إن أوروبا مهتمة بأمنها الطاقوي مع ارتفاع الأسعار في الأسواق العالمية، كيف للجزائر التي توجد ضمن قائمة الممونين الأساسيين للقارة الأوروبية بالغاز الطبيعي أن تساهم في هذا الأمن الطاقوي؟
- نحن مع التوقيع على عقود متوسطة وبعيدة المدى التي تطمئن المنتج والمستهلك على حد سواء، وهذا أيضا هو المنطق الذي تقام عليه علاقة إستراتيجية بين الجزائر وفرنسا، وبالمضي إلى أبعد، علاقة مع أوروبا. أعلم أن وجهة النظر هذه ليست دائما متقاسمة، ولكنني أعلم أيضا أن علاقاتنا مع الجزائر مهمة جدا إلى الحد الذي يجعل من الصعب تصور أننا لن نصل إلى توافق كفيل بتلبية حاجتنا من الطاقة من جهة، ويحقق مصالح الجزائر من جهة ثانية. فخلال الرئاسة الفرنسية المقبلة للاتحاد الأوروبي ستخصص الرئاسة جزءا مهما من أشغالها للقضية الطاقوية، وكذا لعلاقات الاتحاد الأوروبي مع الدول التي تزودنا بالمحروقات. وبشكل مواز، يتعين علينا أن نشرع في حوار بنّاء داخل هيئات مختصة مثل المنتدى الدولي للطاقة، ومنتدى الدول المصدرة للغاز.
اعترفنا بمسؤولية فرنسا فيما ارتكب في حرب الجزائر وسنواصل الاعتراف بلا تحفظ
الجزائر عبّرت عن تحفظات تجاه الاتحاد من أجل المتوسط، وتحدثت كذلك عن ''جوانب غامضة'' مرتبطة بالمشروع، ما هي حاليا الحجج التي قد تقدمونها لإقناع الرئيس بوتفليقة لحضور قمة تأسيس الاتحاد؟ وإذا ما رفضت الجزائر الانضمام، هل لهذا المشروع حظوظ في النجاح؟
- أبدت الجزائر منذ البداية اهتماماً كبيراً بالمشروع، وقد حرصنا على إشراكها عن قرب في وضع الأفكار والملاحظات طوال عملية بناء هذا المشروع، وقد ساهمت في ذلك بشكل مفيد للغاية. لقد أبلغتنا الجزائر بمجموعة من التساؤلات والملاحظات، خاصة فيما يتعلق بالمحتوى وبالهيكلية الشكلية للمشاريع، وقد أخذناها في الاعتبار، وكذلك فعلت المفوضية الأوروبية عند تقديم اقتراحاتها.
تولي فرنسا بالتأكيد أهمية كبيرة لدور الجزائر داخل الاتحاد من أجل المتوسط، وبالنسبة لنا فإن شريكا جهويا أساسيا مثل الجزائر لا غنى عنه وعن دوره في المشاركة الكاملة في إطلاق وتنفيذ هذا المشروع الواعد، ورئيس الجمهورية أتيحت له الفرصة لقول ذلك مراراً للرئيس بوتفليقة، خلال زيارة العمل في جويلية 2007، وكذلك خلال زيارة الدولة في ديسمبر الماضي.
الرئيس ساركوزي وصف النظام الاستعماري بالظالم، والسفير باجولي تحدث عن مجازر ماي ,1945 ولكن هذا يبقى بالنسبة للجزائريين غير كاف، فهل يمكن أن ننتظر تطورا في هذا الملف؟ وما يمنع فرنسا من الاعتراف بمسؤوليتها في ما ارتكب خلال فترة الاستعمار؟
- l إن فرنسا حققت، منذ بضعة أشهر، بل منذ بضع سنوات، تقدما كبيرا في قضايا الذاكرة التاريخية، وهذا الاعتراف بالأخطاء السابقة ندين به للجزائريين الذين عانوا من النظام الاستعماري، وندين به أيضا لأنفسنا، لأن كل ديمقراطية تبنى على مقتضى الالتزام بالحقيقة. نعم، إن فرنسا ماضية قدماً على هذا الطريق، الذي يتطلب شجاعة سياسية.
بات من الضروري أن يفتح المسؤولون السياسيون المجال واسعا أمام الباحثين والمؤرخين، عبر الحث على عمل مشترك لكتابة التاريخ. نحن نحقق الآن تقدماً على مستوى عدد من الملفات الملموسة، بصرف النظر عن بعض التعنت أحياناً، لذا اقترحنا تشكيل فريق عمل حول الأرشيف. أضيف أن الوثائق الفرنسية لما قبل عام 1948 أضحت متوفرة للعامة، ويوجد حاليا مشروع قانون، قيد الدراسة، يهدف إلى تقليص فترة السرية على بعض الوثائق إلى 50 عاما. إن للجزائريين حقا شرعيا في الاطلاع على ما يخص تاريخهم، ولقد وهبنا مؤخرا كل الوثائق السمعية البصرية التي كانت بحوزة المعهد الوطني للوسائل السمعية والبصرية. وفي ملف آخر يتعلق بالألغام، فقد سلمنا كل الخرائط الخاصة بالألغام التي وضعت آنذاك من طرف فرنسا، ولاحظت أنه في كل هذه الملفات التي تكون أحيانا على درجة كبيرة من الحساسية، بمجرد أن ينعقد الحوار، تبدأ السكينة تغمر النفوس، بحيث ينهمك الكل في تبين الحقيقة، احتراما لجميع الضحايا. أما فيما يتعلق بمسؤولية فرنسا في ما ارتكب، خاصة خلال حرب الجزائر، فلقد اعترفنا ونواصل الاعتراف بها بلا تحفظ، وتصريحات السيد رئيس الجمهورية وسفيرنا في الجزائر، التي تشيرون إليها، تثبت ذلك. إن الأمر يتعلق بمسعى يجب أن يكون متقاسما، ويستدعي بعض الجرأة من جهة كما من الأخرى، بما أنها مسألة تاريخ يمس بطريقة شخصية عددا كبيرا منّا، ومن حق شعبينا أن يتوقعا منّا هذا المجهود، لأن فرنسا والجزائر ينتظرهما بناء شراكة استثنائية، وأملي أن ترى الجزائر في فرنسا اليوم الصديقة الأكثـر قربا وتفهماً لها.
لقد تقرر تشكيل فريق عمل لإعداد خريطة للمواقع الملوثة بإشعاعات التجارب النووية التي أجريت في الستينات في الجنوب الجزائري، هل تم تشكيل هذا الفريق فعلا؟ وهل هناك إمكانية لتعويض ضحايا التجارب النووية؟
- كما تعلمون، إن فرنسا أجرت سلسلة من التجارب النووية في الصحراء الجزائرية ما بين 1960 و1966 وقد طلبت منا السلطات الجزائرية أن نساعدها في تحديد درجة التلوث الحالي للمواقع والقيام بتطهيرها، إذا ثبت أن ذلك ضروري، بالنظر إلى المشاريع التنموية الجارية في المنطقة. وخلال زيارة الدولة التي قام بها إلى الجزائر في ديسمبر 2007، قال السيد رئيس الجمهورية بكثير من الوضوح للرئيس بوتفليقة أننا على استعداد للنظر في الطلبات الجزائرية للتعاون حول هذه القضية، بروح من الانفتاح والشفافية وبعيدا عن كل جدل. يمكنني أن أقول لكم إن هذه الالتزامات سيتم الوفاء بها، ونحن على اتصال وثيق مع شركائنا الجزائريين حول هذا الموضوع، وبالنظر إلى توفر الإرادة من جهة كما من الأخرى، ليس لدي شك في أننا سننجح.
فرنسا تريد إقناع الاتحاد الأوروبي بتبني ميثاق مشترك حول الهجرة. لماذا هذا الميثاق؟ وهل سيكون له تأثير على حرية تنقل الأشخاص؟
- من خلال هذا الميثاق الأوروبي نهدف إلى إرساء الدعائم الأولى لسياسة أوروبية حول الهجرة، وكذلك المضي نحو شروط أكثـر تناسقا بين مختلف الدول الأعضاء في الاتحاد لتوفير حق اللجوء. إن حرية التنقل داخل دول الاتحاد الأوروبي، القائمة بين 24 دولة عضوا في معاهدة شنغن، هي واقع حي، ووسيلة رائعة للتبادل، والرعايا الجزائريون الذين يدخلون فضاء شنغن مزودين بتأشيرة يمكنهم الاستفادة أيضا وبكل تأكيد من حرية التنقل هذه. وفيما يتعلق بتدفق الهجرة، وخلافا للأفكار الشائعة، تستقبل أوروبا أكثـر فأكثـر مهاجرين من أمريكا الشمالية، وبأعداد متزايدة منذ بداية القرن الواحد والعشرين، مقارنة مع الماضي، ولكن في المقابل علينا نحن كأوروبيين أن نقيم تناسقا بين سياساتنا في مجال الهجرة، آخذين جيداً بالاعتبار بأنه من الأفضل استقبال أشخاص قادرين وراغبين، في آن واحد، في الالتحاق سريعاً بسوق العمل، والانضمام كلياً إلى الهوية الأوروبية ولقيمنا أيضا، سواء تعلق الأمر بالديمقراطية، أو بالمساواة بين الرجال والنساء، أو بالتسامح.
إن الجزائر، مثلها مثل إفريقيا، غنية بالعناصر الشابة، ولا تستطيع الدول الأوروبية أن تدعي نفس الشيء فيما يخصها. ولذا، يبدو لي بأن لدينا مصالح مشتركة، وأنه من الممكن أن نجد أرضية تفاهم بين المسؤولين الفرنسيين والجزائريين حول هذه الموضوع المتعلق بمسائل الهجرة وتنقل الأشخاص. من المهم أن نتبادل الحديث بشأن تطلعاتنا، وما يمكن لكل منا تصوره للمستقبل، فمن الجانب الفرنسي، نظرتنا اليوم إلى مسائل الهجرة تكمن في استحسان وتفضيل تشجيع حرية التنقل للمهنيين، لنتيح لهم استكمال تكوينهم في فرنسا، واكتساب خبرة أولية يمكن أن يفيدوا بها بلادهم الأصلية فيما بعد. ويبدو لي أن هذا يتناسب جيداً مع تطلعات الكثير من الجزائريين. ك. ز