لم تكن صورة الجزائر في القرن الثامن عشر واضحة جدا، بفعل أن المصادر العربية والتركية كانت قليلة الأهمية في نظر الأوروبيين. ولكن أغلب ملامح هذه الصورة الكاملة لبلاد الجزائر رسمها الأوروبيون، سواء الرحالة منهم أو القناصل أو الأسرى.
كانت الرحلات الاستطلاعية الأوروبية إلى الجزائر منذ بداية الوجود العثماني فيها، إذ سبق لنيكولاي ”Nikolay” أن زار الجزائر عام 1551 وهو من الجغرافيين.
وكان من أفراد الحاشية الملك هنري الثاني، حيث قدم وصفا لمدينة الجزائر وبجاية وعنابة وهو في طريقه إلى اسطنبول.
ومن الرحالة نذكر الدكتور شو ”shaw” الإنجليزي الذي كان كاهنا بالوكالة الإنجليزية في الجزائر من عام 1720 إلى 1732. إذ استطاع شو أن يقدم عملا نادرا بعنوان: جولات في ولايات متعددة ببلاد البربر والشرق، في جزئين تضمنا أوصافا دقيقة وتفاصيل عن بلاد الجزائر، وخاصة عن ريفها ومنتجاتها وآدابها العربية. مثلما تضمن قليلا من المعلومات عن الحياة السياسية والإدارية.
ويعد الدكتور شو من الدارسين والرحالة الذين حاولوا التحدث عن بلاد الجزائر خلال النصف الأول من القرن 18 إذ رسم خريطة وضح عليها معالم جغرافية، وحدد بها حدود إيالة الجزائر، وخاصة حدود بايليك الشرق الجزائري.
وبتكليف من أكاديمية العلوم زار جان أندري بايسونال ”peyssonnel” الشرق الجزائري خلال عامي 1724 و1725 وقدم عملا هاما عن الجزائر، تضمن معلومات جغرافية وطبيعية واجتماعية قيمة.
أما بريس الذي تولى مهام قنصل لتمثيل بلده إنجلترا في الجزائر سنة 1768 فقد قدم رواية في خمسة أجزاء تبدو قليلة الأهمية بالنسبة إلى تاريخ الجزائر العثمانية ولكنها تبقى مصدرا هاما في خدمة هذا التاريخ.
أما فرنثيسكو خيمينيث (مولود عام 1685) وهو من الآباء البيض الأسبان الترينيتاريين الذي زار وهران بعد أن استرجعتها أسبانيا عام1732 (استولت أسبانيا على وهران عام 1509. ثم استرجعتها السلطة العثمانية عام 1708 إلى غاية عام 1732 في عهد الباي مصطفى بوشلاغم. وأخيرا استرجعها الباي محمد الكبير نهائيا عام 1792 ). وقدم ملاحظات هامة عن الجزائر ووهران خلال رحلته إليهما التي دامت من عام 1717 إلى عام 1720، حيث دون أعماله في سبعة مجلدات، خصص ثلاثة منها لهذه الرحلة. والأربعة الأخرى خصصها لتونس.عرض فيها معلومات نادرة عن ظروف الأسرى المسلمين في أسبانيا. وقد تحادث مع الباي مصطفى بوشلاغم في هذا الموضوع. وسعى لبناء مستشفى في وهران، ولكن الباي رفض هذا الطلب. ولم يمنعه هذا الرفض من تقديم معلومات كثيرة، منها ما تعلق برغبة هذا الباي في دفع بعض الأسرى إلى اعتناق الإسلام، بل أن الباي حاول أن يجعل أحدهم خزندارا. وهو الأمر الذي تكرر مع الباي محمد الكبير حين أسند مهام وظيفة الخزندارا إلى تيدنا، وكانت أعمال خيمينيث من المصادر الهامة التي وظفها جان أندري بايسونال فيما قدمه عن الجزائر من معلومات تاريخية.
وبالمقابل فإن أعمال فانتير دي بارادي بالنسبة لتاريخ الجزائر العثمانية هي ذات قيمة عالية، وقد نشرت في المجلة الإفريقية، إذ زار العالم فانتير دي بارادي الجزائر عام 1789 وقدم عملا بعنوان: notes sur alger تضمن معلومات قيمة عن هذا البلد، من بينها ما يتعلق بالجزائر العاصمة التي قال عنها أن بها 16000 بستان، وبها 5000 مسكن بما فيها 180 مسكن لليهود وقدر عدد سكانها ما بين 25 إلى 30 ألف نسمة، وقال أن العدد قد يصل إلى 50 ألف ساكن بالنظر إلى عدد النساء اللواتي لا يخرجن من البيوت (6000 كراغلة، و300 تركي، و7000 يهودي و2000 أسير و32000 من العرب) على خلاف فيلهلم شيمبر الذي قال بوجود 1500 بناية و100000 ساكن. ومهما يكن فهذا العمل يعد من المصادر الأساس لخدمة تاريخ الفترة العثمانية في الجزائر.
مثلما هي أعمال هايدو ذات القيمة العلمية الراقية، إذ قدمها باللغة الأسبانية تحت رعاية الدينية الكاثوليكية عام1608وترجمت إلى الفرنسية بعنوان: (Topographie et Histoire générale d’Alger ) وتناولت خمسة محاور. المحور الأول حول طبوغرافية الجزائر (Topographie d’Alger) والثاني تناول حكام الجزائر ”ملوك الجزائر” (l’épitomés des rois d’alger) والثالث حول الأسر (la captivité) والرابع حول الشهداء والخامس حول المرابطيين.
وقد تبنى واعتمد المجلس الاعلى الديني الكاثوليكي لمملكة سيسيليا هذا العمل، ووافقق على طبعه ونشره الملك نفسه عام 1610، ولكنه نشر عام 1612، ومن غير المستبعد أن تكون الموافقة جاءت بعد حذف أو تعديل أو زيادة بعض المعلومات التي كانت تمس ما يتعلق بالمسحيين.
وقد تناولت المحاور الثلاث الأخيرة وهي العبودية المسيحية في الجزائر، وكتبت على شكل حوار دار بين أنتونيو وسوزا وسبق أن ترجم القسم الأول طبوغرافية الجزائر كل من مونرو وبربريقر وترجم دي غرامون القسم الخاص بملوك الجزائر.
وقد عرض هايدو معلومات تثير الانتباه ومن بينها هروب أتراك عثمانيين من الجزائر إلى أيطاليا وأسبانيا مرفقين بمسحيين، إذ حدث في إحدى المرات أن هرب 25 مسيحي يوم 16 جويليه عام 1579.
وكان الرحالة الآخرون علميين طبيعين متخصصين في النبات ومن بينهم عالم ديفو نشين الذي تجول في بلاد الجزائر ما بين 1783 و1784 حيث زار كلا من الجزائر ومعسكر وتلمسان، وترك لنا رواية عن سفره إلى هذه المناطق، حيث سمحت له حماية الحكومة المحلية باتمامها صحبة صانع ساعات من دوفينا الذي خدم البايليك مدة عشرين سنة، وهو الشخص الذي أشار إليه تيدنا في مذكراته.
ويعتبر عمل ديفونشين وثيقة هامة لمعرفة أنواع النبات والمناجم في الغرب الجزائري، فهي ذات أهمية خاصة لما تضاف إلى أدب الرحلات وتقارن بما قدمه تيدنا، ومن غير المستبعد أن تكون سلطة الاحتلال الفرنسي قد استفادت من هذه المعلومات ووظفتها في استغلالها للموارد الطبيعية في الجزائر.
أما القس بوراي فقد قدم عملا هو الآخر عن زيارته إلى الناحية الشرقية من بلاد الجزائر، ولكنه أضفى على كلامه إسهابا دينيا مسحيا، فعن طريق هذه الرحلات والدراسات عرفنا سر اهتمام الأوربيين بالجزائر، فالألمان مثلا ترجموا بدورهم كتبا، منها كتاب الرحالة الانجليزي توماس شو الذي عنوانه :”رحلة في ولاية الجزائر 1765” وترجموا كتاب الشاعر الإيطالي بانانتي سنة 1824 الذي عنوانه ”رحلة إلى سواحل البرابرة.”
وقام قبله تاكسا الإيطالي برحلة مرافقا السفير الفرنسي دي بريف من مصر إلى الجزائر عام 1606، ولم يقتصر الألمان على الترجمة بل ألفوا كتبا كثيرة عرفتنا أشياء هامة عن المجتمع الجزائري آنذاك، وعن عدد السكان وعدد الأسرى المسيحيين وعدد اللغات السائدة آنذاك في الجزائر العاصمة، وهي العربية والتركية والإسبانية والفرنسية والإيطالية والإنجليزية والهولندية، وقدم من جهته لوجيه دي تاسي دراسة قيمة عن الجزائر ونشرت عام 1725.
واهتم من جهته الألماني سيمون بفايفر (ولد سنة 1810) الذي أسره رجال الإنكشارية في اليونان ونقلوه إلى أزمير ثم نقل إلى الجزائر برفقة عدد من العبيد عام 1825، على متن سفينة شراعية حربية جزائرية يقودها إنجليزي اعتنق الإسلام ويسمى عمر، وبعد 25 يوما وهي مدة الرحلة من أزمير إلى الجزائر وجد بفايفر نفسه في النهاية يمارس مهنة الطبخ في بيت الخزناجي الخاص، وتولى في أواخر وجوده في الجزائر مدة أسبوعين منصب خزندار لباي الطيطري، المهم دام أسره في الجزائر خمس سنوات، إلى غاية يوم 16 سيتمبر 1830، وبعدها عاد إلى بلده ألمانيا، وكتب ونشر عام 1832 مذكراته بعنوان ”رحلاتي وسنوات أسري الخمس في الجزائر” وتعبر مذكراته من المصادر الهامة في تاريخ الجزائر أواخر العهد العثماني بها،ن وبداية الإحتلال الفرنسي لها.
ونفس الشيء تقريبا حدث مع مواطنه الألماني فندلين شلوصر الذي ارتحل إلى البرازيل للبحث عن العمل في المناجم لكنه عاد إلى ألمانيا ومنها توجه إلى فرنسا ثم إلى الجزائر وانضم إلى فرقة عسكرية أجنبية تحت أوامر الجيش الفرنسي، وفي شهر أفريل سنة 1832 ألقى عليه بعض الجزائريين القبض بالقرب من الجزائر العاصمة وباعوه إلى الشيخ الثائر ابن زعمون ومنه سلم إلى شيخ الطريقة القادرية بالأخضرية وهو علي بن عيسى، ثم نقل إلى الشرق وانتهى به المطاف أسيرا في قصر الحاج أحمد باي حيث بقي مدة 5 سنوات تولى خلالها مناصب كثيرة كان آخرها العمل في المدفعية للدفاع عن المدينة ضد الفرنسيين الذين هجموا عليها عام 1836 و1837.
http://www.al-fadjr.com/ar/culture/247985.html