ظهرت الطوربيدات البحرية منذ أكثر من مائة عام وهي سلاح الأعماق المتوج ضد الغواصات وسفن السطح.. سواء كان إطلاقه من الغواصات أو زوارق الطوربيدات الصغيرة أو حتى القطع البحرية الكبيرة وقد لاقى من الاهتمام وحظيت برامج تطويره بالعناية الخاصة فيما بعد منتصف القرن الماضي نظرا لما حققه من نجاح في جميع المعارك البحرية خاصة أثناء الحرب العالمية الثانية وما بعدها.
ومع أن الطوربيدات الأولى لم تكن سوى عبوة ناسفة يدفعها محرك بحري في اتجاه مستقيم إلا أنها كانت كافية لبث الرعب في مجاميع السفن إذا ما اكتشفت أن هناك غواصة تهاجمها من الأعماق وكانت الوسيلة الوحيدة لمواجهتها ليست في التصدي لها أو مكافحتها بل في الهروب منها والابتعاد عنها بحركات مناورة حادة عند اقتراب الطوربيد ورغم إمكانيات الملاحقة المحدودة للطوربيدات وتدني قدرتها على إجراء أي مناورة لتغيير الاتجاه فقد استطاع الطوربيد إغراق حوالي 2000 سفينة خلال فترة الحرب العالمية الثانية فقط.. لذا بعد نهاية الحرب اتجه المعسكران إلى تركيز التطويرات بالطوربيدات كأهم الاسلحة البحرية بزيادة المدى والسرعة وتصميم نظم لتوجيه الطوربيدات لتلاحق أهدافها حتى بعد إجرائها المناورات الحركية للهروب.
تحديث الرؤوس
كان من الضروري لنظام توجيه الطوربيد أن يعتمد في توجيهه على أي آثار لحركة السفن بالماء ويقوم باكتشافها بنفسه أو بواسطة القطع البحرية التي تطلقها وتتبعها بالإضافة إلى ما يصدره مرسل نظام التوجيه الطوربيدي من إشارات رادارية أو نبضات صوتية (سونارية) ليستقبل إشاراتها المرتدة مستقبل الرأس الباحث ويحدد بالتالي موقع السفينة.. وغالبا ما يحدث ذلك والطوربيد مازال على منصة إطلاقه بالغواصة أو القطعة البحرية التي تطلقها وبالإضافة لذلك يمكن للرأس الباحث أن يستقبل الأصوات الصادرة من محركات السفن والغواصات (سونارسلبي) وكذلك أي آثار حرارية للمحركات والأجسام عموما وكذلك التأثيرات المغناطيسية أو الهيدروليكية التي تنتج من حركتها.
وتتم عملية الاكتشاف والتتبع الاولي والطوربيد مازال على منصة إطلاقة باستخدام إمكانيات القطعة المحمول عليها وذلك بالطبع لزيادة مدى وفرصة الاكتشاف حيث أن الأجهزة المحمولة بالقطع البحرية تتمتع بقدرات أكبر من ناحية التنوع والمدى ومقاومة أي إعاقات قد تصدرها الاهداف وكذلك فرصة التحقق من عدائية الهدف.
حساسية فائقة
وعن طريق مستشعرات أصبحت اليوم فائقة الحساسية يمكن للطوربيدات تتبع مواقع السفن المكتشفة من القطعة البحرية الحاملة له عند اقترابها من مدى اشتباكه وعند دخول الهدف المدى المؤثر للطوربيد يقوم طاقم التسليح بإطلاقة ليتولى بواسطة أجهزتة ملاحقة الهدف وأصبح متواجداً أكثر من نوع من المستشعرات بالرأس الباحث الواحد ضروري للتغلب على أي إعاقة تصدرها الأهداف أو عند تنفيذ إجراءات خفض الضجيج الصادر من محركات القطع البحرية المعادية كما أن اختيار زوايا التصميم وتصنيع السفن من مواد غير معدنية أو تمتص الاشعاعات والموجات الرادارية والسونارية يمكنة أن يخفض الآثار الناجمة عن حركة السفينة أو الغواصة ولكن الرأس الباحث الطوربيدي الذكى يستطيع التغلب على ذلك بمقارنة البيانات داخل حاسب نظام التوجيه ومعالجتها ومقارنتها بأي بصمات محفوظة بقاعدة البيانات في ذاكرتة والتوصل إلى الإشارة الحقيقية بدون إعاقة.. فليس من الممكن عمليا إعاقة كافة المستشعرات لجميع أنواع الاستثارة.. خاصة إذا ما عرفنا محدودية الوقت المتيسر لهذه الإجراءات المضادة سواء من السفن أو من الرأس الباحث الطوربيدي نفسه.. والذي لا يطلق من منصة إطلاقه إلا بعد وصول الإشارة الملتقطة لدرجة كافية لتنشيط الرأس الباحث والتأكد من مستواها وإلى أي مدى يمكن للهدف إجراء إعاقة وذلك لضمان ارتفاع نسبة الاصابة والتدمير.
وتمر البيانات الملتقطة من الهدف أثناء إنطلاق الطوربيد نحوه سواء بالوسائل السلبية أو الايجابية على مجموعات متتالية من المرشحات ودوائر الحماية للتحليل والمعالجة بواسطة حاسب نظام التوجيه لفرز وتجنيب الزائف واستبعاد أي موجات أخرى مرتده مثلا من التلال القاعية أو الأجسام العالقة بالمياه ويعتبر الرأس الباحث للطوربيد الأمريكي (MK50) وأحدث طرازاته هي الأفضل في هذا المجال.
وفي حالة فقدان الرأس الباحث للهدف عليه أن يبدأ من جديد بالعودة من نظام التتبع إلى أوضاع الكشف والبحث واتساع زاوية ومخروط الاستقبال كمحاولة لإقتناص الهدف مرة أخرى وغالبا ما تنجح هذه المحاولات في التقاط الهدف مرة أخرى عندما تكون الظروف الاشتباك مواتيه كأن تكون سرعة الهدف محدودة والمدى مناسب (غير قريب) ولا يصدر الهدف إعاقة مزدوجة أوأكثر.. أما إذا كانت ظروف الاشتباك معقدة والمسافة بينه وبين الهدف عند فقده قصيرة.. فسيكون هناك احتمال كبير بفقد الطوربيد وإفلات الهدف منه لعدم قدرته على إعادة اقتناصة وسيكون على الغواصة أن تهرب بعيدا عن خطورة الاسلحة المضادة ثم تعاود البحث عن الهدف وعند اكتشاف موقعه الجديد وتأكيده حتى لا يفقد الطوربيد الثاني تقوم بإطلاق طوربيد جديد عليه وتعتبر تطويرات الرؤوس الباحثة هي الاكثر استحواذا على الاهتمام في برامج التطوير والتي تركز بفاعلية على مقاومة الاجراءات المضادة.
تحديث الاقسام
يحتوي الطوربيد خلاف نظام التوجيه على قسمين آخرين وهما نظام الدفع (المحرك الطوربيدي) والرأس الحربي.. والرؤوس الحربية للطوربيدات الحديثة اليوم أصبحت من المواد المشكلة والحشوات الخاصة الشديدة الانفجار وتعادل حوالي1000 كجم من T.N.T والتحدثيات بالرؤوس الحربية وتيرتها ليست عالية، وتجهزالرؤوس الحربية بفيوزات حديثة ومتطورة ومتنوعة في أساليب تفجيرها أما اصطدامية أو تقاربية أو بتأخير زمني محدد ومبرمج من قبل أو تأخير لما بعد الاصطدام لضمان الانفجار بعد الاختراق داخل الهدف أو تكون إلكترونية ولها مستشعرات حساسة تنشط باستثارة لأحد آثار حركة السفن أو الغواصات السابق عرضها بنظام البحث.. وبالتالي سوف تنفجر عند أكثر منطقة تصدر منها الاستثارات بالهدف وغالبا ما تكون غرفة المحركات ومن الصعب إعاقة الرؤوس الحربية حيث إن تشغيل الرأس الحربى يكون دائما في المراحل النهائية للاشتباك وعند الاقتراب من الهدف وبعض الرؤوس الحربية تحتوي على عبوات متعددة يستطيع كل منها الاتجاه إلى منطقة من الهدف لضمان توزيع الاختراقات والانفجارات على أكثر من مكان بالقطعة البحرية أما بالنسبة للمحركات الطوربيدية فالتطوير المنظور هو المحرك الصاروخي البديل للمحرك البحري التقليدي.. ولكن ضجيجه عال لذا فإن التصميمات الحديثة تمزج بين التصميمين للحصول على أقصى مميزات ممكنة لكل منهما وقد أصبحت الطوربيدات اليوم تطير معظم مسارها خارج البحر وتغطس عند اقترابها من الأهداف.. وذلك بهدف زيادة المدى وتقليل فرص الاكتشاف. ومن الممكن تصنيف الطوربيدات طبقا لاستخدامها للحصول على أقصى احتمالات للتدمير حسب نوعية الاهداف المعادية فالطوربيدات الثقيلة تصلح للقطع البحرية الكبيرة وبعضها يكون متعدد الرؤوس الحربية ومن أنواعها الطوربيد Mk48 أما الطوربيد Mk46 فيعتبر من الطوربيدات الخفيفة وهو مخصص للقطع الصغيرة وملاحقة الغواصات الهجومية أما الطوربيدات الاسرع والاخف وزنا فتخصص لمهاجمة الطوربيدات المعادية نفسها كإجراء دفاعي ضدها والغواصات السريعة.
لقد وضعت التطويرات المتلاحقة طوربيدات اليوم في وضع أكثر ذكاء وقدرة من نظم مواجهتها ومن الصعب خداعها أو التغلب عليها خصوصا عندما يكتشف هجومها متأخرا.
المصدر مجله الجزيره