سوف ابدا بعرض بعض الحلقات عن حرب العصابات لعل و عسى ان تكون ذات فائدة لاي احد من المقاومة و سوف ابدا بحديث ماو تسي تونغ عن حرب العصابات بين الصين و اليابان لعلها تكون ذات فائدة لكم
:
الدفاع الاستراتيجي و الهجوم الاستراتيجي في حرب العصابات :
القضية الاستراتيجية الرابعة في حرب
العصابات هي قضية الدفاع الاستراتيجي و الهجوم الاستراتيجي في حرب العصابات . و هي
قضية متعلقة بكيفية تطبيق مبدأ الحرب الهجومية الذي أشرت إليه سابقا في مناقشتنا
للقضية الأولى تطبقا عمليا حين تكون حرب العصابات المناهضة لليابان في وضعية
الدفاع و حين تكون في وضعية الهجوم .
خلال الدفاع الاستراتيجي و الهجوم
الاستراتيجي ( الأصح أن نقول الهجوم المضاد الاستراتيجي ) على نطاق البلاد تجري
أيضا عمليات دفاعية استراتيجية و عمليات هجومية استراتيجية على نطاق ضيق في كل
قاعدة لحرب العصابات و فيما حولها ، فالحالة الأولى متعلقة بالوضع الاستراتيجي
الذي نواجهه و بالساسة الاستراتيجية التي نتخذها حين يكون العدو في وضعية الهجوم و
نحن في وضعية الدفاع . أما الحالة الثانية فهي متعلقة بالوضع الاستراتيجي الذي
نواجهه و بالسياسة الاستراتيجية التي نتخذها حين يكون العدو في وضعية الدفاع و نحن
في وضعية الهجوم .
المبحث الأول : الدفاع الاستراتيجي في
حرب العصابات :
بعد أن تبدأ حرب العصابات و تتطور إلى
حد معين ، و خصوصا حين يوقف العدو هجومه الاستراتيجي على بلادنا ككل و يعمد إلى
سياسة الدفاع عن المناطق المحتلة من قبله ، فمن المحتم أنه سيهاجم قواعد حرب
العصابات . و إنه لمن الضروري أن ندرك حتمية ذلك ، و إلا فإن قادة حرب العصابات
سوف يبقون دون أي استعداد فتصيبهم الحيرة و الارتباك و ينهزمون إذا ما تعرضوا
لهجمات شديدة من قبل العدو .
و كثيرا ما يتخذ العدو وسيلة التطويق
و الهجوم من أجل القضاء على حرب العصابات و قواعدها ، مثال ذلك أنه قد وجهت ضد
منطقة جبال وو تاي أربع " حملات تأديبية " أو خمس ، و كان العدو في كل
مرة يرسل ثلاثة أرتال من القوات أو أربعة و حتى للزحف نحوها في وقت واحد وفقا لخطة
مرسومة . و كلما كانت حرب العصابات واسعة النطاق و كانت المواقع التي تحتلها
قواعدها عظيمة الأهمية و كانت هذه الحرب شديدة الخطر على قواعد العدو الاستراتيجية
و خطوط مواصلاته المهمة ، فإن هجمات العدو على حرب العصابات و قواعدها ستزداد شدة
و ضراوة . و هكذا فإنه حيثما اشتد هجوم العدو على حرب العصابات فإن ذلك يدل على أن
حرب العصابات هناك قد حققت نتائج أعظم و لعبت في تعاونها مع الحرب النظامية دورا
أكبر .
و حين يشن العدو حملة التطويق و
الهجوم من اتجاهات متعددة يجب أن تكون سياسة قوات العصابات هي سحق حملة العدو بشن
حملة مضادة عليه . و يمكن سحق مثل هذه الحملات بسهولة في الحالة التي يكون فيها
العدو زاحفا في عدة اتجاهات و لكنه لا يملك في كل اتجاه منها إلا وحدة من القوات ،
كبيرة كانت أو صغيرة ، دون أن تكون وراءها قوات من الامدادات ، و هو عاجز عن ترك
حاميات على امتداد طريق زحفه أو بناء قلاع أو إنشاء طرق للسيارات . و في مثل هذه
الحالات يكون العدو في حالة هجوم و يقاتل في الخط الخارجي ، في حين نكون في حالة
دفاع و نقاتل في الخط الداخلي . و حينئذ يجب أن نبني تخطيطنا على أساس إرسال قوات
ثانوية لتقييد تحركات قوات العدو في عدة اتجاهات و استخدام قواتنا الرئيسية
لمواجهة قوات العدو في اتجاه واحد ، فتستخدم هذه القوات الرئيسية أساليب الهجمات
المفاجئة على مستوى الحملة و المعركة ( أهمها هو نصب الكمائن ) لتوجيه الضربات إلى
العدو أثناء تحركاته . إن العدو سيضعف رغما عن قوته من جراء هجماتنا المفاجئة
المتكررة ، و كثيرا ما ينسحب قبل أن يتمكن من بلوغ أهدافه ، و عندئد تستطيع قوات
العصابات أن تواصل الهجمات المفاجئة عليه أثناء المطاردة فتضعفه أكثر . و من عادة
العدو أن يظل محتلا لعواصم المحافظات و القرى الكبية في قواعدنا قبل أن يوقف هجومه
أو يشرع في الانسحاب ، فيجب علينا في هذه الحال أن نطوق هذه العواصم و القرى
قاطعين عليه مؤنه الغذائية و طرق مواصلاته ، حتى إذا لم يعد العدو يقوى على الصمود
و شرع في الانسحاب انتهزنا الفرصة كي نطارده و نهجم عليه . و بعد أن نسحق قوات
العدو في أحد الاتجاهات ينبغي أن ننقل قواتنا كي نسحق قواته في اجاه آخر ، و هكذا
نسحق قوات العدو المشتركة في التطويق و الهجوم واحدة بعد أخرى .
و تنقسم " المنطقة العسكرية
" في كل قاعدة كبرى مثل قاعدة جبال وو تاي إلى أربع " مناطق عسكرية
فرعية" أو خمس أو أكثر ، تملك كل منها قوات مسلحة تقاتل مستقلة . و بتطبيق
الأسلوب الآنف الذكر كثيرا ما سحقت هذه القوات في وقت واحد أو على التوالي هجمات
العدو .
و في خطة العمليات المضادة للتطويق و
الهجوم ، تتخذ قواتنا الرئيسية على العموم مواقعها في الخط الداخلي . و لكن حين
نملك قوات كبيرة العدد فإنه لمن الضروري أن نستخدم قوات ثانوية ( من نحو وحدات
قوات العصابات التابعة للمحافظات أو المراكز ، بل وحدات مقتطعة من القوات الرئيسية
) في الخط الخارجي من أجل تخريب طرق مواصلات العدو و تقييد تحركات نجداته . و إذا
تشبث العدو بالبقاء مدة طويلة في قاعدتنا ، يمكننا أن نعمل عكس الخطة الانفة الذكر
، و ذلك بأن نترك قسما من قواتنا في القاعدة ليحاصر العدو ، و نستخدم القوات
الرئيسية لنهاجم بها المنطقة التي قدم العدو منها و نضاعف من نشاطلداتنا هناك ،
بحيث يضطر العدو الذي أقام طويلا في قاعدتنا إلى الخروج منها للاشتباك مع قواتنا
الرئيسية ، تلك هي خطة " إنقاذ مملكة تشاو بمحاصرة مملكة وي "[ix][9].
و في أثناء العمليات المضادة للتطويق
و الهجوم ينبغي لفصائل الدفاع الذاتي الشعبية المحلية المناهضة لليابان و جميع
المنظمات الجماهيرية المحلية أن تنهض كلها من أجل الاشتراك في المعركة و مساعدة
قواتنا بجميع الوسائل في النضال ضد العدو . و هناك شيئان مهمان في النضال ضد العدو
: حظر التجول محليا ، و تقوية أعمالنا الدفاعية و إخلاء الحقول قدر الامكان . و
يستهدف التدبير الأول قمع المتعاونين مع العدو و منع تسرب المعلومات إليه ، أما
التدبير الثاني فيستهدف تقديم المعونة إلى العمليات ( بتقوية أعمالنا الدفاعية ) و
تحريم الالعدو من المؤن الغذائية (بإخلاء الحقول ) . و إن المقصود من إخلاء الحقول
هنا هو حصاد المزروعات فور نضجها .
و غالبا يحرق العدو أثناء انسحابه
المنازل في المدن التي احتلها و القرى الواقعة في طريقه ، بغية تدمير قواعد حرب
العصابات ، لكنه في الوقت ذاته يضر نفسه بهذا العمل إذ سيحرمه من المأوى و الغذاء
في هجومه التالي. و هذا أحد الأمثلة الحسية التي تبرهن على أن الشيء يحمل معنيين
متناقضين .
و لا ينبغي لقاثد حرب العصابات أن
يحاول ترك قاعدته و الانتقال إلى قاعدة أخرى ما لم يثبت لديه ، بعد محاولات متكررة
من أجل سحق حملة التطويق و الهجوم، أنه يستحيل سحق الحملة الشدية في قاعدته . و
ينبغي له في مثل هذه الحال أن يحذر من روح التشاؤم . و طالما لم يرتكب القادة
أخطاء مبدئية ، فإن قوات العصابات في المناطق الجبلية يمكنها بصورة عامة أن تحطم
حملات التطويق و الهجوم و تصمد في قواعدها . و في مناطق السهول فقط ينبغي لقادة
حرب العصابات ، حين يواجهون حملة تطويق و هجوم شديدة ، أن يفكروا على ضوء الظروف
القائمة في إتخاذ التدبير التالي : ترك عدد كبير من وحدات العصابات الصغيرة في
المنطقة لتواصل كل منها العمليات على انفراد و نقل الفرق الكبيرة مؤقتا إلى
المناطق الجبلية ، و متى رحلت قوات العدو الرئيسية عن السهول عادت هذه الفرق و
إستأنفت عملياتها .
و نظرا للتناقض بين سعة رقعة الصين و
إفتقار العدو إلى القوات الكافية ، فإن العدو في غالب الظن لا يستطيع أن يلجأ إلى
سياسة بناء القلاع التي طبقها الكومينتانغ أيام الحرب الأهلية الصينية ، لكنه يجب
علينا أن نضع في تقديرنا إمكانية لجوئه إلى هذه السياسة إلى حد ما ضد قواعد قوات
العصابات التي تشكل تهديدا خطيرا جدا لمراكزه الحيوية ، و ينبغي لنا أن نتهيأ من
أجل المثابرة على حرب العصابات هناك حتى في مثل هذه الظروف . و نظرا إلى تجربتنا
في الحرب الأهلية حيث استطعنا المثابرة على حرب العصابات فلا ريب أننا سنكون أقدر
على المثابرة في ظروف الحرب الوطنية . ذلك أنه و لو استطاع العدو ، من ناحية نسبة
القوى ، أن يستخدم قوات متفوقة جدا نوعيا و كميا ضد بعض قواعدنا ، فإنه لن يستطيع
حل التناقض القومي بينه و بيننا ، كما أنه لن يتمكن من التغلب على نقاط ضعفه في
القيادة . إن انتصاراتنا تقوم على العمل العميق الجذور بين الجماهير و الأساليب
المرنة في عملياتنا الحربية .
المبحث الثاني : الهجوم الاستراتيجي
في حرب العصابات :
بعد أن نسحق هجوم العدو و قبل أن يهجم
من جديد ، تحل فترة يكون العدو فيها في وضعية الدفاع الاستراتيجي و نكون نحن في
وضعية الهجوم الاستراتيجي . في مثل هذه الفترة ، لا تقوم سياستنا في عملياتنا على
مهاجمة قوات العدو المتحصنة بمواقعها الدفاعية و التي لسنا واثقين من الانتصار
عليها ، و إنما تقوم على العمل وفق خطة مرسومة لإبادة ما تستطيع قوات العصابات
إبادته من وحدات العدو الصغيرة و القوات العميلة المحلية في مناطق معينة أو طردها
منها ، و لتوسيع الأراضي التي نحتلها ، و تعبئة جماهير الشعب من أجل النضال ضد
اليابان ، و سد النقص في قواتنا و تدريبها ، و تنظيم وحدات جديدة من قوات العصابات
. و إذا كان العدو لا يزال في موقف الدفاع حين نكون قد قطعنا شوطا في إنجاز هذه
المهام ، يمكننا أن نوسع المناطق التي استولينا عليها حديثا و نهاجم مدن العدو و
خطوط مواصلاته ، التي تكون قواته ضعيفة ، و نحتلها لفترة طويلة أو قصيرة وفقا
للظروف . هذه جميعا مهام الهجوم الاستراتيجي التي نهدف منها إلى الإفادة من الفترة
التي يكون العدو فيها في وضعية الدفاع كي نطور بصورة فعالة قوتنا العسكرية و
الجماهيرية ، و نضعف بصورة فعالة قوة العدو عدديا ، و كذلك ليصبح في قدرتنا ، حين
يعاود العدو الهجوم ، أن نسحق هجومه بعمليات مخططة و حازمة .
و إنه لمن الضروري أن نربح قواتنا و
ندربها ، و أفضل وقت لذلك هو الفترة التي يتخذ فيها العدو موقف الدفاع . و لا يعني
هذا أن نغلق الباب على أنفسنا و نتفرغ للراحة و التدريب بدون أن نفعل شيئا آخر ،
بل يعني أن من واجبنا كسب بعض الوقت للراحة و التدريب أثناء عملنا لتوسيع المناطق
التي نحتلها و إفناء وحدات العدو الصغيرة و تعبئة جماهير الشعب . و إن مشاكل
التموين و الألحفة و الملابس و غيرها تحل عادة في هذه الفترة أيضا .
و هذه الفترة هي الوقت المناسب أيضا
لتخريب خطوط مواصلات العدو على نطاق واسع و عرقلة نقلياته و تقديم المعونة
المباشرة إلى عمليات الجيش النظامي على مستوى الحملة .
في هذه الفترة سيعم السرور قواعد حرب العصابات
و مناطقها و وحدات قوات العصابات ، كما أن المناطق التي دمرها العدو ستنهض في هذه
الفترة شيئا فشيئا و تنتعش من جديد . و سوف تستبشر أيضا جماهير الشعب في المناطق
المحتلة من قبل العدو ، و تتناقل الألسن الأحاديث عن بطولة فصائل العصابات و قوة
بأسها . أما في داخل معسكر العدو و أذنابه المتعاونين معه ، فسيشتد الرعب بينهم و
تتسع دائرة الانشقاقات في صفوفهم ، هذا من جهة و من جهة أخرى سيزداد حقدهم على
قوات العصابات و على قواعدها ، و يضاعفون استعدادهم ضد حرب العصابات . و لذا يجب
أن لا يصاب قادة حرب العصابات بالغرور في سياق الهجوم الاستراتيجي بحيث يستخفون
بالعدو و ينسون تعزيز الوحدة داخل صفوفهم و توطيد القواعد و تقوية القوات . إن
واجبهم في مثل هذا الوقت هو أن يحسنوا رصد كل حركة من جانب العدو فيتأكدوا مما إذا
كانت هناك أية علامة تشير إلى تهيئته لهجوم جديد أم لا ، بحيث إذا وقع هذا الهجوم
أمكننا أن ننهي بصورة مناسبة هجومنا الاستراتيجي و نتحول إلى الدفاع الاستراتيجي ،
ثم نسحق هجوم العدو خلال الدفاع الاستراتيجي .
الفصل الثامن : تطور حرب العصابات إلى
الحرب المتحركة :
إن القضية الاستراتيجية الخامسة في
حرب العصابات المناهضة لليابان هي قضية تطورها إلى الحرب المتحركة ، و ضرورة هذا
التطور و إمكانه ينبعان كذلك من طول أمد الحرب و اشتداد ضراوتها . فلو كان في
مقدور الصين أن تهزم الغزاة اليابانيين و تسترجع أراضيها المغتصبة سريعا ، و لم
تكن الحرب بالتالي حربا طويلة أو ضارية لما كان ثمة داع إلى تطوير حرب العصابات
إلى الحرب المتحركة . و لكن لما كان الوضع الفعلي هو نقيض ذلك ، أي أن الحرب حرب
طويلة و ضارية ، فلا يمكننا مجابهة هذه الحرب إلا بتحويل حرب العصابات إلى الحرب
المتحركة . و مادامت الحرب طويلة و ضارية ، فسيصبح في إمكان قوات العصابات أن تمر
بعملية صقل ضرورية وأن تتحول بصورة تدريجية إلى قوات نظامية ، و تبعا لذلك ستتطور
أساليب عملياتها تدريجيا في الوقت ذاته إلى أساليب عمليات القوات النظامية ، و
هكذا تكون حرب العصابات قد تحولت إلى الحرب المتحركة . إن قادة حرب العصابات لا
يستطيعون أن يتمسكوا بحزم بسياسة تطوير حرب العصابات إلى الحرب المتحركة و أن
يطبقوها بصورة مخططة إلا إذا أدركوا بكل وضوح تلك الضرورة و الإمكانية .
إن الفصائل القوية المرسلة من قبل
الجيوش النظامية هي التي تخوض حرب العصابات الآن في مناطق كثيرة ، مثل منطقة جبال
وو تاي . و على الرغم من أن العمليات هناك هي عمليات حرب العصابات من جهة و من جهة
عامة إلا أنها قد انطوت منذ البداية على عناصر الحرب المتحركة . و لسوف تزداد هذه
العناصر بصورة تدريجية مع امتداد أمد الحرب . و تلك هي المزية التي تتمتع بها حرب
العصابات الحالية المناهضة لليابان . و إنها لمزية لا تمكن حرب العصابات من التوسع
بسرعة فحسب ، بل تمكنها أيضا من التطور سريعا إلى مستوى أعلى ، و هكذا فإن الشروط
المتوفرة لحرب العصابات الحالية أفضل بكثير مما كانت عليه حرب العصابات التي
شهدتها المقاطعات الشمالية الشرقية الثلاث .
إن تحول قوات العصابات التي تخوض
حاليا حرب العصابات إلى قوات نظامية تستطيع أن تخوض الحرب المتحركة يتطلب توفر
شرطين : زيادة العدد و تحسين النوعية . و يمكننا من أجل تحقيق الشرط الأول أن
نتبنى طرقة تجميع الوحدات الصغيرة ، بالإظافة إلى تعبئة أبناء الشعب مباشرة
للانضمام إلى الجيش ، أما تحقيق الشرط الثاني فيتوق على صقل المقاتلين في مجرى
الحرب و كذلك تحسين أسلحتهم .
و يجب علينا عند تجميع الوحدات
الصغيرة أن نحذر من النزعة المحلية التي تعوق مثل ذلك التجميع لأنها لا تعني إلا
بالمصالح المحلية وحدها ، هذا من جهة و من جهة أخرى علينا أن نحذر من النزعة
العسكرية المحضة التي تتجاهل المصالح المحلية .
و نجد النزعة المحلية عند وحدات
العصابات المحلية و الحكومات المحلية ، فهي غالبا ما تعني بالمصالح المحلية فقط و
تهمل المصلحة العامة أو تفضل كل منها أن تتصرف على حدة لأنها لم تألف العمل في جماعات
كبيرة . و يجب على قادة قوات العصابات الرئيسية أو فرق قوات العصابات أن يضعوا ذلك
في الحسبان فيتخذوا طريقة تجميع أقسام من الوحدات الصغيرة المحلية بصورة تدريجية
بحيث تحتفظ السلطات المحلية بقوات تكفي لتوسيع حرب العصابات باستمرار ، كما يجب
عليهم لأجل دمج عدد من الوحدات الصغيرة في وحدة كبيرة واحدة أن يجعلوا أولا هذه
الوحدات الصغيرة تقوم بعمليات مشتركة ، ثم يعمدوا إلى دمج الوحدات بدون الإخلال
بنظام تشكيلها الأصلي أو تبديل كوادرها .
و إن النزعة العسكرية المحضة هي وجهة
نظر خاطئة تتمثل ، على نقيض النزعة المحلية ، في أن بعض رجال القوات الرئيسية لا
يعنون إلا بتوسيع قوتهم الخاصة مهملين أمر مساعدة الوحدات المسلحة المحلية . إنهم
لا يدركون أن تطور حرب العصابات إلى الحرب المتحركة لا يعني التخلي عن حرب
العصابات ، بل يعني تشكيل قوات رئيسية تدريجيا ، من خلال حرب عصابات واسعة النطاق
، تقدر على خوض الحرب المتحركة ، و يجب أن يبقى حول هذه القوات وحدات عديدة من
العصابات تقوم بعمليات حرب عصابات واسعة النطاق . و إن وحدات العصابات العديدة هذه
تشكل أجنحة قوية للقوات الرئيسية ، و تشكل في الوقت نفسه منبعا لا ينضب لتوسيع هذه
القوات باستمرار . و لذلك يجب على قادة القوات الرئيسية ، إذا ارتكبوا خطأ النزعة
العسكرية المحضة بأن تجاهلوا مصالح الجماهير الشعبية و الحكومات المحلية ، أن
يصححوا هذا الخطأ حتى تحتل كل من مهمة توسيع القوات الرئيسية و مهمة تنمية الوحدات
المسلحة المحلية المكانة اللائقة بها .
و يجب علينا لتحسين نوعية وحدات
العصابات أن نرفع مستواها السياسي و التنظيمي و نحسن عتادها و تكتيكها العسكريين و
نعزز انضباطها ، بحيث تقتدي تدريجيا بالجيش النظامي و تقلع عن أساليب قوات
العصابات .
فمن الناحية السياسية يجب أن نجعل
القادة و المقاتلين يدركون ضرورة رفع مستوى قوات العصابات إلى مستوى الجيش النظامي
، و أن نشجعهم على السعي إلى هذه الغاية التي يجب أن نضمن تحقيقها بالعمل السياسي .
و من الناحية التنظيمية يجب أن يتوفر
بالتدريج لدى قوات العصابات ما تستلزمه القوات النظامية من الأجهزة العسكرية و السياسية
و الكوادر العسكريين و السياسيين و أساليب العمل العسكري و السياسي و النظام
الثابت في التموين و الخدمة الطبية . و بشأن العتاد يجب تحسين نوعية الأسلحة و
الإكثار من صنوفها و زيادة أجهزة الاتصال التي لا غنى عنها . و في مجال التكنيك و
التكتيك العسكريين يجب رفع مستوى وحدات العصابات إلى المستوى المطلوب من وحدات
الجيش النظامي . أما في مجال الانضباط فيجب رفع مستوى وحدات العصابات بحيث تراعي
القواعد النظامية بكل دقة ، و تنفذ الأوامر و التعليمات دون أدنى تقصير ، و تستأصل
من صفوفها ظاهرة الاستخفاف بالنظام و اللامبالاة .
إن إنجاز جميع هذه المهام يتطلب جهودا
متواصلة فهو ليس بالعمل الذي يتم بين عشية و ضحاها ، و لكن يجب أن نتقدم جاهدين
نحو هذا الاتجاه . و بهذا وحده يمكن أن تؤسس فرق من القوات الرئيسية في كل قاعدة
من قواعد حرب العصابات ، و أن تقوم فيها الحرب المتحركة التي تمكننا من ضرب العدو
بصورة أشد فعالية . و إنه لمن اليسير نسبيا بلوغ هذا الهدف في المناطق التي توجد
فيها فصائل أو كوادر أرسلت من قبل الجيوش النظامية . و لذلك فإنه من واجب جميع
الجيوش النظامية أن تقدم المعونة إلى وحدات العصابات لتتطور إلى وحدات نظامية .
الفصل التاسع : العلاقة بين القيادات :
إن القضية الاستراتيجية الأخيرة في
حرب العصابات المناهضة لليابان هي قضية العلاقة بين القيادات . و إن إيجاد الحل
الصحيح لهذه القضية يشكل أحد الشروط اللازمة لتطور حرب العصابات بنجاح .
نظرا لأن قوات العصابات هي تنظيمات مسلحة
على مستوى أدنى ، و أن ما يميزها هو أن كل وحدة منها تعمل بانفراد ، فإنه لا يجوز
أن يتخذ في قيادة حرب العصابات أسلوب تمركز شديد كالذي يتخذ في قيادة الحرب
النظامية . و إذا نحن حاولنا أن نفرض أسلوب قيادة الحرب النظامية على حرب العصابات
، فمن المؤكد أننا سنحد من المرونة الكبيرة التي تتميز بها حرب العصابات فتفقد هذه
الحرب حيويتها . و حيث أن القيادة العالية التمركز تتناقض كل التناقض مع المرونة
الكبيرة لحرب العصابات ، فلا ينبغي بل لا يمكن أن نفرض قيادة عالية التمركز على
حرب العصابات التي تتحلى بالمرونة الفائقة .
و لكن ذلك لا يعني أن حرب العصابات
يمكن أن تتطور بنجاح دون أية قيادة ممركزة . فحين تدور رحى حرب نظامية واسعة
النطاق و حرب عصابات واسعة النطاق في وقت واحد ، فإنه من الضروري تنسيق عملياتها
بصورة مناسبة ، و من هنا كانت الحاجة إلى القيادة التي تنسق عمليات الحرب النظامية
و حرب العصابات أي قيادة موحدة للعمليات الاستراتيجية تقوم بها هيئة الأركان العمة
للدولة و قادة المناطق الحربية . إن في منطقة حرب العصابات أو قاعدة حرب العصابات
عددا كبيرا من قوات العصابات ، و في الغالب توجد فرقة عصابات أو عدة فرق ( و
أحيانا توجد فرق من الجيش النظامي أيضا ) باعتبارها قوات رئيسية ، و وحدات عصابات
كثيرة بين كبيرة و صغيرة باعتبارها قوات ثانوية ، و تكون فيها إلى جانب ذلك قوات
مسلحة كبيرة العدد تتألف من الأهالي غير المنفصلين عن الإنتاج ، و إن قوات العدو
هناك غالبا ما تتخذ خطة موحدة أيضا و تنسق عملياتها ضد قوات العصابات . و لذلك
نواجه في مثل هذه المنطقة أو القاعدة مشكلة القيادة الموحدة ، أي القيادة الممركزة .
و هكذا فإننا نعارض ، فيما يتعلق
بمبدأ القيادة في حرب العصابات ، المركزية المطلقة من جهة ، و اللامركزية المطلقة
من جهة أخرى ، و إنما يجب أن نتبنى مبدأ القيادة الممركزة في الناحية الاستراتيجية
و القيادة اللامركزية في الحملات و المعارك .
و تشمل القيادة الممركزة الاستراتيجية
على تخطيطات الدولة لحرب العصابات بمجموعها ، وتنسيق عمليات حرب العصابات مع
عمليات الحرب النظامية في كل منطقة حربية ، و التوجيهات الموحدة لجميع القوات
المسلحة المناهضة لليابان في كل منطقة من مناطق حرب العصابات أو كل قاعدة من
قواعدها .إن عدم الانسجام و الوحدة و المركزية ضار هنا ، و يجب علينا أن نحقق
الانسجام و الوحدة و المركزية بقدر الإمكان . و من واجب القيادات الدنيا أن تبلغ
القيادات العليا في كل قضية من القضايا العامة ، أي القضايا ذات الأهمية
الاستراتيجية و أن تتبع إرشاداتها حتى يمكن تنسيق العمليات . و لكن يجب أن تقف
المركزية عند هذا الحد ، أما تجاوز هذا الحد و التدخل في شؤون القيادات الدنيا
التفصيلية ، كالترتيبات المحددة لإحدى الحملات أو المعارك فهو أمر مضر أيضا . ذلك
أن مثل هذه الشؤون التفصيلية يجب أن تسوي وفقا للظروف المحددة التي تتبدل من حين
لآخر و تختلف من مكان لآخر ، و هي ظروف لا تستطيع أن تعرفها القيادات العليا التي
تبعد عنها مسافة كبيرة ، و هذا هو مبدأ القيادة اللامركزية في الحملات و المعارك .
و ينطبق هذا المبدأ أيضا ، بصورة عامة ، على عمليات الحرب النظامية ، و خصوصا حين
تكون أجهزة الاتصال غير متوفرة . و باختصار ، فإن المقصود هو إجراء حرب العصابات
بصورة مستقلة تحت قيادة استراتيجية موحدة .
و حين تتشكل من إحدى قواعد حرب
العصابات منطقة عسكرية مقسمة إلى عدة مناطق عسكرية فرعية كل منها تشتمل على عدة
محافظات و كل من المحافظات تنقسم إلى عدة مراكز ، فإن العلاقة بين المستويات
المختلفة من قيادة المنطقة العسكرية و قيادات المناطق العسكرية الفرعية و حكومات
المحافظات و حكومات المراكز هي علاقة التبعية المتسلسلة ، و تكون كل وحدة مسلحة ،
حسب صفتها ، خاضعة لإحدى تلك القيادات . و العلاقات في القيادة بين هذه المستويات
تقوم وفقا للمبدأ الآنف الذكر بحيث تنحصر سلطة تحديد السياسة العامة في يد
القيادات العليا ، أما العمليات المحددة فينبغي القيام بها حسب الظروف المحددة ، و
يحق للقيادات الدنيا اتخاذ القرارات بشأنها بصورة مستقلة . و إذا كانت لدى
القيادات العليا ملاحظات بشأن بعض العمليات المحددة التي تقوم بها القيادات الدنيا
، فإن من حقها بل و من واجبها أن تعلن عنها في صورة "تعليمات"، و لكن لا
يجوز لها أبدا أن تعلن عنها في صورة "أوامر" ملزمة . و كلما كانت
المنطقة واسعة و الظروف معقدة ، و المسافة بين القيادات العليا و القيادات الدنيا
بعيدة ، وجب منح القيادات الدنيا حقا أكبر في اتخاذ القرارات بصورة مستقلة بشأن
العمليات المحددة ، و منح عملياتها هذه مزيدا من الطابع المحلي و جعلها أكثر تكيفا
مع مطالب الظروف المحلية ، حتى ننمي قدرة القيادات الدنيا و الكوادر المحليين على
العمل المستقل ، و نمكنهم من مجابهة الأوضاع المعقدة و تطوير حرب العصابات الظافرة
. و إذا كانت الوحدة المسلحة أو الفرقة تعمل بصورة ممركزة فإنه ينبغي تطبيق مبدأ
القيادة الممركزة في العلاقة بين قياداتها المختلفة ،لأن القيادة العليا في هذه
الحالة مطلعة على الوضع ، لكن إذا كانت هذه الوحدة أو الفرقة تقوم بعملياتها في
جماعات منفردة فإنه يجب أن يطبق مبدأ المركزية في المسائل العامة و اللامركزية في
المسائل المحددة ، لأن القيادة العليا لا يمكنها في هذه الحال أن تتابع الأوضاع
المحددة .
و إذا لم تطبق المركزية حيث ينبغي تطبيقها ، فمعنى ذلك
إهمال الواجب من جانب القيادة العليا و تجاوز الاختصاصات من جانب القيادات الدنيا
، و هذا ما لا يمكن السماح به في العلاقة بين القيادتين العليا و الدنيا في أي شأن
من الشؤون ، و خصوصا في الشؤون العسكرية . و إذا لم تطبق اللامركزية حيث ينبغي
تطبيقها ، فمعنى ذلك احتكار العمل من جانب القيادة العليا و عدم المبادرة من جانب
القيادات الدنيا ، و هذا أمر لا يمكن السماح به أيضا في العلاقة بين القيادتين
العليا و الدنيا في أي مجال من المجالات ، و خصوصا في علاقة القيادات في حرب
العصابات . إن المبدأ المذكور سابقا هو المبدأ الوحيد لحل هذه القضية حلا صحيحا