تأليف الجنرال : ويزلي ك كلارك عرض / ممدوح الشيخ
الجنرال
ويزلي ك كلارك قائد عسكري أمريكي متقاعد شغل العديد من المناصب العسكرية
المرموقة ، منها : منصب مدير الخطط الاستراتيجية والسياسات في هيئة أركان
الحرب المشتركة في وزارة الدفاع الأمريكية ( البنتاجون ) بين عامي 1994 و
1996 ، أما آخر المناصب العسكرية التي تولاها فكان منصب القائد الأعلى
لقوات الحلفاء في أوروبا بين عامي 1997 و 2000 . وهو خريج كلية ويست بوينت
وله مشاركات عسكرية عديدة بدءا من حرب فيتنام حتى العمليات العسكرية
الأمريكية في البلقان .
أما كتابه : " WAGING MODERN WAR " فيتناول
أول حملة عسكرية لحلف شمال الأطلنطي ( الناتو ) التي شارك فيها من بدايتها
حتى اتفاقية " دايتون " ، وقد أشاد به عدد من الخبراء المرموقين أمثال :
ستيفن أمبروز ، وزبيجنيو بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي في عهد
الرئيس جيمي كارتر ، وفرانك كارلوتشي ، والجنرال ألكسندر هيج وزير الدفاع
الأمريكي الأسبق ، والسيناتور جون ماكين ، وأنتوني ليك ، . . . وغيرهم
كتاب الحرب الحديثة
تأليف: لواء متقاعد / ويزكي كلارك
تأتي أهمية هذا الكتاب من أن مؤلفه يتكىء على خبـرة سبـعة وثلاثــين عامـا
ًقضاها قضاها في الخدمة تدرج خلالها فـــي المناصب حتى تبوأ أعلاها ، فـهو خريـج
كلية (( ويست بونيت
)) شغل منصب مدير الخطط الاستراتجيـة و السياسات في هيئة أركان الحرب 94-96
والقائد الاعلى لقوات الحلفاء في أوربا 97-2000 شارك في معظم الحروب الامريكية من
حرب فيتنام حتى البلقان
.
لواء كلارك عضو في هيئة أركان الحرب وهي إحدى مديري صنع القرار العسكري،
يوجد لها (8) منظومات كان كلارك واحد منهم ، لكل منهم مسؤليات مختلفـــة بالإضافـة
إلـى لجان السياسـة -الدفاع -المخابرات
,مجلس الأمن القومي وبذلك يكون المؤلف في أعلى مستوى قيادي لصنع القرار العسكري
والمسؤول امام رئيس هيئة الاركان عن السياسات العسكرية والاستراتجية يسرد المؤلف
التغيرات التي حدثت على ادارة الحرب ويتناول أهم العمليات العسكرية التي قام بها
الحلف من الحرب الكورية الى فيتنام والفوكلاند بنما و الخليج وكوسوفو عام 1999
ويذكر أن التطور لم يكن في خط شبه مستقيم
.
ان أستخدام القوة لا يعني بالضرورة قرارا بالحرب الشاملة وبالنظر الى الحرب
العالمية الثانية نجد أن هذا الاعتقاد كان سائدا حيث أن الطرفان المتحاربان يدركان
إن من مصلحتهم حصر نتائج الحرب وتعرف هذه الاستراتيجية بأسم ( الرد المرن ) لدى
حلف الناتو / أي الدفاع بالاسلحة
التقليدية لأقصى حد مع امكانية استخدام الاسلحة النووية عند اللزوم .
وقد تم تجاوز قاعدة الرد المرن الى الارغام " وهوا استخدام تدريجي
للقوة ومعاقبة الخصم لأقناعه بتغيير سلوكه ويتم تطبيق هذه القاعدة مع الدول
الصغيرة غير النووية
يقول كلارك " لنجاح هذا المسلك يجب أن يقوم من البداية على اساس
استخدام قوة اكبر مما جرى الإلتزام به في البداية مع تكثيف هذه القوة بسرعة لتحقيق
اغراض عسكرية .
وقد التقت اراء كلارك مع اراء الجنرل كولن باول عندما كان رئيسا لهيئة
الاركان حول ضرورة استخدام القوة من البدائية وليس على نحو تدريجي كما حدث في
فيتنام .كانت التقاليد العسكرية الامريكية تقوم حتى وقت قريب على أن القتال يبدأ
عندما تتوقف المحادثات ، وهذا سوء تفسير كما يعتقد كلارك لأن مبدأ القوة لا يتعارض
مع استمرار المفاوضات العلنية السرية .
فالقوة الحاســـمة هــي التي تجـعل الارغام ناجحا .
ثورة الاتصالات أثرت بشكل كبير على ادارة الحرب ، حيث أصبح التواجد
الاعلامي بشكل ضغطاً كبيراً على صانع القرار على كافة المستويات ، كما أن تعبئة
القوات سريعاً دون الحاجة إلى تعبئة سياسية واقتصادية سمة لهذه الحقبة وقد برزت
اربع عناصر لأي حدث في الحرب الحديثة .
( تكتيكية- عملياتية - استراتيجية - سياسية ) يؤكد كلارك أن القوة هي الفيصل
في الشؤون الدولية و ان الدبلوماسية تحتاج لإستخدام النفوذ لتحقيق المكاسب و الحرب
بطبيعة الحال عمل من اعمال السياسة .
إدارة الازمة : انتهت الدراسات في الكونجرس الى مراجعة أساسية لتحديد
الحاجة اللازمة لمواجهة حالتين من حالات الطوارئ الاقليمية في وقت واحد " كوريا الشمالية - العراق
" ونال هذا أهتمام البنتاجون، يعلق كلارك ولكنني لم أدرك مغزى التركيز على
نزاعين محددين .
في اجتماع مع وزراء خارجية الحلف حذر الجميع من الاخطار المقبلة في كوسوفو
وقد توجه أحد الوزراء بسؤال عما اذا كان بالامكان أيقاف سياسة الصرب بالتهديد
باستخدام القوة الجوية ورديت بالإيجاب .
كان التهديد بالغارات الجوية وسيلة ملحقة للدبلوماسية للوصول لإتفاق معقول
وقامت القوات الجوية للحلف بعرض جوي عبر البانيا حتى حدود الصرب ثم اتجهت شرقا
داخل المجال الجوي لألبانيا ومقدونيا .
قمنا بمراجعة خطط الضربة الجوية وشرعنا في النظر في قائمةالأهداف التي
ينبغي ضربها ورفض الصرب توقيع إتفاقية فأصبحت الأجواء مهيأة للغارة الجوية.
برزت مسألة التوقيت زعماء الحلف يريدون القصف في أقرب توقيت ممكن لتحقيق
الأثر النفسي المطلوب ، كنا نفضل القصف ليلا لافتقار الخصم لقدرات الرؤية الليلية
وقد طرحت فكرة استخدام طائرات لاباتشي باعتبارها تفيد في مثل هذه العمليات ، كانت
الخطة تعتمد على :ـ شل القدرة وذلك بتعطيل أجهزة الردار وشبكات الصواريخ ومنظومات
السيطرة والإتصالات ولكن لابد من حساب قدرات الصرب حيث زودهم الروس بقدرات لا
يستهان بها .
كان يجب اشراك اكبر عدد من الطائرات لاظهار العمل العسكري بصورة جماعية
يقوم بها الحلف .
بدأت عمليات القصف وتم اسقاط 3 طائرات ميج 29 وتم قصف نحو 80 % من الاهداف
المحددة ( مطارات- ورش إصلاح طائرات - مواقع اتصالات الكترونية - والقيادات ، كما تم ظرب
مستودعات الذخيرة والوقود ووسائل المواصلات ).
قبل البحث في الخيار البري ( تدخل بري ) كان من الضروري اشراك الاباتشي في
المعركة كان هناك من القادة من يشكك في فائدتها لمهاجمة اهداف تكتيكية في كسوفو
كان الاوروبيون يتحملون الجانب الاكبر من المخاطرالسياسية بينما يتحمل الامريكيون
الجزء الاكثر من القوة الجوية .
بدأت المعارك بمشاركة طائرات 52 b في قصف الأهداف . كنت أفضل
هذه الخسائر القليلة على خسائر الغزو البري وتحت وطأة شدة القصف تم وقف القتال
ودخلت قوات الحلف تدعمها قوة دولية . لكل حرب سماتها المحدودة ، ما حدث في كسوفو
هو ( حرب محدودة ) ووسائل محددة واهداف محددة تم استخدام العصا والجزرة
الدبلوماسية الهادئة والقوة المسلحة لفرض الارادة السياسية لدول الحلف على
يوغسلافيا .
ما يجب عمله لتعديل فلسفة المعركة الكبيرة التي سادت الفكرالعسكري الغربي
من القرن العشرين ذلك أن تحقيق اهداف سياسية حاسمة في الحرب الحديثة لايتوقف على
تحقيق نتائج عسكرية حاسمة ، ومن الممكن كسب الحرب في معارك لم يتم إذا تهيأت
الظروف المناسبة .
الحرب الحديثة تعكس التقنيات الحديثة والقوى والعلاقات الراهنة ما حدث في
البوسنة لمحة عن الأسلوب الحديث للحرب ويحتاج إلى فهم ماحدث المفكرون العسكريون
يفضلون التخطيط لعمليات كاملة ذات أهداف واضحة وتوجيهات سياسية صريحة وأوامر محددة .
معنى ذلك أن القوات العسكرية عليها أن تعدل خططها أثناء تنفيذ العملية
العسكرية وإستخدام القوة العسكرية يستلزم أن يبتعد العسكريون عن العنصر السياسي
الديناميكي واتباع ما يسمى مبادئ الحرب التي يتعلمها الضابط في بداية مشواره ولكي
يتم تحقيق النجاح كان لابد من عملية تعديل وتكييف مستمر في البداية كان أمامنا 51
هدفاً تقوم 366 طائرة بضربها ، كان من نتائج حرب فيتنام خشية الاعلام ، ولكن الحرب
الحديثة فرضت وجود مناخ أعلامي جديد .
الكتاب في مجمله خلاصة سبعة وثلاثين عاماً من العمل العسكري، لذى فهو غني
بالدروس العسكرية والسياسية على السواء . فالمؤلف يوضح العلاقة علاقة التأثير
المتبادل بين العسكريين والسياسيين والاعلاميين ويخضع مفهوم الحرب الحديثة للتحليل
من خلال عملية البلقان والتي يصفها بأنها حرب حديثة معقدة
استراتيجية الرد المرن
في
إبريل من عام 1994 عين الجنرال كلارك مديرا للخطط الاستراتيجية والسياسات
في هيئة أركان الحرب المشتركة ، وقد أدرك أنه بذلك قد صل إلى أعلى مستويات
القيادة وأصبح المسئول - أمام رئيس هيئة أركان الحرب المشتركة - عن
السياسات العسكرية والاستراتيجية . كان كلارك يرافق رئيس هيئة أركان الحرب
المشتركة في الاجتماعات المهمة بالبيت الأبيض ، وأيضا في الاجتماعات الأقل
مستوى في وزارة الخارجية . والمعروف أن " هيئة أركان الحرب المشتركة " إحدى
المنظمات الغامضة التي لا يفهمها أحد إلا إذا أصبح جزءا من فريقها . وهناك
ثمانية مديرين في الهيئة - كان كلارك واحدا منهم - لكل منهم مسئوليات
مختلفة ، كما توجد لجان من الخبراء ، وصانعي السياسات الخارجية ، والدفاع ،
والمخابرات المركزية ، ومجلس الأمن القومي . ويستعرض
كلارك في البداية ما طرأ من تطورات على عملية إدارة الحرب يستعرض أهم
العمليات العسكرية التي قام بها حلف شمال الأطلنطي ( الناتو ) منذ الحرب
الكورية مرورا بحروب : فيتنام ، والفوكلاند ، وبنما ، والخليج ثم كوسوفو
عام 1999 ، ثم يعلق : " لم يكن التطور في خط شبه مستقيم ، ولم يفهم تماما
حتى في القوات المسلحة في معظم البلدان الغربية ، ولكنه موجود " . ولا شك
في أن استخدام القوة لا يعني بالضرورة قرارا بالحرب الشاملة ، ولو عدنا
بالذاكرة إلى الحرب العالمية الثانية ( 1939 - 1945 ) لوجدنا أن هذه
النظرية تستند إلى اعتقاد مفاده أن لجوء المتحاربين للعقلانية يجعلهما
يدركان أن من مصلحتهما حصر نطاق الحرب ، وتعرف هذه الاستراتيجية في حلف
شمال الأطلنطي باسم " الرد المرن " ، أي الدفاع بالأسلحة التقليدية إلى
أقصى حد ثم استخدام الأسلحة النووية حسب الاختيار ، مع إمكان اللجوء إلى
الضربات النووية الكاملة عند اللزوم .
وقد
دخل تفكير بعض الحلفاء الأوروبيين من أعضاء حلف الناتو شئ جديد هو تجاوز
قاعدة " الردع " إلى قاعدة " الإرغام " أي الفرض بالقوة . ونستطيع ترجمة
القاعدة الجديدة إلى استخدام تدريجي للقوة ، مع إنزال عقاب متزايد لإقناع
الخصم بتغيير سلوكه . وتطبق هذه القاعدة مع الدول الصغيرة غير النووية .
ويربط الجنرال كلارك بين الاعتبارات السياسية والعسكرية فيقول : " ولنجاح
هذا المسلك يجب أن يقوم من البداية على أساس استخدام قوة أكبر مما جرى
الالتزام به في البداية ، مع تكثيف هذه القوة بسرعة لتحقيق أغراض عسكرية
كبيرة . فالمعروف عادة أن الزعماء السياسيين يترددون ويفرضون قيودا كثيرة
على الأعمال العسكرية ، وتكون النتيجة استمرار الحملات العسكرية فترت طويلة
تجعل الحكومات مكشوفة أمام الرأي العام في بلادها " .
وعندما
كان كولن باول رئيسا لهيئة أركان الحرب المشتركة اتفق مع المؤلف على ضرورة
استخدام القوة من البداية ، وليس على نحو تدريجي كما حدث في حرب فييتنام .
وقد كانت التقاليد العسكرية الأمريكية حتى وقت قريب تقوم على أن القتال
يبدأ عندما تتوقف المحادثات ، وهذا سوء تفسير لأن مبدأ القوة الحاسمة لا
يتعارض مع استمرار الديبلوماسية العلنية والسرية ، فالقوة الحاسمة هي التي
تجعل الإرغام ناجحا ، وتشترك مع الديبلوماسية في إيجاد مخرج للمهزوم .
الحرب أمام الكاميرات
وقد
تركت ثورة الاتصالات بصماتها على عملية إدارة الحرب الحديثة ، ويشعر قادة
الغرب بحساسية كبيرة نحو التغيير الهائل في تدفق المعلومات وأصبح التواجد
الإعلامي الكثيف يشكل ضغطا كبيرا على صانع القرار على المستويات كافة منذ
بداية أي عمل عسكري . كما أن تعبئة القوات سريعا دون حاجة إلى تعبئة سياسية
أو اقتصادية أو عسكرية سمة لهذه الحقبة ، وبالإجمال أصبح لأي حدث في الحرب
الحديثة أربعة عناصر :
1 - تكتيكية .
2 - عملية .
3 - استراتيجية .
4 - سياسية .
وأحيانا تؤدي أحداث تكتيكية بسيطة إلى هزائم سياسية كبيرة ، وهذه هي الأخرى إحدى سمات الحرب الحديثة .
ويؤكد
الجنرال كلارك أن القوة هي الفيصل في الشؤون الدولية وأن الديبلوماسية
تحتاج دائما لاستخدام النفوذ لتحقيق المكاسب وتجنب الخسائر . والحرب أولا
وأخيرا عمل من أعمال السياسة ، وهي من الاختبارات القوية للسياسيين في
النظم الديمقراطية ، وإذا استطعنا ينبغي تجنبها .
إدارة الأزمة
لم
تكن مسألة البلقان ما يشغل بال هيئة أركان الحرب المشتركة فقد كان
الكونجرس يخضع لسيطرة الجمهوريين الذي شككوا بقوة في الاستراتيجية العسكرية
للقوات المسلحة ، وكانت القوات المسلحة في حالة تقلص منذ الخطط التي وضعها
جورج ( بوش الأب ) في التسعينات وكان الكونجرس يتساءل عن جدوى وجود هذا
الكم من القوات . وتمت مراجعة أساسية في البنتاجون لتحديد الحاجة اللازمة
لمواجهة حالتين من حالات الطوارئ الإقليمية في وقت واحد ( كوريا الشمالية -
العراق ) . ونال النظام اهتمام البنتاجون ولكنني لم أدرك مغزى التركيز على
نزاعين محددين ، لأن هذا يعني - في حالة نشوب نزاع في مكان غيرهما - أن
يحجم السياسيون عن إرسال قوات إلى مكان النزاع ، ولا أحد يستطيع أن يتنبأ
بمكان النزاع القادم .
لم
تكن كوسوفا تحتل قمة قائمة الأولويات عندي لكن لقائي مع رئيس مقدونيا أدى
إلى تغيير الصورة ، وكان الرئيس الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش لا يحترم سوى
لغة القوة ، كنت قد زرت بلجراد مع خافيير سولانا للضغط على ميلوسيفيتش
ليرفع يده عن البوسنة وأدرك سولانا مدى صعوبة الوضع الذي سببه العمل
العسكري الصربي في البوسنة . وفي اجتماع وزراء خارجية الحلف في بروكسل حذر
الجميع من الأخطار المقبلة في كوسوفو وأدانوا ممارسات الرئيس الصربي دون
الدعوة لإجراء معين . وتوجه وزير خارجية بريطانيا بسؤال للجنرال كلارك عما
إذا كان بالإمكان إيقاف سياسة القمع الصربية بالتهديد باستخدام القوة
الجوية ورد كلارك بالإيجاب .
كان
التهديد بالغارات الجوية وسيلة مهمة للديبلوماسيين للوصول لاتفاق معقول ،
وقامت قوات الحلف الجوية بعرض جوي عبر ألبانيا حتى حدود الصرب ثم اتجهت
شرقا داخل المجال الجوي لألبانيا ومقدونيا . وبدأت المباحثات مع قادة الصرب
وكان الخلاف حول وضع الإقليم وحقوق سكانه ، وأراد الصرب إحكام قبضتهم على
الإقليم رغم أن غالبية سكانه من الألبان الذين يريدون الاستقلال أو الحكم
الذاتي . وقد كان من العقبات التي حالت دون إقناع الحكومات الأوروبية بأن
تكون جادة في التهديد باستخدام القوة إعلان حدوث تقدم في المفاوضات ، وأدى
ذلك إلى تأخير القرارات اتخاذ الحاسمة .
حلبة السيرك
أدى
عناد ميلوسيفيتش إلى حركة الحلف وطلبت لقاء منفردا معه وأبلغته أنني على
استعداد لإصدار أوامر بضرب قواته ما لم يتعاون ، وكان ذلك صورة للسماح
للديبلوماسية بأخذ الفرصة كاملة مع مساندتها بالقوت والتهديد ولم ينفذ
ميلوسيفيتش وعوده للحلف . وبدأت جولة مفاوضات ثانية لإيقاف القمع وإقرار
الديمقراطية ووضع أساس للحل السلمي ، وانتهت دون اتفاق . وقمنا بمراجعة خطط
الضربة الجوية ، وشرعنا في النظر في قائمة الأهداف التي ينبغي ضربها ،
ورفض الصرب توقيع الاتفاقية فأصبحت الأجواء مهيأة للغارات الجوية وبدأنا
نستعد للقصف .
كانت
هناك مسألة التوقيت وأراد زعماء حلف الناتو بدء القصف في أقرب توقيت ممكن
حتى يتحقق الأثر النفسي المطلوب . وكنا نفضل القصف ليلا لافتقار الخصم إلى
قدرات تمكنه من الرؤية الليلية . وحشد الصرب أكثر من ثلاثين ألف رجل وبدءوا
مهاجمة السكان الألبان ، وانصب التركيز على القصف المتواصل وطرحت فكرة
استخدام طائرات الأباتشي باعتبارها مفيدة في مثل هذه العمليات .
كانت
الخطة العسكرية تقتضي إصابة العسكريين اليوغوسلاف بالشلل بتعطيل أجهزة
الرادار وتدمير شبكات الصواريخ المضادة للطائرات بواسطة قاذفات القنابل
والمقاتلات . وكان من الضروري أخذ قدرات الصرب العسكرية في الحسبان ، فمن
المؤكد أن الروس زودوهم بمعلومات كما أن الصرب اشتروا رادارات قوية . وكان
يجب إشراك أكبر عدد ممكن من طائرات الحلفاء لتخفيف نفقات الحرب في نظر
الكونجرس وإظهار العمل العسكري كعمل جماعي يقوم به حلف الناتو وليس
الولايات المتحدة .
الحملة الجوية
وبدأت
عمليات القصف وتم إسقاط ثلاث طائرات ميج 29 ، إحداها أسقطت بواسطة طائرة
هولندية من طراز إف 16 . وقصفنا نحو 80 % من الأهداف المحددة من : مطارات ،
وورش إصلاح الطائرات ، ومواقع الاتصالات الإليكترونية ، وقيادة الجيش .
كانت الخطة تقتضي الاستمرار في القصف حتى يتوقف التطهير العرقي وإلى أجل
غير مسمى . واصل الصربيون حملتهم ضد سكان كوسوفو ولم تقم قوات حلف الناتو
بضرب المناطق الحساسة للقوات المعتدية ، وطلبنا مزيدا من الإمدادات والدعم
الجوي وبخاصة من طائرات الأباتشي . وبسبب ازدياد اللاجئين أصبح محتما ضرب
مستودعات الذخيرة والوقود ووسائل المواصلات وإغلاق الطرق لتضييق الخناق على
ميلوسيفيتش ، وطلبت إرسال حاملة الطائرات تيودور روزفلت إلى المنطقة للدعم
والمساندة .
بدأ
ميلوسيفيتش حملة ديبلوماسية لإحباط إرادة الحلف ، وكانت مساعيه شهادة
بنجاح الحملة الجوية فراح يسعى بكل وسيلة لإيقاف القصف . وبدأنا نبحث خطة
تدخل بري ، وقبل اعتماد الخيار الأرضي كان من الضروري إشراك الأباتشي في
المعركة وكان هناك من القادة من يتشكك في فائدتها لمهاجمة الأهداف
التكتيكية في كوسوفو ولا يجدون صلة بين تدمير هذه القوات ونجاح الحملة .
وكان الأوروبيون يعتبرون الأباتشي اختبارا لمدى التزام الولايات المتحدة
بالعملية العسكرية ، فهم يتحملون الجانب الأكبر من المخاطر السياسية بينما
يتحمل الأمريكيون الجزء الأكبر من القوة الجوية .
بدأت
المعارك الجوية التي شاركت فيها طائرات بي 52 لقصف الحدود ومناطق الانطلاق
والمزيد من الأهداف . كان خافيير سولانا قلقا من النقد المتزايد للخسائر
المدنية وكنت أعتقد أن هذه الخسائر القليلة أفضل من خسائر أكبر عند الغزو ،
والجمع بين القصف الجوي والعمليات الأرضية كافيان للقضاء على ميلوسيفيتش .
وتوجه رئيس الوزراء الروسي فيكتور تشيرنوميردين إلى بلجراد لتسليم الإطار
المقترح لإيقاف الغارات الجوية ، وأصدرت الأوامر بمواصلة القصف واستخدمنا
قاذفات بي 52 وتمسك ميلوسيفيتش بأن تكون القوة الدولية تحت قيادة الأمم
المتحدة وليس حلف الأطلنطي . وحققنا تقدما على الجبهات كاف ، فقرر الصرب
الانسحاب وأعلن وقف إطلاق النار ودخلت قوات الحلف تدعمها قوة دولية .
الحرب المحدودة
لكل
حرب سماتها المميزة ، فالمباريات تبدأ متشابهة ثم تختلف بطرق غير متوقعة
ولابد من أخذ الدروس من التجارب الماضية وما حدث في كوسوفو : حرب محدودة ،
ووسائل محدودة ، وأهداف محدودة . استخدمنا الديبلوماسية والإلزام والقوة
المسلحة لفرض الإرادة السياسية لدول الحلف على يوغوسلافيا . إن ما يجب عمله
لتعديل فلسفة " المعركة الكبيرة " التي سادت الفكر العسكري الغربي في
القرن العشرين ، ذلك أن تحقيق أهداف سياسية حاسمة في الحرب الحديثة لا
يتوقف على تحقيق نتائج عسكرية حاسمة ومن الممكن كسب الحرب في معارك لم تتم
إذا تهيأت الظروف المناسبة . فالحرب الحديثة تتم إذا كانت القضايا الكبرى
المعرضة لخطر لا تهدد بقاء الدول الكبرى وهذه الظروف سوف تتكرر .
كما
أن الحرب الحديثة تعكس التقنيات العسكرية الحديثة والقوى والعلاقات
السياسية الراهنة ، وما حدث في البوسنة لمحة عن الأسلوب الحديث للحرب فيما
وراء الديبلوماسية الإلزامية ، ويحتاج فهم ما حدث إلى سنوات . والمفكرون
العسكريون يفضلون التخطيط لعمليات كاملة ذات أهداف واضحة وتوجيهات سياسية
صريحة وأوامر استراتيجية محددة وإجماع شعبي في الداخل . والمجتمعات
الديموقراطية لا يمكن أن تلجأ بسهولة إلى استخدام القوة أو التهديد بها ،
والمشكلات التي كشفت عنها تجربة كوسوفو تمثل نمطا أساسيا سوف يعاود الظهور
في المستقبل .
وهذا
معناه أن القوات العسكرية يتعين عليها أن تعدل خططها أثناء التنفيذ
العملية العسكرية ، واستخدام القوة العسكرية يستلزم أن يبتعد العسكريون عن
العنصر السياسي الديناميكي واتباع ما يسمى " مبادئ الحرب " التي يتعلمها
الضابط في بداية مشواره . ومع أن الحملة الجوية كانت بسيطة في مفهومها إلا
أنها كانت تصطدم بعناصر سياسية ، ولكي نحقق النجاح كنا في عملية تعديل
وتكييف مستمرة ، في البداية كان أمامنا 51 هدفا تقوم بضربها 366 طائرة . !
وكان
اطلاع الجمهور على مجريات العمل العسكري أولا بأول إحدى سمات عملية كوسوفو
، وعلى القادة العسكريين الغربيين أن يقبلوا وجود مناخ إعلامي جديد وهم
يشنون الحرب الحديثة . لقد كان العسكريون في حرب الخليج يخشون الإعلام وهو
من نتائج تجربة فييتنام . والكتاب في مجمله خلاصة سبعة وثلاثين عاما من
العمل العسكري ، ولذا فهو غني بالدروس العسكرية والسياسية على السواء .
فالمؤلف ويضع ملامح عامة لعلاقات التأثير والتأثر بين العسكريين والسياسيين
والإعلاميين ويخضع مفهوم " الحرب الحديثة " للتحليل من خلال مثال العمل
العسكري في البلقان ، وهي العملية التي يصفها بأنها حرب حديثة معقدة
التنفيذ ذات آثار محسوبة .
الكتاب : الحرب الحديثة
المؤلف : الجنرال ويزلي ك كلارك
الناشر : Public Affairs ومجموعة بيرسيوس للكتب
سنة النشر : 2001