السلام عليكم ورحمة الله وبركاته,
نقدم بين يدي الموضوع بمقدمة حتى يعرف لماذا تأخرنا في نقل الخبر.
يوم الخميس الماضي 18 يناير 2007 بينما كنت أبحث في الانترنت عن مواضيع معينة وجدت خبراً مفاده أن الشيخ سعيد جربوع العبيدي -بكسر الباء نسبة إلى قبيلة العبيد لا قبيلة العبيدات المعروفة- قد توفي , طبعاً ما كل ما تقرأه تصدقه لذلك قررت أن أغير وجهة بحثي نحو البحث عن مواضيغ تتعلق بهذا الرجل , الذي لا أعتقد أن هناك رجلاً في قبيلة العبيد إلا وهو يكن له محبة كبيرة , المهم خلال بحثي وجدت هذا الخبر في موقع أخبار جليانة المحلية:
وفاة المجاهد جربوع العبيدي
المهم بعد قراءة الخبر أصابتني غصة وأنا في الغربة وحدثت نفسي قائلاً " لماذا لم يخبرني أهلي بالوفاة مع أني على اتصال دائمٍ بهم" , وقررت للتأكد من الخبر الاتصال بالأهل حتى يكون الخبر مؤكداً , وبالفعل اتصلت بهم وأكدوا لي الخبر فنسئل الله عز وجل أن يغفر لشيخنا وأن يرحمه ويتجاوز عن سيئاتنا وسيئاته.
من المعروف أن كبار السن من الصعب أن تعرف بالضبط سنة مولده لغياب تقيد الولادة في ذلك الحين , لكن الشيخ سعيد تقريباً من مواليد ما بين سنتي 1906 و 1908 أي أنه عند وفاته ناهز التاسعة والتسعين من العمر على الأقل ,وهو من سكان منطقة بو قراوة بالقرب من تاكنس التي تقع شرق مدينة المرج , والشيخ سعيد له تأثير كبير في تاريخ ليبيا الحديث - وإن جهل ذلك من جهله - حيث أنه كان من المشاركين في الكفاح ضد الاستعمار الإيطالي مع عمر المختار وكذلك بعد شنقه من قبل الاستعمار , وكذلك كان من المرافقين للملك إدريس السنوسي في منفاه وشارك أيضاً في مفاوضات استقلال ليبيا والذي تم في الرابع والعشرين من ديسمبر عام1951 وحيث كان أحد أفراد الجيش الليبي الذي دحر المستعمر الايطالي في نهاية الأربعينيات من القرن الماضي.
وكان الدكتور فرج نجم قد أجرى لقاءاً مع الشيخ سعيد رحمه الله في سنة 2003 وسأقتطف لكم بعض الفقرات من هذا اللقاء ثم أضع لكم رابط اللقاء حتى تقرؤوه كاملاً لمن شاء.
كان أول سؤالٍ سأله الدكتور فرج للشيخ هو
ما إذا كان مع عمر المختار عندما وقع في الأسر ؟
فأجاب الشيخ "عندما حوصرنا في وادي بوطاقة , وكنا قرابة الخمسين فارساً، فحاصرنا الطليان في ذاك الوادي الضيق، وبدأ الرصاص يحصد رجالنا بعد نفاذ الذخيرة، طلبت من سيدي عمر المختار علف (ذحيرة)، فأعطاني 3 أمشاط، وبعد نفاذها رجعت فأعطاني 3 أمشاط أخر، وكنت حينها بصحبة كل من حسن العرج وعبد العاطي بوبعيدة وهما من قبيلة الحاسة". وأضاف الشيخ سعيد قائلاً: "
عندما وقع سيدي عمر على الأرض كان بيني وبينه مسافة لا تزيد عن ثلاثة أمتار".
ويحكي الشيخ عن بسالة الرجال الذين حاولوا إنقاذ عمر المختار قائلاً "وحاول البعض في ضباب المعركة فعل ما فعله
مفتاح قويرش الحاسي، الذي رفض مغادرة سيدي عمر واهتزج مغنياً: "
دمي رايب عند الشايب" حتى سقط مضرّجاً في دمائه شهيداً، وقد سبقه إلى الشهادة مدافعاً عن عمر المختار
عوينات العقوري، ليكون أول شهيد في تلك المعركة" انظروا إلى بسالة هؤلاء الرجال الذين صدقوا في دفاعهم عن قائدهم.
ويستطرد الشيخ سعيد مخبراً عما قاله لهم عمر المختار في هذه الظروف الحالكة "قال عمر المختار لرفاقه "عدّوا يا ضناي -بمعنى أبنائي- هذا يومٌ لا لي ولا لكم" انظروا إلى حكمة هذا الرجل ورزانة عقله حتى في أصعب المواقف نسئل الله أن يغفر له ويرحمه.
وكان الشيخ سعيد في ذلك الوقت ما بين 13 أو 15 من عمره وكان بداية معرفته بعمر المختار باعتبار أن "عمر المختار قد عُين من قبل السيد المهدي السنوسي شيخاً لزاوية القصور سنة 1885م الواقعة بين نجوع قبيلة العبيد ببرقة الحمراء. وعرف عن العبيد تمردهم وصعوبة مراسهم وعدم خضوعهم لأي سلطان،
ولكن سرعان ما انصاعت هذه القبيلة ذات البأس الشديد للقيادة الروحية والتنظيمية للشيخ عمر المختار" كما قال الدكتور فؤاد نجم.
ومما قاله الدكتور فؤاد أيضاً "وبعد مشاركة الشيخ عمر المختار في الجهاد في تشاد ومن ثم عاد إلى أرض الوطن، عين مرة ثانية في مكانه في زاوية القصور سنة 1906م لإدارة شؤون
قبيلة العبيد التي طالما قابلت طلب السلطات العثمانية في جباية الضرائب بالرصاص. والشيء بالشيء يذكر، فقد استطاع عمر المختار أن يقود قبيلة العبيد التي لعبت دوراً رئيسياً في الجهاد،
وضحّت بكثير من شبابها وشيبها وفي مقدمتهم التواتي بوشعراية - شيخ قبيلة العبيد - شهيد معركة الرحيبة عام 1927م، الذي سقط ذبيحاً في مسيرة الجهاد الخالدة ليسطر له ولقبيلته تاريخاً في ليبيا.
وقد وصف السفاح غراتسياني قبيلة العبيد قائلاً ": المغاربة في الغرب والعبيد في الشرق قد سببا لنا الكثير من المشاكل في برقة" قال الدكتور فؤاد "حينها قررت إيطاليا أن تجر هذه القبيلة وتلقي بها في معتقلات التهلكة
التي أعدتها إيطاليا لإبادة بدو برقة"
ويحكي الدكتور أيضاً على ماذا كان يقتات المجاهدون في تلك الأيام "فأكلوا الكراث والقعمول والخرشوف والجرابيع وصيد الليل" انظروا إلى صبر هؤلاء الرجال في دفاعهم عن دينهم ووطنهم.
ختاماً لا أريد أن أطيل عليكم وعذراً إن كنت قد أطلت هذا هو رابط لقاء الدكتور فؤاد نجم مع الشيخ سعيد جربوع العبيدي :
الشيخ سعيد جربوع المجاهـد والعـمدة.. آخر رفيق لعـمر المختار
.
تجدون فيه أيضاً قصة قتاله ضد النواة الأولى للاحتلال اليهودي لفلسطين وغيرها من الصفحات المطوية في التاريخ الليبي المشرف والذي يحق لكل من ينتمي لهذه البلاد أن يفخر بها.
وأنا ممن كان لهم الشرف بلقاء هذا الشيخ عدة مرات وذلك لأن بيننا صلة قرابة وكان دائماً عندما يلتقيني يقول لي "يا بومحمد باتك مازال ما يبي شي ايسيب طرابلس" رحمه الله .
وأنقل هذا الخبر لا من باب النعي لأن النعي لا يجوز في ديننا الإسلامي إنما للتعريف بهذا الرجل رحمه الله وغفر له.[b]