فجّرت الصحيفة الفرنسية الساخرة "لوكانار أنشينيه" قنبلة متصلة بالمسألة
السورية، عندما كشفت عن مضمون تقرير أميركي كان سرياً، يتضمن تأكيداً على
انعدام النية لدى فرنسا بدعم التمرد العسكري ما دام الرئيس الأسد ممسكاً
بمفاتيح ترسانته الصاروخية
و كشفت الصحيفة عن تقرير أميركي سري أعدّته لجنة خبراء من مركز RCS،
التابع للكونغرس الأميركي، حول تطورات الأوضاع في سورية. وقالت الصحيفة إن
وزارة الدفاع الأميركية والبيت الأبيض قرّرا إحاطة هذا التقرير بطابع
السرية، وذلك خلافاً لما هو معمول به عادةً، إذ تُنشر تقارير مركز RCSعلى
موقع مكتبة الكونغرس. وأوضحت الصحيفة أنها اطلعت على فحوى هذا التقرير من
خلال مصدر في المديرية الفرنسية للاستخبارات العسكرية، التي حصلت على نسخة
منه عن طريق ملحق عسكري فرنسي في واشنطن.
وذكرت «لوكانار أنشينيه» أن التقرير الأميركي، الذي يقع في عشرين صفحة،
حذّر من أنّ «انعكاسات الأزمة الحالية ستتجاوز حدود سوريا، وتهدّد بمزيد من
الاحتقان والمواجهات ذات الطابع الطائفي في لبنان والعراق، وبنزاعات
مسلحة في الدول المعنية بالمسألة الكردية (تركيا، إيران، العراق)».
كذلك تضمّن التقرير انتقادات تشكك في جدية المعارضة السورية وقدرتها على
إطاحة النظام. وقد عاب الخبراء الأميركيون على «مجلس اسطنبول» أنه «يركّز
فقط على استقطاب المعارضين والمنشقين في المنفى، مما يعرّضه للانتقادات من
قبل نشطاء الداخل». أما «هيئة التنسيق الوطني»، فقال التقرير إنها «كانت،
إلى غاية أيام قليلة ماضية، لا تزال تراهن على أن الرئيس بشار الأسد
"سيتراجع". ولم يخلُ التقرير من النظرة الاختزالية التي عادةً ما تطبع
التحاليل الأميركية عن العالم الإسلامي، حيث صوّر النزاع السوري من منظور
كاريكاتوري يصنّف غالبية المحتجين ضد السلطة «مسلمين من مذهب معين يغلب
عليهم التوجّه الإخواني». أما أنصار النظام، فهم «من مذاهب اخرى» على حد
تعبير معدّي التقرير.
ودعا التقرير إلى التركيز على «قلب موازين القوى العسكرية».
وأشار في هذا الخصوص إلى أن «العسكر الفارين ليس لديهم ما يكفي من
الأسلحة، وهم لا يمثلون قوة قادرة على مواجهة جيش يتّسم بالحرفية
والانضباط، وهو ما يدفع بالعديد من الأقليات إلى الاستمرار في تأييد
النظام، بما في ذلك المسيحيين». تحليلات لا تكاد تختلف عما هو دارج في
الإعلام الغربي من رؤيات نمطية غالباً ما تتسم بالتعميم وتفتقر للدقة.
من هنا يتساءل البعض عن سبب إحاطة هذا التقرير بطابع السرية؟ لعل ذلك يعود إلى الجزء المخصّص منه للفارين عن الجيش السوري،
ويقول التقرير أن من انظموا الى مايسمى "الجيش السوري الحر" سوى أقلية
ضئيلة. ويتابع التقرير أن «هناك بضع مئات فقط من الفارين الذين يشاركون في
القتال ضد الجيش النظامي، في حين أن الفارين فضّلوا اللجوء إلى المناطق
القريبة من الحدود في تركيا ولبنان»، مع الإشارة إلى أن هؤلاء «لا يشاركون
حتى الآن في المواجهات المسلحة». وعن هذا الموضوع، يتحدث معدّو التقرير عن
معلومة جديدة في تأكيدهم وجود «ضباط أميركيين من القوات الخاصة في لبنان،
وزملاء لهم من القوات الخاصة الفرنسية في تركيا، يعملون بشكل سري على
تحفيز هؤلاء الجنود الفارين على العودة إلى بلادهم والمشاركة في القتال».
معلومة تدفع إلى التساؤل: لماذا قامت مديرية الاستخبارات العسكرية
الفرنسية بتسريب هذا التقرير، وهي تعلم أنه يتضمن أسراراً قد تُعرِّض حياة
أفراد القوات الخاصة الفرنسية المشار إليهم للخطر؟ لعل الجواب على ذلك
يكمن في ما أوردته «لوكانار أنشينيه» في ختام مقالها، حيث كتبت أن مديرية
الاستخبارات العسكرية في باريس «قلقة على مستقبل الترسانة الصاروخية
السورية في حال سقوط النظام، فلا أحد يعلم بأيدي من ستقع أطنان الأسلحة
والصواريخ المتطوّرة التي حصلت عليها سوريا من روسيا وإيران؟».
src