المقدمة
المقصود بالمقاومة الشعبية ، هو أنها بالأساس حركة الشعب من أجل التحرر من الإحتلال، وليست حركة مجموعة من النخب التى تشكل مجموعات سياسية أو عسكرية سياسية لمقاومة الاحتلال. وفى ذلك فإن دور النخبة أو العصبة أو المجموعة الأولى لا يتعدى كونه عملية تحريض وإستنهاض للهمم وإدخال الشعب فى المواجهة، ومن ثم فإذا ظلت تلك المجموعات النخبوية على حالها دون أن تحظى بدعم شعبى متصاعد ومتواتر بمعدلات كبيرة فإنها تدخل فى نفق مظلم بدالة متصاعدة حسابيا أو هندسيا بسبب تصاعد الفعل العدوانى من جيش الإحتلال ضد المجموعات الأولى وضد الشعب المحتل نفسه، وغالباً ماتؤدي هزيمتها الى إنتكاسة تعود بالأوضاع الى ما هو اسوأ من قبل ظهورها على ساحة الفعل.
والمقاومة ليست نمطا من أنماط العمل العسكرى ، وإنما العمل العسكرى هو جانب من نشاطها وذو وظائف محددة ، أولها: استنهاض همم الشعب المحتل وضرب المثال والنموذج فى تحدى جيش الاحتلال وقهره، وفى منعه من التواصل المريح والمنظم مع جمهور الشعب المحتل. وثانيها: إضعاف العملاء وكشفهم وعزلهم، وهو أمر بالغ الأهمية كما هو معلوم بسبب ما يمنحه وجود العملاء من غطاء للإحتلال. (ظلت مصر محتلة لمدة سبعين عاماً مع وجود حكومات وأحزاب وجيش وبوليس، كان الإحتلال يتخفى وراءها). وثالثها: إصابة جيش الإحتلال بالإرباك والإنهاك وإفقاده المبادرة وإرادة القتال والبقاء عبر سلسلة طويلة من الأعمال القتالية والسياسية والجماهيرية. ورابعها: منع القوات المحتلة من الإستقرار فى البلد المحتل ومن تحقيق أهدافها العقائدية أو الإقتصادية وإنفاذ سياستها من عملية الاحتلال .
وفى ذلك فالمعنى العام والشرط المحدد فى حقيقتها ، ليس فى تكوين مجموعات مسلحة لمقاتلة جيش الإحتلال العدو، وإنما فى جعل شعب البلد المحتل – قطاعات واسعة – من حالة قابلة للإحتلال الى حالة رافضة للإحتلال ومقاومة له ومقاتلة له. وتبدو أهمية هذا العامل من أن بعض تجارب الإستقلال لم يستخدم فيها السلاح، كما هو الحال فى النمط الهندى للتحرر، إذ إعتمدت حركة الإستقلال والمقاومة على الفعل السياسى الجماهيرى فى مواجهة الرصاص، إعتمادا على الكثافة السكانية للشعب المحتل وعلى إتساع الرقعة الجغرافية للهند، حيث القوات البريطانية لا يمكن لها قمع شعب بهذه الكثافة إذا صار عدائياً تجاهها ولا يمكن لها أن تنظم مواجهة على إتساع القارة الهندية، حتى لو تجند الشعب البريطانى باطفاله وشيوخه ونسائه، خاصة وإن بريطانيا كانت منهكة اقتصاديا وعسكريا بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية.
والمعنى المقصود هنا تحديدا ، هو أنه إذا توفر شرط وجود مجموعات مقاومة وتمكنت من تنظيم عمل مسلح ضد قوات الإحتلال، ولم يتوفر شرط "تجييش "الشعب المحتل سياسيا وجماهيريا، فإن الأغلب أن مثل هذه المجموعات لن تنجح فى تشكيل حركة مقاومة حقيقية أو لن تنجح فى حربها،ولا فى تحقيق أهدافها. (1)*
وإذا تتبعنا حركات المقاومة العربية والإسلامية في التاريخ المعاصر نكتشف حقيقة واضحة للعيان، وهي أن الحكومات والدول والجيوش النظامية فشلت دائما في مواجهة الغزو الخارجي في حين نجحت المقاومة الشعبية في ظروف معينه، وهذه الظروف تحديدا هي ما ينبغي معرفته ودراسته حتى ننجح في مواجهة هذا التحدي، وهو التحدي الذي نعاني منه منذ قرنين على الأقل وبصوره مستمرة، السبب في فشل الجيوش النظامية والحكومات والدول ونجاح المقاومة الشعبية في ظروف معينه، هو أننا أولا امة ذات طبيعة خاصة، وأنها امة ذات ثقافة معينه وهي الثقافة الإسلامية ومن ثم فإن هذه الأمة والجماهير لن تتحرك إلا من خلال الوجدان الإسلامي، وبما أن الحكومات والدول والجيوش لم تكن تنطلق في عمليه المواجهة من خلال المنظومة الإسلامية بسبب قيام انظمه حكم ودول تتبنى مرجعيات أخرى مخالفه أو ليست نقيه تماما بالنسبة لهذا الوجدان الإسلامي، فإن الفشل هنا بديهي، فكيف نواجه منظومة حضارية تغزونا بجيوشها وبثقافتها وحضارتها بقيم وثقافات ومرجعيات مستمدة من نفس الأرضية الحضارية المعادية أو لا تخالفها تماما، لان أي قدر من الميوعة وعدم الحسم في رفض المنظومة المعادية يعني مباشرة أننا تمت هزيمتنا قبل أن تبدأ المعركة. ولكن هذا بالطبع لا يكفي لتفسير الظاهرة، ولا بد من البحث عن أسباب أخرى لظاهرة نجاح عمليات المقاومة في ظروف معينه وفشل الحكومات والجيوش في مواجهة الغزو الأجنبي. لدينا العديد من التجارب الناجحة في حركات المقاومة، المقاومة الشعبية المصرية ضد الحملتين الفرنسية 1798-1801 م والإنجليزية "حمله فريزر" 1807م، مع ملاحظة انه على حين قاومت كل قرية ومدينه في مصر بما فيها القاهرة ضد الحملة الفرنسية 1798-1801م وكذا قاومت القوى الشعبية حملة فريزر بعد فشل المماليك في مواجهة الفرنسيين عام 1798 وهزيمتهم في معركة إمبابة، وكذا غياب الحكومة " حكومة محمد علي عن عملية المواجهة ضد حملة فريزر 1807 لأنه كان بالصعيد مع جيشه يطارد فلول المماليك المعارضين لحكمه … فانه في عام 1882م عندما دخل الجيش الإنجليزي القاهرة لم تنطلق عليه رصاصه واحدة بعد هزيمة جيش العرابيين في التل الكبير !!
وهناك أيضا تجربه المقاومة الشعبية في الجزائر وتونس والمغرب وفلسطين وسوريا والشيشان واندونيسيا وغيرها. وهناك المقاومة الشعبية المصرية في السويس بقيادة الشيخ حافظ سلامه سنه 1973م .
وكذا المقاومة الشعبية في لبنان " حزب الله " وتحقيقها انتصارين كبيرين على إسرائيل عام 2000، وعام 2006 وهناك حركات المقاومة الفلسطينية " حماس، الجهاد وغيرها ". وإذا درسنا البنية الاجتماعية التي أدت إلى ظهور ونجاح تلك الحركات نجدها تتلخص في عامل رئيس هو ضعف الحكومات ووجود بنيه اجتماعيه أصليه أقوى من الدولة . ( 2) *
وأيضا ً لأن المُقاتلون فى المقاومة الشعبية ليسوا مُتفرغين مهنياً للعمل كجنود ومُقاتلين، ولكنهم مُتطوعون، بإرادتهم الحُرة، للقتال بعض الوقت، وفيما عدا ذلك، فهم يعيشون فى بيوتهم مع عائلاتهم وذويهم، وليس مع جنود وضبّاط متفرغين فى ثكنات ومُعسكرات وقواعد عسكرية.
وهذه الخاصية وحدها تنطوى على توفير نفقات باهظة ، فإذا أضفنا إلى ذلك أن مُقاتلى المقاومة الشعبية يستخدمون، متى دعت الحاجة، أسلحة خفيفة ومتوسطة، وهى كل ما يستطيعون شراءه أو الاستحواذ عليه من جنود الخصم... ولا يستخدمون آليات مُصفحة أو دبابات وطائرات ومدافع وأسلحة ثقيلة.
وهذه الخاصية بدورها توفر على مُقاتلى المقاومة الشعبية أموالاً هائلة، أى أن اقتصاديات المقاومة الشعبية تكون فى حدودها الدنيا، بينما هى عند الجيوش النظامية تكون فى حدودها القصوى.
وتستعيض قوات المُقاومة فى مواجهة الجيوش النظامية، الأكثر عدة وعتادة وتكلفة، عن ذلك بخفة حركتها، وقدرة مُقاتليها على الحركة الخفيفة السريعة، والكر والفر والاختفاء بين جموع الناس فى المناطق المأهولة.
وبهذا الشكل فإن المُقاتلين يستطيعون شغل قوات الجيش النظامى مدة أطول، واستنزافه تدريجياً، وخاصة نحو أطرافه، وتفادى المواجهات الواسعة والمُباشرة. ولذلك تُسمى المقاومة الشعبية أيضاً باسم «حروب الاستنزاف». ( 3 ) *
________________________________
(1)* : http://www.islamicnews.net/......../...D=8&TabIndex=2 .
(2 )* : http://www.kotobarabia.com/Library/.....aspx?ref=7694 .
( 3 ) * : http://www.ahl-alquran.com/arabic/sh...p?main_id=4763 .
المقاومة الشعبية في العصر الروماني
بعد مقتل يوليوس قيصر ، درات في روما حرب أهلية طاحنته انتهت بانتصار اوكتافيوس وانطونيوس على أعدائهم وسيطرتهم علي الامبراطورية الرومانية .
ثم قاموا بتقسيم الامبراطورية الي قسمين القسم الغربي ويحكمه اكتافيوس والقسم الشرقي ويحكمه ماركوس انطونيوس .
وعندما ذهب انطيوس الي القسم الشرقي فتن بجمال كليوباترا السابعه حاكمه مصر ، فأصبح طوع بنانها ، وفي عام 37 ق . م تزوج كليوباترا من انطونيوس في الوقت الذي كان لا يزال متزوجا ً من اوكتافيا شقيقة اوكتافيوس مما أدي الي تأزم العلاقة بينهما ، لدرجة ان انطونيوس أعلن طبلاقه من زوجته اوكتافيا شقيقة اوكتافيوس ، وقام بتقسيم الاجزاء الشرقية من الامبراطورية الرومانية علي كليوباترا وأبنها قيصرون وأبنائه منها .
وقد استغل اوكاتفيوس بعض الاخطاء التي وقع فيها انطونيوس في الشرق لشن حملة سياسية شعواء ضده والتنديد بعلاقته بالملكة المصرية وبحكم وجود أوكتافيوس في روما أستطاع ان يثير الرأي العام الروماني ضد أنطونيوس والملكة المصرية ، حيث صور موقفه علي أنه قد حول الولايات الشرقية كلها الي مملكة من الطراز الشرقي يجلس هو وكليوباتر علي عرشها ويرثها ابنائهم وهو ما يعني خيانة الشعب الروماني .
ولما كان أوكتافيوس يدرك أن لأنطونيوس أنصارا ً بين الرومان ، فأنه لم يعلن الخرب علي انطونيوس حتي لا تبدو حربا ً أهليه بين زعيمي روما من أجل التنافس علي السلطة وأنما اعلن الحرب علي كليوباترا بأعتبارها عدوة للشعب الروماني حتي يضفي عليها صفه الحرب القومية ضد الخطر الأجنبي القادم من الرشق ، ويظهر انطونيوس بمظهر الخائن لبلاده .
وهكذا وقعت معركة اكتيوم البحرية وانتصر اوكتافيوس علي انطونيوس وانتحر انطونيوس بعد ان أشاعت كليوباتر أنها ماتت فأنتحر انطونيوس بعد ان اوصدت جميع الأبواب في وجهه . ( 1 )*
وأما كليوباترا عندما أيقنت أنه لم يبق الا ان تحمل ذليلة الي روما لتعرض عبر شوارعها في مهرجان نصر اوكتافيوس ، لذلك قامت بالأنتحار بواسطة حية الكوبرا ، رمز الخلود عند المصريين ، وهي ميته ترفعها الي مصاف الالهات . (2)*
وفي نهاية شهر اغسطس سنه 30 ق . م اعلن اوكتافيوس ضم مصر الي ممتلكات الشعب الروماني .
وفي ظل الحكم الروماني لمصر شعر المصريين بأضصطهاد كبير لهم نتيجة :
1 – ألغاء مجلس المدينة الذي كان يعقد اتناء فترة الحكم البطلمية لمصر .
2 – الضرائب الباهضة التي تفرض علي المصريين .
3 – عدم مشاركة المصريين في الحكم .
4 – الاستغلال الاقتصادي لثروات مصر ، فقد كان أصبحت مصر مزرعة للقمح لتزويد روما وتوزيعها على سكانها لكسب تأييدهم . ( 3 )*
ومع مرور الوقت ازادات سوء معاملة الرومان للمصرين مما دفعهم للثورات :
ثورة الفلاحين في عهد ماركوس أورينيوس " ثورة الرعاة والفلاحين القرن 2 الميلادي " :
في عام 173 قام الفلاحون المصريون في شمال الدلتا بثورة عنيفة اتخذت شكل حرب العصابات وعرفت في المصادر الرومانية باسم ثورة "الرعاة" Bucolic .
فكانت أول ثورة عنيفة للمصريين نسمع عنها منذ ثورات إقليم طيبة في مطلع العصر الروماني . وهي الثورات التي أخضعها أولا الولاة الرومان على مصر وهو كورنيليوس جالوس. وقد تزعم ثورة الفلاحين أحمد الكهنة فيما يبدو واسمه "إيزودور" ويعني ذلك أن الكهنة المصريين كانوا لا يزالون حتى ذلك الوقت يشكلون القيادات الوطنية.والحقيقة هي أن أحوال الفلاحين المصريين كانت تزداد سواءً على مر الأيام حتى بلغت منذ منتصف القرن الثاني الميلادي حدًا لا يحتمل تحت وطأة نظام ضرائب ، وخدمات إلزامية Leitourgiae لم تكن موزعة توزيعًا عادلاً متكافئًا مع القدرة المالية بين الأغنياء والفقراء وأعمال سخرة أكره عليها الفلاحون وشملت أشخاصهم ودوايهم.
وفضلاً ذلك فقد ترتب على ثورة اليهود المدمرة في عهد تراجان تخريب الأراضي الزراعية وإهمال نظام الري، فساءت أحوال الزراعة وهجر الفلاحون أراضيهم عندما رأوا ألا جدوى من فلاحتها وإحيائها ما دام لا يبقى لهم من ثمرة جهدهم فيها إلا النزر اليسير. ومما يدل على سوء الأحوال نفشي ظاهرة قرار المزارعين من الأرض وهجر الأهالي للمواطن (محل الإقامة Idia)، وهو ما عرف في لغة الوثائق "بالتسحّب " Anachoresis، إما للعجز عن أداء الضرائب أو قرار من خدمة إلزامية، فكان "المتسحب" يلجأ إلى المدن الكبيرة وخاصة الإسكندرية على أمل أن يجد فيها عملاً يرتزق منه، أو يتوارى على الأقل عن أعين السلطات التي كانت تجد في طلبه لإعادته إلى موطنه Idia، فإن لم يجد المتسحب إلى ذلك سبيلاً لاذ بأحراش الدلتا وربما التحق بعصابات قطاع الطرق.
هكذا بدأ الرومان يحصدون الثمار المرة لسياستهم الاقتصادية الخرفاء في ابتزاز ثروة مصر وامتصاص الطاقة الإنتاجية لأراضيها وأهليها. ويبدو أن المصريين انتهزوا فرصة سحب بعض القوات من مصر للمشاركة في الحروب التي خاضتها الإمبراطورية ضد قبائل الجرمان في منطقة الدانوب، فثاروا ثورتهم تلك التي بلغ عن عنفها أن عجزت القوات الرومانية عن مواجهتها، بل كادت مدينة الإسكندرية أن تسقط في يد الثوار. ولم يتدرك الأمر سوى وصول نجدة من سوريا تحت إمرة فيديوس كاسيوس قائد القوات هناك، وقد لجأ هذا إلى أسلوب المكيدة والخداع مع الثوار لكي يوقع بينهم، وعندما نجح في استمالة بعضهم، تحول الباقون إلى شراذم فتمكن من تعقبهم حتى قضى عليهم، ثم عاد إلى سوريا منتصرًا بعد أن ترك فيها نائبًا عنه.
تصاعد أحقاد الإسكندريين في عهد الإمبراطور كومودوس :
كان مراكوس أوريليوس أخر حلقة في سلسلة الأباطرة "الصالحين" لأن ابنه وخليفته كومودوس (176-192) كان على النقيض من أبيه تمامًا. فقد اتبع في سياسة الحكم أساليب بالغة العنف، واستبدت به شهوة الانتقام فتعقب أفراد أسرة أفيديوس كاسيوس حتى استأصل شأفتهم، ومضى في محاكمة زعماء الإسكنرديين وأعدم الكثير منهم. وقد بينت تلك البردية التي ذكرناها منذ قليل (وتعرف باسم أعمال أبيانوس Acta Appiana) أن صراع الإسكندريين مع الأباطرة الرومان أصبح سافرًا. فالبردية تضم أجزاء من محاضر محاكمة أبيانوس أحد زعماء الإسكندريين الذين تم إعدامهم على يد كومودوس، وهي تتصنح بالكراهية والحقد على الرومان وتتهمهم بممارسة أسوأ أنواع الابتزاز وهو أخذ القمح من مصر وبيعه في الخارج بأربعة أضعاف ثمنه. وقد ازدادت أحوال مصر سوءًا في عهد كومودوس بحيث لم تعد تبعث على اطمئنان روما إلى ولاية مصر، ولعل من الأمور ذات الدلالة في هذا الصدد ما قام به كومودوس من بناء أسطول جديد لنقل القمح من شمال إفريقيا إلى روما لمواجهة الموقف إذا ما تأخر وصول القمح من مصر. ومع الفتح الاسلامي لمصر عام 641 م رحب المصريون بالمسلمين الذين خلصوهم من ظلم الرومان طيلة عقود طويلة من القهر والظلم . وذلك مثلما ذكر بعض المؤرخين أن من أبرز اسباب نجاح الجيوش الإسلامية في هزيمة البيزنطيين هو استقبال المصريين المسيحيين للعرب على انهم منقذين لهم من تعذيب الرومان . ومن مؤيدي هذا الرأي المؤرخ البريطاني إدوارد جيبون في كتابه "تاريخ سقوط الإمبراطورية الرومانية" سنة 1782.
وتختلف الرويات الإسلامية والقبطية في سرد حوادث الفتح وتجتمع على أن الرومان عذبوا المصريين أثناء حكمهم وجعلوا مصر ضيعة للإمبراطور الروماني وعرفت بمخزن غلال روما وكان اختلاف عقيدة المصريين عن حكامهم سببا في اضطهادهم من قبل الرومان مرتين مرة لاختلاف الدين فالدولة الرومانية كانت وثنية والمصريين مسيحيين ولما أعترفت الدوله الرومانية بالمسيحية أعتنقوا مذهبا مغايرا للمذهب الذي عليه المصريين . ( 4 )*
_______________________________________
( 1 )* : حسن أحمد حسن الأبياري ، تاريخ مصر في عصر البطالمة ، القاهرة ، مكتبة علاء الدين ، 2003 ، صــ 141 : 148ـــــ .
( 2 )* : http://www.kotobarabia.com/Library/.....aspx?ref=7694 .
( 3 ) * : http://history.egypt.com/index.php?o...=145&Itemid=33 .
( 4 )* : http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%...85%D8%B5%D8%B1 .
المقاومة الشعبية للأحتلال الفرنسي
قدمت الجيوش الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت عام 1798 م، بغرض جعل مصر قاعدة استراتيجية تكون نواة للإمبراطورية الفرنسية في الشرق ، وذلك بناء علي التقارير التي أرسلها سانت بريست سفير فرنسا في الآستانة منذ سنة 1768م والبارون دي توت والمسيو (مور) قنصل فرنسا في الإسكندرية ضعف الدولة العثمانية ، وأنها في سبيلها إلى الإنحلال ، ودعت تلك التقارير إلى ضرورة الإسراع باحتلال مصر ، غير أن الحكومة الفرنسية ترددت ولم تأخذ بنصائحهم ، احتفاظا بسياستها القائم ظاهرها على الود والصداقة للدولة العثمانية .
من أثر التقريرين أن نال موضوع غزو مصر اهتمام حكومة الإدارة التي قامت بعد الثورة الفرنسية ، وخرج من مرحلة النظر والتفكير إلى حيز العمل والتنفيذ، وأصدرت قرارها التاريخي بوضع جيش الشرق تحت قيادة نابليون بونابرت في 12أبريل 1798م .
وتضمن القرار مقدمة وست مواد، اشتملت المقدمة على الأسباب التي دعت حكومة الإدارة إلى إرسال حملتها على مصر ، وفي مقدمتها عقاب المماليك الذين أساءوا معاملة الفرنسيين واعتدوا على أموالهم وأرواحهم، والبحث عن طريق تجاري آخر بعد استيلاء الإنجليز على طريق رأس الرجاء الصالح وتضييقهم على السفن الفرنسية في الإبحار فيه ، وشمل القرار تكليف نابليون بطرد الإنجليز من ممتلكاتهم في الشرق ، وفي الجهات التي يستطيع الوصول إليها ، وبالقضاء على مراكزهم التجارية في البحر الأحمر والعمل على شق قناة برزخ السويس. ( 1 )*
وهكذا بدأ نابليون بونابرت فى تنفيذ أحلامه فى احتلال مصر فتحركت أولي جيوشه من مياه مالطة فى يوم 19 يونيو سنة 1798 م ووصلت جنود الحملة غرب مدينة الإسكندرية يوم 2 يوليو سنة 1798 م وزحفوا على المدينة واحتلوها فى ذلك اليوم . ( 2 )*
وبعد ذلك أخذ نابليون يزحف على القاهرة بطريق دمنهور حيث استطاع الفرنسيون احتلال مدينة رشيد فى 6 يوليو ووصلوا إلى الرحمانية وهي قرية على النيل. وفى تلك الأثناء كان المماليك يعدون جيشا لمقاومة الجيوش الفرنسية بقيادة مراد بك حيث التقي الجيشان بالقرب من شبراخيت يوم 13 يوليو سنة 1798 م .
إلا أن الجيوش المملوكية هزمت واضطرت إلى التقهقر فرجع مراد بك إلى القاهرة والتقي كلا من الجيش الفرنسي والجيش المملوكي مرة أخرى فى موقعة إمبابة أو موقعة الأهرام حيث هزم جيش مراد بك مرة أخرى فى هذه المعركة الفاصلة فى 21 يوليو سنة 1798م وفر مراد بك إلى الجيزة أما إبراهيم بك الذى كان مرابطا بالبر الشرقي من النيل لما رأى الهزيمة حلت بجيوش مراد بك أخذ من تبعه من مماليك ومصريين والوالي التركي وانسحبوا جميعا قاصدين بلبيس وخلت القاهرة من قوة الدفاع حيث استطاع نابليون بونابرت احتلالها ودخل القاهرة فى 24 يوليو سنة 1798 م مصحوبا بضباطه وأركان حربه ونزل بقصر محمد بك الألفي بالأزبكية .
وعلى الرغم من انتصار الفرنسيين على المماليك وسيطرتهم على مصر إلا أن الاحتلال الفرنسي لمصر لم يدم أكثر من ثلاث سنوات فقط وذلك لعدة عوامل أولها مقاومة المصريون الشديدة للإحتلال الفرنسي والتى امتدت بكل مدن مصر وامتازت بأنها كانت على شكل ثورات تمتد بكل الأقاليم ، بحيث كانت إذا أخمدت من جهة انبعثت من جهة أخرى، قال ريبو أحد مؤرخو الحملة الفرنسية فى هذا الصدد: " كان الجنود يعملون على إخماد الثورة بإطلاق الرصاص على الفلاحين، و فرض غرامات على البلاد، و لكن الثورة كانت كحية ذات مائة رأس، كلما أخمدها السيف و النار فى ناحية ظهرت فى ناحية أخرى أقوى و أشد مما كانت، فكأنها كانت تعظم و يتسع مداها كلما ارتحلت من بلد إلى آخر."
وقال فى موضع آخر يصف حالة الشعب النفسية و مركز الفرنسيين :"إن مصر قد فوجئت بالحملة الفرنسية، فأخذت تنتفض و تجاذب للتخلص من قبضة الفاتح الحديدية، لقد كنا نرابط فى مصر و نحتلها احتلالا عسكريا و على الرغم مما بذلناه من الجهود ليقبلنا الشعب كما يتقبل محرريه! فقد بقيت سلطتنا قائمة على القوة لا على الإقناع ، و كان اختلاف الدين و اللغة و الطباع و العادات ممايجعل الامتزاج بين الغالب و المغلوب عسرا بعيد الحتمال، فكانت سياستنا قائمة على إكراه الشعب على الإذعان بالحزم مرة، و بالقوة مرة، و قمع كل ثورة، و مكافأة من يخدم السلطة الفرنسية .
أولا ً : المقاومة في الوجه البحري :
بدأت المقاومة فى الوجه البحرى قبل احتلال الفرنسيين القاهرة فى 24 تموز 1798 ، و استمرت هذه المقاومة و لكن هدأت عقب احتلال القاهرة لكنها لم تستسلم للاحتلال الفرنسى . فما اندلعت ثورة القاهرة الأولى فى 21 تشرين الأول 1798، حتى انتقلت روح الثورة إلى الوجه البحرى . و استمرت مقاومة الشعب المصرى فى الوجه البحرى للاحتلال الفرنسى بالرغم من عدم تكافؤ الفرص و لم تهدأ إلا برحيل هذا الاحتلال عن مصر .
ثانيا ً : المقاومة فى الوجه القبلى :
فر مراد بك إلى الصعيد منهزما بعد موقعة الأهرام مع الجنود الفرنسيين، و انجه بفلول جيشه إلى الصعيد ليكون بعيدا عن هجمات نابليون الذى عزم على إخضاع الوجه القبلى. فقد وجد نابليون وجود قوة مراد بك بالصعيد تعدد سلطة الحكومة المركزية، و ستكون نواة لمقاومة شعبية ، و تعطل الملاحة فى النيل عندما بدأت تمنع سفن الغلال من الإبحار للقاهرة. لذلك عين الجنرال ديزيه قائدا للحملة على الصعيد و مانت مؤلفة من نحو خمسة آلاف جندى من الفرسان و المشاة و المدفعية.
و قبل أن تسير الحملة أراد مراد بك أن يذخر جنوده و يمنع الحرب بإقطاع مراد بك مديريات جرجا و قنا و أسوان على ألاتزيد فرسانه عن 500ألى 600 فارس ، و أن يؤدى الضرائب للجيش الفرنسى. و ظن مراد بك أن نابليون فى موقف حرج عندما عرض عليه هذا الطلب فرفضه، و كان ذلك من حسن حظ الشعب المصرى لأنه إذا تحالف الاستعمال مع الاستغلال لكانت الفريسة هى الشعب المصرى.
و فى ليلة 25-26 أغسطس 1798 بدأ الجنرال ديزيه زحفه من الجيزة مطاردا مراد بك إلى إقليم البهنسا و الفيوم ثم أسيوط و جرجا مخترقا أطلال دندرة الكرنك و الأقصر الضخمة إلى أسوان و فيلة. ز مراد بك ينطلق بأقصى سرعته تارة هاربا و تارة منقلبا ليهاجم الفرنسييس، يختفى مرة فى واحة الصحراء و يعود مرة أخرى للظهور من خلفهم، ينكمش جيشه إلى بضع مئات من الأوفيائ و لكنه لايلبث أن يجمع الأحلاف و الجيوش الجديدة ثم ينتهى به المطاف حيث بدأ .
وصلت حملة ديزيه إلى بنى سويف يوم 31أغسطس و احتلنها دون مقاومة، ثم تحركت الحملة صاعدة فى النيل ووصلت إلى المنيا فى 9 سبتمبر، ثم أسيزط فى 14 سبتمبر و فى 7 أكتوبر وصل ديزيه بلدة سدمنت حيث جمع مراد بك نحو 4000إلى 5000 فارس من المماليك و العربان.
و دارت معركة من أشد المعارك ، و كدت تسحق بها قوات ديزيه لولا قوة المدفعية الفرنسية. و قد انتصر الفرنسيون و قتل منهم أريعة و أربعون و جرح مائة، و قدرت خسائر المماليك بأربعمائة و تقهقر مراد بك إلى الفيوم.
و تغيرت الحرب بعد هذه المعركة فصارت مقاومة محلية تتجدد تبعا للأحول و المفاجآت.و كان هذا النوع من المقاومة اشد خطرا على الجيش الفرنسى من المعارك المنظمة خاصة و أن هناك فرقا بين الصعيد و الدلتا، إذ كان يسهل امداد القوات المحاربة فى الدلتا لسهولة التنقل فيها أم الصعيد فلم يكن الإمداد سهلا و طول المسافات كان فى صالح المدافعين و منهكا لقوى المهاجمين.
و ظل الزحف مستمرا حتى أسوان دون أن يقدر الجنرال ديزيه على إخضاع الأهالى، فما وجدا إنسان قبل السلطة الفرنسية أو رضى بالاحتلال، و الكل يحمل سلاحه و الكل فى معركة .
و هكذا لم يمض على احتلال القاهرة إلا ثلاثة أشهر حتى كانت الدلتا و الصعيد و كأنهم اشتعلوا من اللهب تزخر أرجاؤهم بأمجاد التضحية. و يمكن القول أيضا أنه خلال حملة سوريا ، تابعت الفكرة العربية نموها. ففى الوقت التى شهدت به يافا المجازر على يد نابليون فى مارس 1799 ، كان المصريون يسطرون النصر على الفرنسيين فى قنا و تأججت الثورة فى الشرقية و اثناء حصار عكا ، اندلعت القورة فى البحيرة .
و على ضوء الحرائق التى كانت تذهب بالمال و البنين كتبت مصر تاريخها الحديث و فيه من العزم و التصميم على الحرية ما أذهل المعتدى المتكبر، و هى تزرع بذرة الفكرة العربية من جديد . ( 3 )*
_________________________________
( 1 )* : http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%...85%D8%B5%D8%B1 .
( 2 )* : http://www.cairocitadel.gov.eg/egypt_in_frensh_A.html .
( 3 )* : http://www.egteam.com/vb/showthread.php?t=63515 .