تختلط خضرة نبات الغاب بزرقة مياه البحر.. نبات الغاب عضو عائلة النباتات النجيلية التي تضم أيضا الأرز والقمح.. فلم لا تهجن أعضاء العائلة الواحدة لتنتج قمحا وأرزا يزرعان بماء البحر؟
دارت هذه الفكرة في ذهن العالم المصري د. أحمد مستجير أستاذ الهندسة الوراثية بجامعة القاهرة مع مطلع التسعينيات.. فنبات الغاب لديه توليفة من الجينات تؤهله للتكيف مع المياه شديدة الملوحة التي تغطي ثلاثة أرباع سطح كرتنا الأرضية، وفي نفس الوقت فهو مشابه في تركيبه لنباتي الأرز والقمح؛ نظرًا لكونهما من نفس عائلة النباتات النجيلية.. فماذا لو تم نقل الجينات المسؤولة عن تحمل الغاب للملوحة باستخدام تقنيات الهندسة الوراثية إلى القمح والأرز؟.. لكن حتى الآن لم يتم التعرف على تلك الجينات تحديدًا.. الحل بسيط نلجأ لتقنيات هندسة الفقراء الوراثية..
- ليبدأ هو بالفعل تطبيق الفكرة.ويسرد د.أسامة الشيحى أستاذ بيوتكنولوجيا النبات بكلية الزراعة جامعة القاهرة القصة قائلا: استخدمنا ما يسمى بالاندماج الخلوي أو التهجين الخضري، ويطلق عليها اسم "الهندسة الوراثية للفقراء"، وهي في واقع الأمر ليست هندسة وراثية؛ بل هي دمج خلايا منزوعة الجدار من نوعين مختلفين من النبات لتنتج خلايا هجينة تحمل الطاقمين الوراثيين للنوعين معاً يمكن تنميتهما إلى نباتات كاملة، وهذا بالفعل ما طبقناه.
بدأنا بالأرز في موسم 89/1990 أخذنا خلية منزوعة الجدار من نبات الأرز مع خلية أخرى منزوعة الجدار أيضا من نبات الغاب، وتم عمل تهجين جسدي لهما، ثم هُيئت لهما الظروف البيئية والغذائية حتى يتم النمو وتكوين ما يسمى بالكأس، ثم تم تشجيع هذه الكأس على تكوين نموات خضرية وجذور، وبالتالي تمكنا من الحصول على نباتات كاملة زُرعت في أصص صغيرة، وفي المرحلة التالية نُقلت إلى الصوبة، ومنها إلى الزراعة في المناطق الخارجية.
والصورة التالية توضح المراحل التي تم من خلالها الوصول إلى سلالة الأرز الجديدة:
A1- خلية الأرز المنزوعة الجدار "البرتوبلاست".
A2- خلية الغاب المنزوعة الجدار.
A3- مرحلة الاندماج الخلوي بين خلية الأرز والغاب.
A4 - بدء الانقسام وتكوين مجموعة خلوية من الخلايا المهجنة.
B1- كتلة من الخلايا المهجنة بين الغاب والأرز.
B2 - نبات مهجن من الأرز والغاب.
B3 - نقل السلالة إلى أصص صغيرة.
B4- زراعة السلالة الجديدة في الصوبة.
وكان الجيل الأول للهجين الخضري للأرز من صنفي جيزة 175، وجيزة 176، ونتج عنها 22 صورة من الحبوب تتراوح في الحجم والشكل بين حبوب الغاب وحبوب الأرز، ودرست الصفات الجديدة لهذه النباتات، خصوصا من ناحية تحملها للملوحة، وبعد تجارب عديدة تم الوصول إلى 12 سلالة جديدة من الأرز تحمل صفات مختلفة من الغاب التي أجريت عليها التجارب داخل الصوبة من ثلاث نواحٍ هي:
-درجة تحملها للملوحة.
-درجة تحملها للجفاف.
-درجة تحملها للحرارة العالية.
وحتى الآن تمت دراسة 5 سلالات منها سلالتان متحملتان للجفاف وثلاث سلالات متحملة للملوحة حتى 32000 جزء في المليون، أي تعادل تقريبا ملوحة البحر الأبيض المتوسط والسلالات الخمس معا متحملة للحرارة العالية.
وبعد ذلك انتقلت الزراعة من الصوبة إلى مساحات كبيرة خارجية منذ بداية عام 1997؛ حيث وصلت حتى الآن لنحو 60 فدانا بأراضٍ مالحة تماماً لا تصلح لأي زراعة في محافظتي الفيوم وبني سويف، ونتج عنها محصول جيد ذو صفات جيدة.والجدول التالي يبين المساحات التي زرعت من سلالة الأرز المقاوم للملوحة العالية فقط، والمساحات التي زرعت في محافظتي الفيوم وبني سويف والإنتاج الذي تم الحصول عليه:
السنة | المحافظة المزروع فيها | المساحة المزروعة بالفدان | نسبة الملوحة في التربة | إنتاج الفدان بالطن |
1999 | بني سويف | 0.5 فدان | P.P.M 3200 | 3.2 طن |
2000 | بني سويف | 5 فدان | P.P.M 3200 | 3.6 طن |
2001 | فيوم | 6 فدان | P.P.M 3200 | 4.32 طن |
2001 | بني سويف | 10فدان | P.P.M 3200 | 4.18 طن |
جدول بالمساحات التي زرعت من السلالة المقاومة للملوحة العالية والإنتاج ونسبة الملوحة ( بالجزء في المليون) والمحافظات التي زرعت فيها.
قمح وأرز.. يوفران المياه
أما بالنسبة للقمح فقد تم عمل تهجين خضري بين صنفي سخا 68 وسخا 69 ونبات الغاب، ونتج عنهما 18 صورة تتراوح في الشكل والحجم بين حبوب الغاب وحبوب القمح، وبعد دراسات تم التوصل لسلالات جديدة منها سلالتان مقاومتان للجفاف وسلالتان للملوحة، وحتى الآن تمت زراعة مساحات تصل لنحو 35 فدانًا زُرعت في أراضٍ تصل درجة ملوحتها لنحو 32 ألف جزء في المليون"p.p.m".
فسلالة القمح المقاوم للجفاف توفر حوالي 50% من كميات المياه المستخدمة في السلالات العادية من القمح؛ ففي حين يحتاج القمح العادي لكمية مياه تقدر بحوالي 3000 متر مكعب للفدان فإن السلالة الجديدة تحتاج لنحو 1500 متر مكعب فقط، ونحن في مصر نزرع سنويا حوالي 5, 2 مليون فدان بمعدل مياه مقدارها حوالي 5, 7 مليارات متر مكعب من المياه، ولكن لو زرعنا بهذا الصنف المقاوم للجفاف فإنه سيوفر حوالي 3 مليارات و750 مليون متر مكعب سنويا بالنسبة للقمح فقط.
أما سلالة الأرز المقاومة للجفاف فيحتاج الفدان منها إلى مياه تقدر بنحو2500 متر مكعب في حين أن الأصناف العادية فتستهلك حوالي 7000 متر مكعب، وإذا علمنا أننا في مصر نزرع سنويًّا حوالي مليون فدان أرز فإن السلالة الجيدة في حالة استخدامها يمكن أن توفر سنويا حوالي 5 مليارات متر مكعب من المياه، وهذا الأمر شديد الأهمية في ظل مشكله ندرة المياه التى تهدد العالم فحسب دراسة أشرفت عليها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية تستشرف أحوال العالم عام 2015 تتنبأ بأن المياه ستمثل تحديًا عظيم الأهمية بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وشبه الصحراء الأفريقية وجنوب آسيا وشمال الصين؛ حيث يتوقع التقرير أن تشتد حدة الخلافات الإقليمية بشأن المياه مع حلول عام 2015.
إنتاج جيد من أرض مالحة تماما
وقد تراوح الإنتاج من الأرز بين 2, 3 إلى 2, 4 أطنان، وذلك من السلالة المقاومة للملوحة، في حين يتراوح إنتاج السلالة العادية بين 4 إلى 5 أطنان للفدان، كما تم التوصل لسلالات من القمح تنتج 15.5 إردبا للفدان، في حين تنتج السلالة العادية من القمح بالمياه العذبة وفي الأرض العادية تنتج حوالي 18 إردبا للفدان .
ولم تقتصر إمكانات السلالات الجديدة على مقاومة الملوحة والجفاف؛ بل تعدتها لتنافس السلالات العادية في القيمة الغذائية التي تحتويها، ويتضح هذا من الجدول التالي الذي يوضح مقارنة في المكونات الغذائية بين السلالة المقاومة للملوحة العالية حتى 32000 ألف P.P.M "ألف جزء في المليون" والسلالات:
سلالة رقم (1) المقاومة للملوحة العالية حتى 32000 P.P.Mالمكونات | الأرز العادي | السلالة الجديدة | الفرق بينهما |
البروتين% | 8.4 | 9.65 | 15, 1 |
الكربوهيدرات% | 63.4 | 70.55 | 11, 1 |
أملاح معدنية:mg/g dry wt |
|
|
|
بوتاسيوم | 4.85 | 39, 12 | 55, 2 |
فسفور | 15.12 | 48, 32 | 15, 2 |
كالسيوم | 17.35 | 25, 38 | 2, 2 |
ماغنسيوم | 1.45 | 65, 5 | 9, 3 |
منجنيز | 0.05 | 89, 0 | 8, 17 |
حديد | 0,11 | 89, 3 | 36, 35 |
زنك | 0,80 | 92, 4 | 15, 6 |
صوديوم | 1,00 | 85, 2 | 85, 2 |