحة داخلية من نفس عدد النيويورك تايمز يرد خبر عن مشروع آخر للبنتاغون لا يقل أهمية عن عين الرب كما أنه يرجع بدوره إلى الدروس العراقية التي توصلت إليها الأوساط العسكرية الأمريكية أو جزء منها: فقد بدأ الجيش الأمريكي وقوات المارينز (من الضروري الإشارة هنا أن هناك فرقا تنظيميا بين الطرفين) في شهر تشرين الاول (أكتوبر) الماضي بتوزيع كتيب على الجنود الأمريكيين في العراق يشرح طبيعة حرب العصابات والوسائل التي يجب اتباعها لـ مكافحتها . ويشير الدليل العملي إلى أن فكرة كتابته أتت في إطار ما جرى من عدم استقرار على إثر سقوط بغداد حيث أنه وجد وعيا متزايدا بأن طبيعة الحرب التي تلت ذلك لا تتصف بصفات الحروب النظامية المعتادة وهو ما لم يقع التحضر له . كما يشير كاتبو الدليل الى أنه تمت الاستعانة في تحريره بتجارب تاريخية سابقة لحروب مضادة للمقاومة و إلى شهادات جنود وضباط أمريكيين شاركوا في الحرب. ومن ضمن الاستنتاجات الواردة في هذا الكتيب (و الذي تم توزيعه بشكل محدود غير أنه متوفر على الانترنت) التحذير من أن دورا أمريكيا طويل المدى في الأعمال القتالية يمكن أن يؤدي إلى الإضرار بشرعية حكومة الدولة المضيفة وهو ما يؤدي أيضا إلى مزيد استعداء ثقافات (!) هي أصلا معادية للولايات المتحدة . وفي الواقع فإن أهمية هذا الكتيب تكمن في أنه مشروع يعبر عن أوساط قيادية عسكرية صرفة لا تعبر ضرورة عن الأوساط المدنية المرتبطة برامسفيلد والتي تشرف على عملية تغيير الثقافة السائدة والتي من ضمنها طبعا القيام بمشاريع مثل عين الرب . ومن المهم أن نعرف هنا أن المسؤول العسكري المشرف على إعداد الكتيب المذكور هو الجنرال جورج والاس (William Wallace) والذي تم استدعاؤه من العراق بعد الانتقادات العلنية التي وجهها في الأسابيع الأولى من بداية الحرب الأمريكية على العراق في اذار (مارس) 2003 إلى دائرة التخطيط العسكري في البنتاغون (و التي يشرف عليها بول وولفويتز) وذلك أثناء تزايد الهجمات المتفرقة والتي كانت مؤشرا على نوايا النظام العراقي المبكرة في اعتماد إستراتيجية حرب العصابات في مواجهة الهجوم الأمريكي. وتركزت انتقادات الجنرال الأمريكي آنذاك في أن البنتاغون لم يعد الجيش الأمريكي لمواجهة أسلوب حرب العصابات. ومما يستدعي اهتماما متزايدا بمواقف الأخير هي التصريحات التي أدلى بها إلي النيويورك تايمز في علاقة بالخبر أعلاه حيث أشار إلى أن الكتيب المذكور يعمل على التذكير بأن مواجهة حرب العصابات غير ضرورية في حال تجاهل العوامل السياسية المحيطة بها. وفي الواقع هذه إشارة إلى وجود تباين داخل الأوساط العسكرية الأمريكية حول مسائل الاستراتيجية العسكرية وكيفية التعامل مع الوضع في العراق، وهو ما يؤكد مؤشرات أخرى تسبق التطورات الأخيرة تدفع كلها إلى الاعتقاد بأن هناك صراعا فكريا بين طرفين أساسيين: كتلة المدنيين المسيطرين على وزارة الدفاع تستعين ببعض الجنرالات وأوساط عسكرية ميدانية تلقى الدعم من قبل باحثين مقربين من الأجهزة الميدانية.
مسألة الحرب بقوات قليلة العدد والصراع بين المدنيين والعسكريين
إن القوات الأمريكية بصدد التركيز بشكل متزايد على الوسائل العسكرية التي تستبعد أي احتكاك مباشر بين عناصرها وعناصر المقاومة. لا يمثل ذلك في ذاته تغييرا في عقائد الجيش الامريكي، بل تأكيدا لها، فقد أصبح كما هو معروف التقليل إلى الحد الأقصى في الخسائر البشرية الأمريكية ضرورة اساسية في ذهنية القادة العسكريين الامريكيين منذ زمن ليس بالقريب وخاصة اثر خسائرهم الهائلة في حربي كوريا والفيتنام. وعموما يمكن رد جذور هذه الذهنية بشكل أشمل إلى تزامن تعاظم القوة العسكرية الأمريكية خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها مع تراجع حل المشاكل الدولية من خلال الهيمنة العسكرية وهو ما تجسد بشكل خاص مع انهيار قوي الاحتلال العسكري المباشر اثر الحرب. ومنذ ذلك الحين حتى وقت قريب اعتمدت مراكز القرار الامريكية على استراتيجية ترى في تفوقها العسكري عاملا ردعيا وليس وسيلة لمباشرة الهيمنة بشكل فرضي. فحتى الحرب على كوريا ثم الفيتنام لم ترق إلى رؤية إستراتيجية شاملة كما هي الحال مع الحرب على العراق، والتي تمت ضمن رؤية نيومحافظة معلنة تتبنى رؤية إستراتيجية جديدة تعتمد أسلوب الحرب الاستباقية .
كما تضافرت عوامل أخرى لجعل الحملة على العراق بشكل خاص مقيدة بضغوط أكبر للتقليل من الخسائر البشرية الأمريكية، لكن بضغط من القادة المدنيين بشكل خاص هذه المرة. حيث تركزت الخطة العسكرية الامريكية ضد العراق على اساس العقيدة الجديدة التي يحاول وزير الدفاع الامريكي رامسفيلد ونائباه والمستشاران النيومحافظين المقربان منه فرضها على القادة العسكريين منذ وصوله في كانون الثاني (يناير) 2001 الى البنتاغون. وتتمثل هذه العقيدة الجديدة أساسا في الهجوم والانتصار من خلال الاعتماد من الناحية الكمية على الحد الادنى من العنصر البشري فوق ميدان المنازلة.
وتدفع هذه الرؤية التي صاغها أســــاسا احد المستشارين الأساسيين لرامسفيلد اندرو كريبينفيتش (Andrew Krepinivich) بالتركيز على الهجمات الصاروخية المختلفة. والنتيجة الأساسية لهذه الرؤية هي الهجوم والاحتلال العسكري بقوات قليلة العدد، وفعلا لا تتجاوز القوات الأمريكية في العراق 150 ألف جندي. كما اعتمدت الخطة الأمريكية للهجوم على العراق بشكل مكشوف على خيار استسلام القوات العراقية ولهذا فقد تجنبت المواجهة المباشرة وعملت على تأخيرها من خلال تجنب الطرق المؤدية للقوات العراقية وعدم الدخول في اشتباكات برية حتى ضمان استسلام القوات العراقية.
وقد شكلت هذه النقطة محورا أساسيا لصراع الاراء داخل الاوساط العسكرية الامريكية قبل الحرب إلى الآن. وترجع هذه المسألة لتطفو على السطح الاعلامي كلما تصاعدت المقاومة العراقية، وهو ما يعكس شدة المعارضة التي يلقاها القادة المدنيون للبنتاغون من قبل العديد من القيادات العسكرية المخضرمة والتي ترى نفسها بصدد تكرار التجربة الفيتنامية متى كان القادة العسكريون على الميدان يتلقون أوامرهم مباشرة من واشنطن. علينا هنا ان نلاحظ ان هذا الصراع لا يتعلق بالحرب على العراق فحسب بل هو سابق لها، كما يتميز بمواجهة صامتة ولكن عنيفة اتهم فيها في السنوات الأخيرة رامسفيلد وخاصة كريبينيفتش القادة العسكريين بـ التخلف الثقافي (في حوار قبل وصول الرئيس بوش الي سدة الرئاسة مع قناة بي بي اس PBS بداية سنة 2000 )، كما ان التوتر بين الأخير والنخبة العسكرية الأمريكية يرجع إلى بداية التسعينات حينما قوبلت آراؤه بتحميل القادة العسكريين في الفيتنام مسؤولية الهزيمة بردود رافضة (دورية غلوبال سكوريتي سنة 1990) في شكل دراسات أكاديمية من قبل بعض القيادات العسكرية. وقد تم الضغط بشكل واسع أثناء الحملة على أفغانستان وبداية التحضير لضرب العراق من اجل ترويض القيادات العسكرية خاصة في ظل آراء ترى تقاربا بين مجموعة من القادة العسكريين المخضرمين بدفع من قادة عسكريين خارج الخدمة بمن في ذلك وزير الخارجية كولن باول. وهدف هذا الضغط بشكل واضح لرضوخ هذه القيادات العسكرية للقيادات المدنية الجديدة وذلك بالدفع في اتجاه حملة فكرية وإعلامية تحت شعار أولية قرار القيادات السياسية على القيادات العسكرية، وهو ما روج له بشكل خاص المحلل العسكري النافذ والمقرب من مجموعة النيومحافظين ايليوت كوهين (Eliot Cohen) بداية سنة 2002 حين نشر كتابه القيادة العليا الذي يدافع فيه بشكل قوي عن الأهمية القصوى للدور القيادي للقادة الميدانيين على حساب القادة العسكريين. وبلغت الحملة ذروتها بالترويج الإعلامي مباشرة اثر ذلك بأن الرئيس الأمريكي متأثر بشدة بالآراء الواردة في مؤلف كوهين (حول تفاصيل هذا النقاش أنظر المقال المهم لفريدمان بنشرية فورن افيرز عدد ايلول (سبتمبر) 2002).
الصدمة والترويع والنموذج النازي للحرب
قبيل شن الحرب على العراق في آذار (مارس) 2003 تضمنت الحملة الدعائية المهيئة للحملة العسكرية تهديدات علنية بالطابع التدميـــــري الهائل الذي سيميز الهجوم الأمريكي، كان العنوان الرئيــــسي لهــــــذه التهديدات كلمتــــين: الصـــدمة والترويع (shock and awe). وبالرغم من الانتشار الواسع لهكذا عنوان لم يتم التعرض لخلفياته بالشكل المطلوب خاصة وأن الحرب النظامية لم تستمر طويلا. وفي الواقع فإن الصدمة والترويع هي قبل كل شيء عنوان دراسة أعدها مجموعة من العسكريين الأمريكيين وتحديدا من سلاح الجو وذلك بطلب من معهد دراسات الاستراتيجية الوطنية المقرب من البنتاغون. وقد تفادى الناشر توزيع الكتاب بشكل واسع حيث لم يكن من الممكن من السهولة بالنسبة للقارئ العادي التحصل عليه خاصة في الفترة التي سبقت الحرب. وتتمثل الأطروحة الأساسية لمؤلفي الكتاب في الأهمية التاريخية للاستراتيجية العسكرية الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية والتي اعتمدت على التوظيف الأقصى للفرق الآلية (والتي اعتمدت بشكل كامل وغير مسبوق على سلاح الدبابات) وسلاح الطيران في توجيه ضربات شديدة ومتوالية وهو النموذج الذي طبقه القادة الألمان بالخصوص خلال هجمتهم المفاجئة على الجبهة الروسية. وليست هذه الاستراتيجية مجرد وصفة عسكرية صرفة وإنما تحمل، مثلما هو الحال مع أي استراتيجية عسكرية، رؤية فكرية أشمل للعالم والعوامل الحاسمة للصراعات البشرية. فهي تتضمن ثقة هائلة في قدرة التكنولوجيا العسكرية على حسم الصراع العسكري كما أنها لا تتحمل الصراعات العسكرية الطويلة المدى حيث تدفع لأسلوب الهجمات السريعة والخاطفة. وأخيرا والأهم من كل ذلك فهي رؤية تتجاهل الظروف السياسية للحرب حيث تتوقع التأثير السيكولوجي بمعزل عن العوامل السياسية وبالتحديد الشعور الوطني وبالتالي تستقيل عن مناقشة الطابع السياسي لمسائل الانتصار والهزيمة بشكل يترك التبرير السياسي للمسؤول المدني. وعموما تلتقي هذه الرؤية بشكل واضح مع التجديد الذي أزمع رامسفيلد وفريق النيومحافظين على إدخاله منذ وصولهم الى الادارة الامريكية وخاصة ما يتعلق بأولوية رأي المسؤول المدني على حساب رأي القائد الميداني والاعتماد على التكنولوجيا العسكرية عوض القوة البشرية مما يفسر اعتماد هذه الخطة رسميا من قبل البنتاغون في الحرب علي العراق.
وهكذا لم تكن الرؤية النيومحافظة مجرد إسقاط من قبل فريق المدنيين في البنتاغون على القادة العسكريين، حيث كان لعدد كبير من القادة العسكريين (ولأسباب عديدة) الاستعداد للدفاع عن رؤية تختصر الصراع العسكري في موازين التفوق الآلي. غير أن عددا هاما من القادة العسكريين الكبار كانوا قد عبروا عن رفضهم لخطة الصدمة والترويع والاعتماد رئيسيا على التكنولوجيا العسكرية في حسم الحرب في العراق. ويكــــشف جيفري ريكــــــورد (Jeffrey Record) الخبير العسكري المقرب من الأوساط العسكرية للبحرية الأمريكية في كتابه الانتصار المظلم (Dark Victory) الصادر سنة 2004 عن مختلف الاعتراضات التي قام بها عسكريون أمريكيون على خطة رامسفيلد (وحليفه المقرب من الرئيس بوش الجنرال فرانكس) للحرب. حيث يشير أولا الى رفض قادة كبار لقوات الجيش والمارينز بدء الحرب بقوات لا تتجاوز 250 ألف جندي وهو ما دعاهم لطلب تأجيل العملية. كما يشير الى أن قادة الجيش كانوا رافضين بشكل خاص للدور الرئيسي للقوة الجوية والذي رأوا فيه تصورا غير واقعي يتناسى الأهمية الحاسمة للقوات البرية. وقبل هذا وذاك فقد عبر هؤلاء القادة عن تشاؤم كبير حيال الحرب على العراق وخاصة في علاقة بالظروف السياسية المحيطة بها مما جعلهم يصفونها بالمغامرة. وبلغت هذه الانتقادات أوجها مع التصريحات العلنية للجنرال جيمس جونس (أحد القادة الرئيسيين لقوات المارينز) لصحيفة الواشنطن بوست وذلك في شهر اب (اغسطس) 2002 والتي عبر فيه عن رفضه للتحليلات التي توقعت استقبالا بالزهور للقوات الأمريكية، كما رفض مقارنة الحرب على العراق بما جري في حرب الخليج الأولى من الأفضل أن تكون لديك خطة بديلة في جيبك الخلفي، لأنك عندما تهاجم أناسا... في وطنهم فإنهم سيحاربون بشكل يختلف عن قتالهم، دعنا نقول، في الكويت. الدفاع عن الوطن مسألة صعبة لأنهم ليس لديهم أي مكان يذهبون إليه بعد ذلك . ويشير ريكورد أن التوافق لم يكن ممكنا بدون وعد الجنرال فرانكس للقادة المعترضين بتلقي إمدادات بشرية إضافية مع بدء القتال وخلاله وهو الأمر الذي لم يتحقق. وهكذا فبالرغم من التفوق الأمريكي السريع في الحرب النظامية وسقوط جل المدن العراقية في القبضة الأمريكية فإنه لم تكن هناك قوات كافية لبسط سيطرة برية فعلية وهو ما أتاح ومنذ وقت مبكر المجال للمقاومة العراقية على التنظم ورد الفعل بشكل جعلها تملك المبادرة حتى هذه اللحظة. في المقابل فإن استراتيجية الصدمة الترويع مازالت الوسيلة الأساسية التي تواجه بها القوات الأمريكية حرب العصابات: فحتى معركة الفلوجة التي تتسم بشكل واضح بطابع قتال الشوارع فإن الأسلوب الأمريكي بقي يتفادى المواجهة المباشرة ويعمد في المقابل للاعتماد الكامل على الأسلحة الثقيلة وخاصة الفرق الآلية (سلاح الدبابات) وسلاح الطيران. إن هذا التردد الأمريكي لخوض قتال مباشر هو نقطة الضعف الرئيسية لقوات الاحتلال وهو الأمر الذي يمنح ثقة متعاظمة لدى المقاتلين العراقيين.
حول الحرب المضادة للمقاومة
والعقيدة العسكرية الأمريكية
ليست حرب العصابات غريبة عن القيادات العسكرية الأمريكية فقد جربوا في الفيتنام أحد أطول الحروب الشعبية وأكثرها شراسة في هذا القرن. وبالرغم من أن قوات المارينز التي ذهبت الى العراق في الحرب الأخيرة لم يقع تزويدها سوى بدليل حروب يركز أساسا على مبادئ الحرب النظامية وهو بالمناسبة نفس الدليل الذي تم توزيعه على الجنود الأمريكيين الذين شاركوا في الحرب العالمية الثانية فإن القيادات العسكرية الأمريكية كانت و لا تزال مهتمة على المستوى النظري بمسائل الحرب الشعبية. غير أنا هناك نظرتين لها فمن جهة يعتقد البعض أن الحرب على الارهاب ليست سوى حرب عصابات جديدة يمكن هزمها بفضل التفوق التكنولوجي، في حين يرى آخرون أن حربا مثل الحرب على العراق مستحيلة الحسم خاصة في ظل غياب وصفة سياسية مناسبة تعالج أسس المشكل.
وترجع أهم التحاليل الأمريكية حول مسائل كيفية مواجهة حرب العصابات إلى السنوات الستين. ففي شهر ايار (مايو) من سنة 1960 أي بعد الاخفاق الكبير للجيش الأمريكي في الحرب الكورية وبداية الانغماس في المستنقع الفيتنامي نشر الجنرال دونالد راتان (Donald Raan) في المجلة الفكرية المعبرة عن البنتاغون Military Review مقالة هامة ضمتها وزارة الدفاع فيما بعد إلى قائمتها من الوثائق الاستراتيجية الأهم. وكان منطق الجنرال الأمريكي تبسيطيا الى حد كبير يعكس طبيعة المرحلة وتجاهل القيادات العسكرية الأمريكية للعامل الحيوي لحروب العصابات في العصر الحديث. حيث قارن الصراع المتصاعد في الفيتنام بالحروب الأمريكية ضد قبائل الهنود الحمر من الأباشي خلال السنوات السبعين من القرن التاسع عشر والتي تميزت بالقسوة الفائقة وعمليا بالإبادة المنظمة للطرف المقابل. من المثير للانتباه هنا أن هذا الأسلوب كان يدرس للضباط الأمريكيين في معهد القيادة وهيئة الأركان (حيث كان يدرس راتان) كأحد الأشكال الرئيسية لمواجهة حرب العصابات الحديثة.
الدراسة الثانية وهي الأهم في الحقيقة بسبب استمرارية تأثيرها إلى اليوم أنجزها أحد القادة العسكريين الأمريكيين الرئسيين خلال الستينات: الجنرال ماكغار (Mc. Garr) والذي تقلد مناصب عسكرية مختلفة تتعلق عموما بالإشراف على أقسام التدريس العسكري وكذلك الدراسات والتخطيط العسكريين ولعل أهمها إشرافه أواسط الستينات علي فريق الاستشارة والمساعدة العسكرية في الفيتنام والذي كان يشرف فعليا على رسم الاستراتيجية العسكرية الأمريكية في علاقتها بالحرب في الفيتنام. وقد نشر ماكغار أفـــــكاره الأولية ســـنة 1959 في مجلة Military Review ولكنه طورها لاحقا (قبيل سنة 1964) في دراسة طويلة عنوانها تكتيكات وتقنيات الحرب المضادة للمقاومة تزيد عن الـ200 صفحة وبقيت حتى سنة 1983 رهن السرية. ويرتكز موقف الجنرال ماكغار (الذي تمت صياغته في ظل التصاعد الكبير للثورة الفيتنامية) في دراسته على نقطتين: أولا، أن هناك تجربة تم فيها هزم حرب العصابات ويتعلق ذلك بالحرب البريطانية في المالاي بين سنتي 1946 و1958، ثانيا، أن مواجهة حرب العصابات يكمن في التركيز على التفوق التكنولوجي. ومن الواضح أن أطروحة الجنرال لا تزال مؤثرة بين عدد من العسكريين الأمريكيين وخاصة في علاقتهم بمجموعة النيومحافظين والذين استرجعوا تحليله في مقالات مختلفة بما في ذلك المثال الماليزي والذي يراه بعضهم مطابقا للمثال العراقي.
ولكن في مقابل هذا الارث الرافض للاعتراف بالمعطيات العسكرية الساطعة والمتشبث بأحلامه الخاصة يبرز مختصون آخرون بما في ذلك داخل الأوساط الأكاديمية العسكرية الأمريكية يركزون على ضرورة التعلم من تجارب عجز وسائل التفوق التكنولوجي المختلفة أمام الحروب الشعبية والدور الحاسم لهذا النوع من الحروب في العصر الحديث. كما يربط هؤلاء بين فاعلية الحرب الشعبية والدروس الكلاسيكية للمنظرين العسكريين الأوائل بما في ذلك الحكيم الصيني سن تزو. ولعل أهم الأمثلة على هؤلاء الأكاديميين العسكريين الأمريكيين مايكل هاندل (Michael Handel) أستاذ الاستراتيجية بأحد أعرق الاكاديميات العسكرية الأمريكية المعهد الحربي للبحرية الأمريكية . وقـــــد أصدر هاندل مؤلفا مهما مــــع بــــدايـــــة التسعـــينات عنوانـــــه سادة الحرب The Masters of War. ويكشف هاندل في تقديمه للطبعة الثالثة من كتابه (2001) عن انتقادات واسعة لانتعاش التنظيرات التي تتجاهل تواصل أهمية الحروب الشعبية مقابل التركيز على الدور الحاسم للعامل التكنولوجي بفعل ثورة الاتصالات وهو ما يبدو كأنه إشارة للحملة التي خاضها النيومحافظون خلال الحملة الانتخابية للرئيس بوش خلال سنة 2000 (أنظر مثلا الحوار مع كريبينفتش أعلاه). ويرد على ذلك من خلال التذكير بالمبادئ الرئيسية للمفكر العسكري الألماني الكبير كلاوسفيتز والتي يركز فيها على رئيسية العامل السياسي في حسم الصراع العسكري وهو ما أشار إليه أول منظر عسكري في التاريخ وصاحب كتاب فن الحرب الصيني سن تزو والذي يتمتع بالمناسبة بشعبية خاصة في الأوساط العسكرية الأمريكية. ويعبر هاندل عن أهمية الحروب الشعبية من خلال التركيز على الزعيم الصيني ماو تسي تونغ كمصدر ثالث للتفكير الاستراتيجي العسكري إلى جانب المفكرين الأولين، كما أضاف إلى ملحق طبعته الثالثة نصوصا من الكتابات العسكرية المختارة للزعيم الصيني.
حول خصوصية التجربة العراقية: فيتنام حضرية
كالعادة لا تبدو الأخبار القادمة من العراق جيدة بالنسبة لتوقعات البنتاغون. فالمعركة في الفلوجة لن تنتهي قريبا (في حين أن القائد الأمريكي الميداني قد أعلن يوم الخميس 11 تشرين الثاني (نوفمبر) عن توقعه بإنهاء المقاومة الليلة ) كما أن هناك (و حتى عطلة نهاية الأسبوع) مدنا أوسع وأهم استراتيجيا من الفلوجة إما سقطت تماما في أيدي المقاومة (الموصل) أو سقطت منها أحياء واسعة (بغداد والرمادي) عدا أن المجال القروي والريفي المحيط بعدد من المدن العراقية قد أصبح أكثر من أي وقت مضى خارج سيطرة القوات الأمريكية التي تعاني أصلا قلة العدد في المجالات الحضرية. وأهم تعبير على هذا الحصار الريفي والقروي للقوات الأمريكية هي الضربات الخلفية التي تلقتها من جهة القرى المحيطة بالفلوجة. وعموما فقد تراوحت التقارير الأمريكية عن معركة الفلوجة بين ثقة رسمية مفرطة (كثيرا ما تتسم بخطاب متوتر يعسر المراجعة والتقييم) تفضح الطابع الدعائي لإعلام ذي نزعة عسكرتارية وشكوك قوية في جدوى العملية العسكرية تسربت عبر الانبهار الذي أبداه العديد من القادة الميدانيين والجنود الأمريكيين بالروح القتالية للمقاومين العراقيين وعبر الأخبار الواردة عن إعادة الانتشار المستمرة للأخيرين داخل المدينة وهو ما كذب الادعاءات الرسمية بحصر جيوب المقاومة في بعض الأحياء الجنوبية. وبالرغم من هذا التباين فقد أصبح من الواضح (و حتى في ثنايا الخطاب الرسمي) أن السيطرة على الفلوجة إذا تحققت فإنها ستكلف القوات الأمريكية خسائر كبيرة ولكن الأهم من ذلك أنها لن توقف المقاومة بل على الأرجح ستدفعها أكثر للتوسع والنمو نحو توحيد قواها وتحقيق أحد أهم أهدافها (و في الآن نفسه أحد الكوابيس الأمريكية الرئيسية) أي وحدتها السياسية والتنظيمية.
إن أسلوب المقاومة العراقية هو بلا شك أسلوب حرب عصابات يرتكز كتجارب تاريخية سابقة أساسا على أسلوبين. أولا، هجمات متفرقة بالأسلحة الخفيفة أو القنابل الموجهة عن بعد على العربات الامريكية المتنقلة. ثانيا، قصف وتفجير مواقع عسكرية ثابتة من خلال سيارات وعربات مفخخة وأخيرا من خلال صواريخ يتم دفعها من على منصات غير ثابتة. غير ان الواقع الطوبغرافي العراقي المتميز بشكل عام بالانبساط يدفع في اتجاه تركيز هذه العمليات داخل المدن. بالإضافة إلى ذلك فإن التحولات الكبيرة على مستوى الجغرافية السكانية (ليس في العراق فحسب) والذي جعل الاغلبية السكانية تتركز في المجالات الحضرية تدفع في نفس الاتجاه. وإذا أخذنا بعين الاعتبار تجارب المنطقة العربية والتي تتوفر الآن على تجارب غنية في هذا المجال فان المقاومة العراقية تتجه نحو نموذج أقرب إلى التجربة الصومالية منه لتجربة المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان في حقبة التسعينات. كما انها تتجه ببطء ولكن بثبات لتكون قريبة من التجربة اللبنانية خلال الثمانينات وخاصة حرب الشوارع ضد قوات الاحتلال الإسرائيلية وحلفائها في بيروت. وفي كلمة نحن بصدد مواجهة عسكرية تتصاعد في اتجاه نموذج الحرب الفيتنامية لكن في مجال حضري: فيتنام حضرية .
من جهة أخرى تعيش هذه الحرب الشعبية مرحلة انتقالية حيث أن نجاحها في تشتيت جهود القوى الأمريكية والسيطرة السريعة على مدن ضخمة (مثل الموصل الآن والنجف قبل ذلك) مع القدرة على الفر بدون تكبد خسائر تُذكر يعني أنها تملك المبادرة العسكرية. لكن من جهة أخرى ستكون مضطرة على تعلم التسيير المنظم والمنضبط للمدن والمجالات التي تسيطر عليها فهذه مدرستها الأولية في بناء الدولة الوطنية. وهو ما يعني بالضرورة الإلحاح على الحاجة الحيوية في الوضع الراهن لمسألة التوحيد التنظيمي والبرامجي للمقاومة على قاعدة من الحد الوطني الأدنى. فالانتظار حتى قيام القوات الأمريكية بتركيز جهودها على أحد الأطراف حتى تستنفر مختلف القوى جهودها بشكل موحد هو أسلوب يخضع لرد الفعل ولا يمكن أن ينتزع تماما المبادرة السياسية. أما مسألة هزيمة القوات الأمريكية فستتكفل به طول المواجهات ومن ثمة الاقتناع المتزايد بعدم جدوى الحرب المضادة للمقاومة.
woywoy
عريـــف
الـبلد : العمر : 28المهنة : طالب المزاج : متغير 180 درجة التسجيل : 10/08/2011عدد المساهمات : 46معدل النشاط : 71التقييم : 1الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
موضوع: رد: التفكير العسكري الأمريكي ومسائل الانتصار والهزيمة الإثنين 26 سبتمبر 2011 - 20:15
مشكور على الموضوع بصراحة ممتاز جدا
ثوار طرابلس
لـــواء
الـبلد : المهنة : جندي في خدمة الوطنالمزاج : ننتصر أو نستشهدالتسجيل : 08/09/2011عدد المساهمات : 3291معدل النشاط : 2886التقييم : 90الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
موضوع: رد: التفكير العسكري الأمريكي ومسائل الانتصار والهزيمة الإثنين 26 سبتمبر 2011 - 21:33
موضوع: رد: التفكير العسكري الأمريكي ومسائل الانتصار والهزيمة السبت 26 نوفمبر 2011 - 11:42
بجد موضوع ممتاز ومشابه فى الهدف والفكرة التى تريد أيصالها بالموضوع الأخر الفكر الأستراتيجى ولك ما أقرأ أحضر كلام ومواقف من حروب من مصيدة الثليج الروسية لنابليون وتكررها مع أدوف هتلر مرة اخرى وأنتصار الروس أيضا بنفس الطريقة والحرب الأمريكية الفيتنامية ومعيار الحرب بها التكنولوجى والعقيدة وفكرة الأنتصار وكثير ولكنك لم تترك لي الكثير لأتحدث عنه ووضعته
موضوع: رد: التفكير العسكري الأمريكي ومسائل الانتصار والهزيمة الأحد 27 نوفمبر 2011 - 16:00
co71libya كتب:
kioo كتب:
السعادة الحقيقية أن عضو واحد حتى يستفيد من الموضوع ويكون بيدور عليه حتى ومش مشارك فى المنتدى ويحترمك بدون معرفتك
والمكشب الحقيقي ي مشاركتك اخي العزيز ولك تقييم +++
دا من زوقك بس يا ميجور بس نفهم من أنك شيلت صور خميس القذافى انه مات ولا ايه ؟؟؟؟ ولا بتخيطوا ليه كفن !!!!
محمد علام
مشرف سابق لـــواء
الـبلد : المزاج : كلنا من اجل مصرالتسجيل : 20/02/2010عدد المساهمات : 12007معدل النشاط : 11382التقييم : 867الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
موضوع: رد: التفكير العسكري الأمريكي ومسائل الانتصار والهزيمة الأحد 27 نوفمبر 2011 - 17:31
اولا : ينقل الي قسم المواضيع العسكرية العامة ، الموضوع لاعلاقة له ابدا بالقوات البرية . ثانيا : احب ان اضيف الي التعليق الاول لــ كلاوسفيتز ان هناك عامل مهم جدا لايمكن اغفاله الا وهو العامل الاقتصادي . ثالثا : اعتقد ان امريكا طبقت فكر كلاوسفيتز في افغناستان وليس في العراق ، ربما نجحوا في افغناستان لان الناس ضاقوا ذرعا بحكم طلبان ورأو في امريكا السوبر مان الذي جاء لينقذهم ولكن ذلك لم يحدث في العراق ، عموما التجاح الامريكي في افغناستان في هذه الجزئية لايمكن انكاره والمتابع لموضوع صور اليوم سيجد ان الشعب الافغاني يرحب بقوات الايساف . رابعا : اعتقد ان مايسمي بمشروع عين الرب قد بدأ عمليا بالفعل وذلك نعرفه جيدا فالان دباباتهم متواصله مع الطائرات المروحية ودون طيار بل والمقاتلات وكذلك الفرد يمكن وصله مع الطائرات دون طيار ، وفي البحر نفس الوضع . خامسا : الادلة التي وزعت للجيش الامريكي كان رئيس الاركان المصري في حرب اكتوبر سعد الدين الشاذلي سابقهم فيها حيث كان يوزع الادلة التي تشرح العديد من التعليمات والمواقف التي قد تواجه اي فرد مهما كان السلاح الذي ينتمي اليه وادلة حول الالتزام الديني ، هذه الادلة كان عددها يقارب الاربعين وكان الجنود يهتفون بارقامها لتحية الفريق الشاذلي في زياراته للجبهة. سادسا : اعتقد ان القيادة الامريكية يجب ان توصم بالغباء العسكري للقيام بهذه الفعلة : قوات المارينز التي ذهبت الى العراق في الحرب الأخيرة لم يقع تزويدها سوى بدليل حروب يركز أساسا على مبادئ الحرب النظامية وهو بالمناسبة نفس الدليل الذي تم توزيعه على الجنود الأمريكيين الذين شاركوا في الحرب العالمية الثانية نعم ان الجيش العراقي هو التحدي الرئيسي والاكبر وقتها ولكن يجب ان اضع في حسباني حدوث عمليات حرب عصابات وخصوصا ان افغناستان خير شاهد حي علي ذلك بل ان العراق شعب اكثر وعي وعظمة وتمسكا بالارض . سابعا : الموضوع يبدو قديما ويرجع الي ايام غزو العراق .