كانت تجربة حرب فلسطين عام 1948 اليمة لمصر والعرب جميعا , وكان احد مبادئ ثورة يوليو 1952 يقضي يانشاء جيش وطني قوي مع اقامة تصنيع حربي متطور يحقق تسليحا قويا للجيش , ولقد كان عقد الستينات هو عقد التطور في الصناعات العسكرية في مصر وعصر البداية والانطلاق الي افاق التطوير في هذه الصناعات , واعتمد فكر الصناعات الحربية المصرية في هذا الوقت علي عنصرين رئيسين:
الاول: الصناعات العسكرية التقليدية لتوفير الاسلحة الصغيرة و الذخائر بمختلف انواعها وقد تمت تلك الصناعات بتكنولوجيا سوفيتية , ودول الكتلة الشرقية بصفة عامة , وفي الوقت نفسه تصاعدت اركان نهضة صناعية تكاملية , لتخدم في جانب منها متطلبات الصناعات العسكرية فتم انشاء مصنع الحديد والصلب , وتوسيع شركة النحاس المصرية وتطويرها , والشروع في انشاء مصنع للالومنيوم , وانشاء شركة النصر لصناعة السيارات وكثير من المصانع الاخري.
الثاني: الصناعات الحربية المتطورة وغير التقليدية : وقد احيطت باهتمام خاص من قيادة الدولة , وتم توفير كل متطلباتها من تمويل ومعدات وتأمين , واحيطت برامجها التنفيذية بسرية كاملة , الي ان حدثت هزيمة 1967 .
في مجال الطائرات الحربية
اقيم مصنع لانتاج الطائرات الحربية في احد ضواحي القاهرة وتم الاستعانة بكثير من الخبراء الاجانب في هذا المجال , واجريت ابحاث جادة باستخدام تكنولوجية اوروبية حديثة اسفرت عن انتاج نوعين من الطائرات المقاتلة وهما القاهرة 200 والقاهرة 300 , والاخيرة كانت اكثر تقدما من الاولي , وقد اجريت التجارب بنجاح علي الطائرتين , وادي هذا النجاح الي طلب الهند الدخول في شركة للابحاث المشتركة لانتاج طائرة مصرية هندية , حيث كانت الهند قد توصلت الي ابحاث متقدمة في صناعة جسم الطائرةولكن القدر لم يمهل تلك الصناعة ان تستمر حيث اشتعل الموقف العسكري بين مصر واسرائيل (حرب يونيو 1967) مما ادي الي توقف المشروع.
ثانيا الصناعات الحربية التقليدية في اعقاب حرب يويو 1967:
تطلبت مرحلة الاعداد لحرب اكتوبر حشد كبير للجهود والامكانات للوصول بالكفاءة القتالية الي قمتها , وخصوصا ان الجميع كان يعلم ان هناك فجوة تكنولوجية كبيرة بين ما تحصل عليه مصر من الاتحاد السوفيتي من سلاح وعتاد وما تحصل عليه اسرئيل من الولايات المتحدة الامريكية , ولذلك لم تمر فترة طويلة الا وكان القرار السياسي بتفعيل الصناعات الحربية التقليدية لتحقيق عدة اهداف , اهمها توفير اكبر قدر من متطلبات الاسلحة الصغيرة والذخائر بانواعها , كذلك تطوير الاسلحة والمعدات الاخري , ورفع كفائتها حتي تقلل الفجوة التكنولوجية القائمة بين مصر واسرائيل , واخيرا اجراء الصيانات الدورية والعمات للمعدات والاسلحة الدقيقة , التي كان يتطلب الموقف ارسالها الي الخارج لاجراء تلك العمرات . وكما كانت القوات المسلحة تحشد كل الجهود انتظارا لقرار تحرير سيناء كانت الصناعات الحربية المصرية تسهم بجهودها لتوفير جزء من متطلبات القوات المسلحة , وتجدر الاشارة هنا الي بعض ما قامت به الصناعات الحربية , بالتنسيق مع الصناعات الوطنية الاخري لتوفير قدرات اعلي للقوات المسلحة ومنها علي سبيل المثال:
تصنيع الكثير من الكباري ومعدات العبور التي استخدمت خلال يوم السادس من اكتوبر عام 1973 , وكان لها الفضل في تحقيق العبور العظيم لقناة السويس.
تطوير جميع مركبات القوات المسلحة برفع قدرتها لاجتياز الاراضي الصعبة في سيناء.
تطوير المدافع والقواذف المضادة للدبابات , واكسابها خفة حركة مع تسهيلحمل ذخائرها بما يحقق سرعة التعامل مع الدبابات المعادية.
تطوير بعض اللنشات البحرية لتصبح قاذفات للصواريخ بما يمكنها من التعامل مع وحدات العدو المتمركزة علي السواحل او المتحركة علي طرق ساحلية.
تطويرات هائلة في القوات الجوية لتحقيق زيادة المدي او حمل الطائرات لكمية اكب من الذخائر او تجهيزها بوسائل الحرب الالكترونية.
تطوير جميع مجالات الدفاع الجوي من مذافع و صواريخ ورادارات من نتيجتها اعلان حائط الصواريخ عن نفسه في حرب اكتوبر المجيدة 1973.
اما التطويرات في القوات البرية بمختلف تخصصاتها , فقد بلغ حجما لا يمكن حصره ويكفي ان نقول ان هذه التطويرات جاءت متناسبة مع متطلبات الفرد والمعدة والقيادة : حيث شاعت روح الابتكار بين القوات , وتحققت افكار لا حصر لها وتم تجميعها وتصنيفها بواسطة لجان فنية متخصصة ومن ثم كلفت المصانع الحربية والمصانع القومية بانتاجها وتزودت بها القوات لتشكل فيما بعد قدرات مضافة تحقق من خلالها النصر.
ومن خلال تجربة حرب اكتوبر ثبت ان نظرية الاعتماد علي الذات في التصنيع الحربي تمثل حقيقة لا جدال فيها , وان امتلاك القدرة واستمراريتها يتوقف علي وجود صناعات عسكرية متطورة تمد القوات المسلحة بمتطلباتها وخصوصا ان الحرب الحديثة تؤدي الي خسائر ضخمة في القوات والاسلحة والمعدات التي يتطلب تعويضها وعلي ذلك فان تجربة حرب اكتوبر اوضحت عدة حقائق من اهمها:
1- ان الدول المصدرة للسلاح هي التي تتحكم في مجريات الحروب من خلال حجم الامداد واستعواض الخسائر علاوة علي مستوي التقدم التكنولوجي للسلاج نفسه.
2- ان العرب الذين رفعت نتائج حرب اكتوبر قدرهم الي المرتبة السادسة في قوي العالم كان تعاونهم في الحرب واستراتيجاتهم في الحصول علي السلاح محدودا لانشاء تلك الصناعات المتطورة علي الارض العربية.
3- ثبت ان الاعتماد علي مصدر رئيسي واحد للامداد بالسلاح يؤدي الي اخضاع الدولة لشروطهذا المصدر لذلك فان التنويع في مصادر السلاح يعد امرا مهما ويحقق الحصول علي المطالب من خلال التانفس وليس التحكم.
واخيرا فان التطور السياسي الناتج عن الحرب ادي الي ان تفتح الدول الغربية ابوابها لمصر للتعاون في مجال التسليح وهو امر كان يعد مستحيلا قبلها.
ومن كل تلك العوامل بنت مصر استراتيجيتها في التصنيع الحربي في اعقاب حرب اكتوبر المجيدة علي الاسس الاتية:
1- ضرورة امتلاك قاعدة صناعات حربية متطورة اما بشكل منفرد او بالتعاون مع الاشقاء العرب
2- ان تحقق تلك القاعدة طفرة في الاسلحة التقليدية علي وجه الخصوص مع البعد عن انشاء قاعدة لانتاج اسلحة الدمار الشامل التي قد تجر المنطقة الي صراعات حادة وتؤثر علي الامن القومي العربي والدولي
3- ان تنتشر تلك القاعدة في ارجاء الوطن العربي ويكون هناك تعاون وتكامل ما بين الدول بحيث تتحقق الكفاءة القتالية لكل دولة عربية في الوقت المناسب
4- يمكن الدخول في التصنع المتقدم من خلال المشاركة في التصنيع بما يحقق الحصول علي تكنولوجيا جاهزة ويتم تطويرها علي مراحل اختصارا للوقت.
5- ان يتم علي التركيز علي الصناعات المتقدمة تكنولوجيا التي تفتقدها في عالمنا العربي في الوقت الذي يتم فيه تطوير الصناعات التقليدية حاليا لتصل الي نفس كفاءة الانتاج العالمي المتقدم.
6- ان يتم التعاون مع جميع الدول المتقدمة في صناعة الاسلحة دون التركيز علي دولة بعينها حتي يكون هناك تنافس في مجال الاسعار وتقديم التكنولوجيا وتدريب العمالة الفنية.
7- ان تختار الصناعات والاسلحة من خلال لجان فنية وعسكرية علي مستوي عال بحيث توضع خبرات حرب اكتوبر ومستقبل تطور نظم التسليح اساسا لاختيار الاسلحة التي يتم تصنيعها.
8- يتولي ادارة الصناعات دائما مصريين او عرب مع وجود ممثلين للشركات القائمة بالصناعات المشتركة.
تم بحمد الله انتظرونا غدا ونشأة الهيئة العربية للتصنيع وتنطيم الانتاج الحربي وادارته