من طقوس العيد في بلدي العراق
السلام عليكم ورحمة الله
استجابة لسؤال من أخي الحبيب
TAKICHI
عن مظاهر العيد في بلدي , ولطلب آخر كرره علي أكتب إليكم هذا الموضوع
وخصوصا والعيد على الأبواب,أهله و أعاده الله على أمتنا الإسلامية بألف خير وسعادة,
وخلصها من محنها ومآسيها, ورد شبابنا إلى دين الإسلام القويم ردا جميلا
انه سميع مجيب.
تبدأ التحضيرات للعيد قبل مجيئه بأيام, فتنشغل الأسرة بشراء الثياب الجديدة لأطفالها الفرحين بها. وهم يتساءلون متى يأتي العيد لنلبسها؟
وتهيئة مواد العيد الغذائية لصنع كعكة العيد التي يسميها العراقيين بـ: ( الكليچة ) والكليچة تصنع من الطحين درجة صفر, والمخلوط والمعجون بالدهن الحر(السمن الحيواني) وتضع معه المطيبات كالحبة الحلوة والهيل, ويحشى بالحلقوم والمسمى بـ :( اللقم) وبجوز الهند المبروش , والمسمى بـ : ( لب قراش ), والتمر او السمسم وغيرها ويشوى في الفرن الحجري للمحلة زمان, أو الكهربائي الآن, أو في الفرن المنزلي الحديث والأوفن,
وكان منظر الفتيات والصبيان جميلا جدا, ويبعث في النفس أجواء العيد , وهم يتجمهرون أمام الفرن جماعات, ينتظرون دورهم في استلام صوانيهم من صاحب الفرن الذي يصيح:
( بالسرة ياجماعة, لا تخربطون السرة عيوني انتم. )
بمعني: بالدور ياجماعة, فلا تلخبطوا الدور والتسلسل يا أغلى من عيوني أنتم.
وحين تعود قوافل الصبية حاملين سلال الكليچة على رؤوسهم , وهي تفوح برائحتها الزكية التي تثير شهية السائرين في الطريق , فيمد البعض منهم يديه اليها ليأخذ قبضة منها يلوكها بتلذذ واضح, رغم أنها ليس مرغوبا أكلها وهي ساخنة لما تخلفه من حموضة في المعدة يسميها العراقييون( بالجالي) , بل تؤكل باردة, وتحتفظ بصلاحيتها للأكل أياما وأسابيع عدة , دون أن تفسد!ولكن من يقدر على منع نفسه من مد يده إليها!
زمان في الستينيات والسبعينيات, وكانت البيوت يخلوا أكثرها من حمامات الغسل التي تسخن بواسطة النفط الأسود .حيث كان يوجد أسفل كل حمام مغارة أو ماخور تشعل فيه النيران , فيسخن الحمام وتسخن أرضيته. وكنا لانستغرب منظر العوائل الساهرة لدى جيرانهم , منتظرين دورهم في دخول الحمام الساخن الذي يتصاعد البخار الساخن فيه, ولن تستطيع دخوله بنعال بلا ستيكي أو أسفنجي والا ستصهره حرارة الحمام المتصاعدة!
لذا يلبس الداخلون نعالا خشبيا نسمية بالقبقاب. وهو كقبقاب غوار الطوشي تماما. ولا تسمع الا طاق وطيق. وتسمع الصبية يصرخون من رهبة هذا الجو الحار ومن الليفة التي تنزل على جلودهم الغضة او المتقرنة بفعل وسخ الشوارع المتربة, يوم لم يكن بمدننا غير شارع واحد مبلط أو معبد بالأسفلت, وهي تدعك من قبل الأم التي لاترحم هذا الجلد الذي علته طبقات التراب والدهن !
وبعد الحمام ومتابعة فلم السهرة العربي الذي يبث مرتين في الأسبوع, فليس بكل البيوت كان هناك تلفاز!. يعود الجيران لبيوتهم بعد غسلة معتبرة أزالت غبار الأيام , وأعادت لأجساد الصغار وكبار السن الكادحين بعض بريقها الذي الذي كدرته متاعب الأيام! وبعد سهرة ممتعة مع فلم لرشدي أباظة , أو محمد عوض أو ثلاثي أضواء المسرح أو عبد المنعم مدبولي , أو فؤاد المهندس , لا تنسى من ذاكرة الفتية ولا الشيوخ. يذهب الجميع للنوم بأنتظار صباح العيد.
فجرا يستيقظ الكبارللذهاب للجامع لأداء صلاة الفجر والبقاء فيه منتظرين شروق الشمس لتقام صلاة العيد وهم بستمعون لقراءة القران وكانت دائما تقرأ سورة الرحمن
وعقب كل بضع آيات يضج الحاضرون بالتكبير بصوت منغمٍ حنين قائلين:
الله أكبر.. الله اكبر.... الله اكبر
لا اله الا الله
الله اكبر.
الله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فيعود القارئ لقراءته, وبعد بضع آيات يبدأ الحاضرون بقراءة ما مر أعلاه.
وبعد شروق الشمس بربع ساعةٍ أو قدررمح, يتقدم الخطيب والإمام فيؤم الحاضرين بصلاة العيد, بعدها يرتقي المنبر فيلقي خطبة العيد,لينزل بعدها من المنبر, ويعينه الله على جمع المهنئين, حتى يتشنج منه الفم من كثرة التقبيل وتبادل عبارات التهنئة بالعيد,
ولبعض أصدقائي الخطباء نوادر لطيفة بهذا الشأن !
فالخطيب واحدٌ ,والمهنؤون كثرٌ.
فأعانه الله!!
ومن عبارات التهنئة التي كانت شائعة في السبعينات:
- كل عام وانت بخير, أيامكم سعيدة,
فيجيبه الآخر:
- وانت بالف خير. وأيامك بعيدة,
وحين وصل الينا العلم الشرعي صرنا نقول:
تقبل الله الطاعات, وحسن الخاتمة , والثبات على الأيمان,والفوز بالجنة.
والطريف والمحزن الآن! حين نقولها للشيوخ يمتعضون, ولقديم عباراتهم يحنون, ولنا بصدٍ من جهلهم ومن معاناتهم, بفتن اليوم ومارأوه من قتل أولادهم ,على يد سقط المتاع من قومنا باسم الدين, تراهم بحرقة يقولون:
من سمعنا هذه العبارات لم نرى إلا الشر!!
فلا حول ولا قوة إلا بالله,
هذا ما جناه علينا الجهال والمجرمون , وصارت دعوة كل موحدٍ للآخرين هي بنظر البعض إرهابٍ وخروج على المألوفِ ,بعد كل هذه المعرفة والعلم الشرعي الصحيح , والعودة لصحيح السنة, وللتوحيد, في التسعينيات!
نعود للأمهات والبنات المشغولات بإعداد الفطور الصباحي الدسم , الذي سيكون حافلا بما لذ وطاب من الطعام, من الدجاج المشوي, والى الكباب, والتكة, والصُـفـَّـة المشوية .
(الصـُّفـَّة هو القفص الصدري وأضلاع الخروف بشحمها ولحمها, تشوى كأربع قطع )
وقيمر العرب, والمربى والعسل, والبيض مسلوقه ومقليه. وبالصمون الحار, وتقام سُفرة عند البيوتات المعروفة للعائدين من الرجال من الأهل والجيران والآصدقاء بعد أدائهم لصلاة العيد, ويتقدم اليها الرجال والشباب جماعة واحدة.
ولا ننسى قيام الرجال والأمهات قبل ليلة بتهيئة الخردة( الفكة) وتحضير الدراهم المعدنية, من الدرهم والدرهمين والربع دينار ونصفه . والدينارالمعدني. التي كان آخر عهدنا بها بداية التسعينات, حين حاصرنا الظالمون , وأطبق علينا غول التضخم الرهيب بفكيه , سقطت تلك العملات المعدنية. وما عاد لها من قيمة شرائية!
كان يهيؤها الكبار لأعطاء العيدية لصغاره , و وصغار جيرانه . والعيدية هي مقدار من المال والدراهم يعطيها الكبار للصغار, ومن يبخل بها تكون سبة عليه وعار,
ونعود للصغار الذين باتوا ليلتهم بنصف عيون, وأناملهم تتلمس أثوابهم الجديدة المكومة عند رؤوسهم منتظرين الصباح. وعند انتهاء وجبة الإفطار وأخذ حصتهم المقسومة من العيدية المعلومة , يأخذون بالتفاخر والتباهي , وكل يصيح أنا حصلت أكثر, وصار عندي الآن هذا المبلغ من المال,
فينطلقون الى ساحات المدينة التي تقام فيها الأعياد, والمراجيح. ودولاب الهوى, المنتشرة بساحات معلومة في المدينة, فتجد اصحاب العربانات( عربة الكارلو) ينادون مرغبين الصغار للصعود بعرتهم التي يجرها حصان هزيل أو حصانين , قائلا:
الذاك العيد الذاك العيد.
بمعنى: هيا ياصغار الى ذلك العيد,
فيتاقفز الصبية والصغار الفرحين بأثيابهم الملونة الزاهية الى عربته, لقاء درهمٍ أو نصف درهم , فينطلق بهم راشدا تصاحبه ضربات الأطفال المحتفلين على الدنبك والرق وهم هازجين مبتهجين بفرح كبير.ويذهب الشباب الى دار السينما الوحيدة في مدينتي, وتجد الزحام شديدا على الشباك, ومحظوظ من يحصل على بطاقة دخول!وفي ذلك الزمان رأيت بعيني أول ظاهرة للسوق السوداء في بلدي , وما كانت قبل الحصار موجودة, فبسبب الزحام كنت ترى بعض الفتية والشباب من أصحاب العضلات أو من لديه ببائع التذاكر علاقات, يبيع التذكرة التي سعرها 50 خمسين فلسا ب100مائة فلس, والفتية يشترون, خير لهم من الدخول بكومة الأجساد المتزاحمة على الشباك, وأضاع عليها هذا التزاحم والتدافع , عطر العيد الذي أكثروا من رشه على أجسادهم الزاهية بالملابس الجديدة. ومسحوا شعورهم الطويلة بأفخر الدهون والكريمات, حيث كانت شعورهم طويلة كما هي الآن, كنا نسميهم بالخنافس ,هؤلاء الذين لشعورهم يطيلون!
ونعود للكبار , بعد انقضاء الفطور الجماعي, ينصرف صغار الرجال الى كبارهم لتهنئتهم بالعيد. حيث يدورون عليهم بالبيوت , مبتدئين بالأكبر, فيستقبلهم بالترحاب والسرور. فتقدم لهم مواعين الكليچة والكيك, مع الشربت والبيبسي, والچكليت. وهكذا يدورون بكل الحارة أو القرية حتى يزوروا كل بيوتها من الصغير الى الكبير, ويتصالح المتخاصمون في العيد, ولا تجد فيه اثنان متخاصمان يبقيان على خصومتهما, ذلك اليوم.
ووقت الظهر يجتمع الأهل والجيران عتد كبير العائلة أو القرية أو الحارة لتناول طعام الغداء, الذي يتكون من أكلة الدليمية الشهيرة, حيث يقوم كبير المنطقة بذبح خروفٍ أو عدة خرفان على حسب أمكانياته, وعدد ضيوفه, ومكانته لدى ضيوفه , ومكانة ضيوفه ايضا.
وفي اليوم الثاني ينصرف الرجال المتوسطي العمر لزيارة أقاربهم من الساكنين بالمدن الأخرى, وهذا تقليد ثابت, لم تغيره إلا هذه الظروف التي نعيشها الآن. فالذهاب لمدينة كنا نقطع المسافة إليها بنصف ساعة , صار الآن يستغرق ساعات, بسبب كثرة السيطرات ونقط التفتيش, والطرق المقطوعة.
يدوم عيد الفطر عندنا ثلاثة أيام, وعيد الأضحى أربعة أيام. ويذكر لنا والدي ويذكركذلك بعض الشيوخ, أن العيد عندهم كان سبعة أيام في الفطر وعشرة أيامٍ في الأضحى, في غابر الأيام . أيام الخير رغم الجوع والفقر, أيام المحبة والمودة التي كانت تجمع الناس أجمعين.
هذه أهم مظاهر العيد وطقوسه في بلدي العراق. عذرا للتطويل, وعن الموضوع إن كان ممل.
وأنا منتظر منكم كلامكم عن العيد في بلدكم.
والسلام عليكم ورحمة الله.
الدنبك = الطبلة.الچكليت = الشوكلاته او المِلَبـِّس.الصواني = جمع صينية. وهي سفرة الطعام المصنوعة من الألمنيوم أو النحاس زمان.