"إن الولايات المتحدة تخطط للعمل عن كثب مع حلفائها، ومع الهيئات والصناعات العسكرية، لتطوير نظام عالمي متكامل "لكشف، وتعقّب، واعتراض، وتدمير الصواريخ المهددة العابرة للقارات، من أي مدى كانت، وفي كافة مراحل طيرانها." ويضيف، أن الهدف الأساسي من النظام الذي يتم التخطيط له هو "حماية قوات وأراضي الولايات المتحدة، وقوات وأراضي حلفائها وأصدقائها بأسرع وقت ممكن عمليا."
في حين أدت نهاية الحرب الباردة إلى تقلص احتمال نشوب حرب عالمية، فان التهديد من الصواريخ الأجنبية ازداد بصورة متواصلة بالترافق مع زيادة توفر التكنولوجيا المتقدمة لإنتاج الصواريخ على نطاق أوسع. لدى 25 دولة على الأقل الآن – أو هي على وشك الحصول على- أسلحة نووية، وبيولوجية، وكيميائية. منذ عام 1980، استُخدمت الصواريخ العابرة للقارات في ستة حروب إقليمية. ويطرح انتشار أسلحة الدمار الشامل، كما الصواريخ العابرة للقارات والصواريخ الجوالة (كروز) التي تستطيع إطلاق هذه الأسلحة، تهديداً مباشراً وفورياً لأمن القوات المسلحة الأميركية وتجهيزاتها العسكرية في ميادين العمليات الحربية خارج الولايات المتحدة، وتهدد أمن حلفائنا وأصدقائنا، كما أمن بلادنا ذاتها. وفي ردها على هذه البيئة الجيوسياسية المتغيرة، أعادت وزارة الدفاع هيكلة بنية مقاربتها المتعلقة بإنشاء نظام صواريخ دفاعية عابرة للقارات.
دفاع متين في العمق
بوجه عام، تتقاسم جميع الصواريخ العابرة للقارات عنصراً أساسياً مشتركاً فيما بينها، إذ أنها تتبع مساراً عابراً للقارات يشمل ثلاث مراحل. تتألف هذه المراحل من مرحلة تعزيز الدفع، ومرحلة منتصف المسار، والمرحلة النهائية. استهدفت، تقليدياً، أنظمة الصواريخ الدفاعية المرحلة النهائية فقط - مثل النظام السابق المسمى الحارس الواقي للولايات المتحدة (سايفغارد)، ونظام موسكو الروسي المضاد للصواريخ العابرة للقارات، ونظام باتريوت الأميركي الحالي. تدوم عادةً المرحلة النهائية لطيران صاروخ عابر للقارات أقل من دقيقة واحدة، وذلك اعتماداً على مدى الهدف الذي يهدده الصاروخ. لذلك، يجب ان تكون الأنظمة الدفاعية قريبة جداً من هدف الصاروخ لتقوم بتأمين الحماية ضد الهجوم، ولكن لا يمكن لها إلاّ حماية مساحة صغيرة. وتُشكّل الإجراءات المضادة لهذه الصواريخ تحدياً اقل في هذه المرحلة. فالأنظمة الدفاعية المصممة للمرحلة النهائية تكون أكثر فعالية في حماية مناطق مستهدفة أصغر، مثل المنشآت الثابتة، والمعسكرات، والمطارات، أو مناطق تجمعات الجيوش وإعدادها للقتال.
توفر مرحلة منتصف المسار – والتي تحصل فيها اعتراضات الصواريخ في الفضاء الخارجي (ليس داخل الغلاف الجوي للأرض) أفضل فرصة لاعتراض مسار صاروخ مهاجم. عند هذه النقطة، يكون الصاروخ قد توقف عن قوة الدفع ويبدأ باتباع مساراً يمكن التكهن به بنسبة أكبر. وبما انه يصبح لدى الصاروخ المعترض فترة أطول قبل الاشتباك، فإن عدد مواقع إطلاق الصواريخ المعترضة اللازمة للدفاع عن مناطق أوسع تصبح أقل. ولسوء الحظ، فإن الفترة الأطول التي تتوفر للصاروخ المهاجم في الفضاء توفر أيضاً للعدو المهاجم فرصة أكبر لنشر إجراءات مضادة ضد أي نظام دفاعي. ولكن، يتوفر في ذات الوقت للنظام الدفاعي نفسه وقتاً أطول لمراقبة وتمييز الإجراءات المضادة من خلال الرأس الحربي المزود به الصاروخ.
ان مرحلة تعزيز الدفع الأولّي هي ذلك الجزء من طيران الصاروخ الذي يدفع به إلى الأعلى عبر الغلاف الجوي لتحقيق السرعة اللازمة لبلوغ هدفه. تدوم هذه المرحلة عادةً بين دقيقة واحدة وخمس دقائق استناداً إلى مدى الصاروخ. يُشكّل اعتراض صاروخ في مرحلة تعزيز الدفع الحل الأمثل لنظام شبكة الصواريخ الدفاعية العابرة للقارات. وإذا كان الصاروخ يحمل سلاحاً بيولوجياً أو نووياً فان الشظايا التي تسقط منه في هذه الحال تبقى بعيدة عن الهدف، وفي بعض الأحيان تقع على أراضي الدولة التي أُطلق منها الصاروخ.
ولكن الدفاع في مرحلة تعزيز الدفع يطرح تحديات هامة. أولاً، تكون مرحلة تعزيز الدفع قصيرة نسبياً. يعني ذلك أن على أجهزة الإستشعار ان تكتشف الإطلاق وان ترسل معلومات دقيقة حوله بسرعة كبيرة. ثانياً، على الصاروخ المعترض ان يكون قريباً جداً و/أو سريعاً للغاية ليتمكن من اعتراض الصاروخ المتسارع. ان الدفاع الفعال لمرحلة تعزيز الدفع للصاروخ يمكن أن يكون عن طريق نظام لايزر يتميز بطاقة عالية ويستطيع خفض أو إزالة عدد من التعقيدات المترافقة مع الاعتماد على صواريخ الاعتراض الدفاعية العادية في مرحلة تعزيز الدفع هذه.
طريقة مقاربة الولايات المتحدة للصواريخ الدفاعية العابرة للقارات
ان الهدف الأساسي لنظام الصواريخ الدفاعية العابرة للقارات الذي يتم التخطيط له هو حماية القوات والأراضي الأميركية، وقوات وأراضي حلفائها في أسرع وقت ممكن عملياً. سوف يتكوّن التصميم الهندسي لهذه الصواريخ الدفاعية من نظام واحد، مندمج بالكامل، يكون قادراً على الاشتباك مع كافة فئات التهديدات بالصواريخ العابرة للقارات، ابتداءاً من الصواريخ التكتيكية القصيرة المدى ووصولاً إلى الصواريخ العابرة للقارات. سوف يزيد هذا البرنامج من متانة النظام الحالي من خلال النشر المتدرج لطبقات متعددة من الدفاعات التي تستخدم صواريخاً اعتراضية متممة، وأجهزة إستشعار، وأنظمة إدارة وقيادة ومراقبة للمعركة، وذلك لتوفير فرص اشتباك متعددة المراحل ضد أهداف مهددة. وهذه المراحل هي تعزيز الدفع، ومنتصف المسار، والمرحلة النهائية لطيران الصواريخ. ان هذه المقاربة مبنية لتتكيّف بشكل أسهل مع التقلبات غير المرتقبة لتطورات التهديدات، كما مع التغيّرات غير المحددة في التصاميم الهندسية، وجداول الإنتاج، والكلفة غير المتوقعة الملازمة لبناء أنظمة صواريخ دفاعية عابرة للقارات. سوف تسعى وزارة الدفاع للحصول على تكنولوجيات ومقاربات واعدة لنظام صواريخ دفاعية عابرة للقارات من أجل تسريع تاريخ النصب الميداني لنظام فعال، وموثوق، ويمكن تحمل تكاليفه. تشمل هذه التكنولوجيات والمقاربات الواعدة أنظمة طاقة حركية (تضرب لتقتل)، وأنظمة طاقة موجِّهة تتضمن خيارات متعددة أرضية، وبحرية، وجوية. ولكننا نريد أيضاً إنتاج أنظمة ناضجة، ومجرّبة بشكل كاف في ظروف واقعية – عملانية لنوفرها لقادتنا العسكريين.
توفر مرحلة الدفاع النهائية (TDS) قدرات دفاعية يمكنها الاشتباك مع الصواريخ المهددة العابرة للقارات وتدميرها في المرحلة النهائية من مسارها. اما العناصر الأساسية لمرحلة الدفاع النهائية هذه فهي نظام الدفاع عن مسرح العمليات من علو جوي مرتفع (THAAD)، ونظام القدرة المتقدمة لصاروخ باتريوت-3 (PAC-3)، ونظام الدفاع الجوي الممدد للمدى المتوسط (MEADS)، وقدرة دفاعية للمرحلة النهائية تنطلق من البحر. يستفيد نظام القدرة المتقدمة لصاروخ باتريوت-3، وهو النظام المتطور الأكثر نضوجاً بين منتجات وكالة الصواريخ الدفاعية، من الإرث الهام لهيكلية قوة صاروخ باتريوت، لاستخدامه ضد تهديدات الصواريخ الجوالة (كروز)، والصواريخ المضادة للإشعاعات، والطائرات المتطورة. لقد حقق صاروخ باتريوت-3 الاعتراضي ذو القدرة المتقدمة من فئة "اضرب لتقتل" معدل نجاح يفوق 90 بالمئة في مرحلة تجربته التطويرية. ويستمر حالياً تحليل التجارب العملانية له، ومن المتوقع صدور قرار الإنتاج في المستقبل القريب. ونتوقع من الحلفاء الذين يملكون صواريخ باتريوت في قواتهم ان ينصبوا هذا النوع الجديد.
يبقى برنامج الدفاع النهائي الذي يطلق من البحر، والمقصود منه الاعتماد على البنية التحتية القوية لنظام الأسلحة والصواريخ القياسية ضمن مشروع أيجيس (AEGIS) (نظام الدفاع المتقدم لمنطقة العمليات بصواريخ مضادة للطيران الجوي تطلق من على ظهر السفن)، ضرورة ملحة، وذلك رغم إلغاء برنامج سلاح البحرية للدفاع عن منطقة العمليات (الصاروخ القياسي-2، المجموعة 17). سوف يزود هذا البرنامج دفاعاً بالصواريخ لحماية قوات الحملات العسكرية التي تنتشر في مقدمة الجبهة خلال الحرب. يجري التخطيط لإجراء تجارب تهدف إلى توسيع نطاق مهمة الصاروخ القياسي-2، المجموعة 17، المتوفر الآن، والصاروخ القياسي-3 الجديد، بغية تحديد مدى مناسبة هذا الخليط من الصواريخ الاعتراضية في توفير القدرة اللازمة.
وأخيراً، سوف يوفر مشروع نظام الدفاع الجوي للمدى المتوسط (MEADS) التي تنفذه ثلاث دول (الولايات المتحدة- المانيا- ايطاليا) تحسيناً هاماً في إمكانية التحرك التكتيكي وإمكانية النشر الاستراتيجي بالمقارنة مع أنظمة الصواريخ المشابهة، إضافةً إلى حماية متينة بدائرة 360 درجة. وبهذا يقوم المشروع بحماية القوات المناورة، والقوات الأخرى المنتشرة في مقدمة الجبهة ضد تهديدات الصواريخ العابرة للقارات الصغيرة والمتوسطة المدى، والصواريخ الجوالة، وغيرها من تهديدات تلويث الهواء، خلال كافة مراحل العمليات التكتيكية. بصورة مبدئية، سوف يحل مشروع نظام الدفاع الجوي للمدى المتوسط (MEADS) محل أنظمة الدفاع الجوي القديمة العهد (مثل صاروخ هوك المحسن)، ولكن، على المدى الطويل، فانه سيبدأ بالحلول أيضاً محل صاروخ باتريوت عندما يصل هذا الصاروخ إلى نهاية حياته العملانية.
ان مهمة نظام الدفاع عن مسرح العمليات من علو جوي مرتفع (THAAD) هو نظام للدفاع ضد الصواريخ العابرة للقارات ذات المدى القصير إلى المتوسط يطلق من مسافة بعيدة وعلو مرتفع. سوف تحمي قدرة هذا النظام الولايات المتحدة والقوات المسلحة الحليفة، والقوات المنتشرة بشكل واسع، والمناطق السكنية ضد الهجمات الصاروخية. يوفر نظام سلاح أرو (برنامج مطور إسرائيلي تدعمه الولايات المتحدة) لإسرائيل اليوم قدرة للدفاع ضد الصواريخ العابرة للقارات القصيرة والمتوسطة المدى.
يُطور نظام الدفاع في مرحلة منتصفالمسار (MDS) قدرات قوية متزايدة لمواجهة الصواريخ العابرة للقارات، وبالأخص تهديدات الصواريخ ذات المدى الأطول، في مرحلة منتصف مسار طيرانها. يستطيع نظام الدفاع هذا تزويد بعض القدرة الدفاعية المبكرة، عند الحاجة، التي تستند إلى نجاحاته التطويرية السابقة. ان العنصرين الأساسيين لنظام الدفاع هذا هما الدفاع في منتصف المسار الذي يطلق من الأرض (GND) ودفاع مماثل يطلق من البحر (SMD)، واللذين حلاّ محل برنامج الصواريخ الدفاعية القومية، وبرنامج ميدان العمليات للقوات البحرية. ان الدفاع البحري في منتصف المسار، إذا ترافق مع الدفاع الأرضي المماثل له، يمكنه تزويد طبقة دفاعية كاملة ومرنة ضد الصواريخ في منتصف مسارها. توفر أيضاً العناصر البحرية من النظام فرصة لاعتراض الصواريخ في مرحلة مبكرة من ارتفاعها، وبذلك تخفض احتمالات تعرض نظام الدفاع بالصواريخ العابرة للقارات بالكامل للإجراءات المضادة. لقد نجح الآن نظام الدفاع الأرضي لمنتصف المسار في أربعة (من أصل ستة) اعتراضات، من نوع "اضرب لتقتل"، ضد أهداف ذات مدى استراتيجي أطلقت من موقع رونالد ريغان للصواريخ في المحيط الهادئ. كما نفذنا أيضاً اعتراضين من نوع "اضرب لتقتل" ناجحين لصواريخ أطلقت من طرادات حربية مزودة بنظام أيجيس (نظام الدفاع المتقدم لمنطقة العمليات بصواريخ مضادة للطيران الجوي تطلق من على ظهر السفن).
يزود جزء الدفاع لمرحلة تعزيز الدفع (BDS) قدرات دفاعية تشتبك مع الصواريخ العابرة للقارات المهددة وتُدمرها في مرحلة تعزيز الدفع من مسارها. يتم تعريف مرحلة تعزيز الدفع لمسار الصاروخ العابر للقارات على أنها قسم طيران الصاروخ الذي يدوم من لحظة الإطلاق وحتى اكتمال احتراق الأنظمة الدافعة، حين يدخل الصاروخ فترة طيران عبور القارات في منتصف مساره. نموذجياً، تجري مرحلة تعزيز الدفع الكاملة على ارتفاعات تقل عن 200 كيلو متراً وتستغرق ما بين 60 و300 ثانية من الطيران. يحتاج اعتراض الصواريخ العابرة للقارات في هذه المرحلة، إلى تأمين السرعة في الرد، واتخاذ القرارات بثقة عالية، مع قدرات عالية جداً من التسريع /الاحتراق المرتفع السرعة. ان البدائل المحتملة لنظام دفاعي لمرحلة تعزيز الدفع هي أنظمة بطاقة موجِّهة، وبالأخص صاروخ اللايزر المحمول جواً (ABL) وصاروخ اعتراض ينطلق من قاعدة بحرية. وصاروخ اللايزر المحمول جواً هو الخيار الأكثر تطوراً من بين هذه الخيارات. ويتم حالياً إعادة تصميم طائرة تجريبية، وقد اكتمل الآن تطوير الأنظمة الفرعية البصرية والعاملة باللايزر. من المقرر ان يجري في أواخر عام 2004 اول إطلاق تجريبي قاتل لصاروخ اللايزر المحمول جواً مزود بجهاز دفع تعزيزي نحو الهدف.
الخلاصة
سوف يتضمن النظام الإجمالي المتكامل للدفاع بالصواريخ العابرة للقارات قدرات متزايدة لكشف، وتعقب، واعتراض، وتدمير الصواريخ العابرة للقارات المهدّدة، من أي مدى كانت، وفي كافة مراحل طيرانها، وذلك باستخدام قدرات قتل بواسطة أنظمة طاقة حركية وأنظمة طاقة موجهة، مع مقاربات متعددة لنشرها. تنوي وكالة الصواريخ الدفاعية تطوير ونصب هذه القدرات بالتعاون الوثيق مع الحلفاء، وصناعاتهم، وإداراتهم العسكرية. وفقاً لذلك، نفّذت وكالة الصواريخ الدفاعية استراتيجية مشتريات دولية مرنة لتزويد نظام قادر يعمل في الوقت المناسب ويسابق التهديدات المتطورة. وهكذا، فان هذه المقاربة تحمي ضد التقلبات أو التغيرات غير المرتقبة، وتؤمن بعض قدرات الولايات المتحدة للدفاع عن نفسها، وعن قواتها المنتشرة، وعن حلفائها وأصدقائها، من هجوم بالصواريخ العابرة للقارات، إذا ما دعت الحاجة لذلك.