اعتبارات التسلّح الإقليمي وأدوار الدول الحليفة
بنت معظم دول المنطقة عقيدتها العسكرية وسياستها التسليحية لفترة طويلة على معطيات الصراع العربي الإسرائيلي، ولم يتغير ذلك بشكل عام حتى الآن، لكن طبيعة الصراع في المنطقة من وجهة النظر الأمريكية قد تغيّرت، فبعض الصراعات الجديدة ناتج عن تهديدات داخلية، وبعضها سببته تهديدات خارجية محتملة من دول مثل إيران.
فقد قامت إيران في الفترة الأخيرة باستعراض حزمة من أسلحتها البحرية الجديدة في الخليج، كما لم تتوقف عن الإعلان عن تجاربها الصاروخية بعيدة المدى. وبجانب الخوف من صواريخ إيران، واحتمالات تطويرها لأسلحة نووية عملت إيران على تحديث أسلحتها التقليدية، ومن أهمها شراء (6) غواصات حديثة من روسيا تمكّنها من إغلاق الخليج الذي يمر منه (40%) من بترول العالم. وكانت إيران قد بدأت مشروع تسليح طموحاً عقب انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، أنفقت من خلاله في الفترة من 1987 إلى 1990م نحو (8،7) مليارات من الدولارات، لتحديث بحريتها وتطوير بنيتها الأرضية والصاروخية التي تمكّنها الآن من النيل من دول الخليج والقوات الأمريكية الموجودة في الخليج والوصول إلى إسرائيل وتركيا.
وتنظر الولايات المتحدة إلى أمن الخليج والشرق الأوسط بشكل عام من منظور شامل يمتد إلى أمن الطرق البحرية المؤدية للخيج والمحيطة بالشرق الأوسط، وفي هذا الإطار سيكون للدول الأوروبية دور أكبر من مستوى الدول منفردة، ومن خلال عضويتها في حلف الناتو، وتلتقي هذه النظرية مع تمدد دورحلف الناتو في المتوسط وفي الخليج. وقد فتحت مبادرة (أسطنبول) للأمن والتعاون الطريق إلى اقتراب مباشر بين حلف الناتو ودول الخليج. ومن خلال هذه العلاقة الجديدة، سوف يقدم الحلف لهذه الدول حزمة من الخدمات في مجال التخطيط العسكري، والتدريب، وتحديث البنية الدفاعية لتكون أكثر قدرة على التعاون والعمل المشترك مع الشركاء الغربيين والجيران الإقليميين. ويجب ألاّ ننسى أن حلف الناتو عمليًا مشتبك في حرب داخل أفغانستان، وأن مسؤولية أمن الخليج، والمرتبطة بأمن الطاقة للمعسكر الأورو أطلسي لن تكون بعيدة عنه في المستقبل.
ولاشك في أن اهتمام الناتو بالشرق الأوسط، والذي بدأ في منتصف تسعينيات القرن الماضي بالحوار المتوسط، قد وصل الآن إلى آفاق دفاعية جديدة لم تكن متخيّلة من قبل. وفي كل هذه المراحل، كان الحديث يتكرر عن ضرورة التركيز على "التوافق" بين نظم الأسلحة المختلفة الموجودة في حوزة الدول ذات المصالح المشتركة والمتعاونة مع الناتو من خلال اختيار نظم السلاح، ومن خلال التدريب المشترك بين الدول.
وفي إطار كل هذه العوامل، لاتزال إسرائيل تمثّل عقبة حقيقية في مستقبل بناء منظومة دفاعية موحّدة للشرق الأوسط تحت مظلة غربية، فقد تسببت علاقتها الخاصة بالولايات المتحدة في وضع الأخيرة في موضع العدو، وليس الحليف بالنسبة للدول العربية، خصوصًا على المستوى الشعبي.
ومن ناحية أخرى، لاتزال إسرائيل تعارض وصول الأسلحة المتطورة إلى بلاد مثل: مصر، والسعودية، وتعتبرها في كل الأحوال تهديداً لها. وبرغم أن إسرائيل من بين الدول السبع المتوسطية التي تُقيم حوارًا أمنيًا مع حلف الناتو، إلاّ أن تعاونها مع الناتو يتطوّر في مجالات مختلفة بعيدًا عن باقي الدول العربية الأعضاء في الحوار.
ولعل مبادرة الرئيس (بوش) لعقد اجتماع مشترك في خريف 2007م، لاستئناف عملية السلام تمثِّل أحد العناصر المهمة في عملية بناء هيكل دفاعي للشرق الأوسط، قد يكون لإسرائيل وتركيا دور فيه، ويقوم على شبكات مشتركة للإنذار المبكّر والانتشار السريع، وهو هدف من الصعب تحقيقه بدون تحقيق سلام شامل وعادل في المنطقة، وبدون وضع تعريف مشترك للمصلحة والتهديد، وسوف يتطلب ذلك سنوات من العمل الشاق، لبناء منظومة إقليمية فعّالة للأمن والتعاون
السياسة الدولية، العدد (170)، أكتوبر 2007م.
المصدر
http://www.kkmaq.gov.sa/Detail.asp?InNewsItemID=262328