مع انتهاء حرب تموز 2006 التي مني فيها العدو الإسرائيلي بهزيمة تاريخية هي
الأولى من نوعها منذ تأسيس الكيان الغاصب، وبعد التقرير الذي أصدرته لجنة
فينوغراد وحملت فيه القيادتين العسكرية والسياسية مسؤولية ما اسمته
"إخفاقات" عدوانها على لبنان، كان لا بد للقيادة العسكرية الإسرائيلية أن
تضع خطة خمسية جديدة ترتكز على المتغيرات في موازين القوى في المنطقة،
وتلحظ التطوّر الكبير للمقاومة على كافة الأصعد. يومها وضع العدو خطته الحديثة وباشر بإجراء مناورات أسماها "نقطة تحوّل" كان الهدف منها اختبار كافة جوانب
المخطط
ومنذ أيام قليلة اختتمت التحولات الإسرائيلية الخمسة بأضخم مناورة
أجراها العدو في تاريخه لاختبار جهوزية جنوده وجبهته الداخلية في حال
اندلاع أي مواجهة مع "أعداء" إسرائيل. إلا أن النتائج كانت مخيّبة لآمال
القيادة العسكرية التي لم يتجاوب معها أكثر من 15% من المجتمع المدني، ولا
عجب في ذلك، فإسرائيل التي أجرت سلسلة مناوراتها لرفع المعنويات وتأكيد
الجهوزية لم تلحظ أنها أثبتت عكس ما طمحت إليه وبرهنت لشعبها أنها غير
قادرة على حمايته بتاتاً، وهذا ما يتنافى مع عقيدتها التاريخية التي
استطاعت من خلالها استقدام الملايين من يهود العالم حين وعدتهم بأنّ "الأرض
الموعودة" هي المكان الوحيد الآمن في هذا العالم والذي لا تستطيع أي يد أن
تصل إليه. ولم تجب القيادة العسكرية ومعها السياسية عن أهم سؤال يراود ذهن
الإسرائيليين ألا وهو: كيف يمكن أن يكون الصهاينة في مأمن في الوقت الذي
سيتساقط عليهم حوالي 50 طن من الصواريخ يومياً أي ما معدله صاروخ واحد في
كل دقيقة بحسب تقديراتهم؟
إذاً إنتهت الخطة الإسرائيلية محققة فشلاً جديداً، وكان لا بد
من إعداد خطة خمسية جديدة لتحاكي المرحلة القادمة. إلا أن المفاجئات التي
لم تكن بالحسبان قد وقعت وأجبرت القيادة العسكرية الإسرائيلية على تغيير
استراتيجيتها بشكل جذري. فما الذي حدث؟الجبهة الجنوبية في خطر إن استكمل المصريون ثورتهممصادر
واسعة الاطلاع على ما يجري في إسرائيل كشفت لموقع قناة المنار عن بعض
ملامح الخطة الخمسية الممتدة من العام 2012 إلى العام 2017 والتي يجري
بلورتها الآن من قبل شعبة التخطيط الاستراتيجي في قيادة هيئة أركان الجيش.
فالخطة التي يقوم بإعدادها نائب رئيس هيئة الأركان اللواء يائير نافيه
ومدير شعبة التخطيط الاستراتيجي في جيش العدو اللواء أمير أيشل وشعبة
الاستخبارات العسكرية (أمان) وشعبة Cyber War التابعة للجيش والمكلفة بمنع
حدوث اختراقات لأجهزة المراقبة والسيطرة والاتصال في الجيش الإسرائيلي،
تركّز بشكل كبير على التغييرات الإقليمية التي حدثت في المنطقة وانعكاساتها
الكبيرة على قدرات وأولويات الجيش الإسرائيلي من حيث التسليح والتدريب
والعدد. حيث تم الأخذ بعين الاعتبار الوضع المستجد على الجبهة الجنوبية مع
مصر والتي كانت هادئة طوال العقود الثلاثة الماضية، أي منذ توقيع اتفاقية
كامب ديفيد للسلام بين البلدين عام 1979. فصحيح أن مصر ما زالت ملتزمة
باتفاقية السلام مع إسرائيل، لكن التغييرات الداخلية الحاصلة فيها تحتم على
الجيش الإسرائيلي الاستعداد لحدوث تغيير، حيث لا يستطيع بعد اليوم تجاهل
فكرة أن تنضم مصر إلى "محور الشر" وتتحول الجبهة الجنوبية مع مصر إلى جبهة
قتال في يوم ما.
وفي
هذا الإطار يؤكد العميد الركن د. محمد عباس، في حديث لموقعنا، أنّ "الفترة
الانتقالية التي تمر بها المنطقة بشكل عام ومصر بشكل خاص باتت تشكّل مصدر
قلق للجيش الإسرائيلي"، فالخطة السابقة بحسب العميد عباس كانت تلحظ ثلاث
تهديدات لا رابع لهما: 1- إحتمال إندلاع مواجهة مع المقاومة في لبنان أو في فلسطين.
2- إحتمال الدخول في حرب تقليدية مع جيش تقليدي كالجيش السوري المحاذي للحدود.
3- إحتمال إندلاع حرب مع دولة بعيدة لا تربطها مع إسرائيل حدود مشتركة كالجمهورية الإسلامية في إيران.
ولكن بعد المتغيرات التي حدثت في المنطقة، يرى العميد عباس أنه "لا يمكن
أن تبقى التهديدات محصورة بهذه الأطراف الثلاثة، حيث بات من الضروري أن
يضيف عليهم العدو الصهيوني التهديد المتأتي من مصر، فبعد ما حصل ويحصل فيها
لن تكون مصر بعد اليوم كما كانت أثناء حكم حسني مبارك، فصحيح أن الحكومة
الإنتقالية والمجلس العسكري متمسكان حتى الآن بمعاهدة كامب ديفد وغيرها إلا
أن إسرائيل تعتقد أنها ستصبح في دائرة الخطر إن استكملت الثورة أهدافها.
فحتى اليوم عقيدة الجيش المصري تميل إلى العداء لإسرائيل ولكن السياسة التي
كانت سائدة والإتفاقيات المبرمة كبلت هذا الجيش ولم تمكنه طيلة عقود من
التحرك، إلا أن الشعب المصري الذي لم يطبع طيلة عقود مع الإسرائيليين، لن
يقوم بذلك مستقبلاً ولن يرضى بأن تفعل السلطات ذلك خاصة وأنه هو من سينتخب
ممثليه الحقيقيين هذه المرّة".
ما يراه العميد عباس يتقاطع أيضاً مع ما أفادتنا به مصادرنا،
التي أكدت لنا بأن الجيش الإسرائيلي الذي كان قد قلّص عديد قواته في الجبهة
الجنوبية ونوع تسليحها وتدريبها، حيث لم يعد الجيش يتدرب على القدرات
البرمائية أو سيناريوهات اجتياز قناة السويس، بات يتوجب عليه الآن بحسب
خطته الجديدة اخذ تلك السيناريوهات بعين الاعتبار.الإحتجاجات الشعبية "جبهة حربية جديدة"هذا
وتلحظ الخطة أيضاً الاحتجاجات الشعبية التي حدثت في ذكرى النكبة
الفلسطينية في منتصف أيار والخامس من حزيران والمتوقع حدوثها مستقبلاً، حيث
أكدت لنا مصادرنا أن العدو صنّف ما حدث كتحد جديد يواجه الجيش الإسرائيلي
الذي يفكر في اعتباره جبهة حربية جديدة، ففي ضوء احتمال تكرار مواجهته
لاحتجاجات شعبية واسعة على مختلف جبهاته يفكر القائمون على إعداد الخطة
الخمسية الجديدة اعتبار الاحتجاجات الشعبية تتطلب تطوير أسلوب مواجهة عسكري
جديد وتسليح وحدات الجيش الإسرائيلي بمعدات غير قاتلة.
وتعليقاً على
هذه المسألة يؤكد العميد عباس أنّ على إسرائيل أن "تأخذ بعين الإعتبار تدفق
الإحتجاجات العربية في أي حرب مقبلة، فبعد أن فوجئت بتحرك شعبي باتجاه
حدودها في ذكرى النكبة، يجب عليها في أي استراتيجية أن تأخذ بالحسبان كيف
يمكن أن تصد هكذا احتجاجات دون أن تثير الرأي العام الدولي ضدها كما حدث في
المرة السابقة".
إيران وسوريا في البال دائماًوتتابع مصادرنا كلامها عن الخطة الخمسية الجديدة، حيث تكشف أن الجيش
الإسرائيلي سيكمل نقل جميع معسكراته وقواعده من وسط إسرائيل إلى منطقة
النقب باستثناء مقر قيادة هيئة الأركان. وستأخذ الخطة الخمسية الجديدة
اتساع دائرة تأثير الخطر الإيراني وانعكاساته على دول المنطقة، بالإضافة
إلى مضي إيران في مشروعها النووي، وتزويدها منظمات مناوئة للجيش الإسرائيلي
(حزب الله وحركة حماس) بأسلحة متطورة. هذا بالإضافة إلى الوضع غير المستقر
في سوريا التي تشير لنا مصادرنا أن القائد العسكري الإسرائيلي الذي تولى
شرح الخطة قال أنها "أصبحت مخزنا للأسلحة الفتاكة ومن جميع الأصناف".
وبالنسبة للجبهة السورية، يرى العميد عباس أنّ "إسرائيل تعلم اليوم أكثر
من أي وقت مضى أن النظام السوري قوي جداً وهو على استعداد لمواجهتها،
والجيش السوري بقي موحداً بعد كل الأحداث التي عصفت بالبلاد، خاصة وأن
إسرائيل كانت تراهن على فرط عقد الجيش السوري والمجتمع وهذا الذي لم ولن
يحصل".
ويضيف عباس "في عدوان تموز 2006 لم تستطع اسرائيل استيعاب 300
ألف نازح من الشمال وهي غير مهيأة لذلك، وبما أن مناورات "نقطة تحوّل" فشلت
في حماية العمق الإسرائيلي على الرغم من استحداثهم لما يسمى بالقبة
الحديدية التي هناك شك أصلاً في قدرتها على اعتراض الصواريخ القصيرة
والمتوسطة المدى،
فكيف ستستطيع إسرائيل استيعاب شعب نازح وخائف بأكمله عندما تبدأ الصواريخ بالتساقط عليه من كل حدب وصوب؟".
من تركيا إلى تشيلي .. الوجهة الجديدة للضباط الإسرائيليينوفي سياق متصل أفادتنا مصادر متابعة لواقع العلاقات الإسرائيلية – التركية
وللتعاون العسكري بينهما أنّ الجيش الإسرائيلي قرر الشروع بإرسال الضباط
الذين يتخرجون من كلية الأمن الوطني العسكرية التابعة له في رحلاتهم
الدراسية إلى دولة تشيلي في أميركا الجنوبية بدلا من تركيا كما كان برنامج
التدريب خلال الأعوام العشرة الأخيرة. وجاء قرار الجيش على ضوء استمرار
تدهور العلاقات العسكرية والسياسية الإسرائيلية- التركية خلال الأعوام
الأخيرة.
وتعتبر زيارة جيش أجنبي جزء هام من البرنامج الدراسي في كلية
الأمن الوطني وفي جميع الأكاديميات العسكرية الإسرائيلية. وقد اعتاد جيش
العدو خلال العقد الأخير إرسال جميع ضباطه لزيارة الجيش التركي الذي كانت
تربطه به علاقات وطيدة ومتميزة، حيث تضمنت تلك الزيارات التعليمية لقاءات
بمسؤولين عسكريين أتراك رفيعي المستوى، بالإضافة إلى زيارات لمختلف اذرع
الجيش التركي. إلا أنّ الوضع اليوم قد تبدّل وسيتم بحسب المصادر نفسها
إرسال أوّل دفعة من ضباط كلية الأمن الوطني التي يرأسها اللواء غيرشون
هاشوين إلى تشيلي خلال الشهرين القادمين وقبيل موعد تخريج ضباط الكلية.
الرابط http://www.almanar.com.lb/adetails.php?fromval=1&cid=136&frid=136&eid=77366