الكاتب الامريكى استانلى ميسلر:
لماذا لاتثق مصر فينا؟!
بقلم ـ ستانلي ميسلر:
698
عدد القراءات
بعد السماح للأمريكيين السبعة المتهمين في قضية التمويل الأجنبي والتابعين لمنظمات غير حكومية مدعومة من الولايات المتحدة بالسفر بعد دفع الكفالة,
يجب علينا الآن أن نعرف ماذا كانت تريد الولايات المتحدة من وراء إرسال هؤلاء إلي مصر, معتمدين علي المنطق بدلا من المشاعر العاطفية قد يدفعنا الاحتجاج المصري الي هذا العمل الذي يبدو تعزيزا للديمقراطية إلي الشعور بالصدمة ووصف هذا الاحتجاج بالحماقة والبربرية, إلا أنه في حقيقة الأمر من حق المصريين ان يشعروا بالريبة, أن المحاولات الأمريكية لتعزيز الديمقراطية في جميع انحاء العالم من خلال المنظمات غير الحكومية لها كثير من الاحيان تاريخ مقلق وبدايات بغيضة.
ترجع هذه المحاولات إلي عملية لوكالة المخابرات الأمريكية والتي فقدت مصداقيتها, فخلال فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي وفي أثناء الحرب الباردة, انشأت المخابرات مجموعة من المؤسسات الصورية لتحويل أموال من وكالة المخابرات إلي المنظمات الخاصة سواء المناهضة لشيوعية أو غير الشيوعية, بالإضافة إلي بعض المستفيدين الآخرين من تلك الأموال ومنهم مؤسسات في لندن وإفريقيا, وكانت بعض هذه المنظمات لاتعلم أنها تستخدم أموال وكالة المخابرات الأمريكية. ولكن عندما نشرت وسائل الإعلام الأمريكية تفاصيل واسرار عمليات التمويل شعرت الإدارة الأمريكية بحرج بالغ وقام الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت ليندن جونسون بوضع نهاية لعمليات التمويل التي تقوم بها وكالة المخابرات.
ولكن شعر الكثير من أعضاء الكونجرس أن مشكلة برنامج التمويل تكمن فقط في علاقته بوكالة المخابرات وأوصوا بقطع تلك العلاقة وجعل كل شيء علنيا, وان أي محاولة كسب العقول والقلوب بالطريقة الأمريكية سيكون افيد, وخلال الثمانينيات في أثناء فترة حكم الرئيس ريجان أنشأ الكونجرس المؤسسة الوطنية للديمقراطية لتحل محل برنامج وكالة المخابرات المنتهي.
وبموجب القانون, تم تقسيم أموال المنح علي أربعة معاهد جديدة تم إنشاؤها لرعاية برامج تعزيز الديمقراطي في جميع انحاء العالم, وتولي الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي وغرفة التجارة الأمريكية إدارة المعاهد الأربعة لضمان تحقيق الإيديولوجية والمصالح الحكومية. كان من الواضح أن عملية نشر الديمقراطية في دول أجنبية تعتبر مسألة شديدة الحساسية ويجب التعامل معها بعناية فائقة, ولكن حدث نوع من التخبط حول من يستحق أموال التمويل, فعلي سبيل المثال تم تخصيص مبلغ مليون ونصف المليون دولار لمعهد AFL_CIO في فرنسا, ولأن فرنسا تعد دولة ديمقراطية وحليفة للولايات المتحدة لم يتم الإعلان عن ارسال تلك المنحة إليهم. وكان ايرفينج براون البالغ من العمر 74 عاما هو المسئول عن التعامل مع المنحة الأمريكية في باريس, حيث تولي انفاق أموال المخابرات التي تم ارسالها علي منع الشيوعيين من السيطرة علي النقابات العمالية بعد الحرب العالمية الثانية, ومنح براون معظم أموال المنحة الأمريكية إلي مؤسسة الممرضات واتحاد العمل المناهض للشيوعية, كما منح 575 ألف دولار إلي جماعة الطلاب اليمينيين التي تهاجم باريس وتنشر الملصقات التي تهاجم الرئيس الاشتراكي لفرنسا في ذلك الوقت فرانسوا ميتران.
ومن وجهة نظر براون, كانت فرنسا في خطر لأن الحزب الشيوعي الذي له نحو 10% من اصوات الناخبين بدعم ميتران.
وقال لصحيفة لوس أنجلوس تايمز: نحن ندافع عن الديمقراطية في فرنسا, ومن جانبها نفت السفارة الأمريكية علاقتها بالموضوع عندما استعرضت احدي صحف باريس دور براون في الحملة الانتخابية.
ومنذ ذلك الوقت كانت هناك اتهامات للمؤسسة الوطنية للديمقراطية بالتدخل في الانتخابات أو الاستفتاءات من قبل دول بنما ونيكاراجوا وتشيلي وكوستاريكا وتشيكوسلوفاكيا, وعلي الرغم من ذلك مازالت المنح التي تعطيها المؤسسة مدعومة من الحزبين الديمقراطي والجمهوري, وخصص الكونجرس 118 مليون دولار لميزانية المنح التي ترسلها المؤسسة الوطنية للديمقراطية عام 2012
وفي مصر, تعرضت المنظمات الأمريكية الأربع للهجوم بسبب التمويل الأجنبي غير الشرعي, ومن بين تلك المنظمات التي حصلت علي أكبر حصة من المنح المعهد الجمهوري الدولي التابع للحزب الجمهوري الوطني الديمقراطي التابع للحزب الديمقراطي, بالإضافة إلي مؤسسة فريدم هاوس, والمركز الدولي للصحفيين والتي وجهت لهم أيضا تهمة تلقي أموال بطريقة غير شرعية من المؤسسة الوطنية للديمقراطية.
وتاريخ المؤسسة الوطنية للديمقراطية من المستحيل ألا يكون معروفا للسيدة فايزة أبو النجا وزيرة التخطيط والتعاون الدولي والتي قادت الهجوم علي المنظمات الأمريكية, وتعد فايزة أبو النجا دبلوماسية صاحبة خبرة حيث قضت خمسة أعوام خلال فترة التسعينيات مستشارة لبطرس غالي أمين عام منظمة الأمم المتحدة في ذلك الوقت ولم يكن الوقت أو المكان مناسبا لها لمتابعة الممارسة الديمقراطية الأمريكية علي أرض الواقع.
وخلال فترة إدارة الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون, حدث قلق في الرأي العام بسبب مقتل 18 جنديا أمريكيا في الصومال عام 1995, ووجهت الإدارة الأمريكية الاتهام إلي الأمم المتحدة وامينها بطرس بطرس غالي حول مسئوليته عن مقتل الجنود الأمريكيين علي الرغم من أن هؤلاء الجنود كانوا تحت قيادة الولايات المتحدة وليس الأمم المتحدة وذلك حتي لايتأثر بيل كلينتون والذي كان يستعد لخوض معركة إعادة انتخابه رئيسا لفترة ثانية, وتم تقديم بطرس بطرس غالي ككبش فداء, والذي سخر منه بوب دول منافس بيل كلينتون خلال الانتخابات ومقللا من شأن المتحدة.وبعد إعادة انتخاب بيل كلينتون, استخدمت مادلين أولبريت ـ سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة ووزيرة خارجيتها بعد ذلك ـ حق النقض علي إعادة انتخاب بطرس بطرس غالي لفترة ثانية كأمين عام للأمم المتحدة في حين صوت باقي أعضاء مجلس الأمن له, لذلك ربما لن تجني المؤسسة الوطنية للديمقراطية أي مصلحة من فايزة أبو النجا الآن في ظل رئاسة مادلين أولبريت للمؤسسة.
نحن لانعرف بالضبط من الانشطة الأمريكية التي تثير غضب المصريين وفايزة أبو النجا في مصر, حيث لم يتم اسقاط التهم حتي الآن, وتقول جماعات مدافعة عن هذه المنظمات ان عملهم كان قانونيا ومشروعا في مجال المجتمع المدني, ولكن هناك حاجة إلي إجراء تقييم شامل.
والأهم من ذلك, يجب تقييم الواقع وراء تمويل الولايات المتحدة للمنظمات غير الحكومية وفي الحقيقة فإن تقديم النصح والمشورة لاصدقائنا يحتوي علي قدر كبير من الحساسية. حيث لايقبل الجميع تدخلنا في شئونه, لذلك يجب ألا تمارس هذه المنظمات الأمريكية الخاصة, والتي تحصل علي أموالها من الحكومة الأمريكية, نشاطها في دولة لاترغب في وجودها كما يبدو الحال في مصر, انهم غير مرغوب في وجودهم.
, نقلا عن صحيفة لوس انجلوس تايمز]
http://www.ahram.org.eg/Issues-Views/News/136983.aspx