هكذا أحبط الوفد الجزائري مخطط تهريب أطفال العراق إلى إسرائيل
عـصـام بـن مـنـيــة
السيدة أم سارة أحمد ناجم الدين تقول أن ابنتها لو ماتت على طاولة الجراحة فستدفنها بأرض الجزائر الطاهرة
تمكن الوفد الطبي الجزائري الممثل في شخص رئيس عمادة الأطباء الجزائريين الدكتور بقات بركاني محمد وكذا الدكتور مصطفى قاصب ممثل الجزائر في الأمانة العامة لاتحاد الأطباء العرب، مطلع شهر ماي الجاري، من إحباط أكبر مخطط نسجته جمعية خيرية إسرائيلية تنشط تحت غطاء مسيحي منذ عدة سنوات بكردستان العراق، بمساعدة من الجيش الأمريكي لتحويل أطفال عراقيين يعانون من تشوهات خلقية في القلب للعلاج في تل أبيب، مما تسبب في إحداث أزمة وطنية عراقية، خاصة بعد أن تمت إثارة هذه القضية على مستوى العديد من وسائل الإعلام الدولية والفضائيات العربية والعراقية قبل أن يتدخل الوفد الطبي الجزائري وبالتنسيق مع ثلاثة أعضاء من مجلس النواب العراقي لتبني فكرة ضرورة منع هؤلاء الأطفال المرضى من السفر إلى تل أبيب، وتحويلهم إلى العلاج في الجزائر التي سينزلون بها رفقة أمهاتهم يوم الجمعة 23 ماي الجاري.
السيناريو الكامل لاكتشاف مخطط نقل أطفال العراق المرضى للعلاج في تل أبيب بدأ عندما وجه الدكتور العراقي عمر خضر الكبيسي الأستاذ في جراحة القلب والمقيم بعمان نداء إلى نقابة الأطباء الجزائريين، جاء في مضمونه حسب الدكتور بقات بركاني محمد، أن جمعية خيرية إسرائيلية تنشط بكردستان العراق تحت اسم (جوناثان) منذ عدة سنوات وبدعم كبير من الجيش الأمريكي قامت بالتنسيق مع جمعية الهلال الأحمر العراقي بتوجيه نداء عام للعائلات العراقية في المنطقة الخضراء قصد إحصاء الأطفال المرضى وخاصة منهم أولئك الذين يعانون من الأمراض القلبية المستعصية، وبعد أن تمكنت هذه الجمعية من تسجيل 14 طفلا عراقيا تتراوح أعمارهم بين سنة واحدة و6 سنوات كانوا يعانون من تشوهات خلقية على مستوى القلب ويحتاجون إلى عمليات جراحية جد دقيقة، بغرض مساعدتهم وقد أوهمت هذه الجمعية عائلات الأطفال المرضى أنه سيتم التكفل بإجراء العمليات الجراحية لأبنائهم بإحدى المصحات الأردنية، لكنه وبعد الوصول إلى ضواحي عمان تم إجراء التحاليل والكشوفات الدقيقة التي بينت أن الأطفال يعانون من تشوهات خلقية في القلب، لتتفاجأ أمهاتهم التي رافقتهم إلى الأردن أن أطفالهن سيتم نقلهم إلى تل أبيب من أجل التكفل بحالاتهم من طرف الجمعية الخيرية الإسرائيلية (شيفيت أخيم)، وقد أبدت أمهات الأطفال رفضها القاطع لسفر الأطفال إلى الدولة العبرية حتى ولو كان ذلك من أجل علاج فلذات أكبادهن، وفي الفترة التي تخلت فيه الجمعية الإسرائيلية عن الأطفال وأمهاتهم بعد ما تركتهم تائهين في الأردن دون أية رعاية طبية وفي وضعية مأساوية، دفعت ببعض الأطباء العراقيين المقيمين بالأردن يتقدمهم الدكتور العراقي المختص في جراحة القلب الأستاذ عمر خضر الكبيسي، الذي بادر إلى استقبال أمهات الأطفال وباشر جملة من الإتصالات لإيجاد حل لوضعيتهن الصعبة، وكان الرد سريعا وإيجابيا من طرف المجلس الوطني لعمادة الأطباء الجزائريين الذي سعى إلى العمل من أجل نقل هؤلاء الأطفال للعلاج في الجزائر.
وفي تلك الأثناء كانت الجمعية الإسرائيلية في سباق مع الزمن بعد ما تمكنت من إخفاء خمسة أطفال يرجح أنها قامت بنقلهم إلى تل أبيب. بينما قامت باحتجاز ستة أطفال آخرين داخل كنيسة أنجليكانية، حيث لم يبقى من مجموعة هؤلاء الأطفال سوى ثلاثة أطفال فقط بقيت المفاوضات جارية بشأنهم لنقلهم للعلاج في الجزائر، ويتعلق الأمر بكل من الفتاة سارة أحمد ناجم الدين البالغة من العمر سنتين وكذا الطفل أحمد فائق نامج البالغ من العمر 6 سنوات والرضيع ديار باكر إسماعيل البالغ من العمر سنة واحدة فقط، واغتنم الدكتور بقات وكذا الدكتور قاصب فرصة السفر إلى الأردن من أجل الإشراف على أشغال الندوة الأورو متوسطية التي احتضنتها الأردن في الفاتح ماي الجاري، حيث تم تقديم سفرهما بأيام من أجل الإطلاع عن قرب على ملف هذه القضية وتشخيص بدقة حالات هؤلاء الأطفال العراقيين الذين تم نقلهم من طرف الجمعية الإسرائيلية إلى عمان قبل تحويلهم إلى تل أبيب، حيث اتضح للوفد الطبي الجزائري أن الأطفال قضوا رفقة أمهاتهم أزيد من ثلاثة أشهر كاملة في انتظار علاجهم أو إعادتهم إلى العراق بسبب الرفض الشديد الذي أبدته عائلاتهم حول السفر إلى إسرائيل.
الأطباء الجزائريون يخلطون الساحة السياسة العراقية
في الوقت الذي بلغ فيه خبر تلبية الدعوة التي وجهها الدكتور عمر الكبيسي من طرف عمادة الأطباء الجزائريين مسامع الساسة العراقيين، تحرك بعض أعضاء مجلس النواب العراقي وسارع للسفر إلى الأردن من أجل الإطلاع على حقيقة ما تداولته بعض الفضائيات بخصوص هذه القضية، وكان من غريب الصدف ـ يقول ممثل الجزائر في إتحاد الأطباء العرب الدكتور قاصب مصطفى ـ أن يلتقي الوفد الطبي الجزائري يوم 30 أفريل 2008 بثلاثة نواب من الكتلة البرلمانية الوطنية العراقية الذين نزلوا في عمان برفقة السكرتير الأول بالسفارة الجزائرية في بغداد السيد بلعور، حيث أنه وبعد إتخاذ جملة من الإجراءات والإحتياطات الأمنية قمنا زيارة الأطفال الثلاثة الذين كانوا معنيين بالسفر إلى تل أبيب في أحد المساكن السرية بضواحي عمان، ولم نكن نعلم وقتها ـ يقول الدكتور قاصب ـ أن قضية الأطفال الذين نظرت إليهم عمادة الأطباء الجزائريين بنظرة إنسانية وتضامنية قد تم تدويلها وأخذت بعدا سياسيا لدى العراقيين والبرلمان العراقي، بدليل تنقل ثلاثة أعضاء منه ينتمون إلى التيار الوطني إلى الأردن من أجل الإطلاع عن قرب عن حالة ووضعية هؤلاء الأطفال الأبرياء.
ويضيف الدكتور قاصب أنه لا يمكن لأي أحد أن يصف حجم الفرحة التي أدخلها خبر نقل هؤلاء الأطفال المرضى إلى إحدى المصحات الجزائرية من أجل إخضاعهم للعمليات الجراحية الدقيقة على القلب. وازدادت فرحة العائلات العراقية عندما علمت أن كل الجزائريين تضامنوا مع أبناء شعب العراق، خاصة عندما أعلنت عدة مصحات جزائرية باستعدادها للتكفل بإجراء هذه العمليات مجانا، في وقت أعلنت فيه الأمانة العامة للإتحاد العام للعمال الجزائريين باستعدادها أيضا لضمان التكفل التام بمصاريف العمليات الجراحية وكذا تذاكر سفر تنقل الأطفال وأمهاتهم من الأردن إلى الجزائر، إضافة إلى التكفل بمصاريف إقامتهم بأحد الفنادق الفخمة.
وكشف الدكتور قاصب، نائب رئيس المجلس الوطنية لعمادة أخلاقيات المهنة والمكلف بالإعلام، أن الأطفال الصغار الذين سينزلون بمطار هواري بومدين بالجزائر العاصمة، على متن طائرة الخطوط الجوية الجزائرية، يوم الجمعة المقبل 23 ماي الجاري، سيخضعون للعمليات الجراحية بإحدى العيادات الخاصة بعين طاية بضواحي العاصمة، ولم يخف محدثنا استياءه وتذمره من تصرف الجمعية الإسرائيلية التي تساءل بشأنها إن كانت فعلا تريد فعل الخير، فلماذا لا تطالب حكومتها بضرورة تزويد قطاع غزة بالوقود ورفع الحصار المضروب على الشعب الفلسطيني الشقيق.
محمد منصور الدايني (عضو الكتلة البرلمانية العراقية):
سنقدم مساءلة لوزير الصحة العراقي
وفي الوقت الذي كشفت فيه مصادر مؤكدة أن رئيس مجلس الوزراء العراقي نوري المالكي، أصبح يتابع شخصيا باهتمام بالغ ملف هذه القضية، فإنه وفي اتصال له "بالشروق اليومي" أكد محمد منصور الدايني، عضو الكتلة الوطنية بمجلس النواب العراقي أن المجموعة البرلمانية للكتلة الوطنية ستطلب رسميا خلال الساعات القليلة القادمة عقد جلسة استثنائية للبرلمان العراقي من أجل مساءلة وزير الصحة حول نشاط الجمعية الإسرائيلية (جوناثان) وكذا الظروف التي تم فيها نقل الأطفال المصابين إلى الأردن من أجل تحويلهم إلى تل أبيب. واعتبر الدايني أن ما حدث لأطفال العراق في ظل الإحتلال الأمريكي شيء غير مقبول ولا يمكن السكوت عنه، مشيدا في نفس الوقت بمبادرة عمادة الأطباء الجزائريين التي تبنت فكرة نقل هؤلاء الأطفال للعلاج في الجزائر وكذا بالمجهودات المبذولة من طرف الدبلوماسية الجزائرية لتسهيل الإتصالات .
السيدة أم سارة أحمد ناجم الدين: لو ماتت إبنتي على طاولة الجراحة فستدفن بأرض الجزائر الطاهرة
لا يمكن لأحد أن يتصور فرحة أم سارة المسكينة عند اتصالنا بها من الجزائر للإطمئنان على صحة ابنتها المريضة، حيث أكدت أنها مدانة بحياتها للشعب الجزائري المسلم الذي وقف إلى جانبها وإلى جانب أمهات باقي الأطفال المرضى، وخصت بالذكر الدكتور محمد بقات والدكتور مصطفى قاصب اللذين وصفتهما بالأبطال، لأنهما حسبها بادرا إلى المخاطرة بحياتهما في ظروف أمنية صعبة من أجل تأمين تنقل الأطفال الثلاثة للعلاج في الجزائر، وبصوت بكائي تضيف السيدة المسكينة لو أن الأقدار شاءت أن تفقد سارة حياتها على طاولة العمليات فإني أحمد الله، لأنها بالتأكيد ستدفن في أرض الجزائر الطاهرة المسقية بدماء الشهداء وليس في أرض اليهود بتل أبيب.
وقد نقلت لنا السيدة أم سارة من خلال المكالمة الهاتفية التي تمت بوساطة من مسؤولي المجلس الوطني لأخلاقيات المهن الطبية فرحة باقي الأمهات العراقيات اللائي سينزلن رفقة أبنائهن يوم الجمعة القادم بمطار هواري بومدين بالجزائر العاصمة.
المصدر
http://www.echoroukonline.com/ara/enquetes/3814.html