أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، اذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بالاطلاع على القوانين بالضغط هنا. كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة المواضيع التي ترغب.
الـبلد : العمر : 38المهنة : باحث في العلوم الاستراتيجية والعسكرية التسجيل : 24/07/2011عدد المساهمات : 3185معدل النشاط : 4639التقييم : 867الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
موضوع: الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة (27 ديسمبر 2008 ـ 17 يناير 2009) الأحد 18 مارس 2012 - 13:04
المبحث الأول المشهد الفلسطيني
(يناير 2006 – ديسمبر 2008)
خضع قطاع غزة للاحتلال الإسرائيلي، بعد حرب عام 1967. ومنذ اتفاق أوسلو 1993، وتطبيق الحكم الذاتي الفلسطيني في غزة وأريحا، بدأ الفلسطينيون يسيطرون، بالتدريج، على المناطق المسكونة في قطاع غزة، وإن كان شكلياً. وفي 12 سبتمبر 2005، أتمت الحكومة الإسرائيلية إخلاء المستوطنات، وإنهاء وجودها الاستيطاني، وإنهاء الحكم العسكري في قطاع غزة، وعَدّت الخط الفاصل بين إسرائيل وقطاع غزة خط حدود دولية؛ على الرغم من استمرار الجيش الإسرائيلي في حصار القطاع، ومراقبة أجوائه وسواحله، وتنفيذ العديد من العمليات البرية فيه، واستمرار مسؤولية إسرائيل الرئيسية عن تزويد سكانه بالوقود والكهرباء والمياه حتى بعد انسحابها منه.
سيطرت حركة "حماس" على قطاع غزة، بعد رفض حركة "فتح" الاشتراك في حكومة ائتلافية، وانقلاب أولاهما، في يونيه 2007، انقلاباً عسكرياً وسياسياً على السلطة الفلسطينية وحركة "فتح". وفي ضوء هذه التطورات، سعت "حماس" إلى استغلال سيطرتها على القطاع. ولم تخف طموحاتها إلى بسط سيطرتها على الضفة الغربية؛ في الوقت نفسه الذي سعت فيه إلى تجنب الأخطار المترتبة عل الحصار الدولي والإسرائيلي ومحاصرة محاولات حركة "فتح" ومنعها من بلوغ السلطة الفلسطينية داخل القطاع. هذا إلى جانب استغلال التهديد الإسرائيلي باقتحام القطاع، وتحويله إلى عامل قوة، يعزز رغبة "حماس" في القضاء على نفوذ حركة "فتح"، والسيطرة الكاملة على الملف الفلسطيني، بوصفها القادرة على مواجهة هذا التهديد وحماية القطاع.
أولاً: نشأة "حماس" "حماس" تُعرف نفسها بأنها حركة مقاومة شعبية، وطنية، تعمل على تحرير الشعب الفلسطيني وخلاصه من الظلم، وتحرير أرضه من الاحتلال.
"حماس" هو الاسم المختصر لـ "حركة المقاومة الإسلامية". وتقول إنها حركة جهادية، بالمعنى الواسع لمفهوم الجهاد؛ وجزء من حركة النهضة الإسلامية، التي تُعَدّ المدخل الأساسي لتحرير فلسطين، من النهر إلى البحر ولا تُخفي تبعيتها الأيديولوجية لفكر جماعة الإخوان المسلمين.
تُشير عدة دراسات إلى أن تاريخ نشأة "حماس" يرجع إلى رغبة أمريكية ـ إسرائيلية في ند يواجه وينافس حركة "فتح"، التي أسسها ياسر عرفات، ووصل من خلالها إلى زعامة منظمة التحرير الفلسطينية. وهو ما اعترف به، يوماً، رئيس وزراء إسرائيل السابق، إسحق رابين، وعَدّه خطأً سياسياً كبيراً، وقعت فيه إسرائيل.
ففي دراسة، أعدها أستاذ العلوم السياسية، ورئيس قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة سان فرانسيسكو، الدكتور ستيفن زونس Stefin Zons؛ ونُشرت في موقع مركز أبحاث العولمة، في يناير 2009 ـ حمّل فيها إدارة بوش مسؤولية تفاقم نفوذ "حماس"، وخاصة مع فشل هذه الإدارة في اعتماد سياسة ناجحة تجاه الداخل الفلسطيني، في ما يتعلق بمسار المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين؛ ما ساعد على تعزيز نفوذ المقاومة الإسلامية، المتمثلة في "حماس". وأكد أن عملية السلام، أُصيبت، في عهد بوش، بالجمود والشلل، منذ فشل مفاوضات كامب ديفيد عام 2000، برعاية الرئيس الأمريكي السابق، بيل كلينتون. كما كان موقف إدارة بوش بمساعدة حركة "فتح" بالأموال والسلاح، بعد ذلك؛ على الرغم مما يسودها من فساد ـ كما تقول الدراسة ـ سبباً في توجه الفلسطينيين إلى خيار آخر، هو انتخاب "حماس" والإتيان بها إلى الحكم، عام 2006.
واصلت إدارة بوش أخطاءها في التعامل مع القضية، بإحكام الحصار والعزلة على "حماس"؛ ما أعجزها عن أداء وظائفها؛ فخلق المناخ الملائم لمساعدات إيران المالية والتسليحية لحركة "حماس"؛ لملء الفراغ، وتقوية علاقاتها بالمقاومة الإسلامية.
بعد 22 عاماً من انطلاق "حماس"، عام 1987، لم تغير من أفكارها الأيديولوجية والسياسية. وأصبحت قوة لا يُستهان بها فلسطينياً. وقد سعت شعبياً، وهزمت "فتح"، كبرى فصائل الجهاد الوطني الفلسطيني، ثلاث مرات: أولاها في الانتخابات البلدية، وأخرى في الانتخابات التشريعية؛ والمرة الثالثة والحاسمة بقوة السلاح، في يونيه 2007.
أظهرت "حماس" قدرة كبيرة على التنظيم والانتشار والتسليح. ونسجت علاقات وثيقة بإيران وقطر وسورية ولها مواقف أخرى من دول عربية. قاطعت الانتخابات، عام 1996، وعَدَّت ذلك خطأً، تداركته عام 2006 وسيطرت على المجلس التشريعي. وهي تسعى إلى السيطرة على كرسي الرئاسة في السلطة الفلسطينية.
يرأس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل، الموجود في دمشق. ويُعَدّ هذا المكتب هو أعلى هيئة قيادية في "حماس"، موكول إليه اتخاذ القرار السياسي والإستراتيجي، وذلك بعد مشاورات مع مجلس شورى عام للحركة.
أمّا العمل الميداني، فيمكن القادة الميدانيين في "حماس" اتخاذ القرارات المتعلقة بعملهم الميداني مباشرة، في إطار الخط العام لتعليمات المكتب السياسي.
يصدر القرار الإستراتيجي في الحركة بناءً على مشورة عامة، في أربعة مواقع أو قطاعات: الموقع الأول (الخارج) ويُقصد به خارج فلسطين؛ والثاني قطاع غزة؛ والثالث الضفة الغربية؛ والأخير داخل السجون الإسرائيلية.
يستقل كلّ قطاع بقراره، دون الرجوع إلى المناطق الأخرى. ويأخذ القرار الأولي مجلس شورى مصغر، هو جزء من مجلس الشورى العام. ثم يُرفع الرأي إلى المكتب السياسي لحركة "حماس"؛ لاتخاذ القرار النهائي الملزم للجميع.
أمّا الموضوعات الإستراتيجية، فيحتاج بتّها إلى اقتراع كلّ من ينتمي إلى "حماس" في موقعه، أينما كان، حتى داخل السجون. وظهر ذلك عندما اتخذت حماس قرار المشاركة في الانتخابات، عام 2006. وهذا ما يفسر الوقت الطويل، الذي تحتاج إليه الحركة لاتخاذ قراراتها.
والشورى في اتخاذ القرارات، لم تحل دون اختلاف "حماس" غزة و"حماس" الضفة. فالأخيرة تشكو إغفال آرائها. وترد قيادة الحركة بأن الآراء تتخذ بالأغلبية؛ فلا يمكن مساواة موقع يضم آلافاً بآخر يضم مئات.
أجرت حماس، في نهاية عام 2008، أول انتخابات لهيئاتها القيادية في قطاع غزة، وعلى كلّ المستويات، منذ فازت في الانتخابات التشريعية، عام 1996. وقد أفرزت انتخابات غزة قيادات جديدة شابة، في الهيئات الإدارية ومجلس الشورى العام، والمكتب السياسي؛ مع انتخاب رموز في الحركة، من أمثال إسماعيل هنية، لعضوية المكتب السياسي.
مثل العملّ العسكري في "حماس" كتائبُ القسام، وهي الجهاز العسكري. كان ذلك العمل غير منظم، حتى أواخر عام 1991. وبدأ بالتطور تطوراً كبيراً، منذ عام 1992 حتى عام 1994. ثم بدأ يتراجع، نوعاً وعدداً وتسليحاً، حتى عام 1997؛ بسبب سيطرة السلطة الفلسطينية. وكاد توقف منذ عام 1998، حتى انتفاضة الأقصى، في أواخر عام 2000.
انطلق العمل العسكري، مرة أخرى. وشهد توسعاً جغرافياً، بإمرة أحمد الجعبري، الذي تعرفه "حماس" بأنه نائب القائد الأعلى العام لكتائب القسام، محمد الضيف، الذي تعرض لعدة محاولات اغتيال فاشلة؛ ولكنها أدت إلى شلله.
وقد ساعد تماسك حركة "حماس" إدراكها أن أيّ انشقاق داخلي، سيقضي عليها. زِد على ذلك أنها تربي أبناءها على المبادئ الأيديولوجية لجماعة الإخوان المسلمين، وأبرزها الولاء والسمع والطاعة لأولياء الأمر؛ حتى إن قادة المناطق والمواقع التنظيمية، وفي الجناح العسكري للحركة، يُعرفون القادة بالأمراء؛ولا مخالفة في طاعة الأمير.
وقد أظهرت استطلاعات للرأي، أن الحرب الأخيرة على غزة، أفقدت "حماس" الكثير من شعبيتها، سواء في قطاع غزة وفي الضفة الغربية، وكذلك في الخارج. فقد شعر كلّ من أيدها في الانتخابات التشريعية أنه قد أخطأ في ذلك. وهو ما عزي إلى القتل والدمار اللذَين لحقا بشعب غزة في هذه الحرب، وأفقداه الثقة بقيادات "حماس" السياسية والعسكرية، التي لم تُعِدّ الشعب ومسرح العمليات المنتظر لمثل هذه المواجهات العسكرية.
ومن المعروف أن قادة "حماس" اختفوا في ملاجئهم تحت الأرض، وتركوا الناس يواجهون آلة الحرب الإسرائيلية، بصدور عارية، من دون تجهيزات هندسية أو ملاجئ، أو تحضير مسبق، يراعي قرار هؤلاء القادة نقض التهدئة، ومغامرتهم في حرب شتان فيها ما بينهم وبين إسرائيل.
كان قرار نقض التهدئة غير رشيد، وغير حكيم، وغير مدروس؛ تسبب في ما يعانيه شعب غزة، اليوم، وقد اعترف خالد مشعل لصحفي فرنسي، أن نقض التهدئة مع إسرائيل، كان هدفه إشعار العالم بأهمية "حماس"؛ وذلك بإشعال الموقف مع إسرائيل والاقتراب به إلى حافة الهاوية. ولكنه لم يكن يتوقع أن يكون حجم رد الفعل الإسرائيلي بهذا القدر من العنف. وهذا يوضح دوافع اتخاذ القرارات لدى "حماس". كما اعترف الناطق باسم "حماس" فوزي برهوم، أنهم أثناء الحرب، كانوا يختبئون في بيوت أصدقاء لهم، ينتمون إلى حركة "فتح"، وكانوا يعملون في الأجهزة الأمنية السابقة في القطاع، والتي نكلت بها "حماس"، أثناء انقلابها، في يونيه 2007؛ وعلى الرغم من ذلك لم يشوا لإسرائيل بمن لجأ إليهم من رموز "حماس"؛ وهذا ما يدعوا للفخر!
ثانياً: تطورات القضية الفلسطينية بعد موافقة أمريكية وإسرائيلية على مشاركة حركة "حماس" والفصائل الفلسطينية في الانتخابات التشريعية دعماً للعملية الديموقراطية، فازت الحركة بالأغلبية في الانتخابات. وألفت الحكومة الفلسطينية الجديدة، برئاسة إسماعيل هنية، في 21 مارس 2006.
وكان إعلان الحكومة برنامجها السياسي، الذي تضمن إزالة الاحتلال والمستوطنات وجدار الفصل العنصري، وبناء الدولة المستقلة وعاصمتها القدس، والتمسك بحق العودة، ودعم جميع أشكال المقاومة، لكونها حقاً مشروعاً، وغيرها من الحقوق الفلسطينية ـ إيذاناً بانهيال المشاكل على قطاع غزة من كلّ صوب.
هددت الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، بقطع المساعدات، واتخاذ تدابير عقابية ضد حكومة "حماس". وهددت الحكومة الإسرائيلية بالحرب على قطاع غزة، إذا مارست "حماس" ما سمته: إرهاباً مباشراً. ورفضت منظمة التحرير الفلسطينية، والسلطة الفلسطينية، في رام الله، برنامج الحكومة الآنفة، وطالبتا بتعديله. ثم توالت المقاطعة الدولية لتلك الحكومة. إلا أن قرارات قمة جامعة الدول العربية، في الخرطوم، 28-29 مارس 2006، طالبت باحترام آراء الشعب الفلسطيني في اختيار قيادته، والإشادة بانتخابات الفلسطينيين وحكومتهم.
احتدمت الخلافات بين غزة ورام الله في السيطرة على معابر قطاع غزة، والخزينة الفلسطينية الخاوية، ومبادرة الحكومة في غزة، في أبريل 2006، إلى تأليف قوة أمنية تنفيذية، من الفصائل الفلسطينية. وزاد الوضع تعقيداً تشديد الولايات المتحدة الأمريكية إجراءاتها لحصار حركة "حماس"، لمنع وصول المساعدات المباشرة وغير المباشرة إلى قطاع غزة؛ وتهديدها للبنوك: العربية والإسلامية، إن هي استقبلت المساعدات والتبرعات للشعب الفلسطيني بل طالبت بإغلاق جميع المسارات لتوصيل الأموال إليه.
برعاية العاهل السعودي، الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وُقِّع "اتفاق مكة"، في 8 فبراير 2007، بحضور السلطة والفصائل الفلسطينية. وتضمن تأليف حكومة وحدة وطنية، ووقف الاقتتال الداخلي، وإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، وهو ما أقر في اجتماع جامعة الدول العربية، 28 – 29 مارس 2007. فألفت حكومة وحدة وطنية برئاسة إسماعيل هنية، في 15 مارس 2007. إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، أعلنتا تحفظهما من اتفاق مكة والحكومة الفلسطينية، وتمسكهما بقرارات اللجنة الرباعية الدولية. كما ضغطتا على السلطة الفلسطينية ليحملاها على رفض المشاركة في الحكومة الجديدة، أو التعامل مع "حماس". ناهيك من ازدياد الإجراءات: الأمريكية والإسرائيلية، لتشديد الحصار، ومنع المساعدات للشعب الفلسطيني، في قطاع غزة.
عمدت حركة "حماس" إلى انقلابها الشهير على حركة "فتح"، في قطاع غزة، في 17 مايو 2007؛ بدعوى إجهاض أعمال عدائية من أخيرتهما على أولاهما. واتهمت "حماس" جهاز الأمن الوقائي والاستخبارات بعمليات مشبوهة. ودعمت اتهامها بعرض بعض الوثائق والصور في وسائل الإعلام.
لم يتوانَ العرب والمصريون في المصالحة بين الحركتَين. وألفت الجامعة العربية لجنة تقصٍّ للحقائق في غزة. إلا أنها لم تستكمل إجراءاتها، إذ رفضت السلطة الفلسطينية التعامل معها، وأعلنت الاكتفاء باللجنة الفلسطينية، التي كونها الرئيس محمود عباس لتقصي حقائق الأحداث. وإنقاذاً للموقف، أعلن الرئيس الفلسطيني تأليف حكومة طوارئ، برئاسة سلام فياض، في 16 يونيه 2007، حازت تأييد ودعم الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل والدول العربية، بصفتها الحكومة الشرعية الوحيدة، التي سيتم التعامل معها. وعلى الرغم من استقالتها، في يناير 2009، إلا أنها استمرت في تنفيذ مهامها، ريثما تؤلَّف حكومة جديدة.
في إطار المخاوف: الفلسطينية والإسرائيلية والأمريكية، أن تطاول سيطرة حركة "حماس" الضفة الغربية، سارعت حكومة الطوارئ الفلسطينية إلى إضعافها باتخاذ العديد من الإجراءات، في الضفة الغربية، مثل إغلاق المؤسسات الثقافية الحمساوية، في إطار خطة، بدأتها في 7 يوليه 2008. وبالتعاون الأمني مع الجانب الإسرائيلي، اعتقل العديد من قادة "حماس"، ومن فصائل أخرى، في الضفة الغربية. فردت "حماس" باعتقال قادة "فتح" في قطاع غزة.
وتعددت الاشتباكات المسلحة بين الطرفَين، في القطاع، ولا سيما تلك التي وقعت في 18 ديسمبر 2006، على أثر أزمة الانتخابات الفلسطينية؛ وفي 4 أغسطس 2008، إثر تفجير إرهابي، في 25 يوليه، اتهمت به "حماس" مقربين من "فتح".
بيد أن الاشتباكات، لم تَحُلْ دون تحاور الحركتَين، والذي شاركت فيه، أحياناً، الفصائل الفلسطينية، وقيادات مستقلة برعاية مصرية، شهرياً، في القاهرة. إلا أنه لم يحقق نتائج فعلية، بل اقتصر على الأمور الإعلامية؛ إذ إن العديد من اتفاقات التهدئة بين الطرفَين، لم تراعَ.
وفي سبتمبر 2006، و22 يناير 2008، اجتهدت الجامعة العربية، ومجلس الأمن، في وقف الاعتداءات الإسرائيلية، ومحاولة إقرار المبادرة العربية للسلام (اُنظر مشتملات المبادرة العربية للسلام، التي أقرها مجلس الجامعة العربية في القمة الرابعة عشرة ـ لبنان 2002).
إلا أنهما لم يحققا شيئاً. كما نشطت الجامعة مع الجمعية العامة للأمم المتحدة لإصدار خمس قرارات، في ديسمبر 2007، لمصلحة القضية الفلسطينية؛ إلا أنها غير ملزمة لإسرائيل. أضف إلى ذلك مشاركة الجامعة في جميع المؤتمرات والمنتديات الخاصة بالشأن الفلسطيني. زِد على ذلك أن وزراء الخارجية العرب، اتخذوا قراراً مهماً في 15 نوفمبر 2006، بكسر الحصار المضروب على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة؛ إلا أن التهديد الأمريكي بإيقافه، حال دون تنفيذه؛ وعزز الموقف الأمريكي مطالبة الدول العربية باحترام شروط اللجنة الرباعية الدولية، في شأن المساعدات للشعب الفلسطيني.
كان واضحاً اهتمام المجتمع الدولي بتحسين أوضاع الضفة الغربية، لتكون نموذجاً لِمَا يمكن تنفيذه في قطاع غزة. فقد تركزت معظم المساعدات في تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في الضفة الغربية. ونظمت الدول الأوروبية، بمشاركة عربية، مؤتمراً للاستثمار في رام الله (20 – 22 مايو 2008). وشارك فيه رجال أعمال أوروبيون وعرب؛ بل قيل إن إسرائيليين، ومشاركين من عرب 48، انضموا إليه. وتعهد المؤتمرون باستثمار مليار و200 مليون دولار في مشروعات بالضفة الغربية، معظمها في مجال الاستثمار العقاري.
في إطار إعادة بناء الأجهزة الأمنية والقضائية والعدلية، نظم الاتحاد الأوروبي مؤتمر برلين/ ألمانيا، في 23 – 24 يونيه 2008؛ لدعم إعادة بناء أجهزة الشرطة الفلسطينية، والأجهزة القضائية، وسيادة القانون، وتوسيع مهمة الشرطة الأوروبية، ومكتب تنسيق دعم الشرطة الفلسطينية التابع للاتحاد الأوروبي.
أمّا الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة، فهي حلقة مفرغة، تدور بين الفعل ورد الفعل. ومن أبرز هذه الحلقات تنفيذ المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، يوم 25 يونيه 2006، عملية "الوهم المتبدد"، ضد موقع إسرائيلي في منطقة كرم أبو سالم، جنوب شرقي القطاع. وأدت إلى مقتل ثلاثة جنود إسرائيليين، وأسر الجندي جلعاد شاليط. وردت إسرائيل بعملية برية محدودة، باسم: "أمطار الصيف"، امتدت من 28 يونيه إلى 14 يوليه 2006. وكان هدفها المعلن تحرير الجندي الإسرائيلي الأسير، والقضاء على المقاومة في قطاع غزة. وأدت إلى مقتل 54 فلسطينياً، وجَرْح العشرات. واتهمت حكومة "حماس" الأجهزة الأمنية الفلسطينية بمشاركة الاستخبارات الإسرائيلية في البحث عن مكان الجندي الإسرائيلي. وما إن انسحبت القوات الإسرائيلية، في 14 يوليه، حتى عادت للتوغل في محور صلاح الدين، وضرب قطاع غزة، مع استمرار الغارات الجوية عليه.
وقعت الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، بوساطة مصرية، اتفاق تهدئة مع الجانب الإسرائيلي، في 25 نوفمبر 2006. قضى بوقف إطلاق الصواريخ، مقابل الانسحاب الإسرائيلي من القطاع. ونفذت إسرائيل انسحابها منه في 26 نوفمبر؛ ليُنتشر فيه 13 ألف رجل من قوات الأمن الفلسطينية. وبعد انتهاء مهلة اتفاق التهدئة، في 25 أبريل 2007، أطلقت المقاومة الفلسطينية 80 صاروخاً وقذيفة هاون على الجانب الإسرائيلي.
استمر الجانب الإسرائيلي في اعتداءاته على قطاع غزة، حيث قتلت غاراته الجوية، بين 15 و20 يناير 2008، 36 فلسطيني، وجرحت 200 آخرين. وبدعوى وقف إطلاق الصواريخ من القطاع، نفذت إسرائيل عملية برية وجوية، باسم: "الشتاء الساخن"، بين الأول والثالث من مارس 2008، أودت بحياة 116 فلسطينياً، وجرحت 350 آخرين. أمّا التوغلات الإسرائيلية في القطاع، فهي عديدة، أبرزها في 12 ديسمبر 2007 جنوب شرق مدينة غزة؛ وفي 4 نوفمبر 2008، شرق مدينة خان يونس. وكانت غارات الطيران الإسرائيلي على القطاع شبه يومية.
لم يَحُلْ اتفاق التهدئة، بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، بوساطة مصرية، دون تبادل الطرفَين النار بين 19 يونيه و19 ديسمبر 2008. فقد أحصت جماعة الأزمات الدولية إطلاق المقاومة الفلسطينية 329 صاروخاً وقذيفة هاون على إسرائيل، أغلبها بعد الهجوم البري الإسرائيلي على غزة، في 4 نوفمبر 2008. ورصدت إطلاق الفلسطينيين 2278 صاروخاً وقذيفة هاون على إسرائيل، خلال الأشهر الستة لاتفاق التهدئة السابق. أمّا الجانب الإسرائيلي، فقد نفذ ما يراوح بين 162 و195 خرقاً، في القطاع، قتلت 22 فلسطينياً وجرحت 62 آخرين؛ إضافة إلى استمرار الحصار المفروض على قطاع غزة.
الطرفان: الإسرائيلي والفلسطيني، كانا يرحبان بتجديد التهدئة؛ وإنما كلّ منهما وفق منظوره الخاص نحوها. فالمنظور الإسرائيلي، اعتمد على فرض تنفيذ التهدئة على الجانب الفلسطيني فقط، وأن تكون دائمة. ورفض مناقشة قضية الحصار والمعابر مناقشة حاسمة؛ لعدم منح حركة "حماس" نصراً، يزيد قوّتها وشعبيتها؛ ولإقناعها بأن الحصول على أيّ مكاسب، لا يتأتّى باستخدام العنف؛ وأنها لا توازي إسرائيل، وفق المفهوم الملازم لنظرية الردع المتبادل، وهو ما يرفضه وزير الدفاع الإسرائيلي.
أمّا منظور حركة "حماس" فاستند إلى إستراتيجية وقف الحصار؛ وأن الحرب ليست غاية عندها، بل بديل هو أفضل من الوضع الراهن؛ وأن التهدئة، من دون مقابل، هي ضرب من الانسحاب المذل، والموت التدريجي لشعب غزة. وبحسب مفاضلة أحد مسؤوليها بين المواجهة وفتح المعابر، اختار الثانية؛ ولكن بين الاستسلام والمواجهة، اختار القتال.
لا شك أن الهجمات الإسرائيلية: الجوية والبرية على قطاع غزة، واستمرار حصاره، وتردي الحالة الإنسانية فيه وتدفق سكانه في اتجاه الحدود المصرية، لافتقاره إلى عمق إستراتيجي ـ آتت المطمع الإسرائيلي في تصدير مشكلة القطاع إلى الجانب المصري، تمهيداً لحلها الإقليمي، بأن يفوَّض قطاع غزة إلى الإدارة المدنية المصرية. وبدأت الظاهرة، في 14 يوليه 2006، بتفجير الجدار الحدودي بين الرفَحين: المصرية والفلسطينية؛ ودخول 500 فلسطيني إلى رفح الفلسطينية بالقوة، ودخول أعداد أخرى إلى رفح المصرية.
وفي 23 يناير 2008، أعيد تفجير الجدار الحدودي. وتدفق نحو 700 ألف فلسطيني إلى رفح المصرية والعريش؛ للحصول على المواد التموينية. ولم تستعد السلطات المصرية السيطرة على الحدود المشتركة، إلا في الأول من فبراير 2008. وسرعان ما أعلنت تسرب مسلحين فلسطينيين إلى سيناء، حيث قبض على جماعتَين فلسطينيتَين، معهما أسلحة وأحزمة ناسفة، تنويان تنفيذ عمليات إرهابية في طابا وإسرائيل. وتكرر اختراق معبر رفح، في 2 يوليه 2008؛ إلا أن السلطات المصرية، ضبطت الموقف.
وتواصل الاهتمام بالقضية الفلسطينية. فعمدت الولايات المتحدة الأمريكية إلى عقد مؤتمر "أنابوليس" في 27 نوفمبر 2007، بحضور 40 دولة. وأقر إطلاق عملية التفاوض الفلسطيني ـ الإسرائيلي، على أساس خريطة الطريق؛ للوصول إلى اتفاق بنهاية عام 2008، وإعادة بناء المؤسسات الفلسطينية: الحكومية والسياسية والاقتصادية والأمنية. وعلى أثره، عُقد مؤتمر "باريس" الاقتصادي للدول المانحة. وأقر المؤتمرون مساعدات، قيمتها 7.4 مليارات دولار مساعدات؛ لإعادة الإعمار. وصل منها، حتى نهاية عام 2008، مبلغ 717 مليون دولار فقط، إلى السلطة الفلسطينية. وكان معظمها لإعادة بناء الأجهزة الأمنية في رام الله.
كما قرر مؤتمر أنابوليس تأليف ست لجان فلسطينية ـ إسرائيلية، خلال فبراير 2008؛ للتفاوض في قضايا الحدود والمستوطنات واللاجئين، والقدس، والمياه، والأمن. أضف إلى ذلك تأليف لجنة عليا فلسطينية ـ إسرائيلية ـ أمريكية لمناقشة التزامات خريطة الطريق على الجانبَين. وعقدت هذه اللجان عشرات الجلسات؛ ولكنها كانت عقيماً؛ على الرغم من جهود وزيرة الخارجية الأمريكية، التي زارت المنطقة نحو ثماني مرات؛ والرئيس الأمريكي مرتَين خلال عام 2008. لا، بل إن الرئيس الأمريكي الأسبق، جورج بوش، حمل المشروع الأمريكي لإقرار السلام في الشرق الأوسط إلى مجلس الأمن؛ لتوثيق جهوده في المفاوضات. واستجيب له في القرار الرقم 1850 بتاريخ 12 ديسمبر 2008.
ثالثاً: خلاف الفلسطينيين واتفاقهم بعد رحيل الزعيم الفلسطيني، ياسر عرفات، عام 2004، اضطرت الساحة الفلسطينية، واكتنف الغموض تدابير السلطة الوطنية في رام الله، وإجراءات المعارضة، بزعامة حركة "حماس" في قطاع غزة. وكشفت الحرب على قطاع غزة مدى انقسامهما، والقنوط الذي يعتري الساحة الفلسطينية، في مختلف المجالات. ويمكن تركيز جذور الخلافات الفلسطينية، وربما العربية، في مجالَين رئيسيَّين: الموقف من المقاومة المسلحة، والموقف من عملية التسوية. ولكلّ منهما مسوغاته وأسانيده المقنعة؛ فلا يمكن اتهامه بالقصور، فضلاً عن الخيانة. وقد يكون هناك صراع آخر، غير معلن، خلف أهداف التحرر الوطني، مثل الصراع على السلطة من جانب حركة "حماس"؛ وصراع السلطة والثروة، من جانب حركة "فتح"، في ظروف اتهامها بالفساد، من جانب بعض المؤسسات الدولية.
1. قضية المقاومة المسلحة اعتمدت الحركة الوطنية الفلسطينية، منذ أواسط القرن العشرين، المقاومة والكفاح المسلح. واقتصر رد الفعل على الجانب الإسرائيلي، وأحياناً الرفض الدولي. إلا أن الجانب الإسرائيلي، نشط، بعد أحداث سبتمبر 2001، في تعبئة شاملة للمجتمع الدولي؛ لوصف المقاومة بالإرهاب، والفصائل الفلسطينية بجماعات إرهابية. وباتت المقاومة المسلحة "بأعمال محدودة" أمراً غير مرغوب فيه، عربياً ودولياً. ولم تتمكن الدول العربية من التنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية، والمجتمع الدولي؛ للتوافق على وصف أو تعريف موحد للإرهاب، يقي من خلط الإرهاب بالمقاومة.
ولم تتردد الولايات المتحدة الأمريكية في رسم سياستها الشرق أوسطية وفقاً لخطط إسرائيل؛ عسى أن تُفرض تلك السياسة على النظام الدولي، محاباة للقوة العظمى، المهيمنة على العالم. وسرعان ما اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية، ودول الاتحاد الأوروبي، والرباعية الدولية، موقفاً ثابتاً من المقاومة الفلسطينية، لا يرى فيها إلا عملاً إرهابياً، سواء اقترفته حركة "حماس" أو حركة "الجهاد الإسلامي" أو غيرهما. وقد أيدت روسيا والصين، والمجتمع الدولي، هذا الاتجاه؛ عدا دول الممانعة، مثل: إيران وفنزويلا وكوبا، التي أجازت حق الشعب الفلسطيني في المقاومة.
أ. آراء التيارات المؤيدة للمقاومة المسلحة، وخاصة الفصائل الفلسطينية المسلحة (1) المقاومة المسلحة حق مشروع، طبقاً لميثاق الأمم المتحدة، في المادة (51) من الفصل السابع، الذي استخدم اصطلاح: اعتداء قوة مسلحة، في تقنين لحق الدفاع الشرعي للدولة. كما شملت المادة الثانية من اتفاقية جنيف عام 1949، والبروتوكولات المكملة لها، تحديد الأوضاع، التي تقع تحت حماية الاتفاقية، مثل النزاعات المسلحة بين الشعوب والاستعمار. كما أن القانون الدولي الحديث، يطلق على المقاومة والنضال اصطلاح: "الحرب العادلة" Just War، للتحرر من الاستعمار الأجنبي، والتي تناقض مفهوم الإرهاب، الذي يعتمد على عصابات الجريمة المنظمة والمجرمين. ولذلك، فإن الوضع السياسي والقانوني والأخلاقي، يجيز للشعب الفلسطيني محاربة الاحتلال.
(2) إن هناك العديد من الدول في العالم، عانت الاحتلال الأجنبي، وقاساه بعضها استمر مئات السنين. وكان هناك كفاح ومقاومة مسلحة للاحتلال، أزهقت آلاف الأرواح خلالها؛ طمعاً في الاستقلال. ولذلك، كانت هناك علاقة تاريخية، وجوبية، بين الاحتلال والمقاومة؛ فما دام هناك احتلال، سيكون ثمة مقاومة.
(3) إن التفاوض لم يحقق شيئاً للشعب الفلسطيني، بل ساعد على تأكُّل القضية الفلسطينية. ذلك أن إسرائيل لا تنوي إعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة؛ فضلاً عن أنها لا تعرف إلا لغة القوة في حل القضايا.
(4) عدم اعتراف إسرائيل بأضعف أنواع المقاومة السلمية للسلطة الفلسطينية. فعندما بادر سلام فياض، رئيس وزراء حكومة الطوارئ الفلسطينية، عام 2008، إلى إرسال رسائل إلى عدة دول أوروبية، يطلب ربط منح إسرائيل تسهيلات إضافية، في نظام المشاركة الأوروبي ـ الإسرائيلي ـ سارعت إسرائيل إلى تعليق تحويل عائدات الضرائب الفلسطينية إلى السلطة الفلسطينية.
ب. آراء السلطة الفلسطينية، وبعض تيارات حركة "فتح" المقاومة المسلحة، ليس رهناً بالشرعية أو عدمها؛ وإنما يتحكم فيها المناخ، والظروف: الداخلية والخارجية واستطراداً، فإن الأوضاع الحالية للشعب الفلسطيني هي ضحية للفعل ورد الفعل، الإسرائيلي والفلسطيني؛ للأسباب التالية:
(1) المقاومة المسلحة لم ـ ولن ـ تنتصر عسكرياً، على الجانب الإسرائيلي. ولن تجبره على الانسحاب من الأراضي الفلسطينية، أو رفع الحصار وفتح المعابر. لا، بل أسفر عنها آلاف الشهداء والجرحى والأسرى، والتدمير الكامل للأراضي الفلسطينية؛ ومصداق ذلك نتائج الحرب الأخيرة على قطاع غزة. وقد عبّر الرئيس محمود عباس عن هذا الرأي، في مؤتمره الصحفي، في القاهرة، يوم 10 يناير 2009، إذ قال: "إذا كانت المقاومة ستفني الشعب الفلسطيني، فلا نريدها".
(2) مشروع المقاومة والكفاح المسلح، بات غير مرغوب فيه، أمريكياً وأوروبياً. واستمراره سيحرم الشعب الفلسطيني أيّ مشاريع للتنمية وإعادة الإعمار، وتوفير الحياة الكريمة.
(3) تحوُّل المقاومة المسلحة إلى مشاريع حزبية، وأحياناً دينية، وليست مشاريع وطنية لتحرير الأراضي الفلسطينية يصعب توحيد الفصائل المسلحة؛ فيحُول دون ازدياد قوّتها وقدرتها على مواجهة الاحتلال.
(4) زيادة قدرات المقاومة العسكرية على التأثير في الجانب الإسرائيلي، من خلال الاعتماد على التصنيع المحلي للسلاح وتهريبه، بعد تعاسر حصولها على العتاد العسكري، في ظل الحصار والرقابة المفروضَين على قطاع غزة ـ هو أمر غير كافٍ لتأهيلها للدخول في معركة حاسمة مع الاحتلال.
(5) موازين القوى العربية، والمعطيات الدولية الحالية، ليست قادرة على دعم منهج المقاومة، خلال المرحلة الراهنة وهذا الخيار، يحتاج إلى زمن آخر، تتغير فيه الموازين: العربية والدولية.
2. عملية التسوية بعد رحيل ياسر عرفات، لم يتمكن الرئيس محمود عباس من المزاوجة بين المقاومة والتسوية، وبين المفاوضات والانتفاضة، أو بين السلطة والمقاومة. واستيقن أنه ليس هناك بديل من المفاوضات، إلا الاستمرار فيها؛ لإحراج إسرائيل، ودفع العالم إلى مزيد من الضغط عليها. أمّا حركة "حماس"، فطفقت تتهم السلطة الفلسطينية بمواطأة إسرائيل على إغفال القضية، والقضاء على المقاومة؛ حتى إنهما تواطأتا، في الحرب الأخيرة على قطاع غزة لإسقاط الحركة؛ وقمع الشعب الفلسطيني، في الضفة الغربية، لمنعه من دعم القطاع.
تتركز رؤية المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، في الدعوة إلى مفاوضات فلسطينية ـ إسرائيلية لتسوية القضية الفلسطينية، وفقا للواقع على الأراضي الفلسطينية؛ إذ إن عملية التسوية هي الحل الشامل، والعادل، للقضية.
الخلاف في عملية التسوية هو خلاف على مسار التفاوض، لحل القضية الفلسطينية. إنه خلاف بين مبدأ السلام الممكن للتسوية، والسلام العادل لحل القضية.
أ. الرأي الأول تراه السلطة الفلسطينية، وحركة "فتح". ويقضي باتخاذ التفاوض مساراً وحيداً لحل القضية الفلسطينية، في ظل الظروف المحيطة: الداخلية والخارجية.
(1) تعرضت القضية الفلسطينية، في مدى ستين عاماً، للتأكُّل. ولو استمرت ذلك ستين عاماً أخرى، لتلاشت القضية الفلسطينية. كما انحسرت الأهداف: الفلسطينية والعربية، إذ تخلت عن تحرير فلسطين عام 1948 وفلسطين 1967؛ واكتفت بنحو 22% من أرض فلسطين 1948، في الضفة الغربية وقطاع غزة.
(2) الظروف التي يعيشها الفلسطينيون، والسياسة الإسرائيلية المعربدة عليهم، وخِفَّة موازين القوى العربية لمصلحة إسرائيل، كلّ ذلك أملى مفاوضة الإسرائيليين، وقبول ما يمكن الحصول عليه من حقوق فلسطينية. وهو ما يطلق عليه السلام الممكن، في إطار تسوية متفق عليها، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ريثما يُستكمل التفاوض لاحقاً، للحصول على جميع الحقوق الفلسطينية.
(3) إسرائيل كيان شرعي، معترف به دولياً. ولها مقعد في الأمم المتحدة. وسعت، أواخر عام 2008، إلى الترشح لعضوية مجلس الأمن، ضمن مقاعده العشرة غير الدائمة. وهي دولة تجاور الأراضي الفلسطينية. ولذلك، يجب الاعتراف بها، ومفاوضتها، للحصول على تسوية مقبولة للقضية الفلسطينية. وتنقض "حماس" هذه الرؤى. فهي لا تعترف بحقوق المواطنة بين العرب واليهود في إسرائيل؛ بل تنكر التعامل مع أبناء الديانات والثقافات الأخرى.
ب. الرأي الآخر تراه حركة "حماس"، والفصائل الفلسطينية، المعارضة للتفاوض، أو لتسوية مؤقتة؛ على طريقة السلام الممكن. وتتمسك بمبدأ السلام العادل، والشامل؛ لاسترداد جميع الحقوق الفلسطينية؛ حتى إنها لم تعترف بشرعية دولة إسرائيل لا، بل إن هناك من يطالب بأراضي فلسطين 1948.
(1) اعتماد السلطة الفلسطينية على المساعدات: الأمريكية والأوروبية؛ وحرصها على استرداد الضرائب من الجانب الإسرائيلي، رَهَنَا قراراتها بالإرادة الخارجية. ولو رأى أيّ مسؤول في السلطة الفلسطينية رأياً مرفوضاً إسرائيلياً أو أمريكياً، لاحتجزت تلك المساعدات وأموال الضرائب، ريثما يُتَنَكر لذلك الرأي. وهو ما يقيد قرارات السلطة الفلسطينية، ويحرفها عن مصالح الشعب الفلسطيني.
(2) هناك مخاوف من إجبار السلطة الفلسطينية على قبول تسوية مشوهة، تقف عند حدّ المرحلة الثانية من خريطة الطريق؛ لإقامة دولة فلسطينية، بحدود مؤقتة؛ تتحول، بالأمر الواقع، إلى حل نهائي، ودائم، بعد إجراء استفتاء شكلي فيها.
(3) مفاوضة الجانب الإسرائيلي، تعني التنسيق الأمني؛ واستطراداً، القضاء على المقاومة المسلحة، أيْ تشارُك السلطة وإسرائيل في إهماد المقاومة، أو بمعنى آخر تحويل الأجهزة الأمنية الفلسطينية لتكون ذراعاً عسكرية إسرائيلية في الأراضي الفلسطينية.
(4) التفاوض في تسوية مؤقتة، لم يحقق شيئاً للشعب الفلسطيني، منذ عام 2004؛ بل سَوَّغ زيادة إسرائيل الاستيطان والحصار وعمليات القتل والتدمير. وحرم السلطة الفلسطينية اتخاذ أيّ موقف رسمي أو عملي، يرفض السياسة الإسرائيلية؛ ما ضعضع أنصار حركة "فتح"، وزعزع شرعية السلطة الفلسطينية.
3. عملية إعادة الإعمار تُقدر الأموال المطلوبة لإعادة إعمار قطاع غزة بنحو مليارَي دولار. جاد خادم الحرمَين الشريفَين عاهل المملكة العربية السعودية بنصفها تقريباً. وحاكته دول الخليج. ويخشى المانحون أن يُبدد ذلك المبلغ الوافر في غير ما جُمع له. فيلحق بأموال، جُمعت فاستأثرت بها قياداته. فقد تدفق على المنظمات الفلسطينية، ولا سيما قبل حرب الكويت، عام 1990، مئات الملايين من الدولارات؛ توزعتها، سراً، قلة من الأشخاص. لذلك، يحذر الجميع، بعد انتهاء الحرب على القطاع، وبدء جمع الأموال لإعادة إعماره، من تكرار ما سبق. وهو ما تمخض بصراع رهيب بين السلطة الفلسطينية و"حماس". أُوْلاهما ترى أنها هي الجهة الشرعية؛ فهي أوْلى بالقيام على تلك الأموال ومظانّ إنفاقها. وهي أحق بل أكفأ، بل أقدر على حصر الخسائر، ورسم الخطط، ووضع برنامج زمني للإعمار وهي تحوز موافقة الدول الغربية، ومعظم الدول العربية.
أمّا "حماس"، فقد أعلنت الحرب على الرئيس الفلسطيني وحكومته. واتهمتهم بالفساد والانحراف وسرقة أموال الشعب الفلسطيني. وهددت بإعلان قضايا مخطرة، تسوقهم إلى المحاكم. وترى أنها أحق بالمعونات كلّها؛ لأنها هي القوة الموجودة على أرض قطاع غزة. وهي أعلم بمواطن الأضرار فيه. بيد أنها سرعان ما أعلنت اكتفاءها بمعونات الدول: العربية والإسلامية؛ تاركة للسلطة تبرعات أوروبا والغرب، التي لن تزيد على 20% من المليارَي دولار.
وطمعت إسرائيل بمعظم المعونات. واقترحت تأليف لجنة، بمعرفتها، تتسلم الأموال، وتشرف على مشروعات إعمار قطاع غزة، بخبرة إسرائيلية؛ لتحرم "حماس" فرصة إعادة بناء بنيتها العسكرية؛ مستخلصة الدرس من حرب لبنان، عام 2006. وأعلنت رفضها أن تكون للحركة أيّ صلة بالمعونات.
لذلك، لم تسمح إسرائيل بمرور كميات كبيرة، من الحديد والأسمنت ومواد البناء؛ حتى لا تسخرها "حماس" لبناء مرابض الأسلحة ومستودعات الذخيرة والأنفاق، وباقي مواقعها العسكرية. وطلبت من الدول الأوروبية إعداد قوائم بالسلع والمواد، التي ستدخل إلى قطاع غزة، بهدف إعمار البنية التحتية المدنية؛ لتشرف على تلك القوائم.
الصراع على المعونات، بين "فتح" و"حماس"، هو أشد فتكاً بالقضية الفلسطينية من الانشقاق السياسي؛ فما بالك باجتماعهما! ولا شك أن اصطراع الحركتَين، سيؤخر إعمار القطاع، وقد يعلقه؛ إذ إن بعض الدول المانحة، تشترط تصالحهما أولاً، يليه إعداد خطة، تشترك فيها حكومتا رام الله وغزة.
نجم عن هذا الصراع إحجام كثير من الدول المانحة عن التبرع، ونكوص أخرى عن وعودها، وتشكيك بعض الدول في جدوى الإعمار، في ظل هذا المناخ. ومن الغريب، أن كِلا الطرفَين الفلسطينيَّين، يرفض وصول الأموال إلى غزة، من طريق الطرف الآخر. ويرضى بضخها بوساطة المؤسسات الدولية، والمنظمات الأهلية الأجنبية! وهذا القصور في رؤية الطرفَين، يمهد لقبول وصاية مالية خارجية، وتدخلات أجنبية. كما يشوه النضال الفلسطيني، ويزري بالعالم العربي، لسنوات طويلة.
لا ريب أن القضية الفلسطينية هي محور جميع الملفات الشائكة في المنطقة. وأهداف الجهات المانحة، لا تقتصر على الدعم الاقتصادي للقضية الفلسطينية؛ بل تتعداه إلى تنفيذ مآربها السياسية، وتحقيق مصالحها.
واستطراداً، فإن ركيزة تصارعها هي القضية الفلسطينية. وهذا ما يعني للفلسطينيين، أن قضيتهم تتعرض لضغوط مستمرة، من جهات مختلفة؛ ويتعلق أمرها بضرورة التوصل إلى تفاهمات وتوافقات بين أطراف عديدة، بينها الطرف الفلسطيني نفسه بالطبع. لذلك، لن ي
ابطال الحرمين
لـــواء
الـبلد : العمر : 38المهنة : باحث في العلوم الاستراتيجية والعسكرية التسجيل : 24/07/2011عدد المساهمات : 3185معدل النشاط : 4639التقييم : 867الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
موضوع: رد: الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة (27 ديسمبر 2008 ـ 17 يناير 2009) الأحد 18 مارس 2012 - 13:26
المبحث الثاني التحضير والتخطيط للحرب على قطاع غزة
يحدد للحروب العادلة غاية إستراتيجية، تحقق تسوية عادلة لإقرار الأمن والاستقرار؛ مع تسويغ أخلاقي وقانوني للحرب، يبرئها من أن تكون عملية قتل همجي. إلا أن الجانب الإسرائيلي، لم يملك، في الحرب على قطاع غزة أيّ هدف سياسي، يؤدي إلى حلول عادلة للقضية الفلسطينية أو إلى تحقيق السلام والاستقرار. ولم يراعِ أيّ قوانين دولية أو مبادئ أخلاقية في الحرب.
حولت الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة عقيدة "الجندية"، التي تعتمد على الفروسية، واحترام حدود الحرب وقوانينها، إلى عقيدة "المحارب"، التي تتخطى جميع الخطوط الحمراء لقوانين الشرعية الدولية، وتتجاوز معها ميثاق الأمم المتحدة وحقوق الإنسان. وتعود عقيدة المحارب إلى حروب الإبادة والإفناء Annihilation ، التي اعتمدها المغول والتتار، خلال القرون الوسطى.
شنت إسرائيل حرب إبادة للشعب الفلسطيني في قطاع غزة؛ ثأراً وانتقاماً من حركة "حماس"، وغضباً على أفعالها. فاستخدمت أقصى قدراتها: العسكرية والتكنولوجية، عدا السلاح النووي. واستهدفت الأخضر واليابس، سيان كان له علاقة بالمقاومة الفلسطينية، خاصة حركة "حماس"، أو لم يكن. فقتلت النساء والأطفال والمدنيين العُزل من السلاح، بدون تمييز. وكان شعارها هو: "التدمير والقتل"؛ لتخريب أكبر مساحة من أراضي القطاع، والقضاء على أكبر عدد من سكانه (اُنظر ملحق معلومات عن قطاع غزة) و(خريطة قطاع غزة).
أولاً: التحضير للحرب 1. على المستوى السياسي أ. انتهاز إسرائيل المرحلة الانتقالية، بين عهدَي الرئيسَين الأمريكيَّين: بوش وأوباما، حين تتلاشى إمكانية الضغط عليها؛ وطمعها في أن تفرض على الإدارة الأمريكية الجديدة أمام واقعاً جديداً في قطاع غزة، تراعيه عملية السلام في الشرق الأوسط.
ب. التحرك الإسرائيلي الدبلوماسي والسياسي، مع الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، لترسيخ الانقسام العربي، بين دول ممانعة ودول معتدلة. والترهيب من التحالف الإستراتيجي، بين إيران وسورية وحزب الله وفصائل المقاومة الفلسطينية، والذي يهدد الأمن القومي العربي. ووضع الدول العربية في مكانة، تمنعها من التدخل العسكري أو السياسي الفاعل، خلال الحرب. ج. توزع إسرائيل رسالة على أعضاء مجلس الأمن، في 23 ديسمبر 2008؛ تُشير فيها إلى حقها في الدفاع عن نفسها، وفقاً للمادة الحادية والخمسين من ميثاق الأمم المتحدة، في مواجهة الصواريخ الفلسطينية.
د. الاجتهاد في تضليل حركة "حماس"؛ لتوريطها في أخطاء التقدير السياسي، التي تُعَدّ أخطاء تكتية، ولكن نتائجها إستراتيجية. وتمثل ذلك في تخلي الحركة عن اتفاق التهدئة، واستمرارها في استهداف الإسرائيليين بالصواريخ؛ وتحميلها مسؤولية فشل الحوار الفلسطيني ـ الفلسطيني، بتحريض من سورية وإيران؛ ومبالغة "حماس" في الرهان على عزوف إسرائيل عن أيّ عملية عسكرية؛ فضلاً عن رهانها على تدخل دمشق وطهران وحزب الله عسكرياً لمصلحة الحركة.
هـ. المحافظة على الانقسام الفلسطيني، جغرافياً وسياسياً، بين الضفة وقطاع غزة. وإجهاض جميع الجهود: الفلسطينية والعربية والدولية، لنجاح الحوار الفلسطيني، وتحقيق الوحدة الفلسطينية. ويؤثر ذلك سلباً في الجبهة الداخلية الفلسطينية وتماسكها، أو يعزل، على أقلّ تقدير، القطاع عن محيطه الفلسطيني في الضفة الغربية.
و. مبادرة مسؤولين إسرائيليين، إلى زيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وبعض دول أوروبا، خلال نوفمبر وديسمبر 2008، لترويج السياسة الإسرائيلية، وخاصة تحميل "حماس" مسؤولية تفاقم الموقف؛ وحمْل المجتمع الدولي أن يَعُدّ حرب إسرائيل على الحركة جزءاً من الحرب الدولية على الإرهاب. ومن أبرز تلك الزيارات، وأكثرها إثارة للجدل زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي أنقرة، في 22 ديسمبر؛ وزيارة وزيرة الخارجية الإسرائيلية القاهرة، في 25 ديسمبر 2008.
ز. تعبئة سياسية للأحزاب والرأي العام في إسرائيل، والإجماع على ضرورة توجيه ضربة عسكرية إلى "حماس" ومعاقبتها على إطلاق الصواريخ؛ وأهمية خلق واقع أمني جديد في قطاع غزة، وتسخيره لمصلحة الحملات الانتخابية، وخاصة حزبَي العمل وكاديما.
ح. مبادرة كثير من المسؤولين الإسرائيليين إلى خفض سقف توقعاتهم من العدوان، في ضوء التجربة الإسرائيلية في حرب لبنان، عام 2006؛ فضلاً عن أن إسرائيل لم تفصح عن هدفها السياسي العسكري المباشر من عدوانها وهو ما يعرف بالتكليف العسكري. فلم تحدد الحكومة الإسرائيلية المصغرة، أو وزارة الدفاع الإسرائيلية، تحديداً واضحاً للهدف العسكري، الذي كُلفت تحقيقه قيادة المنطقة الجنوبية العسكرية. هل هو، مثلاً، إسقاط حكومة "حماس" في قطاع غزة، وعودة سلطة رام الله إليه؟ أو العودة إلى فرض احتلال إسرائيلي مباشر على القطاع؟ أو الاكتفاء بإضعاف "حماس"، وإيقاع أكبر خسائر: بشرية ومادية، بقوى المقاومة في القطاع؟ أو أيّ هدف آخر؟
ط. غموض الهدف العسكري المباشر، أفضى إلى غموض الهدف السياسي النهائي من الحرب. إلا أنه من الممكن أن يكون الإسرائيليون قد توقعوا أن ينجم عن الضربات المؤلمة لقوى المقاومة والأهالي عصيان السكان وتمردهم على إدارة "حماس"، وتقويض معنويات قيادتها؛ ما يدفعها إلى إبلاغ القاهرة رغبتها في التخلي عن الحكم المنفرد والترحيب بعودة سلطة الحكم الذاتي للقطاع. وليس ثمة شك في أن القيادة الإسرائيلية، استهدفت إيقاع أكبر خسائر ممكنة بقوى المقاومة، وعقاب أهالي القطاع بدعمهم "حماس" وحكومتها، ورغبتهم في التغيير.
2. على المستوى الإعلامي (الوطني) أنشأت إسرائيل جهازاً إعلامياً جديداً، باسم: "مديرية المعلومات الوطنية". ترأسه "ياردين فاتيكاي " Yarden Vatikai. وأُلحق بوزارة الخارجية. واستهدف تنظيم حملة إعلامية، تخدم الحرب، بالتنسيق مع الداخل والخارج؛ ونشر الرسائل الإعلامية. وحققت نجاحاً إعلامياً في وسائل الإعلام: الأمريكية والأوروبية، يفوق نجاح الإعلام الفلسطيني في تلك الوسائل عينها.
اعتزمت إسرائيل حملة إعلامية ودعائية، باسم: هاسبرا Hasbara، وتعني بالعربية: "الشرح". بدأت في الأسبوع الأخير من ديسمبر 2008، قبل الحرب. واستمرت حتى نهاية الحرب. واستهدفت إقناع الرأي العام الإسرائيلي والمجتمع الدولي، بأن إسرائيل تواجه تهديداً بالفناء، وأن الجيش الإسرائيلي يحارب قوة عظمى في قطاع غزة، وأن الحرب هي على إسرائيل، وليس على القطاع؛ واستطراداً، فإن مسؤولية الوضع الأمني والإنساني فيه، تتحملها "حماس".
وتولت الخارجية الإسرائيلية تنسيق النشاط الإعلامي والدعائي للمسؤولين الإسرائيليين، وتقييد تصريحاتهم السياسية بما تسمح به وزارة الدفاع. وأعدت وزارتا الدفاع والخارجية 97 متحدثاً رسمياً، بلغات العالم الرئيسية، يعملون، داخل إسرائيل وخارجها، لشرح وجهة النظر الإسرائيلية.
زِد على ذلك سلسلة من الإعلانات المدفوعة الأجر والأحاديث والتعليقات، في جرائد العالم، تؤكد الرسالة الإعلامية "أن إسرائيل مضطرة إلى الرد على "حماس"؛ وليس باليد حيلة". كما أُعدت كتائب من المتطوعين المدنيين للعمل على مواقع الإنترنت، وإرسال رسائل إلكترونية، تشرح تطورات الحرب، إلى الجرائد وشبكات الأخبار وقنوات التليفزيون العالمية.
فرضت إسرائيل قيوداً إعلامية على وسائل الإعلام: الإسرائيلية والأجنبية. ومنعت الصحفيين والمراسلين: الإسرائيليين والأجانب، من دخول قطاع غزة، أو نشر أخبار الحرب؛ حتى إنها جردت جنودها المحاربين من هواتفهم المحمولة بالحؤول دون تسريب ما يدور في أرض المعركة، بدون سيطرة إعلامية.
وهناك موضوعات، عُدَّت أسراراً، لا يمكن الصحافة تناقلها، خلال العدوان، حتى لو روجتها وسائل الإعلام الخارجية. ومنها اختطاف الجنود الإسرائيليين ومقتلهم؛ الخسائر البشرية الإسرائيلية، سواء العسكرية أو المدنية؛ وأماكن سقوط صورايخ المقاومة.
وإمعاناً في تشديد الرقابة، خُوِّل الرقيب العسكري منع إذاعة ونشر تقارير صحفية، بحجة أنها تمس الأمن العسكري. وهو ما عابه المسؤولون عن الإعلام؛ حتى إن الرقيب وُصف، في بعض الأحيان، بأنه يعامل الإعلام معاملة عدو في جبهة القتال.
وكجزء أساسي من العملية الرقابية، استخدمت وسائل الإعلام الإسرائيلية عدداً من الاصطلاحات الانتقائية للتعبير عن كل ما يتعلق بأحداث العدوان. ولم يقتصر اختيارها على اصطلاحات معينة، لتستعمل مرة واحدة فقط؛ بل إن كثرتها أصبحت ثابتة، وذات استعمالات متكررة. وتجدر الإشارة إلى أن أسلوب الانتقائية في استخدام الاصطلاحات، لا يرتكز على قاعدة صحفية إعلامية فحسب، بل هي سياسية وعقائدية، في معظم الأحوال.
وقد أملت المؤسسة العسكرية الإعلامية على وسائل الإعلام بعض الاصطلاحات، التي أصبحت، فيما بعد، جزءاً من قاموس الإعلام الإسرائيلي اليومي؛ ومنها:
أ. المخربون والإرهابيون، بدلاً من الفدائيين والمقاومين. ب. الفلسطينيون، بدلاً من الشعب الفلسطيني؛ ولكلّ منهما مدلوله الكبير. ج. العمليات الوقائية، بدلاً من عمليات التوغل واقتحام المدن. د. المستوطنون، يوصفون بالسكان. هـ. المستوطنات، يعبر عنها بالبلدات والأحياء. و. إغلاق، بدلاً من منع الدخول إلى إسرائيل. ز. أعمال هندسية ذات طابع أمني، بدلاً من تجريف الأراضي الزراعية. ح. خطوات أمنية، بدلاً من عمليات انتقام وعقاب. ط. عمليات إحباط موضعية، بدلاً من قتل واغتيال. وهكذا أوحى الإعلام الإسرائيلي باصطلاحات كثيرة إلى الإعلام العربي، الذي رددها، من دون التدقيق في أهدافها الخبيثة، مثل: "مسؤولية الطرفَين، الصدامات بين الجانبَين، حلقة الإرهاب".
3. على المستوى الإعلامي العسكري ترتكز إستراتيجية الإعلام العسكري الإسرائيلي على سبعة مبادئ أساسية، تمثل السياسة الإعلامية الإسرائيلية. وهي تعتمد على الإلحاح وتكرار المعلومات، حتى تصبح حقائق مسلماً بها.
أ. المبدأ الأول: السابق إلى تحديد الخبر هو الأصدق: وقد سبقت إسرائيل العرب، أمام الإعلام الغربي، إلى تحديد بداية الحرب في قطاع غزة بيوم 19 ديسمبر 2008. وبررتها بخرق "حماس" لاتفاق وقف إطلاق النار المتفق عليه وهذا غير صحيح.
ب. المبدأ الثاني: رواج الفكرة النمطية: أوحى الإسرائيليون إلى الإعلام الغربي، أن "الشرعية" الإسرائيلية، تواجه الإرهاب الفلسطيني.
ج. المبدأ الثالث: انتهاز أخطاء الخصم: اغتنمت إسرائيل تزايد أعداد الصواريخ الفلسطينية، التي استهدفت جنوبيها لِتَدَّعي أنها قد تصل، مستقبلاً، إلى تل أبيب.
د. المبدأ الرابع: الاستئثار بجميع وسائل الإعلام العالمية: حرصت إسرائيل، في جميع حروبها، على تكثير المتحدثين الرسميين، الذين يجيدون لغات أجهزة الإعلام في كلّ بلد عربي؛ وتزويدهم بالمعلومات والبيانات، التي تدعم وجهة النظر الإسرائيلية.
هـ. المبدأ الخامس: تَعَجُّل دحض الحقائق المرغوب عنها، واتهام الخصم بها: ومثال ذلك قَتْل إسرائيل مدنيين أبرياء، واتهامها الفلسطينيين بقتلهم؛ لأن الإرهابيين منهم، يتخذون المدنيين دروعاً بشرية، يتترسون بها. أضف إلى ذلك استهدافها بعض المدارس، مدعية أن الفلسطينيين يتخذونها قواعد لأسلحتهم.
و. المبدأ السادس: التنسيق المستمر مع مراكز التأثير الغربية: لقنت وسائل الإعلام في إسرائيل نظيرتها الغربية،والأمريكية خاصة، كل ما يعكس الرؤية الإسرائيلية للحرب على قطاع غزة؛ ما يؤكد لمن يشاهدها صحة الخبر المذاع. وهي إحدى سمات تفعيل الإعلام الإسرائيلي، على المستوى السياسي.
ز. المبدأ السابع: العداء للسامية: هو الكَيّ، آخر الدواء، يُلجأ إليه في حالات الطوارئ، حين تفشل كلّ المبادئ السابقة. فيوصم به كلّ من ينتقد على إسرائيل رواياتها.
وفي إطار هذه المبادئ السبعة للإستراتيجية الإعلامية، أنشأت إسرائيل إدارة إعلامية وطنية، يعمل في إطارها الإعلام العسكري، الذي تولاه ضابط متخصص في هذا الشأن، برتبة نقيب، هو "أفيجاي أدرعي"، الذي يجيد اللغة العربية. وكُلف التعامل مع كلّ القنوات الفضائية الناطقة باللغة العربية، وخاصة "الجزيرة" وBBC و"روسيا اليوم".
ولا شك أن المجتمع الإسرائيلي، وقف إلى جانب قيادته السياسية والعسكرية. وانعكس ذلك في تعاطي الإعلام العسكري مع الحرب على غزة، بتعاطف وتأييد واضحَين. ويمكن القول أن ما كتبته الجرائد: المكتوبة والإلكترونية وبثته الإذاعات وقنوات التليفزيون الإسرائيلية، قبيل الحرب، يُثبت أنها كانت شريكة في صنع قرار الحرب، ورافداً من روافد الدفع في اتجاهه؛ وذلك بما نشرته وأذاعته وبثته، من مواد إعلامية تحريضية على "حماس"، مُطْلِقَة الصواريخ، والمنفذة عمليات: هجومية وانتحارية على أهداف: مدنية وعسكرية، في جنوبي إسرائيل، انطلاقاً من قطاع غزة.
ولئن حظر الجيش دخول غزة على المراسلين العسكريين: الأجانب والإسرائيليين؛ فإنه اليوم الثاني عشر من ا لحرب، سمح بدخولهم، شريطة أن يرافقوا قواته. بيد أنه لم يتح لهم التجوال بحرية، وذلك حتى اليوم الثامن عشر.
تشمل وسائل الإعلام، في إسرائيل، ثلاث قنوات تليفزيونية، وإذاعة رسمية، وإذاعة الجيش، إلى جانب عدة إذاعات محلية. زِد على ذلك ثلاث جرائد كبرى، هي: "يديعوت أحرونوت"، و"معاريف"، و"هاأرتس". أُوْلاها هي الأوسع انتشاراً. وهي منفتحة، تضم مراسلين متنوعين. وحيز الحرية في تلك الجرائد والقنوات واسع جداً. وهي صحافة مقاتلة لا تتردد في محاربة الفساد. وقد تسببت في إقالة حكومة "أولمرت"؛ إضافة إلى إقالة كلّ من رئيس الأركان، إبّان حرب لبنان، عام 2006؛ ووزير الدفاع، "عمير بيرتس".
غير أن موالاة تلك الجرائد للجيش، لم تمنع بعضها من التشكيك في الحرب الأخيرة على قطاع غزة، ودوافعها وأهدافها الحقيقية، وما تحقق وما لم يتحقق منها؛ بل حذرت من خطر مخادعة بعض الجنرالات والسياسيين للرأي العام. ونشط بعضها في التفتيش عن الدوافع والمصالح الشخصية لبعض القادة، في الحرب الآنفة. وأبرزت عناوين ضخمة: "أوقفوا الحرب عند هذا الحدّ"؛ وهو ما أثر في قرار حكومة "أولمرت" إيقاف أعمال القتال في 17 يناير 2009.
4. على المستوى العسكري استفادت القيادات والقوات الإسرائيلية من الدروس والخبرات العسكرية، في حرب لبنان، صيف 2006؛ ونتائج تقرير لجنة فينوجراد، مايو 2007، وجزئه الثاني، يناير 2008. وكان أبرز توجهاته الإعداد لمواجهة حرب مقبلة وقريبة.
أ. تطوير القوات المسلحة بدأت إسرائيل، عام 2007، وضع خطة خمسية لتطوير القوات المسلحة، أُطلق عليها "تيفن". واشتملت على تكوين لواء مشاة؛ وزيادة القوات الخاصة 20 ألف شخص؛ لإدارة حرب عصابات، وحرب مدن، في مواجهة المقاومة؛ وزيادة تدريع الدبابة ميركافا 4، لمواجهة الصواريخ ذات العبوة المزدوجة؛ وتطوير أنظمة المقذوفات الذكية للمدفعية عيار 155 مم، والهاونات عيار 120 مم، فتوجَّه بالذخائر الذكية أو بأشعة الليزر؛ ما يزيد الإصابة دقة تراوح بين متر ومترَين، فيمكن تلافي أخطاء حرب لبنان، 2006، التي استخدم فيها 170 ألف قذيفة مدفعية 10% منها فقط أصابت الأهداف بدقة.
ب. أجرت إسرائيل العديد من التدريبات والمناورات الميدانية، في المنطقتَين: الجنوبية والشمالية، وخاصة مناورة كبرى في الجولان، أغسطس 2008. وذلك في إطار المخاوف الإسرائيلية من اشتعال الجبهة السورية، بمبادرة سورية أو حالة الحرب في قطاع غزة. وفي هذا الإطار نفسه، عمدت إلى تعزيز التحصينات الهندسية الدفاعية في الجولان.
ج. احتياطاً لرد الفعل الإيراني أو السوري، في ما يتعلق بالوقاية والإنذار من الصواريخ: البالستية والبعيدة المدى وفي إطار التحالف الإستراتيجي الإسرائيلي ـ الأمريكي، تمكنت إسرائيل، في أبريل 2008، من ربط شبكة الإنذار المبكر للصواريخ البالستية مع الشبكة الأمريكية. كما حصلت، في أكتوبر 2008، على نظام إنذار مبكر (رادار إكس باند)، نُشر قرب ديمونا، في صحراء النقب؛ وهو الأكبر في الشرق الأوسط. كما نُشر نظام إنذار مبكر أمريكي، وبأطقم أمريكية (رادار FBXT)، في قاعدة نفاطيم الجوية، في النقب. أضف إلى ذلك حصول إسرائيل على أنظمة صواريخ مضادة للصواريخ، من نوع باتريوت وثاد الأمريكية.
د. أقامت إسرائيل منظومة إنذار مبكر، باسم: "تسيفع أدوم"، في المدن والمستعمرات الإسرائيلية، حول قطاع غزة للإنذار بالصواريخ الفلسطينية.
هـ. بادرت إسرائيل، بين الأول والثالث من مارس 2008، إلى عملية جوية وبرية، استخدمت فيها لواء المشاة جفعاتي، وكتيبتَي دبابات، ووحدة قوات خاصة. وتوغلت في شمالي قطاع غزة، وخاصة في الشجاعية. وادعت أن هدفها هو وقف إطلاق الصواريخ، إلا أنها تأتي في إطار التدريب والإعداد لحرب كبرى مقبلة، واستكشاف قدرات المقاومة في المنطقة.
و. عمدت إسرائيل إلى أكبر مناورة داخلية، بين 7 و11 أبريل 2008؛ للتدريب على الوقاية من الهجمات الصاروخية، أو الصاروخية المزودة برؤوس كيماوية وبيولوجية.
ز. أدارت إسرائيل خطة استخبارات واسعة، لجمع المعلومات عن المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وخاصة بعد سيطرة حركة "حماس" عليه، عام 2007. فكشفت هوية العديد من مقاتلي الحركة؛ ما سمح بتعقبهم باستخدام التكنولوجيا المتطورة والعملاء.
ح. طورت إسرائيل وسائل الدفاع الصاروخي قصيرة المدى؛ لاعتراض صواريخ "حماس" المنخفضة الارتفاع، مثل صواريخ (قسام ـ كاتيوشا ـ فجر ـ رعد ـ خيبر). وذلك بواسطة نظام (حيتس/ آرو المطور)، ونظام ثاد SAAD الأمريكي، ونظام (إيجسس) الراداري الأمريكي، ونظام القبة الحديدية، وهو في الاختبار، ونظام سكاي جارد ونظام فلانكس الأمريكيين.
ط. وفرت إسرائيل منظومة كاملة للقيادة والسيطرة الآلية الرقمية، من إنتاج شركة تاديران، في إطار آلية القيادة والسيطرة وأنظمة التعارف، بين قيادات الفرق والألوية وكتائبها، وحتى مستوى الفصيلة والجماعة؛ مع توافر قاعدة بيانات متكاملة للقوات، بما يؤمن الربط بين المعلومات الاستخبارية والمعاونة النيرانية والعمليات الميدانية والشؤون الإدارية.
ي. طورت أساليب استدعاء القوات الاحتياطية وتدريبها. ووفرت وسائل نقل إلى وحداتها واندماجها في التشكيلات والوحدات الميدانية المكلفة مهام قتالية، في أقلّ وقت ممكن، وبمستوى ملائم من السرية والأمن.
ك. تطوير نظام الدفاع عن الجبهة الداخلية دون الصواريخ، بدءاً من الإنذار بها وقت إطلاقها من مواقعها في أرض العدو. وذلك بواسطة أقمار التجسس والإنذار؛ ثم اعتراضها أثناء اقترابها من أهدافها، وقبل وصولها إليها. وكذلك إغارة القوات الجوية على مواقع إطلاقها. وتطوير نظام إنذار السكان بها. والتدريب على اللجوء إلى الملاجئ المحصنة، والمعدة مسبقاً لذلك، وإزالة آثار الهجمات الصاروخية. وتنفيذ إجراءات الدفاع المدني من حيث تطهير الأشخاص والأراضي والمركبات والمباني، من احتمال إصابتهم بغازات الحرب الكيماوية، أو مواد الحرب البيولوجية، التي قد تحملها الصواريخ المعادية. ونقل المصابين إلى المستشفيات.
ل. إجراءات الخداع الإسرائيلي اعتمدت إسرائيل عملية واسعة، لخداع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وإرباكها، وتضليلها عن كون واقعاً أو وهماً، العملية العسكرية شاملة أو محدودة. فقد تمكنت إسرائيل من تحقيق المفاجأة، خلال الأيام الأولى للحرب. وأنزلت، في اليوم الأول، أعلى خسائر بالطرف الفلسطيني؛ بسبب بدء الهجوم ساعة ذروة العمل في الأجهزة: الحكومية والأمنية، في القطاع، الساعة 11.30 بالتوقيت الفلسطيني، الساعة 9.30 بتوقيت جرينتش، يوم 27 ديسمبر 2008.
(1) أعلنت إسرائيل، يوم الجمعة 26 ديسمبر 2008، مهلة 48 ساعة لوقف إطلاق الصواريخ، مهددة "حماس" بعملية عسكرية واسعة، في حالة عدم الاستجابة. إلا أن العملية جاءت خلال أقلّ من 24 ساعة من تلك المهلة.
(2) زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي أنقرة، في 23 ديسمبر؛ ووزيرة الخارجية الإسرائيلية القاهرة، في 25 ديسمبر 2008، أي قبل بدء الحرب بأقل من 48 ساعة.
(3) عمدت إسرائيل إلى فتح جزئي للمعابر، قبل يوم واحد من الحرب (26 ديسمبر). وسمحت بدخول 428 لتر غاز صناعي، و75 طن غاز طبخ، و175 شاحنة إغاثة.
(4) سربت إسرائيل معلومات إلى مسؤولين في بعض دول الخليج العربي، التي لها علاقة قوية بحركة "حماس"، تنفي أيّ نية في تنفيذ عملية عسكرية في قطاع غزة؛ لإبلاغها قيادات الحركة، في دمشق وغزة.
(5) بدأت إسرائيل العملية العسكرية يوم "سبت"، وهو يوم مقدس عند الشعب اليهودي، ومن المفترض عدم حدوث عمليات عسكرية فيه.
(6) حرص مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي على إبلاغ الصحفيين، يوم الجمعة 26 ديسمبر 2008، أن الحكومة سوف تجتمع يوم الأحد، 28 ديسمبر، لمناقشة عملية عسكرية مكثفة في قطاع غزة؛ الأمر الذي عزز التكهن بعدم إقدام إسرائيل على بدء الحرب، قبل يوم الأحد. وشارك وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك في برنامج تليفزيوني نقدي، ليلة 26 ديسمبر 2008، أي قبل بدء الحرب بساعات، في خطوة غير ملائمة منطقياً لشن حرب وشيكة.
ثانياً: العملية الهجومية الإسرائيلية، "الرصاص المصبوب" أشارت تطورات الأحداث الإسرائيلية، قبل بدء الحرب، إلى أن العملية الإسرائيلية في قطاع غزة عملية مخططة للتنفيذ الفعلي يوم 27 ديسمبر 2008. ولا علاقة لها باتفاق التهدئة (19 يونيه ـ 19 ديسمبر 2008). وحتى في حالة تجديد اتفاق التهدئة، فإن إسرائيل خبيرة باختلاق ذرائع نقض الاتفاقات، وتنفيذ الهجوم على قطاع غزة. فقد أشارت جريدة "هاأرتس" الإسرائيلية، يوم 28 ديسمبر، إلى أن وزير الدفاع الإسرائيلي، أصدر أوامره بالتخطيط للعملية، منذ ستة أشهر، أيْ خلال عملية التفاوض لإقرار اتفاق التهدئة، في 19 يونيه. أمّا جريدة "يديعوت أحرنوت"، فأشارت إلى أن وزير الدفاع، أقر الخطة الهجومية، في 19 نوفمبر، وصدق عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي، في 18 ديسمبر. وهذا يعني أن مسار التخطيط العسكري كان قائماً. أمّا مسار التفاوض في التهدئة، فكان بغرض الخداع.
1. الأهداف الإستراتيجية الإسرائيلية تصريحات المسؤولين الإسرائيليين: السياسيين والعسكريين، والمصادر الإعلامية الإسرائيلية، كانت صيغها عامة وغامضة، تجنبت تحديد أهداف سياسية للحرب على قطاع غزة؛ حتى لا يحاسب الحكومة بها الشعب الإسرائيلي أو أيّ جهات تحقيق قانونية محتملة. واتسمت أهداف الحرب بأنها أهداف مفتوحة، مباشرة وغير مباشرة.
أ. أهداف مباشرة (1) فرض واقع أمني جديد، لحماية سكان جنوبي إسرائيل وتوفير أمنهم. (2) إضعاف قدرة "حماس" السياسية والعسكرية على السيطرة على قطاع غزة. والقضاء على المقاومة الفلسطينية بعامة. ومنع تهريب الأسلحة. (3) الضغط على حركة "حماس"، وفصائل المقاومة؛ لقبول التهدئة، على المدى القريب. وحل القضية الفلسطينية كلية أو جزئياً، على المدى المتوسط أو البعيد؛ وبالشروط الإسرائيلية، بعد فرض واقع سياسي جديد في قطاع غزة. (4) استعادة هيبة قوة الردع الإسرائيلية ومكانتها، اللتَين فقدتهما في حرب لبنان، عام 2006؛ لتكون قوة ردع إقليمية عظمى. (5) تدمير البنية العسكرية لحركة "حماس" وحلفائها في قطاع غزة. وتشمل القوة البشرية العسكرية، والقدرات التسليحية، وخاصة الصاروخية، ومراكز القيادة والسيطرة، وشبكة الاتصالات. (6) تدمير الأنفاق المستخدمة في تهريب الأسلحة، والقضاء على مصادر التهريب، عبر ممر "فلادلفي"، على حدود قطاع غزة مع رفح.
ب. أهداف غير مباشرة (متحركة وفقاً للتطورات على الأرض) (1) تحقيق أهداف سياسية داخلية، في مزايدة على الانتخابات الإسرائيلية، فبراير 2009. (2) إرباك حركة "حماس" وشَغْلها بالأوضاع الإنسانية والمعيشية في قطاع غزة؛ لمنع تمدد نفوذها السياسي والأمني إلى الضفة الغربية. (3) خلق واقع سياسي وأمني ومعنوي جديد، ومفروض، للتعامل معه فلسطينياً وعربياً وأمريكياً ودولياً، وخاصة تحويل القضية الفلسطينية من قضية سياسية إلى قضية إنسانية. وقد يؤجل بحث القضية الفلسطينية، سنوات مقبلة تفقد خلالها جزءاً كبيراً من أهميتها. (4) إطلاق الجندي الإسرائيلي، "جلعاد شاليط"، الأسير لدى حركة "حماس". (5) تجربة أسلحة وذخائر جديدة إسرائيلية أو أمريكية. (6) الإفراط المتعمد في استخدام القوة العسكرية والنيرانية؛ لإجبار الشعب الفلسطيني في قطاع غزة على الهروب واختراق الحدود المصرية، في تكرار لحادث يناير 2008؛ طمعاً في تصدير الأزمة إلى القاهرة، والضغط عليها كي تقبل الحل الإقليمي للقضية الفلسطينية، ووضع قطاع غزة تحت الحكم الإداري المصري. وإلا فقد يبادر بعض القوى الفلسطينية، ومصر، والدول العربية، وربما الدولية، إلى الضغط على "حماس"، كي تقبل الشروط الإسرائيلية للتهدئة؛ إنقاذاً للحالة الإنسانية في غزة. (7) استغلال العمليات العسكرية في اختبار أساليب قتال جديدة، استُخلصت من الحرب على لبنان، عام 2006 والقتال في أحوال خاصة. (8) إضعاف موقف "حماس" في المفاوضات، مستقبلاً، عبْر الاستيلاء على أراضٍ وهيئات حاكمة ومنشآت فلسطينية، وأسْر أكبر عدد ممكن من مقاتلي الحركة وقادتها العسكريين.
2. القوات المشاركة في العملية أ. القوات البرية قوامها فرقتان أو ثلاث فرق، إحداها احتياطية، خارج قطاع غزة؛ ولواء المشاة جولاني، ولواء المشاة جعفاتي، ولواء مظلي، ولواء نحال، وقوات خاصة، ووحدات مدفعية وأخرى هندسية. وأعلن الجيش الإسرائيلي أنه خصص 30 ألف جندي للحرب.
ب. القوات البحرية عدد من الوحدات البحرية، كثفت نيران مدفعيتها وصواريخها على سواحل قطاع غزة. ووحدات أخرى، شاركت في حصار بحري للقطاع، بعمق 20 ميلاً بحرياً. أضف الضفادع البشرية، التي أعلنها وزير الدفاع، في 3 يناير 2009.
ج. القوات الجوية استخدمت إسرائيل نصف قواتها الجوية. ونفذت 2500 غارة جوية. واستنفدت ألف طن متفجرات. فقد اضطلعت القوات الجوية، وخاصة الطائرات الموجهة من دون طيار، من نوعَي هيرمس ـ 450، وBK، بسيطرة واستطلاع جويَّين دائمَين، على مدار 24 ساعة، طوال الحرب الممتدة 22 يوماً. كما ظهر التنسيق والتعاون بين الطائرات F-16، والعمودية الأباتشي، والقوات البرية حتى مستوى دورية القتال على الخطوط الأمامية. واستخدمت إسرائيل أنواعاً متعددة من الذخائر، مثل: القنابل الموجهة بالليزر من نوع PAV WAY؛ وقنابل مضادة للتحصينات، من نوعَي BLU-109 وGBU-28, 39؛ والصواريخ مافريك والوول آي؛ والقنابل الفسفورية، التي تتشظى 160 شظية، وتراوح حرارتها بين 400 و900 درجة مئوية؛ وقد سُلطت على المدنيين في المناطق السكنية.
د. تعبئة الاحتياطي (1) استُدعي، منذ 28 ديسمبر 2008، 6500 جندي احتياطي، ينتمون إلى وحدات قتالية ووحدات دفاع مدني. وحصلوا على دورة تدريبية، حتى 10 يناير 2009. ودُفعوا إلى أعمال القتال، في 11 يناير 2009. فشارك معظمهم في تأمين الخطوط الخلفية، والمناطق التي استولت عليها القوات الإسرائيلية، شمالي قطاع غزة. وتولى بعضهم حماية الحدود الإسرائيلية مع قطاع غزة من عمليات التسلل الفلسطينية عبْر الحدود. (2) استُدعي الآلاف من جنود الاحتياطي (عدد غير محدود)، لينشروا في المنطقة الشمالية، احتياطاً من أيّ عمليات مفاجئة لحزب الله أو سورية.
3. فكرة العملية الهجومية الإسرائيلية استند الفكر العسكري الإسرائيلي، في عملية "الرصاص المصبوب"، إلى خطط عسكرية، تعتمد على التصعيد المتدرج للعمليات العسكرية (عملية متدحرجة). فتنفذ على أربع مراحل. يُنتقل من إحداها إلى أخرى، طبقاً لانهيار سلطة "حماس" السياسية والعسكرية، في قطاع غزة. وتضمنت المرحلة الأولى عملية جوية، والمرحلة الثانية عملية برية محدودة، والمرحلة الثالثة عملية برية شاملة. أمّا المرحلة الرابعة، فتتضمن اعتقال قيادات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة أو القضاء عليهم؛ ما يسمح بعودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع، واستعادة السيطرة عليه سيطرة آمنة. وطبقاً لمسار أعمال القتال، وما أعلنته المصادر الإسرائيلية، فإن القوات الإسرائيلية أنجزت المرحلة الثانية، وجزءاً من المرحلة الثالثة، وأطلقوا عليها 2.5. فقد أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، في 17 يناير 2009 في مؤتمر صحفي، وقف إطلاق النار، بعد تحقيق أهداف إسرائيل، وإثر الاتفاق مع الرئيس المصري حسني مبارك.
4. مراحل العملية وأعمال القتال أ. المرحلة الأولى: العملية الجوية (1) استمرت نحو أسبوع، من 27 ديسمبر 2008 إلى 2 يناير 2009. (2) أغارت القوات الجوية الإسرائيلية، غارات جوية واسعة، واكبتها نيران البحرية والمدفعية والصواريخ. واستهدفت البنية التحتية، السياسية والعسكرية والثقافية، للحكومة الفلسطينية المقالة، في قطاع غزة؛ ومواقع مدنية ومدنيين، مثل: المستشفيات والمقار الصحية، والجامعات، والمساجد، والمنازل، وخاصة قادة المقاومة وعائلاتهم ووسائل الإعلام، ومصانع ومحلات وورش، وأنفاق التهريب في رفح مع الحدود المصرية. (3) اعتمدت الهجمات الجوية على معلومات استخبارية دقيقة، أُعِدَّت قبل الحرب. فحددت الأهداف، وفصلت كلاً منها. وكان للعملاء، ووسائل الاستطلاع الجوي والإلكتروني، والتنصت الهاتفي، نشاط بارز في هذا المجال. (4) نجح الخداع الإسرائيلي في مفاجأة الطرف الفلسطيني. وأسفرت عنه خسائر بشرية فلسطينية عالية، خلال اليوم الأول من الحرب؛ حتى إنه سُمِّي: "مجزرة السبت الأسود". (5) أعلن الجيش الإسرائيلي، خلال نهاية المرحلة، أن العملية الجوية لم تحقق أهدافها. وثار جدل بين القادة الإسرائيليين في مواصلة العملية الجوية أو الانتقال إلى العملية البرية. فالواقع يؤكد استنفاد العملية لأهدافها المخططة سلفاً، واضطرار القيادة العسكرية إلى ضرب أهداف فلسطينية مراراً. (6) دفع الجيش الإسرائيلي، خلال المرحلة، دوريات استطلاع مترجلة إلى عمق قطاع غزة. واكتشفت إحداها في 31 ديسمبر 2008، في الشجاعية، شرقي غزة، حيث واجهتها المقاومة الفلسطينية. (7) بدأت الضربة الجوية، في 27 ديسمبر 2008، الساعة العاشرة صباحاً، بإغارة 50 مقاتلـة F-16، خلال ثلاث دقائق، على مركز تدريب ضباط الشرطة، أثناء حفلة تخريجهم؛ فقتلت أكثر من 170 ضابطاً وجندياً (أُنظر صورة مجزرة السبت الأسود). (8) تولت 60 مقاتلة الإغارة على الأهداف الأمنية، بعد نحو 30 دقيقة من الموجة الأولى. ثم استمرت الغارات الجوية حتى بدء المرحلة الثانية. (9) اقترن بهذه المرحلة تعبئة الاحتياطي، وحشد القوات اللازمة للهجوم البري، والمقدرة بنحو 40 ألف جندي مسلحين بزهاء 200 دبابة و80 مدفعاً وراجمة صواريخ. ونُشروا في شرقي قطاع غزة وجنوبيه، وفي محاور المعابر الرئيسية. (10) كانت طلعات سلاح الجو على النحو الآتي: (أ) الطائرات العمودية، نفذت أكثر من ألف طلعة. وضربت أكثر من ألف هدف. (ب) الطائرات الحربية، نفذت أكثر من 500 طلعة. وضربت أكثر من 2000 هدف. واستخدمت أكثر من 3000 قذيفة.
ب. المرحلة الثانية: العملية البرية المحدودة استمرت من 3 إلى 5 يناير 2009. أربعة ألوية إسرائيلية، تدعمها نيران كثيفة، من المدفعية والصواريخ والقوات: الجوية والبحرية، هجمت على محافظتَي غزة وجباليا، شمالي قطاع غزة. وسيطرت على نحو 70% من الأرض، وحاصرت المربع السكني في مدن غزة وجباليا وبيت لاهيا؛ لعزل شمالي القطاع عن جنوبيه، واستدراج المقاومة الفلسطينية إلى الشمال الآنف وكان ذلك كالآتي: (1) بدأ التمهيد النيراني المكثف، سعت 1630. واستمر حتى سعت 1800، يوم 3 يناير 2009. واستهدف تطهير محاور القتال من أيّ أنفاق أو ملاجئ تحت الأرض، وتنظيفها من الألغام والعبوات الناسفة، والقضاء على أيّ كمائن فلسطينية فيها. (2) أربع جماعات قتال، قوامها قوى مترجلة، وقوات مدرعة آلية، تتقدمها دوريات الاستطلاع، وخلفها الجرافات. وكان تقدمها بطيئاً وحذراً: (أ) الجماعة الأولى: اجتازت معبر المنطار (كارني)، في اتجاه جنوب مدينة غزة. (ب) الجماعة الثانية: اخترقت معبر الشجاعية (نحال عوز)، في اتجاه شرق مدينة غزة. (ج) الجماعة الثالثة: تخطت معبر بيت حانون (إيريز)، في اتجاه شرق جباليا. (د) الجماعة الرابعة: اندفعت من معبر أيلي سيناي، في اتجاه غرب بيت لاهيا. (3) خلال ثلاثة أيام قتال، تمكنت القوات الإسرائيلية من حصار المناطق السكنية، شمالي قطاع غزة، حيث وصلت إلى حي الزيتون، جنوبي مدينة غزة، ومنطقتَي الشجاعية والتفاح، شرقيها. كما بلغت شمال شرقي مدينة جباليا، وحول بيت حانون. واتخذت من ميدان الشهداء (نتساريم) مقراً لقيادتها المتقدمة. (4) فشلت إسرائيل في إبرار قوات خاصة بحرية على ساحل شمال مدينة غزة، في 3 يناير؛ وقرب رفح، سعت 100، في 4 يناير (اُنظر خريطة أعمال القتال، من 3 إلى 5 يناير 2009). (5) خلال هذه المرحلة، قُسِّم قطاع غزة بين ثلاثة اتجاهات رئيسية، على النحو التالي: (أ) الاتجاه الشمالي: من معبر إيريز، حيث اندفع اللواء "جولاني" الآلي، ومعه كتيبة دبابات، بمهمة حصار مدن غزة وبيت حانون وبيت لاهيا، وتطهير منطقة شمال غزة وحتى الحدود مع إسرائيل، من مواقع الصواريخ. ومن معبر نحال عوز، اندفع اللواء 7643 الآلي، ومعه كتيبة دبابات وكتيبة مظلات. (ب) الاتجاه الأوسط: من معبر كارني، في اتجاه نيتساريم؛ ومعبر كيسوفيم، في اتجاه دير البلح، حيث اندفع اللواء جفعاتي الآلي، وكتيبة دبابات من اللواء 401 المدرع، بمهمة حصار المدن والمخيمات، في وسط القطاع، والسيطرة عليها؛ وهي: دير البلح، والبريج، والنصيرات، والعجين. (ج) الاتجاه الجنوبي: كان التحرك من خلال محورَين: · الأول في اتجاه عيسان ـ خان يونس، بقوة جماعة قتال من اللواء جفعاتي. · الثاني في اتجاه رفح ـ محور فلادلفي، بقوة اللواء 6643 الآلي، ومعه سرية مظلات، وسرية دبابات. (6) رأى الجيش الإسرائيلي، أن أعماله، في هذه المرحلة، ناجحة جداً؛ فخسائره لم تتجاوز 8 قتلى، من الضباط والجنود؛ مقابل ما يزيد على 700 فلسطيني.
ج. المرحلة الثالثة: حرب استنزاف وتمدد عملياتي (1) من 6 إلى 17 يناير 2009. (2) ترددت القيادة الإسرائيلية في توسعة الحرب، خلال هذه المرحلة؛ خشية الخسائر المرتفعة، في المناطق السكنية. فلم تنفذ أيّ أعمال قتال رئيسية؛ مكتفية بعدة معارك صغيرة؛ ولكنها أفرطت في القوة النيرانية، وخاصة بعد اجتماع الحكومة الإسرائيلية المصغرة، في 6 يناير، واتخاذها قرار إيقاف تنفيذ المرحلة الثالثة من العملية البرية للسيطرة على وسط القطاع وجنوبيه، ودخول المناطق السكنية مع استمرار العمليات. (3) تضمنت المرحلة دفع ما يراوح بين لواءَين و3 ألوية إضافية، ليراوح الإجمالي بين 6 و8 ألوية مقاتلة، داخل قطاع غزة. تحاول الانتشار فيه، وحصار محافظاته الجنوبية، والسيطرة على الأحياء الخارجية (الضواحي) لمدن غزة وجباليا وبيت لاهيا وبيت حانون. (4) استمرت أعمال القتال، شمالي قطاع غزة؛ لاستنزاف الحكومة الفلسطينية، في ظروف تحرمها تعويض الإمداد اللوجستي. كما استهدفت تعزيز نجاح المعارك الصغيرة بالتمدد العملياتي؛ لاكتساب أرض سكنية محدودة بعشرات الأمتار. وتمكنت بهذا الأسلوب من السيطرة على الضواحي: الجنوبية والشرقية، لمدينة غزة؛ والشمالية الشرقية، لمدينة جباليا؛ والشمالية الغربية، لبيت لاهيا؛ وإحكام السيطرة على بيت حانون. (5) أمّا في وسط قطاع غزة وجنوبيه، فكانت معارك محدودة، يمكن وصفها بالإغارات المسلحة؛ ثم الانسحاب. وكان أبرزها: (أ) الانطلاق من قاعدة، في ميدان الشهداء (نتساريم)، والهجوم على النصيرات، في 11 يناير؛ ثم الانسحاب. وهجوم آخر في اتجاه المفراقة، غرب دير البلح، في 17 يناير 2009. (ب) الانطلاق من قاعدة، في منطقة معبر كيسوفيم، والهجوم على قرية القرارة، شمال خان يونس، في 6 يناير بدعم من طائرات F-16 ، وطائرات الأباتشي العمودية. وأمكن الوصول إلى قرية عبسان الصغيرة، شمال شرق خان يونس. وفشل تقدم رتل مدرع، 20 دبابة وآلية، غرب كيسوفيم 300متر، يوم 8/9 يناير 2009. (ج) الانطلاق من معبر صوفيا (العودة) إلى مشارف مطار ياسر عرفات، جنوب رفح، في 10 يناير. ورتل آخر وصل شرق رفح وجنوبها، في 10 يناير. وتوغل جماعة قتال في اتجاه خزاعة، شرق خان يونس، في 13 يناير. (6) فشل عدة عمليات إبرار بحري للقوات الخاصة، على ساحل دير البلح، في 6 و14 يناير. (7) سيطرت البحرية الإسرائيلية على الطريق الساحلي، في قطاع غزة كلّه، ومنع جميع التحركات عليه، حتى الفردية. (8) من العمليات المثيرة للجدل حجْب القوات الإسرائيلية مدينة غز
ابطال الحرمين
لـــواء
الـبلد : العمر : 38المهنة : باحث في العلوم الاستراتيجية والعسكرية التسجيل : 24/07/2011عدد المساهمات : 3185معدل النشاط : 4639التقييم : 867الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
موضوع: رد: الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة (27 ديسمبر 2008 ـ 17 يناير 2009) الأحد 18 مارس 2012 - 13:38
المبحث الثالث إدارة الحرب على غزة أولاً: أبرز أساليب القتال الإسرائيلية
1. حرب الاستنزاف دفْع جماعة قتال مترجلة، تراوح بين 6 و8 جنود، تدعمها، أحياناً، دبابة وآلية مدرعة أو اثنتان، إلى المناطق السكنية، حيث تشتبك مع المقاومة الفلسطينية، مدة محدودة. ثم تنسحب، لتتولى نيران المدفعية والطيران الكثيفة إبادة تلك المناطق. ثم تتقدم القوة الرئيسية؛ فإن واجهتها نيران للمقاومة الفلسطينية، ولو محدودة، تنسحب، لتكرر عملية النيران الكثيفة (اُنظر شكل أسلوب القتال في المناطق السكنية).
2. التمدد العملياتي أ. نجاح استنزاف المقاومة وإسكات نيرانها، يليه الاندفاع إلى أرض جديدة، والمسارعة في هدم منازلها وتجريف أرضها بالجرافات الإسرائيلية؛ لإجراء تقدم بطيء وحذر، يُقاس، أحياناً، بالأمتار. ب. استغلال النجاح التكتي لغير جماعة قتال، في غير طريق؛ وتوسيعه ليكون نجاحاً تعبوياً في محور التقدم.
3. العمليات "الجراحية" هجمات برية، تبدأ بإغارة المقاتلات والطائرات العمودية من نوع أباتشي، على المنطقة أو الهدف المعني. يلي ذلك إنزال القوات الخاصة من الطائرات العمودية الاقتحامية، بالقرب من الهدف، والهجوم عليه من عدة جهات لتشتيت جهود حُماته، وتضليلهم عن اتجاه الهجوم الرئيسي. والاتجاه الأكثر نجاحاً، تُدفع منه القوات المدرعة، التي تراوح بين 40 و60 مركبة، للحاق بالقوات الخاصة، ومساعدتها على معركتها للسيطرة على الهدف واستكمال احتلاله. ويواكب ذلك قطع للاتصالات الإلكترونية بين فصائل "حماس"، واصطياد قياداتها: العسكرية والمدنية فور خروجهم من تحصيناتهم، ووشاية العملاء بهم.
4. أساليب أخرى أ. استخدام ذخائر جديدة، وبأساليب مبتكرة. ومنها "قنابل غاز" غير معروفة، تنتج غازاً ذا رائحة كريهة، ونتنة تسبب الاختناق وحريقة في العيون؛ لدفع المدنيين والمسلحين إلى الخروج من مساكنهم، فاعتقالهم، أو لحمل المقاومين على مغادرة أنفاق أو ملاجئ تحت الأرض. وأكد ذلك ضحاياها تلك الذخائر في مخيم جباليا، حيث استهدفتهم في 9 يناير 2009. وكانت إسرائيل قد أعلنت هذا السلاح، في 3 أكتوبر 2008. وهو مدفع مائي يرش مكونات كيماوية ذات رائحة نتنة، باسم: "سكونك". وتترك أثاراً في الجسم مدة ثلاثة أيام. واستخدامه الأساسي هو في مواجهة أعمال الشغب الفلسطينية. ب. اتخاذ الفلسطينيين دروعاً بشرية؛ وذلك باحتلال القوات الإسرائيلية الطبقات العليا من المنازل، والتترس بها وحشر سكانها المدنيين في الطبقات السفلى. ج. اتصال الاستخبارات الإسرائيلية بفلسطينيين في قطاع غزة، ومحادثتهم بلغة عربية سليمة، وادعاء المتصلين بأنهم متعاطفون عرب (مصريون وسعوديون وأردنيون وليبيون). وبعد التعبير عن فزعهم من الحرب الإسرائيلية والسؤال عن أحوال الأسرة، يسأل المتصلون عن الأوضاع المحلية، ومدى ولاء المتصَل بهم لحركة "حماس". ويستفسرون عن وجود مقاتلين في المبنى أو في المنطقة. فإذا كان الرد إيجابياً، توجَّه الطائرات الإسرائيلية بأنواعها طبقاً لطبيعة الهدف، من الفور إلى الإغارة عليه. د. اقتحام المواقع من اتجاهات غير متوقعة، وليس بالضرورة أن تكون أفضل الاتجاهات وأسهلها، ولكنها ليست في حسبان "حماس"؛ فبارت كمائنها، التي كانت مجهزة في اتجاهات التقدم التقليدية؛ وتكاثر قتلاها، وأُسر بعض مقاتليها. هـ. الهجوم على المباني واقتحامها بأساليب غير مألوفة، مثل الإنزال الجوي على سطوحها، ثم الهجوم على طبقاتها العليا فالسفلى. وهو ما لم تتوقعه "حماس"، إذ تشددت في حراسة المداخل. وإن صعُب الاقتحام من الطبقات العليا، تُستدعى إحدى الدبابات لتدمير المبنى كلّه، مثلما حدث في حي السلاطين. و. استخدام الروبوت (باك بوتس)، وهو نظام أمريكي، يساعد القوات، في المناطق الكثيرة المباني، على المراقبة واكتشاف أهداف العدو والتعامل الفردي معها قبل التورط في عمليات قتالية. وهو مسلح بمجسات وأسلحة يمكنها أن تمثل خطراً على الجنود، وخاصة في الشوارع الضيقة. بعض هذه الروبوتات مجهز بكاميرا صغيرة، تنقل صور الأهداف المعادية، المختبئة داخل المباني، إلى القوات الرئيسية المتجهة إلى هدف معين؛ فيستهدف قبل هجومها عليه. وبعض الروبوتات يطلق نيراناً، تستدرج نيران المدافعين داخل المبنى؛ فتعرف أماكنهم، ثم تضرب بالأسلحة التقليدية، قبل الهجوم عليها. استُخدم هذا الروبوت في ضواحي مدينة غزة، مثل حي الزيتون. وقد عزت الوكالة الروسية محدودية خسائر إسرائيل، في الحرب على قطاع غزة، إلى حرص تل أبيب على تزويد جيشها بالعتاد التقني المتطور.
ثانياً: استخدام الأسلحة والوسائل الأخرى 1. الذخائر المحرمة دولياً أ. جعلت القوات الإسرائيلية ذخائر الفسفور الأبيض سلاح قتل، وليس سلاحاً معاوناً للإضاءة، أو لإنتاج ستائر الدخان. وكلّ قذيفة، تنشظى 160 قطعة، تلتهب لدى تعرضها لأكسجين الجو. وتراوح حرارتها بين450 و900 درجة مئوية، وتغطي مساحة 800 م2. واسم العملية الإسرائيلية: "الرصاص المصبوب"، مأخوذ من انصهار القذائف الفسفورية، وهي ملتهبة، وساقطة من الجو. وأسفر عن هذا النوع من الذخائر حروق من الدرجة الأولى، في العديد من المدنيين (اُنظر صورة انصهار القذائف الفسفورية). ب. ذخائر الطائرات والمدفعية الإسرائيليتَين التي يدخل في تصنيعها اليورانيوم المنضب، وخاصة ذخائر التحصينات من نوع GBU 28, 39. ج. استخدام ذخائر محرمة دولياً، وغامضة. وهي من الذخائر المميتة. وتُسمَّى: D.I.M.E، اختصاراً لعبارة متفجرات المعدن الخامل ذات الكثافة العالية. وتزن القنبلة 250 رطلاً. وما زالت في مرحلة التجارب الأمريكية ما إن تصدم القنبلة الأرض حتى تنفجر، وتحدث تفاعلاً كيماوياً، ينتج موجة ضغط وحرارة وتناثر شظايا المعدن الخامل الدقيقة جداً (تونجستورم). تخترق الشظايا الأجسام البشرية، فتحدث قطعاً في الأنسجة الداخلية والعظام. وتسبب نزفاً داخلياً. وتصيب بسرطان الدم. وتؤدي إلى الوفاة. وكلّ ذلك رصده الأطباء الأجانب، في مستشفيات غزة. د. أسلحة التفجير الحجمي (VDW) وتُسمَّى: أسلحة موجات الضغط Volume Detonating Weapons (VDW)، أو متفجرات الوقود الغازي، إذ تنفجر سحابة الغاز، فور ملامستها الهواء. تعتمد فكرة هذا السلاح على إطلاق سحابة من ذرات الوقود، بعد تحويله إلى غاز، أو تكوين سحابة من ذرات مواد معينة عالية الطاقة، مثل غاز أكسيد الإثيلين أو أكسيد البروبيلين، ومخالطتها الهواء الجوي. وما إن تصبح نسبة الغاز إلى الأكسجين ملائمة، حتى يشتعل الخليط، بواسطة مفجر، فيحدث انفجار، يولد موجات من الضغط تنتشر من مركز الاشتعال، في دوائر، تنبعث منها كتلة حرارة، تناهز 1000 درجة مئوية، ضد جميع الأهداف على اختلاف أنواعها. وحجم التدمير الناتج، يفوق ما يماثله من مادة TNT بنحو خمس مرات. هـ. قنبلة اختراق التحصينات Bunker – Buster حصلت إسرائيل على نحو 1000 قنبلة من هذا النوع، من الولايات المتحدة الأمريكية، قبل عدة أشهر من العدوان على قطاع غزة. تُسمَّى القنبلة: GBU-39. وزنتها 250 رطلاً. وهي مخصصة لاختراق التحصينات، تحت الأرض، وبخاصة الأنفاق، إذ تنفُذ في ثلاثة أمتار من الأسمنت المسلح إلى عشرين متراً (أيْ زهاء ثلاث طبقات) ويبلغ طولها 1.8 م، وقطرها 200 مم. وتحمل رأساً مدمراً، زنته 95 كجم. يوجهها، في مرحلة الإطلاق الأولى، نظام ملاحي ذاتي. يعاونه نظام ملاحي فضائي، في المرحلة التالية؛ ما يحقق إصابة، لا يتعدى اختلال دقتها متراً واحداً. وهي تُطلق من المقاتلات F-15 وF-16، التي تحمل كلّ منها زهاء 15 قنبلة. ويمكن إطلاقها من مدى 100 كم. و. القذائف المسمارية تُطلِق هذه القذائف المدفعية والدبابات. وتتشظى كلّ منها نحو 5000 شظية مدببة الرأس، بحجم مسمار طوله 3 سم، وقطره 2 مم. تنتشر بشكل دائري في مسافة 100 م طولاً. يكمن خطرها في افتقارها إلى الدقة ما يتهدد المدنيين.
2. استخدم المدفعية والصواريخ استخدمت القوات الإسرائيلية المدفعية والصواريخ، بجميع أنواعها، استخداماً مكثفاً، وعشوائياً، في تطهير مناطق من العبوات الناسفة والألغام والأنفاق والمخابئ الفلسطينية؛ إضافة إلى تدمير المنازل قبل تقدم القوات الرئيسية على جميع المحاور. واستخدمت المدفعية عيار 155 مم، وذخائر فسفورية، كانت تحمل رمز (M825A1) الأمريكية الصنع.
3. استخدام الأسلحة والمعدات أ. حاملة الجند المدرعة، "نامير" تلافى الجيش الإسرائيلي الضعف في الدبابة ميركافا، وخاصة في بطنها، والتي سبق أن دمر منها حزب الله عدة دبابات، في حرب لبنان، صيف 2006، باستخدامه، أثناء الحرب على قطاع غزة، المدرعة الجديدة، المتطورة "نامير". فقد استغنت المدرعة "نامير" عن برج الميركافا، وأبقت على شاسيتها؛ ما قلّل الوزن، وزاد من خفة الحركة والقدرة على المناورة. واستبدل بالسلاح الرئيسي للميركافا رشاش متوسط، نصف بوصة؛ فأمست مركبة قتال مدرعة خفيفة، تحمل عشرة جنود مشاة، قادرين، عند اللزوم، على مغادرتها، لاقتحام المواقع المعادية؛ مستغلين مميزات الدبابة ميركافا، ولا سيما الحماية، ونظام الإطفاء الآلي، ومقاومة أسلحة التدمير الشامل، ونظام الرؤية الليلية. ب. الرادار "هامر" أمكن حزب الله، في حرب لبنان، عام 2006، التنصت لاتصالات القيادة الشمالية الإسرائيلية ووحداتها فوقف على تحركاتها؛ ما أعانه على الكمون لها، حيث كبدها خسائر كبيرة. وقد تجنب الجيش الإسرائيلي هذا المصير بتطوير رادار، سُمِّي: "هامر"، يمكنه الاتصال بالأقمار الصناعية، والتشويش على وسائل الاتصالات كتشويش على اتصال رئيس الجناح السياسي في "حماس"، الذي اعترف بذلك التشويش، الذي قطع مكالماته. كما نجح في التشويش على إذاعة الحركة. وأفسد الاتصالات بين قيادتها الرئيسية وقياداتها الفرعية. ج. نظام حماية الدبابة ميركافا – 4 (TROPHY) خسائر المدرعات الإسرائيلية، في جنوبي لبنان، صيف 2006، والناجمة عن استخدام حزب الله الصواريخ الموجهة، المضادة للدبابات، مثل كورنيت، ذي الحشوة المزدوجة ـ حملت الصناعات الحربية الإسرائيلية IMI على تطوير منظومة، أسمتها: تروفي TROPHY، توفر حماية ذاتية للدبابة ميركافا من الصواريخ المضادة للدبابات. تتكون المنظومة من رادار كشف وإنذار، يغطي الدبابة في جميع الاتجاهات، وينذر باقتراب أيّ مقذوف مضاد، معادي. وهو موصول آلياً بقواذف، على جانبَي الدبابة (دروع انفعالية)، تُطلق مقذوفات تتشظى، لتحيط شظاياه ا بمسار الصاروخ المضاد للدبابات، وتدمره قبل أن يصل إلى درع الدبابة.
4. سلاح المهندسين استخدمت إسرائيل المعدات الهندسية، وخاصة الجرافات، استخداماً لافتاً، جعلها داعماً أساسياً للقوات المقاتلة. فمنها ما هو خاص بهدم المنازل، وإزالة الأشجار والمزروعات والأحراج؛ وأنواع أخرى، تشق طرقات جديدة، لتلافي الألغام والعبوات الناسفة، على المدقات والطرق؛ إضافة إلى الدقاقات الخاصة بتطهير طرقات التقدم من ألغام المقاومة الفلسطينية.
5. العمليات النفسية أ. عمدت إسرائيل، يومياً، خلال الحرب، إلى إسقاط المنشورات من الطائرات؛ إضافة إلى الرسائل الإلكترونية عبْر الإنترنت والهاتف النقال. وكانت تدعو فيها الفلسطينيين إلى عدم التعاون مع المقاومة، وأن يشوا بالمقاومين من خلال الاتصال بهاتف إسرائيلي، حددته لهم؛ وطمأنتهم إلى أن البلاغات والمعلومات، ستكون سرية. كما دعت منشورات أخرى إلى إخلاء المنازل، وخاصة في رفح الفلسطينية، قبل الإغارة الجوية عليها. ب. سعى المتحدثون ووزارة الدفاع إلى إضعاف معنويات المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني. ج. أفرطت القوات الإسرائيلية في إطلاق النيران على المقاومة والمدنيين الفلسطينيين؛ لتثبيط المقاومين، وتكوين رأي عام فلسطيني وعربي ضاغط، لتحميل المقاومة مسؤولية الخسائر: المادية والبشرية، في قطاع غزة. د. اخترق الجيش الإسرائيلي تردد فضائية "الأقصى"؛ التابعة لحركة "حماس". وبث مواد دعائية، تناوئ الحركة وتزري بقادتها، وخاصة الدكتور "الزهار"، الذي اتهمته بالجبن والاختباء، في الوقت الذي كانت تتعرض فيه غزة للنيران. وفي محاولة لتقنيط مشاهدي الفضائية المذكورة، عرضت إحدى المواد الدعائية صورة كرتونية لأحد مقاتلي "حماس"، وهو يرتجف خوفاً، ويفر من ساحة المعركة. هـ. حرصت وسائل الإعلام الإسرائيلية على تضخيم قدرات الاستخبارات والقوات الخاصة الإسرائيليتَين على اصطياد قادة بارزين في "حماس"، مثل: الريان وصيام. لا، بل ادعت أنهما قادرتان على الوصول إلى كلّ قياداتها: السياسية والعسكرية. كما نوهت بعجز "حماس" عن أسر جندي إسرائيلي واحد، خلال هذه الحرب. و. اخترق الجيش الإسرائيلي بث إذاعة "صوت الأقصى"، التابعة لحركة "حماس"، وأذاع عبْرها مواد دعائية تصف الحركة بأنها حركة إرهابية، لا تبالي بمصلحة الشعب الفلسطيني؛ وإنما هي أداة في يد إيران، تنفذ ما تمليه طهران ودمشق؛ لا، بل أمست ذراعاً إيرانية، في قطاع غزة. ز. منح التليفزيون والإذاعة الإسرائيليان، الناطقان باللغة العربية، معلقين هوداً، يجيدون اللغة العربية، فرصة الإخصاص بحركة "حماس"، واتهام قيادتها بأنها تتخذ من ملجأ تحت مستشفى دار الشفاء، في غزة، ملجأ لها؛ لا بل إن بعض قادتها، هربوا إلى مصر؛ والبعض الآخر، يختبئ في مقار بعثات دبلوماسية. ح. حمل الجيش الإسرائيلي على "حماس"، قبل بدء الحرب، حملة نفسية عارمة، أوحت بأن الحركة، لا تقلّ قوة عن "حزب الله"؛ وأن مقاتليها، الذين تدربوا في إيران، يتحفزون لمواجهة الجيش الإسرائيلي، وهم مزودون بمنظومات دفاعية متينة. هذه التقارير، التي نفخت في أنف "حماس"، كانت مبرراً، أمام الرأي العام المحلي والعالمي، ليستخدم ذلك الجيش آلته الحربية بأقصى طاقتها في مواجهة الحركة؛ وليفاخر بعد انتهاء الحرب بالقول: "لم نعد ذلك الجيش، الذي فقد هيبته في حرب لبنان؛ لتكتمل صورة النصر ونشوته".
ثالثاً: الأخطاء الإسرائيلية، في الحرب 1. تواني إسرائيل في مراعاة دروس حرب لبنان، صيف 2006؛ على الرغم من أن الحرب على قطاع غزة نسخة فلسطينية من الحرب على حزب الله؛ ونسخة مكررة، أهدافاً وقوة نيران، من عملية "أمطار الصيف الإسرائيلية" على قطاع غزة، عام 2006، وعملية "الشتاء الساخن" الإسرائيلية عليه كذلك، في مارس 2008. وهو أمر أكده وزير إسرائيلي سابق، إذ قال، في 13 ديسمبر 2008، إن إسرائيل أغفلت دروس حرب لبنان، على أكثر من صعيد. وإن عدو باراك الفعلي، ليس "حماس"؛ وإنما ذاكرة العام 2006. إلا أن الجانب الإسرائيلي، لم يستوعب درس صعوبة القضاء على المقاومة بالقوة العسكرية؛ وأن الإفراط في القتل والتدمير، يزيد تأييدها في الداخل والخارج؛ كما يشحذ تصميمها على الممانعة، لاعتمادها على ثقافة الجهاد.
2. فشل الآلة العسكرية الإسرائيلية في تحقيق أهداف الحرب. وما إعلان إسرائيل نجاحها في تحقيق تلك الأهداف، إلا دعاية، اقتضتها عوامل مختلفة. فقد استمرت المقاومة الفلسطينية في إطلاق الصواريخ، بعد انتهاء الحرب كما أعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية، في 20 يناير 2009، أن "حماس"، ما زالت تملك مخزوناً صاروخياً يُقدر بنحو 1200 صاروخ. وكشف، في فبراير 2009، أنها تملك 70 طناً من المتفجرات. كما اعترفت الجرائد البريطانية، في 18 يناير 2009، بأن الحرب الإسرائيلية، جاءت بلا هدف. وانتهت إلى هزيمة أخلاقية.
3. الغلو في استخدام القوة العسكرية والنيرانية، في مواجهة مقاومين، أسلحتهم خفيفة، وينتشرون، أحياناً، وسط المدنيين. وتغاضي القوات الإسرائيلية عن التمييز بين هؤلاء وأولئك، خلال القتال البري، والغارات الجوية والمدفعية على الرغم من إعلان تغيير قواعد الاشتباك، في مرحلة الهجوم البري على المناطق السكنية؛ لتستهدف عند الارتياب فقط، تجنباً لتعريض حياة الجنود للخطر.
4. ارتكاب القوات الإسرائيلية جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، باعتراف المنظمات الدولية: الرسمية وغير الرسمية، باستخدام الأسلحة المحرمة دولياً، والإفراط في قتل المدنيين. والتدمير الشامل لقطاع غزة، وارتكاب العديد من المجازر، شوها صورة إسرائيل، أمام المجتمع الدولي؛ ما اضطرها، بعد الحرب، إلى تكوين فريق خاص يضطلع بحملة دبلوماسية وإعلامية دولية، تحسّن تلك الصورة.
5. تخطيط إسرائيل، تركز في إشعال الحرب على قطاع غزة، ولم يطاول إطفاءها. فقد أشار معظم التقارير الرسمية إلى ارتباك القيادات الإسرائيلية، بعد أسبوع من الهجوم البري، في توسعة الحرب من عدمها؛ فأمست العمليات عشوائية، وتكتية، اقتصرت على القتل، وتدمير أحياء سكنية فلسطينية كاملة. كما أوقف رئيس الوزراء الإسرائيلي الحرب، في 17 يناير 2009 إيقافاً غير مبرر، ومفاجئاً؛ بل مناقضاً للسياسة والأسلوب الإسرائيليَّين إذ إن المقاومة الفلسطينية، لم تغير أداءها تغييراً جوهرياً، على المستويَين: السياسي والعسكري.
6. فشل معظم عمليات الإبرار البحري لوحدات قوات خاصة بحرية، على سواحل قطاع غزة.
7. انخراط الجيش الإسرائيلي في الحرب، قبل اكتمال إعداده، طبقاً للخطة الخمسية لتسليح الجيش، التي تنتهي عام 2012، وخاصة تطوير دروع الدبابة ميركافا 4؛ وزيادة أعداد القوات الخاصة، لمقاومة حرب العصابات وتطوير ذخائر المدفعية عيار 155 مم، لزيادة دقة الإصابة.
8. استخدام إسرائيل ذخائر محرمة دولياً، مثل قنابل الفسفور الأبيض، التي تسبب نزفاً داخلياً وجروحاً وكسر عظمة الفك؛ كما تحدث حروقاً في الجلد، وتفسد الكبد والقلب والكُلى، بما يؤدي إلى الموت نتيجة إنتاج غازات حارقة. وكذلك قنابل دايم (DIME)، التي تندرج في الأسلحة غير التقليدية، الأقرب إلى أسلحة التدمير الشامل والتي تُسمَّى: "السلاح اللغز"؛ واسمها اختصار لعبارة متفجرات المعدن الخامل ذات الكثافة العالية Dens Inert Metal Explosives . زِد على ذلك القنابل الارتجاجية لأسلحة التفجير الحجمي والتي تُعرف باسم: Volume Detonating Weapons (VDW)؛ وقد استخدمت في حرب "عاصفة الصحراء"؛ وهي محرمة دولياً. وكذلك القذائف المسمارية، التي تتشظى الواحدة منها 5000 شظية مدببة الرأس، تخترق جسم الإنسان؛ وهي مشابهة للذخائر "دم دم" المحرمة دولياً.
يتبــــــــع
ابطال الحرمين
لـــواء
الـبلد : العمر : 38المهنة : باحث في العلوم الاستراتيجية والعسكرية التسجيل : 24/07/2011عدد المساهمات : 3185معدل النشاط : 4639التقييم : 867الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
موضوع: رد: الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة (27 ديسمبر 2008 ـ 17 يناير 2009) الأحد 18 مارس 2012 - 14:05
المبحث الرابع المقاومة الفلسطينية، في قطاع غزة
المقاومة الفلسطينية، في قطاع غزة، أجنحة عسكرية لتنظيمات سياسية متعددة، يغلب عليها الطابع الإسلامي وبدرجات متفاوتة من التشدد الديني. ويجب ألاّ يختزل نشاط المقاومة في حركة "حماس" وحدها، إذ شاركتها في الحرب جميع التنظيمات الفلسطينية، بما فيها جماعات تابعة لحركة "فتح"، إلا أن "حماس"، تحوز قسطاً كبيراً من الاهتمام السياسي والإعلامي؛ لأنها القوة الكبرى على الساحة الفلسطينية.
وخلال الحرب، تحول بعض التنظيمات الفلسطينية، من تنظيمات مدنية مقاومة، إلى تنظيمات شبه عسكرية، وإن كانت أقرب إلى الجيش النظامي، بما تملكه من تنظيم وتسليح وقدرات لوجستية. كما أحاطت بنفسها سرية عالية وكتماناً شديداً.
أولاً: القدرات التنظيمية للمقاومة تكتم المقاومة الفلسطينية عديد قواتها. ولكن بعض المصادر الإسرائيلية، التابعة لجهات أمنية، تقدر أن حركة "حماس" تنتظم 20 ألف مسلح. منهم نحو عشرة آلاف، ينضوون إلى كتائب عز الدين القسام؛ وخمسة آلاف، ينضمون إلى الأجهزة الأمنية؛ والباقون ينتمون إلى تنظيمات فلسطينية صغيرة، متعاونة بقوة مع "حماس". بيد أن تلك التقديرات ليست إلا تكهنات، تفتقد العِلمية. أمّا أحد مسؤولي "حماس"، فقد أعلن، في 3 أغسطس 2008، بأنها تحتضن 30 ألف رجل في الأجهزة الأمنية، و15 ألفاً في كتائب القسام.
يجتمع، في قطاع غزة، نحو 18 تنظيماً مسلحاً. أبرزها كتائب الشهيد عز الدين القسام، التابعة لحركة المقاومة الإسلامية، "حماس". أمّا حركة "فتح"، فلها ثماني أذرع عسكرية، من أبرزها كتائب شهداء الأقصى. وكتائب الشهيد أحمد أبو الريش. وكتائب المجاهدين. وحركة الجهاد الإسلامي، يتبعها سرايا القدس. وكتائب أبو علي مصطفى وكتائب الشهيد جهاد جبريل، تابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين "القيادة العامة". وكتائب المقاومة الوطنية التابعة للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين. وألوية الناصر صلاح الدين، التابعة للجان المقاومة الشعبية. وسرايا النضال والعودة، التابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وكتائب أبو العباس، التابعة لجبهة التحرير الفلسطينية أضف إلى ذلك بعض التنظيمات الفلسطينية، القريبة من تنظيم "القاعدة"، مثل: جيش الإسلام، وجيش الأمة، وجماعة المرابطين.
تنظم المقاومة قواتها أجنحة، بقيادات خاصة، مثل: المشاة، والقوات الخاصة، والأمن، والاستخبارات، والهندسة الميدانية، والمدفعية، والصواريخ، والاتصالات، وتصنيع أسلحة وصيانتها، وتنسيق التهريب؛ إضافة إلى الإمداد اللوجستي.
وقد شاركت في أعمال المقاومة الفلسطينية، داخل قطاع غزة، التنظيمات الآتية: 1. الجناح العسكري لحركة "حماس" (كتائب عز الدين القسام) تتكون من ستة ألوية. قوام كلّ منها 1800 مقاتل. ينتظمهم بالتساوي ما يراوح بين 4 و5 كتائب. ويراوح عماد الكتيبةبين 4 و5 سرايا، تضم كلّ منها 72 مقاتلاً، تتوزعهم بالتساوي ثلاث فصائل. وتتكون الفصيلة من ثلاث جماعاتملاك كلّ منها ثمانية مقاتلين. 2. الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي (سرايا القدس): نحو 3000 مقاتل. 3. الجناح العسكري لحركة "فتح" (شهداء الأقصى): زهاء 2000 مقاتل. 4. القوة التنفيذية (الشرطة): تناهز 6000 مقاتل. 5. الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين: 500 شخص. 6. الجناح العسكري للجان المقاومة الشعبية: 1000 مقاتل. 7. لجان المقاومة الشعبية (ألوية الناصر صلاح الدين): 500 شخص. 8. استشهاديون: يقارب عددهم 200 شخص. يكونون خلايا نائمة، داخل إسرائيل. وهم مستعدون لتنفيذ مهام انتحارية، في المدن الإسرائيلية، بتعليمات من "حماس". تعمل التنظيمات الفلسطينية المسلحة كلّ على حدة. وقلّما تتشارك في عمل ما، والتعاون بينها محدود؛ على الرغم من وجود مجلس للتنسيق المشترك. وينقسم عمل التنظيم العسكري بين جماعات صغيرة وأخرى صغرى؛ لكلّ منها اسم رمزي. كما تنتشر التنظيمات في القطاع بأسلوب "مسؤولية المناطق"، أيْ تحديد نطاق مسؤولية للحماية والتأمين والدفاع لكلّ تنظيم مسلح، ينفرد بالاضطلاع بها، وأحياناً تشاركه تنظيمات أخرى. وفي بعض الحالات، يلتزم نطاق المسؤولية المناطق السكنية للتنظيم وعائلات أتباعه، ليتحول الدفاع هنا عن العائلة والمسكن. وكلّ نطاق مسؤولية يقسَّم بين قطاعات صغيرة، يقوم على كلّ منها جماعة قتالية، تراوح بين 50 و60 مسلحاً.
ثانياً: القدرات التسليحية للمقاومة منذ عام 2007، اعتمدت التنظيمات المسلحة في قطاع غزة، ولا سيما حركتا "حماس" والجهاد الإسلامي، إستراتيجية جديدة لتطوير القدرات التسليحية، قوامها إرسال خبراء إلى الخارج لدراسة تطوير القدرات الصاروخية وتصنيعها بالإمكانيات الذاتية، والأساليب المبتكرة لاستخدامها من تحت الأرض. واستندت كذلك إلى ابتكار أساليب جديدة للتهريب، بالتنسيق مع دول وجهات خارجية، وخاصة إيران وسورية وحزب الله اللبناني والسودان.
تهرّب المقاومة الأسلحة، عبر أنفاق إلى قطاع غزة، سواء الأسلحة التي تتزود بها من المافيا الإسرائيلية، وتلك المستقدمة من الأراضي المصرية. إلا أن الجزء الأكبر من السلاح، تهربه شبكة دولية، من إيران والسودان، داخل حاويات عازلة، تسلَّمها إلى مهربين، في البحر الأبيض المتوسط، يسربونها، في توقيتات محددة، إلى مناطق بالقرب من سواحل القطاع. ويراعى في هذه العملية اتجاه التيارات البحرية وسرعتها؛ إذ إنها هي التي تدفع الحاويات ليلاً، إلى المناطق الساحلية حيث ينسق التقاطها. وقد تضل الحاويات طريقها، فتبلغ السواحل المصرية، شمالي سيناء، حيث تجرها القوارب، وهي تحت الماء إلى سواحل قطاع غزة؛ ذلك إن لم يعثر عليها حرس السواحل المصري. وتنقلها القوارب، أحياناً، تحت الماء، من السفن مباشرة إلى شواطئ القطاع.
وازدادت المقاومة خبرة بصناعة الصواريخ المحلية، وتطوير تلك المهربة، كصاروخ جراد، الذي بلغ مداها 50 كم خلال الحرب. وأشار تقرير مركز الزيتونة للدراسات، في بيروت، الصادر في أبريل 2008، أن خبراء كتائب القسام، استخرجوا من روث الحيوانات بعض الغازات والمواد الكيماوية، التي تستخدم في صنع المتفجرات؛ فأحبطوا حظر إسرائيل جميع المواد، التي تدخل في صناعة الصواريخ والقذائف، بما فيها مواد النظافة، ومادة اليوريا، التي تستخدم في الزراعة.
يقتصر تسليح المقاومة على الأسلحة: الخفيفة والمتوسطة؛ وبعض أجهزة الرؤية الليلية؛ وهاونات: خفيفة ومتوسطة، عيارات 60 مم و82 مم و120 مم؛ ورشاشات عيار 14.5 مم. لم يتأتَّ معظمها لحركة "حماس" إلا بعد استيلائها على مخازن سلاح الأجهزة الأمنية، إثر سيطرتها على قطاع غزة، في مايو 2007. أضف إلى ذلك أنواعاً مختلفة من العبوات الناسفة، المضادة للأشخاص والعربات والدبابات؛ وعدداً غير محدد، من الألغام المضادة للدبابات. وأشارت المصادر الإسرائيلية، عام 2007، إلى وجود صواريخ مضادة للطائرات، محمولة على الكتف، في قطاع غزة. ونشرت صوراً لاعتراض أحدها، في أجواء القطاع، طائرة عمودية إسرائيلية، من طراز أباتشي. إلا أنها، في الأغلب، لم تستخدم في الحرب الأخيرة. كما تملك المقاومة أسلحة مضادة للدبابات، مثل RBG (ياسين)، وساجر، والصاروخ BG-29 المزود برأس تاندم ذي العبوة المزدوجة، عيار 107 مم. وتراوح أعدادها بين 500 و800 صاروخ مضاد للدبابات.
ذكرت القناة العاشرة للتليفزيون الإسرائيلي، في 30 ديسمبر 2008، أن المقاومة خسرت 25% من قدراتها الصاروخية، ولا تزال تملك 2000 صاروخ. وأشارت مصادر أخرى إلى أن المقاومة، تملك نحو 1500 صاروخ يراوح مداه بين 10 و15 كم؛ إضافة إلى ما يراوح بين 200 و250 صاروخ جراد، عيار 122 مم إيراني، يناهز مداه 45 كم. وأعلنت المصادر الإسرائيلية، أن صواريخ المقاومة، تغطي عمق 40 كم من قطاع غزة؛ وأن واحد من بين كلّ ثمانية إسرائيليين، أي 800 ألف إسرائيلي، أصبحوا في مدى تلك الصواريخ. وتبقى عند المقاومة، بعد وقف إطلاق النار، في 17 يناير 2009، زهاء 1200 صاروخ.
1. الصواريخ المحلية الصنع أ. تملك "حماس" صواريخ القسام، حتى الجيل الخامس. والجهاد الإسلامي، تملك صواريخ القدس، حتى الجيل السادس. وتملك لجان المقاومة الشعبية صواريخ ناصر، حتى الجيل الرابع. والأذرع المسلحة التابعة لحركة "فتح" في قطاع غزة، تملك صواريخ أقصى وياسر وكفاح. والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، تملك صواريخ صمود. ويراوح مدى الصواريخ المحلية بين 6 و20 كم. ب. حاولت الفصائل الفلسطينية، في قطاع غزة، نقل تكنولوجيا صناعة الصواريخ إلى الضفة الغربية؛ إلا أن الاستخبارات الإسرائيلية، والأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية خيبتا عدة محاولات، عام 2008.
2. الصواريخ المهربة وهي من نوعَي كاتيوشا وجراد. طُوِّر جزء كبير منها، حتى راوح مداه بين 20 و50 كم. ويأتي أغلبها من إيران. 3. قارب معدل إطلاق الصواريخ، يومياً، خلال الأسبوع الأول 70 صاروخ. وتراجع معدله اليومي إلى 40، خلال الأسبوع الثاني. وراوح بين 20 و25 صاروخاً، كلّ يوم، خلال الأسبوع الأخير من الحرب. فقد أطلقت المقاومة، إذاً خلال الفترة منذ 27 ديسمبر 2008 حتى 17 يناير 2009، زهاء 1200 صاروخ وقذيفة هاون. أشار البيان الختامي لكتائب عز الدين القسام إلى إطلاق 943 منها. وأعلن بيان الجهاد الإسلامي إطلاق 262. أمّا الجيش الإسرائيلي، فقدرها بنحو 800 فقط.
4. تراوح حمولة الصواريخ الفلسطينية، من المواد المتفجرة، بين 5 و20 كجم. وتأثيرها التدميري محدود، إذ لم تقتل إلا ثلاثة مدنيين إسرائيليين فقط؛ ولذلك، فإن تأثيرها معنوي أكثر من كونه مادياً. وبالحسابات النظرية لمعامل الضرر فإن النتيجة تقترب من الصفر، باحتساب عدد الصواريخ لكلّ ضحية بشرية إسرائيلية. ويُشار إلى أن معامل الضرر في حرب يوليه 2006، ناهز 72، أيْ أن كلّ 72 صاروخاً لحزب الله، قتلت مواطناً إسرائيليا.
5. أشار حصاد المقاومة الفلسطينية إلى أنها تصدت للدبابات الإسرائيلية بعدد 98 قذيفة وصاروخاً، وتفجير 79 عبوة ناسفة، وتنفيذ 53 عملية قنص، و12 كميناً مسلحاً، و12 اشتباكاً مسلحاً، وعملية استشهادية واحدة.
6. زعرت الصواريخ الفلسطينية سكان مدن إسرائيل ومستعمراتها، في المنطقة المحيطة بقطاع غزة، بعمق 50 كم فغادروها، لتمسي المدارس، والمؤسسات التجارية، والأنشطة السياحية شلاء. وأشار تقرير لمراسل جريدة "التايمز"البريطانية، إلى مغادرة 30 – 40% من سكان بئر سبع، البالغ عددهم 186 ألف نسمة؛ وتوجههم إلى إيلات وتل أبيب. وأشارت تقارير أخرى إلى هجرة 50% من سكان المناطق المحيطة بغزة؛ وأن صفارات الإنذار المتكررة، المبشرة بالصواريخ، كان لها أثر نفسي شديد في السكان، وخاصة ليلاً؛ حتى إن بعضهم، حُرموا النوم طوال ليالي الحرب.
7. أطلقت المقاومة، في 10 يناير 2009، صاروخ جراد مطوراً على قاعدة بلماخيم الجوية. وهي على مسافة 50 كم من غزة، و15 كم من تل أبيب. وفيها مركز قيادة القوات الجوية والدفاع الجوي الإسرائيلي، ومنظومة صواريخ آرو المضادة للصواريخ، وجزء من نظام الدرع الصاروخي الأمريكي (اُنظر جدول أهم الأهداف التي استخدمتها حماس، والصواريخ والقذائف الموجهة ضدها ) و(خريطة مناطق رماية صواريخ المقاومة).
ثالثاً: التدريب والتأهيل ينفرد بعض التنظيمات المسلحة، مثل "حماس" و"فتح" والجهاد الإسلامي، بعقد دورات نظرية للمتطوعين. تليها دورات تدريبية عملية ميدانية، تؤهلهم للعمل العسكري، بما فيه اللياقة البدنية. وتعقبها دورات اختصاصية، للتدريب على القواذف والصواريخ، أو الاتصالات أو الهندسة العسكرية. كما يخصص المشاة بدورات متقدمة لتدريبهم على الحرب الدفاعية، والقتال التعطيلي، وحرب العصابات، مثل: الإغارات والكمائن؛ ليصبحوا هم قوة النخبة في القوات الخاصة. لم تعدم المقاومة ميادين تدريبية مجهزة، مثل حواجز الخماسي العسكري، ولو بدائية؛ وميادين للتدريب على ضرب النار وجزء كبير منها موجود في شمالي قطاع غزة، رُصد منها 15 ميداناً. أمّا الدورات النظرية، فتُعقد في قاعات المدارس أو الجامعات، أو الجوامع؛ وأحياناً في شقق أو مساكن خاصة.
رابعاً: العقيدة القتالية، والقيادة والسيطرة اعتنقت حركة "حماس" خاصة، وأجنحة المقاومة الفلسطينية عامة، عقيدة قتالية، قاعدتها هي الإدارة اللامركزية للميدان؛ فخصِّص كلّ قطاع عملياتي بقيادة محلية. لقد خشيت المقاومة، أن يقدم الجيش الإسرائيلي على قطع طرق المواصلات، وتجزئة القطاع ومنع الانتقال الآمن بين مناطقه؛ فارضاً عليها حصاراً، يحرمها حرية الحركة أو المناورة والانتقال. فاستعدت لذلك، باعتماد مبدأ اللامركزية الميدانية، إذ جعلت لكلّ قطاع عملياتي قيادة مستقلة، وما يكفيه من المقاتلين والدعم اللوجستي، الذي يعينه على البقاء في الميدان محاصراً، مدداً طويلة نسبياً. وقد فوت هذا الأمر على الخصم فرص إسقاط أيّ منطقة محاصرة من غير قتال. لا، بل اضطر إلى إخلاء بعض المناطق التي دخلها؛ لأنه لم يستطع أن يُجْهِز على كلّ المقاومين فيها، فخشي على نفسه من الخسائر.
وضمت غرفة تنسيق مشترك معظم التنظيمات، في قطاع غزة؛ إلا أن كلاً منها انفرد بإدارة معاركه، طبقاً لنطاق أو منطقة مسؤوليته. بيد أن بعض المعارك، تشارك فيها غير تنظيم، وخاصة شمال شرق غزة، وشرق جباليا. ولكلّ تنظيم كذلك اتصالاته للقيادة والسيطرة، وخاصة حركة "حماس" التي كانت مسيطرة على معدل إطلاق الصواريخ والمناورة بالمقاتلين من مكان إلى آخر، واستمرار السيطرة على المقاتلين والاتصال بهم، في عمق القوات لإسرائيلية لتكليفهم مهام جديدة أو إضافية. وأكد بعض التقارير، أن الشبكة اللاسلكية للحركة، قد دُمرت، خلال اليومَين الأولَين للحرب؛ إلا أنها استعادت كفاءتها، في اليوم الثالث، في 31 ديسمبر 2008.
فرضت القوة التنفيذية (لواء الشرطة المدنية)، خلال الحرب، سيطرتها على الأوضاع الأمنية، في قطاع غزة؛ على الرغم من النيران الإسرائيلية: البرية والجوية. فجابت دورياتها الشوارع، لتوقيف الجناة، مرتدية الملابس المدنية، وارتدى بعض رجالها، أحياناً، شارات، للدلالة على صفتهم الرسمية. وقد حال ذلك دون النهب، وحدّ من الجرائم.
خامساً: تجهيز مسرح العمليات 1. جغرافية قطاع غزة يمتد قطاع غزة على شريط مستطيل من الأرض، يناهز طوله 40 كم. أمّا عرضه، فأقصاه في جنوبيه، عند خان يونس ورفح، حيث يبلغ 12 كم؛ وأضيقه عند دير البلح، حيث يبلغ 6 كم. فمساحة القطاع، إذاً، تقدر بزهاء 360 كم2 في جنوبي فلسطين المحتلة.
يبلغ عدد سكان القطاع مليوناً ونصف مليون نسمة. منهم مليون لاجئ، يعيشون في مخيمات، أبرزها: مخيم رفح، ومخيم خان يونس، ومخيم دير البلح، ومخيم النصيرات، ومخيم جباليا، ومخيم الشاطئ. أهم مدن القطاع هي: رفح، خان يونس، دير البلح، غزة، بيت حانون، بيت لاهيا. يقسم القطاع بين منطقتَين: شمالية وجنوبية. يراوح عدد سكان أُولاهما بين 800 و900 ألف نسمة. وتضم مناطق بيت حانون، بيت لاهيا، وجباليا؛ وهي الأقرب إلى عمق إسرائيل، ومنها تنطلق صواريخ المنظمات الفلسطينية إلى جنوبي إسرائيل. ويسكن الثانية 400 ألف نسمة. وما بين المنطقتَين معظمه أراضٍ زراعية وبساتين وعدة مخيمات للاجئين.
يفتقر قطاع غزة إلى العمق الإستراتيجي، إذ تطاوله نيران المدفعية والهاونات الإسرائيلية، فكاد يكون مدينة محاصرة لذلك، يمكن سقوطه، من خلال اقتحامه عسكرياً، واحتلال مدنه، وتدمير مقاومته، ومحاصرته، وحرمانه مقومات الحياة، كالغذاء والماء والدواء والطاقة؛ إضافة إلى الضغط عسكرياً عليه، واستنزاف قواه في الداخل.
يفصل بين مدينتَي رفح: الفلسطينية والمصرية، ممر "فيلادلفي"، الملاصق لحدود مصر، والذي استثار نقاشاً طويلاً على المستويَين: الإقليمي والدولي، في شأن حفر "حماس" أنفاقاً أسفله؛ لتسريب احتياجات سكان قطاع غزة لا سيما "حماس"، من مصر إليها.
يقدر طول هذا الممر بنحو 14 كم. ويراوح عرضه بين كيلومتر و3 كم. ويشكل جزءاً من الحدود الدولية، بين مصر وفلسطين تحت الانتداب. والمنطقة، التي يمر بها الممر الحدودي، فقيرة بمواردها الطبيعية؛ تربتها رملية إلى مختلطة. وتعاني شح المياه، الناجم عن استنزاف إسرائيل المستمر للمياه الجوفية. وهي منطقة شبه مستوية. يتدرج ارتفاعها، من الشمال إلى الجنوب، من صفر، عند سطح البحر الأبيض المتوسط، إلى 90 م، عند التقاء الحدود، بين قطاع غزة ومصر وإسرائيل.
تقع المنطقة السكنية، التي تضم زهاء 40 ألف فلسطيني، في وسط الشريط الحدودي. وهو ما يمثل مشكلة أمنية كبيرة لإسرائيل، إذا ما سعت إلى السيطرة الكاملة على هذا الشريط الحدودي.
تتركز الأنفاق، التي تشكو منها إسرائيل، في منطقة مكشوفة للجانب المصري - الفلسطيني، يبلغ طولها 4 كم ومخارج الأنفاق ومداخلها مكشوفة للجميع، وإن كان الفلسطينيون يموهونها، في جانبهم، بالخيام؛ ليخفوا ركام الحفر ويتحدد طول النفق وعمقه، حسب المكان وطبيعة الأرض. فيراوح طوله بين 200 و1000 م، وعمقه بين 15 و30 م أمّا سعة النفق، فهي لا تزيد على مترَين، في الارتفاع والعرض. ويُدعم بعض الأنفاق بمساند خشبية؛ تفادياً لانهيارها
أمّا منطقة الأنفاق، في الجانب المصري، فهي مفتوحة، وبها أراضٍ زراعية، في الغالب. ويوصل إليها ما يقرب من سبع طرق رئيسية، لا يزيد طولها على 300 م؛ وتحكمها نقاط تفتيش.
بادرت إسرائيل، عشية انسحابها من قطاع غزة، عام 2005 إلى ثَغْر 13 ثغرة في الشريط الحدودي، اندفع الفلسطينيون، من خلالها، إلى الأراضي المصرية. ولكن القوات المشتركة: المصرية والفلسطينية، أغلقت 11 ثغرة منها.
يحد قطاع غزة، من الشمال والشرق، المنطقة الجنوبية من إسرائيل. وأبرز مدنها، في شماله، "أشكلون"، "أشدود" وبعدهما يافا وتل أبيب. وجميع هذه المدن على البحر الأبيض المتوسط. وفي شرقه، مستوطنتا سديروت، ونيتيفوت وشرقهما مدينة بئر السبع.
وتتاخم مصر جنوبي القطاع، حيث تتصل به محافظة شمالي سيناء، عند مدينة رفح المصرية. أمّا من الغرب، فيطل القطاع على البحر الأبيض المتوسط، حيث المنطقة، التي تقول إسرائيل أنها منطلق لصورايخ "حماس"، والتي تبعد 7 كم عن حدودها الجنوبية.
يخترق قطاع غزة، طولاً، طريق صلاح الدين، الذي يصل شماله بجنوبيه. ويصله بإسرائيل، شمالاً؛ وبمصر، جنوباً وتتفرع منه طرق عرضية، تصل المدن والمخيمات بعضها ببعض. وتقسم القطاع، عرضاً، بين خمس مناطق يمكن عزل بعضها عن بعض، عسكرياً (كما فعلت إسرائيل في الحرب الأخيرة).
2. التجهيز الهندسي لم تغفل المقاومة عن إعداد ميدان المعركة، فاعتمدت خطة تجهيز هندسي لأرض العمليات. إلا أنها لم تنفذها، قبل بدء الحرب، في 27 ديسمبر 2008؛ ربما لانخداعها بالتضليل الإسرائيلي. ولم تتداركها إلا في مرحلة لاحقة، بعد بدء الحرب. شملت الخطة نشر عبوات ناسفة وألغام في محاور التقدم. وإخلاء منازل فلسطينية من سكانها وتجهيزها للنسف بأشراك خداعية. وتجهيز كثير من قواعد إطلاق الصواريخ، تحت الأرض. وإعداد المكامن وملاجئ تحت الأرض يختبئ فيها من سيعملون في عمق القوات الإسرائيلية. واختيار مخابئ محصنة، لتخزين الذخائر والصواريخ. وتجهيز خنادق ومرابض نيران، في بعض المناطق على محاور اقتراب العدو؛ لخدمة القتال التعطيلي؛ إلا أنها كانت محدودة، ولم تظهر إلا في مناطق شرق جباليا.
طالما أعلن الإسرائيليون، أن "حماس" أكثرت من الأنفاق، في مناطق متعددة. بيد أن وقائع الحرب، تنبئ بمبالغتهم إذ إن معارك المقاومة الأساسية، تركزت في ضواحي المناطق السكنية؛ والعمليات في عمق القوات الإسرائيلية، كانت محدودة. وتمكنت القوات البرية الإسرائيلية من الانتشار في 70% من أراضي شمالي قطاع غزة، خلال 48 ساعة وعُوِّقت أمام المناطق السكنية. وربما كانت الأنفاق عديدة، ولا مبالغة في كثرتها؛ وتوافرت للإسرائيليين معلومات مسبقة عنها، بالتصوير الجوي، والعملاء، نتيجة صعوبة إخفائها في الأرض المفتوحة في لقطاع، فدمروها بالنيران الجوية، خلال الأسبوع الأول للحرب.
لئن كانت جغرافية قطاع غزة ملائمة للحرب غير التقليدية وعمليات المقاومة؛ لأنها أرض سهلة مفتوحة، تخلو من الجبال والأودية والغابات، التي تلائم مثل تلك الحرب؛ فإن المقاومة هيأت أرض القطاع لحرب العصابات. فحاولت عرقلة تقدم العدو، إذ استعانت بالحفر والخنادق المموهة والأنفاق.
لكنها لم تتمكن من تنظيم مقاومة فاعلة، تمنع الجيش الإسرائيلي من التقدم، أو تلحق به الخسائر المؤثرة، في أثناء حركته في اتجاه المدن وسائر المباني، حيث الدفاع الأساسي للمقاومة. وقدرت أن مقاومته، في الأرض السهلة المكشوفة المفتوحة لحركة الدبابات، صعبة؛ وهي غير مؤهلة لذلك. لهذا، اقتصر تصديها للعدو، المتقدم في المناطق الآنفة، على نسف الجسور، أو التلغيم، أو القصف والقنص، من مسافات بعيدة.
سادساً: المعركة الدفاعية أطلقت المقاومة عليها اسم: "معركة الفرقان". 1. أهداف المقاومة الفلسطينية أ. من أهم أهداف المقاومة، قبل الحرب وخلالها وبعدها، حرمان إسرائيل تحقيق أهدافها: السياسية والعسكرية وخاصة القضاء على المقاومة الفلسطينية، في القطاع، بالقوة العسكرية، أو بالقوة الدبلوماسية. كما سعت إلى إحباط جميع الجهود: الدبلوماسية والسياسية، التي تستهدف تحقيق انتصار سياسي لإسرائيل، بعد فشلها في تحقيق نصر عسكري. وهناك مقولة للمقاومة، فحواها: "تربح المقاومة، إذا فشل الجيش الإسرائيلي في تحقيق أهدافه". ب. المحافظة على معدلات ثابتة لأعمال القتال، أطول مدة ممكنة، أثناء الحرب وبعدها؛ ما يحقق الاستمرار والصمود أمام الهجمات الإسرائيلية. ويقتضي هذا الهدف استخدام معدلات يومية ثابتة من الذخائر، وخاصة الصواريخ؛ وعدم الإسراف في استخدامها؛ والسيطرة المركزية على زيادة هذه المعدلات أو تخفيضها. ج. الضَّنّ بالمقاومين، قادة ومسلحين، والحرص على حمايتهم؛ للافتقار إلى بدلائهم، إن هم استشهدوا. واعتماد أسلوب القتال، على بصيرة، وليس مغامرة اندفاع عاطفية. واستمرار عمليات المقاومة، طوال الحرب، دونما توقف أو تراجع. والتشبث بإرادة المقاومة، وعدم انكسارها، أمام هجمات العدو القوية. د. التأثير في الجبهة الداخلية الإسرائيلية، لتمثل عامل ضغط على القيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل، لوقف الحرب. هـ. الاستمساك بالتأييد الشعبي الداخلي والخارجي، لكونه الحاضن الرئيسي للمقاومة. و. إبراز "حماس"كُفُؤاً لإسرائيل في التفاوض. وفرض نفسها ممثلاً للشعب الفلسطيني، سيان في قطاع غزة والضفة الغربية، عبر المطالبة بتغيير المرجعية الفلسطينية، التي تمثلها السلطة الفلسطينية، واستبدال الحركة بها، لتحل محلها بالخريطة العربية والإسلامية. ز. إشهار "حماس" قيادة سياسية، واعتراف الدول بها؛ فضلاً عن كونها حركة جهادية مناضلة، تعمل على جميع المحاور: السياسية والعسكرية والإعلامية. ح. إجبار مصر على فتح معبر رفح، بالضغط عليها سياسياً وإعلامياً وشعبياً؛ ما يتيح امتداد "حماس" غرباً، في شمالي سيناء، وفرض وجود فلسطيني. ط. تأكيد قدرة "حماس" على تكبيد إسرائيل خسائر: بشرية ومادية، في مدنها وبلداتها ومستعمراتها، في المنطقة الجنوبية؛ ما يمنع إسرائيل من شن هجمات عسكرية على قطاع غزة. وذلك لامتلاك الحركة سلاح ردع، هو الصواريخ أرض/ أرض؛ وتطبيقها لما تسميه: "ميزان الرعب"، في مواجهة التفوق العسكري الإسرائيلي. ي. كسر الحصار المفروض على قطاع غزة، بواسطة القوة العسكرية. ك. اختبار أسلحة ومعدات وأساليب قتالية جديدة، في مواجهة القوات الإسرائيلية. وإجبار إسرائيل على مراجعة نظريتها الأمنية والإستراتيجية، بعد إثبات نقاط ضعف فيها، وخاصة ما يتعلق بجدارها العازل، وقدرة الصواريخ أرض/ أرض على الوصول إلى أهدافها، داخل إسرائيل. ل. استغلال العدوان الإسرائيلي في الحصول على أكبر قدر من المساعدات: المالية والعينية، من الدول الأخرى ولا سيما العربية والإسلامية منها. م. الإضرار بالمنشآت الاقتصادية، في جنوبي إسرائيل. واستنزاف الجهد الاقتصادي الإسرائيلي، عبر توجيهه نحو المجهود الحربي، وخصوصاً مع قرب الانتخابات الإسرائيلية. ما يحرج حكومة "أولمرت". ن. إحراج السلطة الفلسطينية، بقيادة الرئيس الفلسطيني، محمود عباس. وإثبات عجزها عن اتخاذ مواقف: سياسية أو عسكرية، في حالة تعرض جزء من الشعب الفلسطيني للعدوان. واستطراداً، اكتساب "حماس" الدعم الشعبي وفرض نفسها ممثلاً للشعب الفلسطيني، في قطاع غزة والضفة الغربية.
2. جوهر فكرة المعركة الدفاعية لا شك أن المقاومة الفلسطينية، استمدت فكرة المعركة الدفاعية، في قطاع غزة، من أساليب قتال حزب الله، في لبنان في يوليه 2006. وقد خلطت تلك الفكرة حرب العصابات بعقيدة الجيوش النظامية؛ فتمخضت عقيدة خاصة جديدة راعت قدرات العدو، وطبيعة الأرض المفتوحة، والقدرات العسكرية للمقاومة في القطاع، وصعوبة استعاضة الذخائر والصواريخ، خلال الحرب.
اعتمدت فكرة المقاومة على إدارة قتال تعطيلي، في الأرض المفتوحة، بالاستفادة من بعض التجهيزات الهندسية والمساكن المتناثرة في محاور تقدم العدو؛ واستنزاف قواته وإرهاقها، في معارك برية وحرب عصابات. واستندت إلى الدفاع عن المدن الرئيسية، بأساليب قتال المدن، في نطاقَين لكلّ مدينة. الأول، يتضمن إدارة معركة دفاعية عن القرى والضواحي الخارجية، بالقوات الخاصة والمسلحين المدربين. والثاني، يتضمن مراكز المدن، وتنتشر فيه القوات: الأمنية والشرطية، المدعمة بقوات خاصة؛ وتركيز الدفاع عنها، وعدم السماح باختراقها؛ ويُحتفظ بقوات احتياطية في كلّ مدينة رئيسية، لمواجهة الإبرار البحري والجوي. أضف إلى ذلك استخدام الصواريخ أرض/ أرض الميدانية، بإمكانياتها المحدودة؛ للتأثير المادي والمعنوي في سكان المنطقة الجنوبية الإسرائيلية.
3. معايير تخطيط العملية أ. تعدد أشكال المقاومة المسلحة: عمليات استشهادية، وكمائن على محاور الاقتراب، وإغارات على مواقع عسكرية وتفخيخ المنازل المنعزلة حول كردون المدينة، واقتحام المستوطنات، واختطاف جنود ومستوطنين إسرائيليين؛ إضافة إلى إطلاق الصواريخ أرض/ أرض والهاونات والقذائف المضادة للدبابات، في جميع الاتجاهات؛ ما يشتت جهود العدو. ب. التنسيق بين كلّ فصائل المقاومة الفلسطينية. وتلاحم جماهير الفلسطينيين مع المقاومة. وتحرك الشارعَين: الفلسطيني والعربي. ومساندة وسائل الإعلام: العربية والإسلامية. ج. الاستناد إلى أيديولوجية إسلامية، عسى أن يتمخض التحالف مع إيران وحزب الله اللبناني بفتح الحزب الجبهة في شمالي إسرائيل؛ لتخفيف الضغط على "حماس"، إن هي تعرضت لعمليات قتالية واسعة. د. اعتماد مفهوم إستراتيجي، يقول إن "ميزان الرعب، وميزان الدم"، ينبغي أن يكون التفوق العسكري الإسرائيلي فيهما مرجوحاً، وأن العمق بالعمق. بمعنى نقل المعركة إلى أرض العدو، بواسطة الصواريخ أرض/ أرض؛ فيعتدل "ميزان الرعب". والحرص على قتل أكبر عدد من العسكريين والمدنيين الإسرائيليين، بالوسائل المتعددة؛ فيستقيم "ميزان الدم". هـ. التقيد بمبادئ الحرب، ولا سيما مبدأ "الحشد"، في الاتجاهات الرئيسية للعملية، حيث تحشر أعداد ضخمة من مقاتلي "حماس" (كتائب القسام)، إلى جانب وحدات الهندسة العسكرية، والإمداد اللوجستي. والاجتهاد في السرية والتمويه والخداع؛ لتضليل العدو. والنشاط لاختراق خطوط الإسرائيليين. وامتناع مقاتلي "حماس" عن العمل الدعائي، وتجنبهم إظهار وجوههم، في الصور والاستعراضات. و. التماسك التنظيمي والبنيوي والعقائدي. ويتمثل في وحدانية الرؤية والموقف والخطاب والبيانات؛ ما يقلل احتمالات التفكك والانشقاق الداخلي، ويزيد القدرة على تحمل الخسائر والصعوبات، واستيعاب الضربات، والاطمئنان إلى الاستعاضة بالخسائر البشرية. ز. الاستفادة من نتائج حرب لبنان ودروسها، وبخاصة أخطاء الجيش الإسرائيلي. واستخلاص العِبَر الميدانية والاتعاظ بها. والاستغناء عن الحركة المقيدة، فوق الأرض، بحرية الحركة تحتها، عبْر شبكة أنفاق، تصل معظم شوارع القطاع بمنازله. ح. مركزية التخطيط، ولامركزية التنفيذ، تمكنان من القتل، والصمود أطول مدة ممكنة، والاستفادة من ظروف الموقف وحرية العمل، بالاعتماد على الذات، من دون حاجة إلى مساندة ودعم من قطاعات أخرى؛ فضلاً عن عدم الحاجة إلى مراجعة القيادة الأعلى، لأخذ التصديق، أو حتى الرأي، في مواجهة إستراتيجية القوات الإسرائيلية. ط. استخدام العمليات الانتحارية ضد الأهداف، التي تحدث أكبر خسائر بشرية. والاعتماد اعتماداً أساسياً على القناصة في اصطياد جنود العدو؛ بما يجبرهم على الاحتماء، داخل الدبابات والعربات المدرعة، مدداً طويلة ما يجهدهم، ويُقنطهم.
4. الظروف الإقليمية، ومرحلة ما قبل العدوان أ. استمرار إغلاق المعابر، بين إسرائيل وقطاع غزة، إلا في أوقات محددة؛ لإرسال بعض مواد الإغاثة، من غذاء ووقود. ب. دوام تبادل النيران: صواريخ "حماس" على مستوطنات وبلدات، في جنوبي إسرائيل؛ وغارات إسرائيلية: جوية ومدفعية، خرقاً للتهدئة، التي توصلت إليها مصر مع الطرفَين. ج. تصريحات قادة إسرائيل بأنهم لن يصبروا طويلاً على استهداف صواريخ "حماس" للمستوطنات والبلدات، في جنوبي إسرائيل. د. ضغوط الأحزاب اليمينية، المتشددة، على حكومة "أولمرت"؛ إضافة إلى الضغوط من داخل الوزارة الإسرائيلية لشن عملية عسكرية واسعة على "حماس"، في قطاع غزة. هـ. إعلان "حماس" نهاية التهدئة، التي استمرت ستة أشهر؛ وكذلك الجهاد الإسلامي. واستتبع ذلك محاولة إفساد زيارة "تسيبي ليفني"، وزيرة الخارجية الإسرائيلية، إلى القاهرة؛ وهي الزيارة التي سعت إليها مصر؛ لحض إسرائيل على ضبط النفس، بعد أن تزايدت المعلومات عن نياتها شن عملية عسكرية على "حماس" في قطاع غزة. و. عِلْم الاستخبارات الإسرائيلية بحيازة "حماس" أسلحة جديدة، من إيران وسورية وحزب الله اللبناني، أهمها الصاروخ "جراد"، الذي يبلغ مداه 40 كم. ز. قرب الانتخابات الإسرائيلية، في فبراير 2009، ورغبة المعسكرَين المتشددَين: الليكود، برئاسة نتنياهو؛ وكاديما برئاسة باراك، الاستحواذ على أكثر الأصوات؛ بالرهان على القضاء على سيطرة "حماس" على قطاع غزة. ح. رغبة إسرائيل في فرض واقع جديد، في قطاع غزة، يمكنها أن تفرضه على إدارة الرئيس الأمريكي الجديد، "باراك أوباما"، عند وصوله إلى البيت الأبيض؛ فيكون أساساً لسياسته الجديدة حيال مشكلة الشرق الأوسط. ط. حرص إسرائيل على تنفيذ عملياتها العسكرية، من دون تدخل الدول الكبرى ومجلس الأمن؛ واستغلال إجازة أعياد رأس السنة، والتي تستمر نحو أسبوع. ي. إجراء إسرائيل مناورتَين كبيرتَين؛ لتدريب قواتها على عملية اجتياح قطاع غزة، في منطقة تشابهه، في جنوبي إسرائيل. الأولى في يوليه 2007، والثانية في مارس 2008، وحضرهما وزير الدفاع، "باراك". استهدفتا التدريب على القتال، في المدن والمناطق المبنية والأحوال الخاصة.
5. مراحل العملية، وأعمال القتال أ. المرحلة الأولى (1) امتدت من 27 ديسمبر 2008 إلى الثاني من يناير 2009. واتسمت بالوقاية من ضربات العدو: الجوية والمدفعية والصاروخية والبحرية. (2) اعتمدت المقاومة، في قطاع غزة على إطلاق الصواريخ والهاونات على الأراضي الإسرائيلية. (3) انتشار المقاومين واتخاذهم الأوضاع الابتدائية للعمل. وتنفيذ إجراءات التجهيز الهندسي لميادين المعركة، بنشر الألغام والعبوات الناسفة. (4) التربص بقوى الاستطلاع الإسرائيلية: البرية والبحرية. وقد أمكن اكتشاف إحداها والقضاء عليها، في الشجاعية شرق غزة، في 31 ديسمبر 2008. ب. المرحلة الثانية (1) استمرت من 3 إلى 5 يناير 2009. وتخللتها مواجهة العملية البرية الإسرائيلية المحدودة (اُنظر خريطة أعمال القتال من 3 – 5 يناير 2009). (2) سعت المقاومة إلى عرقلة تقدم القوات الإسرائيلية، بأعمال القتال التعطيلي، وحرب العصابات، وحرب المدن فنشطت في الآتي: (أ) أعمال قتال تعطيلية، حول بيت لاهيا وجباليا، شمالي قطاع غزة. والكُمون لدورية إسرائيلية، شرق جباليا، في 3 يناير 2009. (ب) اشتباكات متعددة، في 4 يناير، شرقي غزة، وجنوبيها. (ج) تمكنت المقاومة، في 5 يناير، من إيقاف القوات الإسرائيلية، في حي الزيتون، جنوبي مدينة غزة، وحيَّي الشجاعية والتفاح في شرقيها، وشمال شرقي مدينة جباليا، وحول بيت حانون. (3) صدت المقاومة إبراراً بحرياً، حاولته قوات خاصة إسرائيلية، على ساحل شمالي مدينة غزة، في 3 يناير؛ وقرب رفح، سعت 100، في 4 يناير. (4) أعلن الجيش الإسرائيلي، في 5 يناير، إحباطه محاولة اختطاف جندي إسرائيلي، في قطاع غزة. وأعلنت المقاومة الفلسطينية، في 6 يناير، أنها أسرت جندياً إسرائيلياً، من سلاح الهندسة، شرق جباليا؛ إلا أن القوات الإسرائيلية، تعمدت قتله بنيران الطيران، أثناء انسحاب الجماعة الفلسطينية، ومعها الأسير الإسرائيلي، من أرض المعركة؛ على الرغم من أنه كان في مرمى بصرهم. ج. المرحلة الثالثة (1) طالت من 6 إلى 17 يناير 2009. (2) أدارت المقاومة العديد من المعارك التكتية الشرسة، في ظروف تفوق القوات البرية الإسرائيلية، براً وبحراً وجواً ويمكن وصفها بحرب استنزاف، لإرهاق العدو. وتضمنت عمليات حرب عصابات، وخاصة الكر والفر؛ ناهيك بإدارة حرب المدن، شمالي قطاع غزة وجنوبيه. (أ) شمالي القطاع تمكنت المقاومة من حرمان الجيش الإسرائيلي التوغل في المدن الفلسطينية، وإيقافه في عمق الضواحي: الجنوبية والشرقية، لمدينة غزة؛ والشمالية الشرقية لمدينة جباليا، والشمالية والغربية، لبيت لاهيا. وقبول حصار بيت حانون. (ب) وسط القطاع وجنوبيه صد العديد من هجمات الجيش الإسرائيلي، وحرمانه الانتشار في وسط قطاع غزة وجنوبيه. وكان أبرزها في القرارة شمال خان يونس، في 6 يناير، وفي قرية عبسان، شمال شرق خان يونس كذلك. وهجوم آخر، غرب كيسوفيم، في 8 و9 يناير؛ ومطار ياسر عرفات، جنوبي رفح. وهجوم آخر شرقي رفح وجنوبيها، في 10 يناير. وفي النصيرات، شمال خان يونس، في 11 يناير؛ وغربها، في 17 يناير. (3) صد إبرار بحري حاولته قوات خاصة إسرائيلية، في دير البلح، في 6 يناير. وكرر في المنطقة نفسها، في 14 يناير (اُنظر خريطة أعمال القتال شمال ووسط قطاع غزة) و(خريطة أعمال القتال جنوب قطاع غزة).
سابعاً: أبرز أساليب المقاومة 1. التوسع في استخدام العبوات الناسفة، المزودة بأشراك خداعية؛ لتدمير منازل، أُخليت من سكانها الفلسطينيين وجُهزت للتفجير عند دخول أيّ قوات إسرائيلية إليها، واستخدام أيّ من محتوياتها. واعترف الجانب الإسرائيلي بدقة تلك الأشراك وإتقانها، والعديد من إصاباتها بين الجنود الإسرائيليين. 2. تسخير الأسلحة المضادة للدبابات، مثل RBG، لمواجهة الجنود المشاة؛ على الرغم من معارضته لقوانين القتال في الجيوش النظامية. وقد أشارت المقاومة الفلسطينية إلى نجاح هذا الأسلوب في استهداف جنود إسرائيليين، احتموا داخل منازل فلسطينية، سرعان ما رميت بقذائف، اخترقت جدرانها، لتنفجر في داخلها. وحقق هذا الأسلوب العديد من الإصابات بين الجنود الإسرائيليين. 3. التزيد في نشر قواعد الصواريخ وإخفائها تحت الأرض. وأُردفت، في كلّ منطقة، بقواعد بديلة؛ تداركاً لاكتشافها بواسطة الاستطلاع الجوي أو العملاء، أو تدمير إحداها بواسطة القوات الإسرائيلية. وروعي عدم إطلاق غير صاروخ من قاعدة إطلاق واحدة، في وقت واحد؛ ثم المناورة والانتقال إلى منطقة أخرى، وتنفيذ الإطلاق الثاني منها. 4. استخدمت المقاومة الفلسطينية أسلوب الكر والفر، لمواجهة أسلوب الكر والفر الإسرائيلي، حيث اعتمدت التكتيكات الصغرى لمجموعات القتال الإسرائيلية، على دفع دوريات أو عناصر محدودة، وأحياناً تكون مدعمة بالدبابات والآليات، والتي تقوم باستكشاف أماكن المقاومة والاشتباك معها، مدة محدودة، ثم الانسحاب وترك المنطقة لقصفها بنيران المدفعية والطيران، لتنظيف المنطقة أو المساكن من المقاومة. وبعد انتهاء القصف، تتقدم القوة الرئيسية لاكتساب أرض جديدة. وبعد تفهم المقاومة الفلسطينية لهذا الأسلوب، اعتمدت المقاومة على الاشتباك مع العناصر المتقدمة، وعند انسحاب القوات الإسرائيلية تنسحب المقاومة كذلك من المنطقة؛ وبذلك تسقط نيران المدفعية والطيران في مناطق خالية من المقاومة. وبعد انتهاء القصف الميداني تعود المقاومة لاحتلال المنطقة مرة أخرى، لتفاجئ بذلك القوة الرئيسية (اُنظر شكل أسلوب القتال في المناطق السكنية). 5. قامت شبكة الأنفاق التي أنشأتها "حماس" ونشرتها تحت الأرض أسفل قطاع غزة، وبطوله وعرضه، بدور كبير في الخطة الدفاعية التي نفذتها كتائب القسام، سواء فيما يتعلق بمهاجمة أرتال المركبات الإسرائيلية في مؤخرتها، أثناء تقدمها، بعد عبورها فوق الأنفاق، أو في إطلاق الصواريخ أرض/ أرض التي كانت تخرج قواذفها وصواريخها [/color:
ابطال الحرمين
لـــواء
الـبلد : العمر : 38المهنة : باحث في العلوم الاستراتيجية والعسكرية التسجيل : 24/07/2011عدد المساهمات : 3185معدل النشاط : 4639التقييم : 867الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
موضوع: رد: الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة (27 ديسمبر 2008 ـ 17 يناير 2009) الأحد 18 مارس 2012 - 14:30
المبحث الخامس النتائج والدروس المستفادة من الحرب
إن أهم ما أفرزته الحرب على قطاع غزة، ديسمبر 2008 – يناير 2009، هي النتائج والدروس المستفادة من الحرب، لأنها معيار لمدى تحقيق الأهداف، وأساساً للتحركات السياسية والعسكرية المقبلة، والأصول العلمية لتقييم نتائج الحروب تعتمد على انتهائها. إلا أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة انتهت نظرياً بانسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع يوم 21 يناير 2009، مع استمرار الهجمات الجوية الإسرائيلية على قطاع غزة، والصواريخ الفلسطينية على إسرائيل، مع استمرار الأطراف في رفض تنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم 1860، الصادر في يناير 2009، والذي تضمن الوقف الفوري لإطلاق النار (اُنظر ملحق مشتملات قرار مجلس الأمن الرقم 1860، 8 يناير 2009). لذلك فإن الحرب الإسرائيلية ـ الفلسطينية لم تنتهِ، وإنما تراجع مستوى العنف فيها إلى معدلات منخفضة الكثافة.
أولاً: نتائج الحرب 1. على المستوى السياسي أ. تمكنت إسرائيل من تحويل القضية الفلسطينية من قضية سياسية إلى قضية إنسانية. فبعد التدمير الواسع والمتعمد لقطاع غزة، واستمرار الحصار، تركز الاهتمام الإقليمي والدولي على معالجة القضية الإنسانية لقطاع غزة، الذي قد يتطلب عدة سنوات مقبلة لإصلاحه، ومع استمرار الحصار تحول الحديث عن الأرض مقابل السلام ليكون طبقاً للشروط الإسرائيلية، الأمن مقابل الغذاء، أيْ وقف إطلاق الصواريخ مقابل فتح المعابر لدخول الغذاء والدواء. ب. نجحت إسرائيل في تسويق العديد من أفكارها على المسار الأمريكي والأوروبي، وكان أولها أن المشكلة ليست في الاحتلال، أو ضعف مردود المفاوضات، أو غياب أمل الفلسطينيين للحصول على دولتهم. بل إن المشكلة في وجود منظمات إرهابية تهدد أمن إسرائيل، ومن حق إسرائيل الدفاع عن نفسها في إطار الحرب الدولية ضد الإرهاب. وثانيها فكرة منع حركة "حماس" من استمرار سيطرتها على قطاع غزة، ومنعها من السيطرة أو التحكم في إعادة إعمار القطاع، والترهيب من حصولها على أموال المساعدات واستخدامها في إعادة تسليح قواتها. وثالثها الحصول على ضمانات أوروبية بعدم التعامل مع القضايا التي يرفعها متضررون فلسطينيون، أو جماعات قومية، أو أيْ جهات أخرى من أجل محاكمة القادة والزعماء السياسيين والعسكريين في إسرائيل، لما ارتكبوه من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في الحرب على قطاع غزة. ج. حصلت المقاومة الفلسطينية في غزة على تعاطف شعبي كبير، على المستوى الإقليمي والدولي، ولم يكن لهذا التعاطف أيّ أساس ديني أو مذهبي، حيث عمت المظاهرات خلال الحرب جميع أرجاء البلاد، وضمت جميع الأديان، وقد جاء ذلك على عكس ما توقعته إسرائيل. وقد أشارت بعض التقارير إلى أن السلطة الفلسطينية في رام الله كانت أبرز الخاسرين من الحرب. كما أشار استطلاع رأي فلسطيني، في أبريل 2009، إلى ارتفاع شعبية "إسماعيل هنية" رئيس وزراء الحكومة المقالة، خلال الأشهر الأخيرة، بنسبة 47%؛ مقابل انخفاض شعبية الرئيس "محمود عباس"، لتصل إلى 45%. د. دانت العديد من المنظمات الدولية إسرائيل بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وكان أبرزها منظمة العفو الدولية ولجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، ومنظمة هيومان رايتس ووتش، حتى الجنود الإسرائيليون الذين شاركوا في الحرب، ومنظمات إنسانية إسرائيلية اعترفت بهذه الجرائم. والأمر متوقف الآن على الإرادة السياسية للمجتمع الدولي للاعتراف بهذه الجرائم وإدانة إسرائيل رسمياً. والمثير هنا خلال الحرب ظهور أكثر من 400 جمعية ومنظمة مدنية قاموا بحملة إعلامية قوية، وربما جمعوا تبرعات مالية لخدمة رفع دعاوى ضد إسرائيل، إلا أن أصواتهم ذهبت مع الرياح، بعد انتهاء الحرب. هـ. على أثر وقف إطلاق النار في قطاع غزة، تركزت المطالب الإسرائيلية حول وقف إطلاق الصواريخ ومنع تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة والتهدئة الدائمة، ثم أضافت إسرائيل شرطاً جديداً في مرحلة لاحقة يتضمن الإفراج عن الجندي الإسرائيلي "جلعاد شاليط"، مقابل فتح المعابر لإعادة إعمار القطاع. أمّا المقاومة الفلسطينية فكانت مطالبها تتركز حول فتح المعابر بشكل كامل ودائم لرفع الحصار، ووقف الاعتداءات على القطاع، وتعويض شعب غزة عن حالة الدمار في القطاع، ورفض التهدئة الدائمة ويمكن قبول المؤقتة، ورفض القوات الدولية. وقام الطرفان بمفاوضات غير مباشرة بوساطة مصرية، بالقاهرة، إلا أنها تعثرت؛ وقد تعود مستقبلاً. و. استضافت القاهرة، منذ فبراير 2009، الحوار الفلسطيني ـ الفلسطيني برعاية مصرية، لحل الخلافات الداخلية، وتحقيق المصالحة الوطنية، لتحقيق الوحدة الوطنية، كأساس للتفاوض مع الجانب الإسرائيلي لحل القضية الفلسطينية. وفي هذا الإطار تم الاتفاق على المبادئ العامة لحل قضايا الخلاف من خلال خمس لجان مشتركة ولجنة عليا لبحث إعادة إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، وإصلاح الأجهزة الأمنية على أسس وطنية، والانتخابات الفلسطينية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، والمصالحة الداخلية، وحققت اللجان تقدماً في بعض القضايا وتعثر بعض القضايا الأخرى، خاصة بعد بحث التفاصيل. ز. كان هناك اهتمام عربي ودولي بقضية إعادة إعمار قطاع غزة بعد حالة التدمير الواسعة التي تعرض لها. وبرعاية مصرية، عقد في مدينة شرم الشيخ، يوم 2 مارس 2009، مؤتمر دولي لإعادة الإعمار، بحضور 87 دولة ومنظمة دولية، وأقروا 4.5 مليارات دولار مساعدات دولية لإعادة الإعمار، وأن يكون الإشراف والرقابة المالية من خلال الآليات المالية المستخدمة في اللجنة الرباعية، بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية. إلا أن الأمور تعثرت بسبب رفض إسرائيل فتح المعابر لدخول المواد الأساسية لإعادة الإعمار. كما أن بعض الدول: العربية والإسلامية التي رصدت مساعدات مالية رفضت هذه الآليات، وطالبت بحلول أخرى مثل إشراف الجامعة العربية، أو فتح مكاتب في قطاع غزة للإشراف المباشر على الإعمار، بعد تحديد مشروعات معينة للإعمار. ح. توقفت بعض المشروعات السياسية الإقليمية والدولية، حيث تم إيقاف المفاوضات غير المباشرة بين سورية وإسرائيل بواسطة تركية، بعد أربع جولات من التفاوض، إلا أنها جاءت بمبادرة تركية، يوم 28 ديسمبر 2008؛ وربما تعود مستقبلاً بمبادرة تركية كذلك. كما تم تأجيل اجتماع دول الاتحاد من أجل المتوسط، لرفض بعض الدول العربية الدور الإسرائيلي في الحرب؛ ليكون عقده في أبريل 2009، بدلاً من فبراير 2009، وربما يتم تأجيل الاجتماعات إلى أجل غير مسمى. كما أعلنت دول الاتحاد الأوروبي تعليق مشروع رفع مستوى المشاركة الإسرائيلية ـ الأوروبية خلال الحرب. وأعلنت، في 29 مارس 2009، تعليق تطوير العلاقات الإستراتيجية مع إسرائيل، إذا رفضت الحكومة الإسرائيلية الجديدة، برئاسة نتانياهو، الاعتراف بحل الدولتَين ودعم عملية السلام. ط. تعرضت إسرائيل لانتقادات سياسية شديدة، بعد أن عجزت عن حسم الحرب مع "حماس"، مدة 22 يوماً؛ عل الرغم من عنف هجماتها، وخصوصاً من معظم الدول العربية ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية، وخصوصاً بعد قيامها بشن هجمات جوية متعمدة على بعض المؤسسات التابعة للأمم المتحدة. هذا بالإضافة للتحركات الشعبية في دول أوروبا وآسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، في مناهضة الممارسات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، وخاصة بعد أن قامت وسائل الإعلام العالمية بنقل صور القتل والدمار الذي لحق بالقطاع، مما كان له أثر كبير في زيادة التعاطف والتأييد لحركة "حماس". ي. صعَّدت الأمم المتحدة من حدة إجراءاتها ضد "حماس"، بعد أن أكدت منظمة الأونروا (وكالة غوث وتشغيل اللاجئين)، في بداية فبراير 2009، ما كشفت عنه إسرائيل بأن "حماس" تنهب معظم المساعدات الإنسانية التي تدخل قطاع غزة؛ ما دفع المنظمة إلى إرجاء توزيع المساعدات الإنسانية، وخاصة بعد أن أعلن مسؤولو وكالة غوث اللاجئين، يوم 7 فبراير 2009، أن مسلحي "حماس" دهموا مجدداً مخازن الأغذية والمعدات الطارئة التابعة للوكالة في غزة، وسرقوا خلال الأسبوع الأول من فبراير 2009، أجهزة ومعدات إنسانية كانت مخصصة للمدنيين في القطاع. وقال المتحدث باسم الأونروا أن المنظمة ستمتنع عن توزيع المساعدات الغذائية حتى تعيد "حماس" الأغذية والمعدات المسروقة، وتحصل الأونروا على ضمانات من "حماس" بعدم تكرار عمليات السرقة. وجدير بالذكر أن هذه الأفعال قد أساءت إلى سمعة "حماس" على جميع المستويات. ك. نجحت إسرائيل من خلال حربها على غزة في تكريس الانقسام الفلسطيني، بل الانقسام العربي بين دول معتدلة ودول ممانعة، وذلك في إطار إستراتيجيتها المعروفة بتفتيت الدول على أسس عرقية وطائفية. وقد صادفت هذه الإستراتيجية نجاحاً إلى حد ما بخلاف الفلسطينيين في السودان والعراق ولبنان والمغرب العربي. إلا أن هذا الانقسام بين الفريقَين العربيَّين (الممانعة والاعتدال) ليس بالعمق الذي أظهرته وضخمته وسائل الإعلام العربية خلال الحرب وأن المسافة بين موقفَيهما تجاه إسرائيل ليست بعيدة للغاية، فكلاهما لم يدعُ إلى تدخل عسكري عربي في الحرب إلى جانب "حماس"، وكلاهما طالب بسرعة وقف إطلاق النار. وكلاهما قدم الدعم والمساندة السياسية والمادية. والأهم كلاهما دان إسرائيل.
2. على المستوى العسكري والأمني أ. تصاعد الإجراءات الإسرائيلية والدولية لمواجهة تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة (1) إحراج القيادة المصرية بشأن عدم اتخاذها إجراءات مشددة حول قضية الأنفاق على الجانب المصري في رفع، ونشر أجهزة ومعدات إلكترونية أمريكية وأوروبية للكشف عن الأنفاق على الحدود المصرية، حيث نجحت في كشف بعض الأنفاق وتدميرها. (2) إضافة مهمة جديدة للقوة البحرية الأوروبية (أطلانطيك) في خليج عدن، والمكلفة مكافحة عمليات القرصنة البحرية، لتضم تفتيش السفن المشكوك فيها والتابعة لدول معينة، مثل إيران، وتحمل أسلحة وذخائر إلى قطاع غزة، وسعي إسرائيل إلى إصدار تفويض رسمي صادر عن الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي لتفتيش واحتجاز هذه النوعية من السفن، حيث احتجزت البحرية الأمريكية خلال الأسبوع الأخير من شهر يناير 2009، سفينة شحن روسية، تحمل علم قبرص، وعليها شحنة أسلحة إيرانية، وتم اقتيادها وتفريغ حمولتها في قبرص، في 13 فبراير 2009 حيث تم مصادرة الأسلحة، وأعلن عندها أن الإجراءات الأمريكية والقبرصية بطلب من إسرائيل، تنفيذاً لقرار لجنة العقوبات بالأمم المتحدة. (3) تحرك أمريكي ـ أوروبي لبحث اتخاذ إجراءات عملية لمواجهة تهريب الأسلحة إلى غزة، حيث عُقد مؤتمران على مستوى الخبراء من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وكندا والدنمارك وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا والنرويج وبريطانيا، الأول في الدنمارك في 4 فبراير 2009، والثاني في لندن في 13 مارس 2009، واتخاذ قرارات تتضمن اعتراض السفن في عرض البحر واقتسام المعلومات والضغط الدبلوماسي. (4) حصول إسرائيل على تفويض أمريكي بحق اعتراض شحنات الأسلحة إلى قطاع غزة طبقاً للاتفاق الأمني المشترك، في 15 يناير 2009 (اُنظر ملحق مشتملات الاتفاق الأمني الإسرائيلي ـ الأمريكي، 15 يناير 2009). ولذلك شنت إسرائيل عدة هجمات جوية على قوافل شحنات تحمل أسلحة إلى قطاع غزة، شمال شرق الأراضي السودانية، وكان الهجوم الأول في نهاية شهر يناير 2009، والثاني في منتصف شهر فبراير 2009. والمثير هنا هو عدم تحرك السودان لإدانة هذا الهجوم أو حتى إبلاغ الأمم المتحدة بالحادث ضد أطراف مجهولة. ب. تراجع القوة النيرانية للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، خلال المرحلة الأخيرة من الحرب، وخاصة القدرة الصاروخية التي وصلت إلى معدل 20 صاروخاً، في اليوم؛ وعدم ارتفاعها مرة ثانية، مما يشير إلى تراجع المخزون الفلسطيني من الذخائر، مع عدم وجود استعواض لمصاعب عملية التهريب, وربما تم استعادة كفاءة المخزون بعد الحرب تدريجياً، وهو أمر أعلنته المصادر الإسرائيلية. ج. أثبتت المقاومة الفلسطينية قدرتها على حرمان الجيش الإسرائيلي تحقيق أهدافه، على الرغم من ضعف إمكانياتها ومواردها العسكرية، وقدرتها على الصمود وتماسك الإرادة، وفي ظروف القدرة النيرانية العالية للجيش الإسرائيلي، وأن الأمر يتوقف على توفير سلاح للمقاومة واستخدامه بحسابات سياسية وعسكرية مختلفة، مع توافر الموارد البشرية والإرادة الفلسطينية. د. استطاعت إسرائيل إضعاف "حماس" عسكرياً، بما قامت بتدميره من بنيتها العسكرية، وتدمير 60 – 70% من قوتها الصاروخية، وعدد كبير من الأنفاق، وولدت ضغطاً نفسياً ومادياً ومعنوياً على "حماس"، بعد أن قتلت نحو 709 من كوادرها العسكرية، واعتقلت منهم العشرات، بما يوفرون لإسرائيل منجماً من المعلومات العسكرية عن "حماس". هـ. نجحت "حماس" في عملياتها التي دامت 22 يوماً لصد الهجوم الإسرائيلي، بإطلاق 980 صاروخاً وقذيفة، منها 340 صاروخ قسام، و213 صاروخ جراد، و422 قذيفة هاون عيار 120 مم. وتصدت بالأسلحة المضادة للدبابات بإطلاق 98 قذيفة وصاروخاً مضاد للدبابات، وقامت بتفجير 79 عبوة ناسفة، وتنفيذ 53 عملية قنص أفراد، وتنفيذ 22 كميناً، و11 اشتباكاً مسلحاً وجهاً لوجه مع القوات الإسرائيلية، وتنفيذ عملية استشهادية واحدة. وكان حصاد هذه العمليات طبقاً لبيانات قيادة "حماس" تدمير وإصابة نحو 47 مركبة قتالية بين دبابة وعربة مدرعة وجرافة، وإصابة أربع طائرات عمودية، وإسقاط طائرة من دون طيار، وقتل 13 جندياً إسرائيلياً، وإصابة نحو 100 عسكري آخر داخل القطاع.
3. على المستوى الاقتصادي والمادي أ. الجانب الفلسطيني (1) أفادت التقارير الصحفية، وطبقاً لبرنامج الغذاء العالمي ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، فقد دمر العدوان الإسرائيلي ما بين 35% و60% من زراعات قطاع غزة، وأُصيبت موارد المياه والأراضي الزراعية بدمار كبير. (2) يُشير تقرير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان إلى النتائج الاقتصادية المباشرة في الجانب الفلسطيني، أن تكاليف إعادة تأهيل البنية التحتية والطرق ومحطات المياه ومحطات الصرف الصحي، والإنارة، والمدارس، والمستشفيات، تصل إلى نحو 500 مليون دولار. وأن إعادة بناء المباني المدمرة تدميراَ شاملاً، نحو 400 مليون دولار. وإعادة إصلاح الأراضي الزراعية المجرفة، نحو 200 مليون دولار. وإعادة بناء المباني الحكومية المدمرة، نحو 300 مليون دولار. وإعادة تأهيل الورش والمصانع، نحو 50 مليون دولار. (3) أفادت تقارير الجامعة العربية أن الوضع الاقتصادي في غزة بالغ التردي، نتيجة الخسائر الناجمة عن العدوان الإسرائيلي، والتي تُقدر بنحو مليار و900 مليون دولار، وفق التقرير الذي تلقاه من الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، والذي أكد أن قطاع غزة أصبح منطقة منكوبة من النواحي الإنسانية والمادية والاقتصادية، وأن نحو 50.800 من أهالي غزة فقدوا منازلهم. كما أكد التقرير أن العدوان أدى إلى توقف شامل في الحركة الاقتصادية في قطاع غزة. (4) تشير التقارير أنه من نتائج الحرب على غزة، أن هناك خسائر يومية بقطاع الزراعة وصيد الأسماك، تُقدر بـ311 ألف دولار، وفي قطاع التصدير والصناعات التحويلية والمياه والكهرباء، تُقدر بـ438 ألف دولار. وفي قطاع الإنشاءات تُقدر بنحو 335.6 ألف دولار، وبتجارة الجملة والتجزئة تُقدر بـ 306.5 آلاف دولار. وبقطاع النقل والتخزين، تُقدر بـ 725 ألف دولار. وفي سوق المال، تُقدر بـ 72.5 ألف دولار. وفي قطع الخدمات مليون و800 ألف دولار. وفي قطاع الإدارة العامة 853.5 ألف دولار. وفي قطاع الشركات المملوكة للقطاع العام 270 ألف دولار. ب. الجانب الإسرائيلي (1) تأثرت المشروعات الصناعية في بئر سبع وما يجاورها سلباً بقصف صواريخ "حماس"، ووفقاً لتقديرات اتحاد المكاتب التجارية الذي يمثل 7000 من أصحاب المشروعات المتوسطة والصغيرة في هذه المنطقة من جنوبي إسرائيل، والتي يعمل فيها أكثر من 40 ألف عامل قد توقف معظمهم عن العمل منذ نهاية عام 2008، بسبب القصف الصاروخي الذي تتعرض له مصانعهم، كما توقف نشاط هذه المصانع نهائياً. وقد ترتب على ذلك أن قامت وزارة الصناعة والتجارة والعمل بتحويل 15.8 مليون دولار لحساب المشروعات المتضررة. (2) بلغ إجمالي الخسائر الاقتصادية المباشرة، التي تتمثل في تكاليف إدارة الحرب، مدة 22 يوماً، 2600 مليون دولار، بواقع متوسط يومي 130 مليون دولار، وهو ما شكل عبئاً مالياً في ظل الظروف الاقتصادية الحرجة، وهذا بخلاف الخسائر الاقتصادية للجانب السياحي الذي توقف تماماً، وخسائر قطاع التصدير والتعبئة وغير ذلك.
ثانياً: الدروس المستفادة 1. على المستوى السياسي أ. أهمية توازن القوى الإقليمي بين الدول العربية وإسرائيل، في رسم العلاقات العربية والفلسطينية مع إسرائيل، وتوازن القوى هنا يُقصد به السياسي والاقتصادي والعسكري والتكنولوجي. فغياب توازن القوى أعطى لإسرائيل حرية مطلقة للتحرك بإستراتيجية مريحة في الحرب على قطاع غزة، أو حصاره، وجميع إجراءاتها لتصفية القضية الفلسطينية، ومع استمرار غياب توازن القوى، يجب ألا نتفاءل كثيراً بشأن القضية الفلسطينية أو الشعب الفلسطيني. ب. دور الوحدة الوطنية والقومية في مواجهة المخاطر والتهديدات الخارجية، حيث يصعب مواجهة أيّ مخاطر أو تهديدات في وجود انقسامات فلسطينية ـ فلسطينية، وعربية ـ عربية. وبالوحدة والتضامن العربي يمكن استخدام الموارد كأداة ضغط على القوى الخارجية. ج. تغير الوزن النسبي ومراكز ثقل بعض الأطراف حيال القضية الفلسطينية، فحركة "حماس" باتت طرفاً فاعلاً داخل وخارج الأراضي الفلسطينية، ويلزم الاعتراف بها قوة سياسية على الساحة الفلسطينية. وسورية وإيران باتتا طرفَين فاعلَين في الشأن الفلسطيني، فلا يمكن حل القضية الفلسطينية أو بحث الشأن الفلسطيني من دون مشاركة سورية، والحوار مع الطرف الإيراني، إضافة إلى صعود تركيا قوة إقليمية فاعلة. د. عملت إسرائيل على توفير غطاء دولي لحربها ضد "حماس"، وحشدت وشنت حملة دبلوماسية وإعلامية واسعة إقليمياً وعالمياً، ضخمت خلالها خسائرها: البشرية والمادية، نتيجة قصف صواريخ "حماس" للمدن والمستوطنات جنوبي إسرائيل، وقد ظهرت وانعكست نتائج هذه الحملة في موقف اللجنة الرباعية الدولية المتفق مع الموقف الأمريكي في تبرير العملية العسكرية الإسرائيلية، وتفهم أسبابها ودوافعها. هـ. استوعبت حكومة "أولمرت" درساً مهماً من حرب لبنان، عام 2006، وطبقته في حرب غزة، عام 2009، أنها لم تحدد لعملياتها أهدافاً سياسية، حتى لا يحاسبها الشعب الإسرائيلي، فيما بعد توقف القتال بما حققته وما لم تحققه من هذه الأهداف، بل حددت بشكل مطاطي أهدافاً إستراتيجية تمثلت في "وقف إطلاق الصواريخ"، وهذا ما تحقق. ولم تنص على إنهاء حكم "حماس" في غزة باعتباره من الأهداف التي ربما لا تتمكن العملية العسكرية من تحقيقها. و. حرصت القيادات: السياسية والعسكرية، في إسرائيل على أن تصف عملياتها العسكرية بأنها "متدرجة ومتدحرجة" في مجرياتها. ولكن، كان واضحاً وجود أهداف غير مباشرة للعملية، وأبرزها استعادة صدقية قوة الردع، وإحداث تغيير جذري على الأرض، وفرض واقع جديد في قطاع غزة قبل تسلم الإدارة الأمريكية الجديدة للسلطة في واشنطن، لتؤسس بالتالي واقعاً جديداً للسياسة الأمريكية المقبلة. ز. رفضت وزيرة الخارجية، "تسيبي ليفني"، إجراء أيّ تفاهم مع "حماس"؛ لأن ذلك يعني إعطاءها الشرعية الدولية التي تريدها وتسعى إليها، وسيضع "حماس" موضع الصدارة في أيّ تسوية سياسية مقبلة؛ وهو ما ينبغي أن ترفضه إسرائيل، كما ترفضه الدول الغربية، التي تفرض حصاراً على حكومة "حماس"، وذلك باعتبار "حماس" حركة إرهابية.
2. على المستوى العسكري والأمني أ. أكدت الحرب فشل إستراتيجية الاعتماد على القوة العسكرية، كأداة لحل القضايا الخلافية، وأن القوة العسكرية مهما كانت قدراتها وإمكانياتها وتقنياتها الحديثة، لا تستطيع القضاء على مقاومة مسلحة. وأن نتائج التورط العسكري بقوة نظامية في مواجهة ميليشيات مسلحة أو شبه نظامية، هي نتائج كارثية، أو ما يُطلق عليه انتحار عسكري لجميع الأطراف. ب. إن التخطيط الإستراتيجي الناجح، يتضمن التخطيط لبدء الحرب، وكيفية الخروج منها لإنهاء الحرب، ولا تترك عملية إنهاء الحرب اعتماداً على رد فعل الخصم، وأن يتضمن التخطيط سيناريوهات مختلفة لمواجهة جميع الاحتمالات، بما فيها احتمال الفشل والهزيمة. فالجيش الإسرائيلي، خلال الحرب، وبعد أيام قليلة من الهجوم البري، أثار جدلاً حول توسيع الحرب إلى عملية شاملة للانتشار في قطاع غزة، وأدار عدة معارك من دون هدف غير القتل والتدمير، وبعد أسبوعين من الهجوم البري أوقفت إسرائيل عملياتها البرية فجأة، مع عدم وضوح ما هي الأهداف التي حققتها من الحرب. ج. الردع بالشك: كيف نخلق للخصم فكرة الخوف من الذي لا يراه أو ينتظره، سواء كان كبيراً أو صغيراً، فهناك فرق بين الخشية مما نراه أو نعلمه، وما لا نراه أو نعلمه. فالمقاومة الفلسطينية فاجأت الجانب الإسرائيلي بالمدى البعيد للصواريخ المطورة من نوع جراد، التي وصلت إلى 50 كم. وعلى الرغم من علم إسرائيل بامتلاك المقاومة لصواريخ ذات مدى بعيد، إلا أن الإسرائيليين لم يتوقعوا عمق 50 كم، ولم يتخذوا إجراءات الوقاية للمدن والقرى في عمق 40 – 50 كم، وكان هناك شك إسرائيلي في هذا العمق، وشك آخر في امتلاك المقاومة لأسلحة مضادة للدبابات ذات عبوة مزدوجة، وصواريخ مضادة للطائرات محمولة على الكتف. د. يمكن لسلاح تكتيكي أن يحقق نتائج إستراتيجية، فصواريخ المقاومة هي سلاح تكتيكي وتأثيرها كان في العمق التكتيكي حول قطاع غزة، وعندما استخدمته المقاومة كان تأثيره معنوياً على الجبهة الداخلية جنوبي إسرائيل، أدى إلى شلل جزئي للمناطق المحيطة بالقطاع وهجرة معظم سكانه؛ على الرغم من الكثافة المحدودة لمعدل صواريخ المقاومة. أما إذا كانت هناك كثافة عالية وتأثير تدميري عالٍ، فمن المؤكد أن تأثير الصورايخ سوف يكون معنوياً وسياسياً على الجانب الإسرائيلي. هـ. أهمية حرب الاستنزاف في إدارة العمليات الهجومية والدفاعية، بما تحققه من كلفة مادية وبشرية ومعنوية للخصم، وكلما زاد اتساع عمقها، ازدادت نتائجها في الضغط على القيادة العسكرية للخصم وإعادة تفكيره في أسلوب إدارة الحرب. وإذا طالت الأهداف الإستراتيجية الحيوية بشكل مؤثر، تعاظمت نتائجها في الضغط على القيادة السياسية للخصم، لإعادة التفكير حول الاستمرار في الحرب من عدمه. وقد استخدمت القوات الإسرائيلية والمقاومة الفلسطينية حرب الاستنزاف لإرهاق الطرف الآخر. و. عدم التورط في الحرب قبل الاستعداد لها، فإسرائيل فرضت الحرب على المقاومة الفلسطينية في هذا التوقيت. إلا أن الحكومة الفلسطينية المقالة في غزة كان يمكنها المناورة مع انتهاء اتفاق التهدئة، في 19 ديسمبر 2008، أو على الأقل وقف إطلاق الصواريخ من القطاع لحين استكمال استعدادها للحرب، وخاصة زيادة تدريب العناصر المقاتلة، واستكمال التسليح، وتوفير قدر أكبر من مخزون الذخائر ومواد الإعاشة والمواد الطبية، لإدارة حرب طويلة، وتوفير وسائل ردع أخرى مثل سلاح مضاد للدبابات بأعداد كبيرة، وفعال ضد الدبابة الميركافا، ووسيلة دفاع جوي يمكنها ردع الطيران الإسرائيلي، أو إبعاده، أو على أقل تقدير حرمانه دقة الإصابة. ز. أن عملية الرصاص المصبوب لن تكون الأخيرة، والهجمات الجوية الإسرائيلية لن تتوقف على قطاع غزة، الأمر الذي يتطلب اتخاذ تدابير وقائية من هجمات العدو الجوية، وأبرزها توفير ملاجئ محصنة تحت الأرض لكل منزل أو مبنى بمعايير خاصة، توفر الوقاية من القنابل الإسرائيلية المضادة للتحصينات، وبناء المنازل في ضواحي المدن وأطراف القطاع بمعايير خاصة، تكون سكناً خلال الأحوال العادية، ومركزاً دفاعياً حصيناً عند أزمات الحرب؛ إضافة إلى الاهتمام بنشر ثقافة الإجراءات الوقائية ضد نيران العدو الجوية والبرية. ويمكن تنفيذ هذا الأمر في إطار خطة إعادة إعمار غزة، ويمكن وضع قانون فلسطيني ملزم لبناء ملاجئ وغرف محصنة، مثل القانون الإسرائيلي عام 1991، الملزم لسكان شمال إسرائيل. ح. الاهتمام بعملية الحصول على أسرى حرب أثناء العمليات، لما له من تأثير ودور حيوي خلال وبعد الحرب. فخلال الحرب له تأثير معنوي إيجابي في القوات الصديقة، يقابله تأثير سلبي معنوي وقتالي في الخصم. كما أنه يدعم مرحلة التفاوض مع الخصم بعد انتهاء الحرب، وخاصة عملية تبادل الأسرى، أو لفرض تسوية سلام لتحقيق أمن واستقرار الدول. ط. استفادت إسرائيل من الدروس والخبرات العسكرية التي أسفرت عنها حرب جنوبي لبنان، في صيف 2006. وتمثل ذلك في المناورات الكثيرة التي تدربت عليها القوات الإسرائيلية، سواء العاملة أو الاحتياطية، خلال عامَي 2007 و2008، في إطار ما يُسمى "الحرب اللامتماثلة"، وكيف يمكن لجيش نظامي مثل إسرائيل أن يؤقلم نفسه ليتعامل مع منظمات غير نظامية؛ حتى إن حرب غزة 2008/2009 عدها الخبراء العسكريون النسخة الفلسطينية من حرب لبنان، عام 2006، والتي يغلب عليها ما يُسمى تكتيكات حرب العصابات. ي. أهمية تطبيق مبدأ الحرب "المبادأة" حيث كانت المبادرة كاملة في أيدي إسرائيل، وكان لديها استعداد كامل للحرب، مع تصور كامل لكيفية بدئها ومسارها ومراحلها. وخلال الإعداد لهذه العملية قامت إسرائيل بتحصين جبهتها الداخلية على أساس مواجهة أسوأ الاحتمالات، وهو التدخل العسكري لإيران وسورية إلى جانب "حماس". ك. أهمية توافر عمق إستراتيجي حيوي لإدارة أعمال القتال بنجاح، مع توافر طرق الإمداد بالاحتياجات، طوال الحربز وذلك أن ظروف غزة الجغرافية محدودة المساحة 360 كم3، مع تكدس هذه المساحة بالمدن والمخيمات، وهذه المساحة محاصرة بالكامل، مما صعب على قوات "حماس" تنفيذ مهامها القتالية، وأدى إلى شل حركة مقاتلي "حماس" داخل المباني والمنازل، واعتمدوا على جذب القوات الإسرائيلية إلى مكامن ومبانٍ مفخخة وقتال داخل المدن والشوارع. وهو ما تجنبته القوات الإسرائيلية وركزت على حركة المدرعات في المناطق المفتوحة والمنبسطة حول المدن. وهو ما يفسر البطء الشديد في حركة القوات الإسرائيلية. ل. خطر تطبيق "حماس" لأساليب حزب الله اللبناني في إقامة مدن عسكرية صغيرة تحت الأرض تربطها شبكة من الأنفاق ولها فتحات على الخارج، تمكن المقاتلين المدافعين من الانقضاض فجأة على القوات الإسرائيلية المهاجمة، وخاصة من الخلف؛ بهدف تدمير مركبات ومدرعات العدو، وكذلك لإطلاق الصواريخ على المدن الإسرائيلية وإعادتها بسرعة إلى ملاجئها تحت الأرض. وكانت الاستخبارات الإسرائيلية قد اكتشفت وصول مسؤول عسكري إيراني إلى غزة، أشرف على تخطيط وتنفيذ هذه الشبكة. م. أدركت إسرائيل أهمية تطوير منظومة الاستخبارات والاستطلاع، بما يؤدي إلى تسهيل مهمة القوات الإسرائيلية المهاجمة، خاصة القوات الجوية، في قصف أماكن الشخصيات العسكرية البارزة في حركة "حماس"، وخدمة القوات الخاصة التي تُكلف مهام قتالية ذات طبيعة خاصة، مثل اغتيال كوادر معينة أو اختطافها، وتدمير أهداف ذات أهمية خاصة، أبرزها مستودعات الصواريخ ومراكز القيادة والسيطرة، وأنفاق تهريب الأسلحة والذخائر التي لم تنجح القوات الجوية في تدميرها. ن. أهمية تطوير وحدات (ماتكال)، وهي وحدات فرعية بمستوى كتائب من اليهود العرب، كل كتيبة تمثل دولة عربية بعينها، ترتدي ملابس قواتها المسلحة وتتحدث بلهجتهم وتستخدم أسلحتهم، ويمكنها أن تندس وسط القوات العربية لتقوم بمهام الخداع والتضليل على المستوى التكتيكي في المناطق التي يتم دفعهم فيها، مثل تغيير علامات الطرق وتوجيه القوات المعادية لإسرائيل أثناء تحركها إلى اتجاهات خاطئة (غالباً ترتدي ملابس الشرطة العسكرية)، هذا إلى جانب تنفيذ عمليات اغتيال وتخريب، وبث شائعات، وجمع معلومات. س. طبقت القوات الإسرائيلية مبدأ: "لا تقاتل العدو طبقاً لشروطه، بل طبقاً لشروطك أنت وظروفك". وبذلك وفرت القوات البرية الإسرائيلية على نفسها مشقة وعناء اقتحام المدن والمخيمات، وما يمكن أن يتسبب لها في خسائر: بشرية ومادية، وحرصت على تجنب القتال في المدن، وفضلت الاعتماد أكثر على عنصر تفوقها الجوي في استنزاف "حماس". ع. برز في هذه الحرب استخدام إسرائيل نوعيات جديدة من الذخائر المصنفة ذات دمار شامل، مثل الفوسفور الأبيض، والدايم، ضد العسكريين والمدنيين على حد سواء؛ بالإضافة إلى قنابل الطائرات GBU39 المضادة للتحصينات تحت الأرض، والقادرة على اختراقها؛ والقنابل الارتجاجية التي تبيد وتدمر ما تحتها من أشخاص ومعدات وأسلحة. وهو ما يعني أن إسرائيل تتجه في حروبها إلى استخدام نوعيات من الذخائر تعتمد على وسائل توجيه ذاتي، لها قوة تدميرية عالية، وتُطلق من مسافات بعيدة، وليس من المستبعد أن تستخدم ذخائر كيماوية محدودة التأثير زمنياً، وغيرها من وسائل الإعاقة. ف. في إطار حرب الصواريخ، برز في الجانب الإسرائيلي نقطة ضعف مخطرة، وهي استمرار عدم قدرة وسائل الدفاع الصاروخي لديها في التصدي للصواريخ قصيرة المدى، والتي تحلق على ارتفاعات منخفضة خارج تغطية رادارات أنظمة الدفاع الصاروخي المتيسرة لدى إسرائيل، مثل (حيتس) و(باتريوت)، التي تتعامل مع صواريخ بالستية متوسطة المدى مثل "سكود" و"شهاب"، وأن ما أعلنته إسرائيل من أسلحة دفاع صاروخي لمواجهة الصواريخ قصيرة المدى لم تدخل بعد نطاق الخدمة الميدانية، ولم يبق لإسرائيل سوى الحصول على منظومات جديدة وتدخلها على الفور للدفاع عن المدن الحدودية، مع الاستمرار في تتبع منصات الإطلاق الصاروخية وضربها في مناطق الإطلاق قبل إطلاقها. ص. ومن الدروس التي برزت في مجال التخطيط للعمليات الهجومية بالنسبة إلى إسرائيل، والدفاعية بالنسبة إلى "حماس"، برزت أهمية التخطيط طبقاً للإمكانيات المتاحة لكلّ طرف، وتحقيق أكبر استفادة منها، في إطار الظروف المحيطة بكلّ طرف. فقد استغلت إسرائيل سيادتها الجوية في توجيه ضربات قاصمة في كلّ مكان من قطاع غزة، ولم تفرق بين أهداف مدنية وعسكرية، مستغلة عدم وجود أسلحة مضادة للطائرات لدى "حماس". وفي المقابل يجب أن تسعى "حماس" لامتلاك أسلحة وصواريخ مضادة للطائرات في الحرب المقبلة، مثل الرشاشات عيار 12.7 مم و14.5 مم، والصواريخ سام 7 وسام 9، التي تُطلق من الكتف؛ إذ إن هذه الأسلحة من الصعب اكتشافها وتدميرها؛ نظراً إلى صغر حجمها وسهولة إخفائها.
ثالثاً: العقائد والإستراتيجيات 1. الجانب الفلسطيني أ. إستراتيجية فلسطينية متوازنة خلال الحرب على غزة، كانت هناك العديد من المظاهرات، والعديد من الكتابات والأحاديث والتعليقات تنادي بتحرر الفكر العربي من الثقافة الغربية التي سادت العقول العربية، والتي حولت أفكار ثقافة السلام إلى ثقافة استسلام، وتصاعد معها عقيدة المقاومة كوسيلة لتحرير الأرض الفلسطينية، وتوجيه انتقادات حادة إلى خيار التفاوض؛ لكونه مسؤولاً عن الفشل في وقف العدوان. تشير الحقائق العلمية، أن المقاومة هي وسيلة لحرمان إسرائيل تحقيق أهدافها، وتحافظ على استمرار حالة عدم الاستقرار الأمني لإسرائيل. وفي الوقت نفسه، لها شروطها ومعاييرها ومتطلبات: سياسية وعسكرية ومالية على المستوى الداخلي والخارجي، وأن يكون هدفها تحرير الأرض، وليس الحصول على سلطة أو ثروة أو خدمة أغراض خارجية. كما أن المقاومة هي حق مشروع وواجب مقدس نصت عليه جميع القوانين والأعراف الدولية. كما أن خيار التفاوض هو خيار منطقي للحصول على الحقوق بدون جهد عسكري أو خسائر: مادية وبشرية. إلا أن الجانب الإسرائيلي، ينظر إلى خيار التفاوض بمنظور مختلف عن المنظور الفلسطيني والعربي، فمسار التفاوض الإسرائيلي يكون جيداً، إذا قبل الجانب الفلسطيني ما تعرضه إسرائيل؛ بصفتها اللاعب الرئيسي في القضية؛ إضافة إلى أن خيار التفاوض لم يحقق شيئاً ملموساً للمواطن الفلسطيني، ولم يوقف الحرب على غزة أو الانتهاكات في الضفة الغربية؛ بسبب غياب أدوات الضغط: الفلسطينية والعربية. إن المقاومة وحدها غير كافية، كما أن التفاوض وحده غير كافٍ لتحرير الأرض الفلسطينية. ولذلك، يجب أن تتضمن الإستراتيجية الفلسطينية خيار المقاومة والتفاوض، فالمقاومة يمكن أن تكون أداة الضغط والتفاوض وسيلة للحوار. إلا أن الأمر يرتبط بوحدة وتحرك الدول العربية، مع الولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدوليِ، لرفع صفة الإرهاب عن المقاومة الفلسطينية، على أساس أنها حق مشروع، وقبول المقاومة طرفاً سياسياً على الساحة الفلسطينية. ب. إستراتيجية جديدة للمقاومة المسلحة الخبرة السابقة لحركات التحرر الوطني، اعتمدت على نظرية مفادها أن المقاومة لا تحقق نصراً عسكرياً، ويمكنها تحقيق نصر سياسي، حالة نجاحها في رفع الكلفة: المادية والبشرية، في حرب استنزاف طويلة لدولة الاحتلال. أمّا حروب الجيوش النظامية، فيمكنها تحقيق نصر عسكري. والنظرية/ الإستراتيجية الجديدة للمقاومة، تتضمن المزج بين عقيدة المقاومة لتنفيذ حرب عصابات لاستنزاف الخصم، مع العقيدة القتالية للجيوش النظامية لتحقيق نصر عسكري وسياسي، مع الارتقاء بالمقاومة لتكون قوات شبه عسكرية Para Military من حيث الإعداد والتنظيم والتدريب والتسليح (اُنظر ملحق نظرية/ إستراتيجية المقاومة الجديدة (نظرة عامة)). 2. الجانب الإسرائيلي أ. إستراتيجية إسرائيلية لتصفية القضية مخطط مدروس يعمل على تنفيذه كبار الباحثين الإسرائيليين والأمريكيين، لترويج وتصفية الحل القائم على تكوين دولتَين: فلسطينية وإسرائيلية جنباً إلى جنب، واستبداله بحلول أخرى يتم فيها توريط الدول العربية ومصر والأردن بشكل خاص، مصر تتحمل مسؤولية قطاع غزة، والأردن تتحمل مسؤولية الضفة الغربية، لكي تتخلص إسرائيل من المسؤولية التاريخية في إنشاء دولة فلسطينية مستقلة، بمعنى أن تتولى مصر والأردن الإدارة المدنية والسيطرة الأمنية على قطاع غزة والضفة الغربية. وذلك بدعوى أن مشروع إنشاء دولتَين قد انتهى، بسبب عدم استعداد أيّ من الفلسطينيين والإسرائيليين لتقديم تنازلات في قضايا اللاجئين والحدود والقدس، وبزعم عدم قدرة الفلسطينيين بوضعهم الحالي على بناء دولة تعيش في سلام بجانب إسرائيل؛ بسبب انشقاقاتهم الداخلية. وأن من مصلحة مصر أن تتحرك لاحتواء نظام "حماس" في قطاع غزة حتى لا يمتد أثره إلى الإخوان المسلمين في مصر. أمّا بالنسبة إلى الضفة الغربية، فإنها تندمج في الأردن، في إطار دولة فيدرالية. وفي مواجهة رفض الفلسطينيين لهذا الاقتراح، فإن على مصر والأردن تبرير هذا التحرك، على الزعم من أن هذا الوضع سيكون مؤقتاً لحين يصبح الفلسطينيون مستعدين لإقامة دولتهم المستقلة. ب. إستراتيجية تمكين إسرائيل من المنطقة هذه الإستراتيجية قد خرجت تفصيلاتها عن مراكز بحوث يهودية ومعاهد أكاديمية. وهي جزء من إستراتيجية عامة ومتكاملة لإسرائيل، أن تضع العالم العربي كلّه في خانة العدائيات، وذلك من منظورها الإستراتيجي حتى عام 2020. وأهم بنود هذه الإستراتيجية هو منع قيام أيّ قوة كبرى في المنطقة، سواء كانت دولة أو تجمعاً من دول عربية؛ حتى لا يحول ذلك دون بلوغ حلم أن تكون إسرائيل هي القوة الإقليمية الرئيسية في المنطقة. ولقد كان من الأهداف بعيدة المدى للحرب على غزة الأخيرة، خلخلة الاستقرار الإقليمي بشكل مستمر، تنفيذاً لسيادة "الفوضى الخلاقة"، التي ابتدعتها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، "كونداليزا رايس"؛ وبما يخلق أسباب صدامات بين الدول العربية، وداخلياً بين النظم الحاكمة وجماهيرها. وقد تحقق ذلك بدرجة كبيرة أثناء الحرب على غزة وما بعدها. ج. إستراتيجية تغيير الوضع على الأرض الأرض في الفكر الإستراتيجي الإسرائيلي لا تعني قطعة من فلسطين فحسب، وإنما هي الأرض العربية كلّها. وهذا ما صرح به بوضوح قائد القوات الجوية الإسرائيلية، قال: "إن ما نفعله هنا، لا يقتصر مغزاه على الحدود الجغرافية للمكان؛ ولكنه يعني ما هو أوسع مدى منه إلى المنطقة بكمالها". ولا سيما أن إسرائيل تعلم أن المواجهات والتوترات تحدث هزات في دول الجوار، وصدامات بين الدول العربية بعضها وبعض، فإن هذه المواجهات على العكس، فهي أسباب داعمة لدولة إسرائيل؛ لكونها عنصراً حيوياً في تماسك مجتمعها المكون من خليط متنافر من هجرات متباينة الأصول: العرقية والمذهبية، لا يجمعهم إلا الحرص على البقاء، وذلك بالتماسك فيما بينهم. ناهيك من أن الحروب تسبب انتعاشاً في إنتاج صناعتها العسكرية وزيادة صادراتها منها. د. الإستراتجية الإسرائيلية المعتمدة في قرار العدوان يصعب تحديد متى اتخذت إسرائيل قراراً بشن العدوان. ولكن الإعداد للعملية، حسب مصادر إسرائيلية، بدأ قبل نحو ستة أشهر من بدء العدوان. وعليه، فإن العدوان العسكري على قطاع غزة، الذي بدأ يوم 27 ديسمبر 2008، ليس سوى جزء من سلسلة الأعمال لإسقاط المقاومة في غزة، وتغيير الوضع السياسي والعسكري؛ ولإدراك
ابطال الحرمين
لـــواء
الـبلد : العمر : 38المهنة : باحث في العلوم الاستراتيجية والعسكرية التسجيل : 24/07/2011عدد المساهمات : 3185معدل النشاط : 4639التقييم : 867الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
موضوع: رد: الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة (27 ديسمبر 2008 ـ 17 يناير 2009) الأحد 18 مارس 2012 - 14:50
المبحث السادس تقييم الأداء السياسي/ العسكري وتداعياته
أولاً: تقييم الأداء السياسي الإسرائيلي وتداعياته 1. تقييم الأداء السياسي قادت الحكومة الإسرائيلية المصغرة معظم مراحل العدوان سياسياً وعسكرياً. ولكن القرار في النهاية كان محصوراً بالثلاثي أولمرت رئيس الوزراء، وليفني وزيرة الخارجية، وباراك وزير الدفاع. وقد اتسمت علاقات الثلاثي الإسرائيلي، طوال أسابيع الحرب وبعدها، بالتنافس والاختلاف. أ. شكلت الحكومة الإسرائيلية عدداً من طواقم العلاقات العامة للاتصال بكلّ وسائل الإعلام الغربية؛ لعرض وجهة النظر الإسرائيلية وتبرير العدوان على قطاع غزة، بصفته خياراً اضطرت إليه إسرائيل للدفاع عن مواطنيها ضد صواريخ "المنظمات الإرهابية"، التي تتحكم في القطاع، على حد قولهم. لم يكن الخطاب الذي وجهه الإسرائيليون إلى أهالي قطاع غزة مختلفاً كثيراً. فقد قيل للفلسطينيين إن العدوان الذي يتعرضون له جاء نتيجة سياسات "حماس"، وإن إسرائيل تعمل على مساعدة السلطة الفلسطينية. ودعا المسوؤلون الإسرائيليون أهالي القطاع إلى التذمر وإطاحة حكومة "حماس". ولكن ما أن اتضح أن أهالي القطاع يقفون خلف قوى المقاومة وضد العدوان، وأن صوتاً واحداً لم يصدر لانتقاد "حماس"، حتى تغير الخطاب الإسرائيلي وأصبح أكثر وضوحاً في تأكيده ركوع سكان القطاع. ب. دعا الرئيس الفرنسي ساركوزي إلى هدنة مؤقتة يسمح فيها بمرور قوافل الإغاثة والمعونات الطبية إلى القطاع. رفضت إسرائيل الاستجابة لدعوة الرئيس الفرنسي، كونها مطمئنة لموقف الدول الأوروبية المؤيد لها. غير أن رد فعل الرأي العام العربي والعالمي فاجأ إسرائيل. فسرعان ما سمحت بمرور بعض العون الطبي من الجانب المصري، والذي كانت رفضته بشدة من قبل. كما أعلنت وزيرة الخارجية ليفني معارضتها وجود قوات رقابة دولية في قطاع غزة. تماماً كما رفضته من قبل قيادة "حماس" وقوى المقاومة الأخرى في القطاع. ج. أعلن الرئيس المصري الخطوط العامة لمبادرة مصرية. على الفور، أظهر الإسرائيليون استعداداً للتعامل مع المبادرة، من دون أن يحددوا موقفاً صريحاً منها؛ وما إذا كانوا ينتظرون تحقيق أهداف محددة بعينها عسكرياً أو من خلال تفاوض. كلفت الحكومة الإسرائيلية عاموس جلعاد Amos Gilad مساعد وزير الدفاع للشؤون السياسية، إدارة المفاوضات الخاصة بهذه المبادرة. ولكن، ما أن اتضحت ملامح التحرك المصري أنه اتفاق للتهدئة، حتى بدأ الخلاف بين أعضاء القيادة الإسرائيلية الثلاثة أولمرت ـ ليفني ـ باراك، حول ما طرحه باراك أنه من الأفضل للدولة العبرية الوصول إلى اتفاق تهدئة طويلة ومفتوحة زمنياً؛ أو ما طرحته ليفني، عدم السعي إلى اتفاق تهدئة وإبقاء القطاع تحت تهديد الرد الإسرائيلي المستمر على كلّ إطلاق للصواريخ. وأيد هذا الاقتراح رئيس الوزراء أولمرت. بيد أن القيادة الإسرائيلية لم تعطِ أهمية خاصة للجهد المصري للتفاوض. ولم يكن ثمة ارتباط منطقي بين القرار الإسرائيلي بوقف إطلاق النار الذي أعلن بشكل منفرد، وبين نتائج الوساطة المصرية بين "حماس" من جهة والمفاوض الإسرائيلي من جهة أخرى؛ فشاب الغموض الإدارة السياسية الإسرائيلية لمجريات العدوان.
2. تداعيات العدوان سياسياً على إسرائيل أ. لجأ الإسرائيليون إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، لتوفير الإطار السياسي لوقف العدوان؛ وذلك بعد يومين من إعلان إسرائيل وقف إطلاق النار وبدء الانسحاب من قطاع غزة. وقعت وزيرة الخارجية الإسرائيلية، ووزيرة الخارجية الأمريكية، في 16 يناير 2009 بروتوكول تفاهم، في واشنطن، تعهدت فيه الإدارة الأمريكية بالعمل على منع تهريب السلاح إلى قطاع غزة. وكان هذا الاتفاق هو الإنجاز السياسي الأهم للعدوان. بعد ثلاثة أيام، وصل إلى إسرائيل وفد القادة الأوروبيين في جولتهم الثانية، بعد شرم الشيخ، حيث أكدوا من جانبهم العمل على وقف تهريب السلاح إلى القطاع، مؤكدين بالتالي على توفير هذا الغطاء السياسي للقرار الإسرائيلي بوقف النار والانسحاب. ب. صرح البروفسير "يحزكائيل درور" Yehezkel Dror عضو لجنة فينوجراد، التي حققت من قبل في أسباب فشل الجيش الإسرائيلي في حرب لبنان، عام 2006، أن إسرائيل فشلت في الحرب على غزة، كما فشلت في لبنان؛ وذلك يسبب "عدم القدرة على الحسم في القرار". وقال درور: "من الصعب الإقرار بقياس مدى انتصار الجيش الإسرائيلي في الحرب الإسرائيلية على غزة، مقابل الانجاز الذي حققته حركة "حماس" بقوة موقفها". وأكد أن إسرائيل لم تنجح في إيجاد قوة ردع أمام الصواريخ الفلسطينية، التي ما زالت تسقط على المستوطنات الإسرائيلية في المناطق الجنوبية. ج. اتهمت مجموعة من الكتاب الإسرائيليين في جريدة "هآرتس" Haaretz، في تحليل حول نتائج العدوان وتداعياته على الجانب الإسرائيلي، اتهموا الحكومة الإسرائيلية بالاخفاق في تحقيق تسوية سياسية ملزمة، معتبرين أن التزامن بين العمل العسكري والسياسي في قطاع غزة كان منقوصاً؛ ذلك أن إسرائيل تراجعت في النهاية من دون تسوية حقيقية. ورأى هؤلاء المحللون أن ما حصل في غزة هو شبيه بما حصل في لبنان، حيث كان أمام إسرائيل في قطاع غزة إمكانيتان للعمل: الأولى: الاكتفاء بالعملية الجوية الكبيرة التي نفذت في 27 ديسمبر 2008، وإعلان وقف القتال، وترك حركة "حماس" في حالة صدمة. الثانية: أو تفعيل قوة أكبر وأسرع من أجل تحقيق إنجازات برية على الأرض. بيد أنه، حسب رواية الكُتاب، "مثلما حصل في لبنان، فقد اختارت إسرائيل الطريق الوسط، فهي تتقدم ببطء باتجاه احتلال جزئي تكون نتيجته محدودة، وعندها تنسحب بعد نفاد صبر وسط المجتمع الدولي". د. لم تستفد إسرائيل من الإمكانات والظروف المتاحة عربياً ودولياً، وخاصة عندما سار الأداء العسكري بما لا يريده المستوى السياسي. ولعل الأداء السياسي والعسكري المتميز نسبياً وصمود فصائل المقاومة في قطاع غزة، لعب الدور الأبرز في إرباك الأداء السياسي والعسكري الإسرائيلي؛ وأفشل أهداف العدوان؛ فضلاً عن أن بيئة تزايد التعاطف المحلي والعربي والدولي مع فصائل المقاومة وضد إسرائيل، أربك قدرة الطرف الإسرائيلي على المناورة السياسية من ناحية، وأدى من ناحية ثانية إلى تشويه صورة إسرائيل واهتزازها سياسياً وإعلامياً، وتزايد موجات الاستنكار والعداء لها عالمياً.
ثانياً: تقييم الأداء العسكري الإسرائيلي وتداعياته 1. تقييم الأداء العسكري أ. اعتمد الجيش الإسرائيلي على المراقبة الجوية المستمرة، ووسائط الاستطلاع الأرضية بمختلف أشكالها من مراقبة أو تنصت أو العملاء داخل القطاع؛ لاكتشاف وتحديد الأهداف، ليتم معالجتها واتخاذ القرار بمراكز القيادة. كما اعتمد في عدوانه على منظومات الأسلحة المتفوقة نوعاً، لتدمير الأهداف المكتشفة أو المتوقعة، مستخدماً الرمي عن بعد دون إقحام قواته في معارك برية مع المقاومة تفادياً للخسائر. وركزت إسرائيل في استخدام الطائرات المقاتلة القاذفة وحوامات الدعم الناري والطائرات من دون طيار، للتعامل مع أيّ هدف يكتشف. أمّا في عمله البري، فقد اعتمد الجيش الإسرائيلي على التهويل باقتحام المدن، بتكرار عمليات التمهيد النيراني، والتقدم قليلاً؛ لإيهام المقاومين والمجتمع المدني أنه سيدخل المدن، ثم يتراجع إلى مواقعه السابقة. وهذه عملية ضغط على معنويات المقاومين والمجتمع المدني؛ للضغط على أعصابهم وتحطيم قدرتهم على الصمود، لدفعهم إلى الرضوخ كما حاول استطلاع قدرة المقاومة على المواجهة، بمحاولته فصل مخيم جباليا عن مدينة غزة. ولما أدرك استعداد المقاومة للمواجهة، لم يكرر التجربة، إلا في الأيام الأخيرة بعد أن ضعفت مقاومة بعض الأحياء، نتيجة الإرهاق وشدة الدمار، نفذ بعض الاختراقات لمسافات محدودة، ثم عاد إلى مواقعه.
وبتقييم هذا الأداء بين جيش نظامي ومقاومين تحت الحصار، نخلص إلى ما يلي: (1) لم تنجح إسرائيل في كسر صمود المقاومة بالمناورة البرية، ولا بالضغط والاستنزاف والحرب النفسية على المقاومين. (2) لم تنجح إسرائيل في تحقيق أهداف العملية بالعمل الجوي فقط. ولم تتجرأ على تصعيد العمل العسكري البري، خشية الخسائر في صفوف جيشها، وخوفاً من تدخل الجبهة الشمالية، التي لم تستطع بعد مواجهة نتائجها. (3) فشل الجيش الإسرائيلي في تحقيق هدفه في تغيير الوضع في قطاع غزة؛ ما دفعه إلى السعي لتحقيق ترتيبات أمنية على الحدود مع مصر، تحول دون إعادة تسليح القطاع. ب. أثبتت حرب غزة، كما أثبتت من قبل حرب يوليه 2006، استمرار اعتماد إسرائيل على الآلة المتفوقة كماً ونوعاً، لتحقيق التفوق على قوى نظامية بدائية التسلح والتكتيك. لكنها عاجزة على تحقيق النصر على المقاومة وتكتيكاتها المتواضعة في القتال. وما زالت القوات البرية تخشى كسب المعارك بالجندي المتفوق والمستعد للتضحية؛ ما يؤكد نجاح خيار المقاومة تكتيكياًفي مواجهة إسرائيل.
2. تداعيات العدوان عسكرياً على إسرائيل أ. طلب وزير الدفاع الإسرائيلي، باراك، وقف العمليات؛ مدعياً أن إسرائيل حققت الردع في هذا العدوان، وأن استمرار العمليات لا يحقق أهدافاً أخرى سوى زيادة الخسائر ومزيداً من الضغط الدولي. كما رأت القيادة الإسرائيلية أنها استعادت ثقة الشعب بالجيش وبقيادته لإدارة الحرب، بعد فقدانها إياها في حرب لبنان، عام 2006. كما اختبرت قيادة الجيش مستوى أداء التشكيلات والوحدات ميدانياً، بعد إعادة تأهيلها. والواقع أن استعادة إسرائيل لقدرة الردع زائفة وإعلامية. هدفها التأثير في المجتمع الإسرائيلي والرأي العام أكثر من كونها واقعية. فوزير الدفاع أقر بعدم جدوى استمرار العمليات، لعجزه عن تحقيق أيّ أهداف جديدة. وخفضت الحكومة الإسرائيلية أهداف العدوان، من تغيير الوضع في قطاع غزة ووقف الصواريخ، إلى الحصول على ترتيبات أمنية لمنع تهريب السلاح؛ فضلاً عن استمرار خشيتها من حرب على الجبهة الشمالية. والحقيقة، إسرائيل لم تدخل حرباً ضد قوى مكافئة، ولو جزئياً، بالسلاح، لخوض معارك فعلية تحدد قدرة وكفاءة القوات الإسرائيلية؛ بل خاضت حرباً اعتمدت على قوة نيران كبيرة، استخدمتها عن بعد ضد المقاومة المحاصرة، دون الالتحام معها لاقتلاعها من أماكنها. وبهذا، أظهرت الحرب عدم قدرة إسرائيل وتفاديها اقتحام المدن أو القرى والمحميات المحصنة المعدة للدفاع، إلا بعد تدميرها، إن استطاعت ذلك. ب. ظهر انكشاف الجبهة الداخلية الإسرائيلية لصواريخ المقاومة وعجزها عن حماية هذه الجبهة، علاوة على خوفها وتفاديها التورط في حرب مع الجبهة الشمالية؛ لإدراكها عواقب هذه الجبهة. ج. لجأت إسرائيل إلى مواجهة المقاومة من خلال سياسة الحصار الميداني، والاستعانة بالدول الكبرى الحليفة وبدول عربية لحصار وعزل المقاومة والضغط عليها، أيْ نقلت مسؤولية المواجهة مع المقاومة عن عاتقها إلى قوى دولية وعربية. وخلاصة القول أن الجيش الإسرائيلي لم يتخط هزيمة حرب يوليه 2006، وينتقل إلى الوضع الذي يمكنه من مواجهة المقاومة ميدانياً للقضاء عليها. د. لجأت إسرائيل إلى بناء منظومة مضادة للصواريخ، لحماية جبهتها الداخلية؛ ومنظومة لصد الصواريخ بعيدة المدى، لتحسن أداء قواتها. لكنها لا تزال ضعيفة في استخدام قواتها البرية في معارك التحام. وهذا يتطلب معالجة الوضع النفسي والاجتماعي للجنود والمجتمع، ورفع مستوى التدريب للاحتياطي إلى مستوى ألوية النخبة. كان يفترض أن تزيد إسرائيل من ألوية المشاة، بعد حرب يوليه 2006، وترفع من مستوى أداء قوات الاحتياطي، لمواجهة المقاومة؛ لكن حرب غزة لم تثبت ذلك.
ثالثاً: تقييم الأداء السياسي لحركة "حماس" وتداعياته 1. تقييم الأداء السياسي أ. تصدت "حماس" لمحاولات إسقاطها عقب سيطرتها على قطاع غزة. وجربت تهدئة لم تلتزم بها إسرائيل، على الرغم من احتياج إسرائيل إلى هذه التهدئة؛ للتحضير للعدوان. اتخذت "حماس" قراراً بعدم التوقيع على أية تهدئة لا تحقق إستراتيجيتها، من خلال تحقيق هدفَين: الأول: فتح المعابر من غزة وإليها بصورة طبيعية. الثاني: فك الحصار المفروض عليها بصورة كاملة. ب. رافق العدوان العسكري على غزة معارك سياسية، فرضت نفسها على الواقع الإقليمي والعالمي. وأدت إلى تقوية موقف "حماس" وفصائل المقاومة في غزة، وخاصة بعد استمرار العمليات والعدوان. وبدا وكأن إسرائيل هدفها الرئيسي القضاء على القطاع بمن فيه، وعدم رغبة إسرائيل في وقف القتال؛ على الرغم من فشلها في تحقيق أهدافها؛ ما زاد من قوة "حماس" السياسية والجماهيرية؛ فضلا عن استمرار التهديد الفلسطيني للمدن الإسرائيلية المحيطة بالقطاع. كما أن الإجماع الإسرائيلي على العدوان، وما نتج منه من دمار وضحايا، قد عززا الاتجاه الشعبي في الجانب العربي والإسلامي والعالمي ضد إسرائيل. ولذلك، لم تستطع إسرائيل عزل حركة "حماس" على المستوى الرسمي العربي والإسلامي والدولي. وعزز ذلك عدد الدول العربية والإسلامية التي حضرت مؤتمر الدوحة، وطالبت بمقاطعة إسرائيل وسحب المبادرة العربية ودعم إعمار غزة. ج. أدركت "حماس" أن الرئاسة الفلسطينية، تراهن على الدور الأمريكي الجديد حتى تكون بوابة تسوية القضية الفلسطينية وجزءاً من المعادلة في المنطقة. كما أدركت أن الرئاسة قد تفشل أو تختفي من المشهد الفلسطيني، إذا ما انحسر الدور الأمريكي في المنطقة. وازدادت قناعة "حماس" بأن الرئاسة الفلسطينية ستضطر إلى الانفتاح الجدي على "حماس" في حال ألقت الولايات المتحدة الأمريكية بثقلها لحل القضية؛ فبدون "حماس" لا يمكن للرئاسة أن تفي بالتزاماتها للجانب الإسرائيلي والأمريكي. د. تطلبت إستراتيجية "حماس" التعاطي مع حالة الانقسام والصراع، وغياب الإرادة السياسية في التعامل مع الاحتلال الإسرائيلي. وأظهر العدوان على غزة مدى تخبط واضطراب الأولويات لدى الكيان العربي، والتمحور نحو الداخل الوطني لكلّ دولة، على حساب العبء القومي العربي. واستمر الانقسام العربي، طوال العدوان على غزة، بين محور "الاعتدال"، و"الممانعة". وواصل محور الممانعة مدعوماً بالتأييد الجماهيري دعم "حماس" سياسياً ومادياً. أمّا محور الاعتدال فاستمر في دعم الرئاسة الفلسطينية، وحدد دوره المستقبلي في دفع المساعدات للإعمار من طريق الرئاسة. أصر هذا المحور على ضرورة قبول "حماس" للتفاهم مع الرئاسة، شريطة منح "حماس" دوراً فاعلاً في عملية إعمار غزة. هـ. أدى التوتر في العلاقة بين مصر و"حماس"، خلال العدوان، إلى تمهيد الطريق أمام تركيا لتلعب دور الوسيط بين "حماس" وإسرائيل. كما أدى العدوان الإسرائيلي إلى حراك على المستوى الإقليمي، وخاصة من إيران بوصفها قوة إسلامية عدوة لإسرائيل، وخصم للولايات المتحدة الأمريكية ودول الاعتدال؛ وحليفة لقوى الممانعة. كما أدى إلى ظهور تركيا بوصفها قوة إسلامية حليفة للولايات المتحدة الأمريكية، وصديقة لإسرائيل ودول الاعتدال والممانعة. و. نجحت حركة "حماس" في تحقيق هدفَين من أهدافها الأربعة، التي أعلنتها خلال العدوان على غزة، فقد نجحت في وقف إطلاق النار والانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة. ولم تحقق هدفَين آخرَين كانت قد أعلنتهما، وهما فتح المعابر بصورة طبيعية ومنتظمة، وفك الحصار بصورة كاملة ومستديمة. وهذا يظهر أن حركة "حماس" نجحت في الصمود والمقاومة، وأثبتت أنها كانت مستعدة للتصدي للعدوان.
2. تداعيات العدوان سياسياً على حركة "حماس" أ. أدى العدوان العسكري الإسرائيلي على غزة إلى تحول سياسي مهم في المنظومة الفكرية العربية، فيما يتعلق بمسألة التوازن بين الطرفَين؛ وأوجد لها مقاييس جديدة. كما رسخ مفهوم أن مشكلة العرب تكمن في الإرادة السياسية، وفي القراءة السياسية الإستراتيجية الخاطئة لطبيعة التحولات الإقليمية والدولية. ب. لم تنجح إسرائيل في إثبات أن تحقيق أمنها لا يكون إلا من خلال تفوق قوّتها العسكرية، والذي سيؤدي إلى ردع العرب عن القيام بأعمال عسكرية. وفي حال عدم ردعهم، حسب العقيدة الأمنية الإسرائيلية، يكون في إمكان إسرائيل من خلال الاعتماد على تفوقها العسكري، أن تحرز نصراً سريعاً. ولكن استطاعت حركة "حماس" من خلال تصديها للعدوان الإسرائيلي، أن تحدث شرخاً في فاعلية العقيدة والإستراتيجية الأمنية الإسرائيلية، القائمة على تفوق القوة العسكرية، وثقة الإسرائيليين بها. ج. تبنت حركة "حماس" نهج المقاومة، والذي حظي بتأييد شعبي فلسطيني وعربي وإسلامي كبير، زاد من حجم التأييد للقضية الفلسطينية، بصفتها القضية المركزية للأمة العربية والإسلامية. وفي هذا السياق كشف العدوان عبثية نهج التسوية والمفاوضات التي لم تحقق شيئاً، طيلة السنوات الماضية؛ فضلاً عن أنه أحرج السلطة الفلسطينية التي لم تكن تتوقع صمود فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة، مدة ثلاثة أسابيع. د. دانت الجمعية العامة للأمم المتحدة العدوان على غزة بأغلبية ساحقة. ولعل ما يجري من جهود دولية وأمريكية وأوروبية يدل على أن هذه الجهات تريد حلاً للصراع العربي الإسرائيلي؛ لتتخلص من كلّ آثاره التي تتزايد أضرارها ضد مصالحها الإقليمية والدولية. وأخذت القضية الفلسطينية مكانتها على رأس الأحداث الدولية. ونالت تأييد معظم شعوب ودول العالم.
رابعاً: تقييم الأداء العسكري لحركة "حماس" وتداعياته 1. تقييم الأداء العسكري أ. الإعداد والتحضير قبل المعركة إن استعداد المقاومة وتحضيراتها للمواجهة بدت في مستويَين: (1) المستوى الأول: التدريب والتسليح قامت حركة "حماس" بما يمكن القيام به، وهي محاصرة، يضيق عليها الخناق، وخاصة في الأشهر التي سبقت العدوان. وقد لجأت إلى طرق أبواب شتى، للتخفيف من آثار هذا الحصار المحكم. وكان التصنيع المحلي، وكان النقل عبر الأنفاق. (2) المستوى الثاني: الإعداد للعمليات وتجهيز مسرح العمليات ويقصد به تحضير المكامن والنسفيات والأفخاخ على محاور التقدم المنتظرة. وهذا ما لم يتم بالصورة المثلى ولم يحقق الغاية. وكان في الإمكان أن تضع المقاومة وبدقة خريطة عمليات دفاعية، تحدد فيها محاور تقدم الخصم. ثم تقوم المقاومة بتجهيز هذه المحاور بما يلزم من التفخيخ الحقيقي أو الهيكلي؛ لإشغال وخداع الخصم في تقدمه، وإيقاع خسائر مؤثرة فيه. بالإضافة إلى ذلك عدم اكتمال تجهيز المحاور الموصلة إلى الأماكن المبنية، والتي تحتاج إلى تجهيز هندسي وتحضير للأرض. يبرر المسؤولون هذا بعدم تيسر الوقت، وكذا شَغْل سكان غزة لهذه الأماكن، وحساسية العمل في وجودهم. ب. منظومة المراقبة والاستطلاع والاستخبارات إن أشد ما حدث خطراً وإظهاراً لضعف هذه المنظومة هو تلك المفاجأة التي تمثلت في قصف الطيران الإسرائيلي لمركز الشرطة، أثناء احتفال يوم السبت 27 ديسمبر، أول أيام العدوان، والذي ذهب ضحيته أكثر من 220 شهيداً. كان يمكن لحركة "حماس" تجنب هذا القصور لو لم تقع ضحية عملية خداع كبرى مارستها إسرائيل ضدها، بما يحقق خداعاً إستراتيجياً وعدم معرفة نية العدو في العدوان في هذا التوقيت. ولكن يسجل لحركة "حماس" قدرتها على استيعاب المفاجأة وتحويلها من مفاجأة إستراتيجية ينهار الوضع معها، إلى مفاجأة تكتيكية يمكن التعامل معها وامتصاص سلبياتها. وهذا ما تأكد في اليوم التالي، من خلال الثبات على الموقف ومعاودة القصف الصاروخي ميدانياً ضد البلدات والمدن الإسرائيلية. أمّا ما يتعلق بعمل الاستخبارات وأمن القوات، فقد لوحظ الدور المدمر الذي لعبه العملاء لمصلحة العدو، وذلك بالحصول على معلومات حول أهداف يقصفها؛ إضافة إلى الحصول على معلومات حول مناورة المقاومة وخططها وتحضيراتها للمواجهة. ج. التنظيم والتخطيط للمعركة خططت حركة "حماس" معركتها الدفاعية على أساس عنصر النيران البعيدة، الناجمة عن الصواريخ والهاون، لبث الرعب في صفوف الإسرائيليين؛ وكذلك عنصر المناورة في الميدان والقتال في المدن. وكان هذا التخطيط تحكمه ضوابط تحكمت بنتائج العدوان. بالنسبة إلى المقاومة ورجالها، جاء انخفاض عدد الإصابات في صفوفها واضحاً ولافتاً للنظر في حرب تدميرية، كالتي شاءها المحتل. أمّا بالنسبة إلى السكان فقد أسهم التخطيط في منع الخروج قدر الإمكان، والثبات في المواقع إلى الحد الذي وصف هذه الموقعة بين العرب وإسرائيل بأنها الأولى، التي لم يتلازم معها نزوح عربي خارج ميدان المعركة. أمّا على صعيد المواجهة، فكان لاعتماد نظام لامركزية المواجهة الميدانية شأن مؤثر في تعطيل فاعلية الحصار، وتقطيع أوصال القطاع، عندما بدأت المرحلة البرية. أمّا على الصعيد الإسرائيلي، فإن تخطيط حركة "حماس" وتنظيمها للمواجهة كان من شأنه حرمان الجيش الإسرائيلي المباهاة بتحقيق النصر، وخاصة فيما يتعلق بالأهداف السياسية المعلنة من حيث إسكات الصواريخ أو تغير واقع القطاع على الأرض أو استعادة أسيره "جلعاد شاليط". كل ذلك لم يحصل. ونجحت المقاومة في منع حدوثه. د. على صعيد الكفاءة القتالية ومعنويات المقاتلين إن خوف الإسرائيليين من المواجهة والالتحام في القتال مع "حماس"، يؤكد نجاح "حماس" في تجهيز مقاتل شرس يملك المهارة في الميدان. وكان لذلك تأثير في مسار المعركة البرية وامتناع الجيش الإسرائيلي عن المجازفة في احتلال غزة. أمّا بخصوص إطلاق الصواريخ على البلدات الإسرائيلية المحيطة بغزة، فقد سجلت إصابات في قواعد جوية وميناء "أسدود" ومصانع إسرائيلية. أما بالنسبة إلى المدن، فقد سجلت قدرة "حماس" على تنفيذ المكامن وزرع الأفخاخ والنسفيات وتجهيز الأرض بالمخابئ والأنفاق. وإن تدني الإصابات في صفوف الإسرائيليين سببه الأساسي إحجامهم عن خوض معارك الالتحام والمواجهة في حرب المدن من جهة، وعدم امتلاك المقاومة لكميات مناسبة من الصورايخ المضادة للدروع من جهة ثانية. هـ. الأداء العام والنتائج المحققة في نهاية العدوان تمكنت حركة "حماس" من منع الجيش الإسرائيلي من تحقيق أيّ من أهدافه المعلنة. وألزمته باتخاذ قرار بوقف إطلاق النار من جانب واحد. ومن المعروف أن المدافع ينتصر إذا اتخذ في الميدان التدابير التي تجعل المهاجم يقتنع بأن هجومه بات مكلفاً أو نصره الحاسم فيه مستحيل؛ ويكون من الأفضل له أن يتوقف عن المتابعة في عملياته. وهذا ما حدث بالفعل في غزة حيث اتخذت إسرائيل قراراً منفرداً بوقف عدوانها، عندما تبين لها أن تحقيق أهدافها باهظ التكاليف. وهنا، يسجل للمقاومة القدرة وحسن الأداء في القيادة في الميدان وثبات مقاتليها وقوة تحملهم ومثابرتهم.
2. تداعيات العدوان عسكرياً على حركة "حماس" أ. القدرة على المواجهة المستقبلية اختبرت حركة "حماس" قدرتها على مواجهة عدوان مخطط شامل، كان يستهدف وجودها وقدراتها بشكل كلي. ووقفت على نواحي الضعف والقوة في بنيتها وتحضيراتها وأداء مقاتليها. الأمر الذي منحها، بعد فشل العدوان في تحقيق أهدافه، فرصة المعادلة وسد الثغرات؛ ما يجعل مهمة المحتل المستقبلية عند استئنافه للعدوان التدميري، أكثر صعوبة وتعقيداً. وهذا ما تحذره إسرائيل، كما ذكره الكاتب الإسرائيلي "عميدرور" Amidror في مقاله: "بعد غزة ينبغي الاستعداد للحرب الحقيقية"، حيث يقول: "عصبة الإرهاب "حماس"، اكتسبت الآن تجربة قتالية. وأغلب الظن أنها ستقاتل على نحو أفضل، في المستقبل". لا شك أن "حماس" استفادت قتالياً من تجربة المواجهة. وعليها الآن استغلال الوقت ومعالجة كلّ خلل ظهر، وتعظيم نقاط القوة. إن لجوء المقاومة إلى التقييم والمعالجة، سيكون من شأنه جعل اتخاذ القرار لدى إسرائيل بعدوان جديد، أكثر صعوبة، كما هو الحال على الجبهة الشمالية مع لبنان. فإن حزب الله بقدراته يزيد من القلق الإسرائيلي وجعل المواجهة المقبلة أكثر صعوبة وتكلفة. ب. كفاءة الفرد المقاتل يمكن القول أن العنصر البشري للمقاومة خرج من العدوان سالماً، لم يتأثر بالشكل الذي يحد من قدراته وفاعليته القتالية. إن عدواناً كالذي حدث في ظروف صعبة واجهتها المقاومة، كان من الممكن أن يؤدي إلى قتل المئات من المقاومين وفي طليعتهم قياداتهم العليا والميدانية. لكن الأمر لم يحدث، وخاصة إذا تذكرنا إن إسرائيل تقدر عدد المقاومين في القطاع بعدد لا يقل عن 18 ألف مقاتل. فإذا كانت الخسائر في صفوفهم وفقاً لتقدير جيش الاحتلال 600 فرد؛ وطبقاً لما أعلنته "حماس" 93 شهيداً؛ والرقم الأكثر قرباً للحقيقة هو 450 شهيداً، فإن هذا الرقم لا يعتد به عسكرياً ولا يشكل تأثيراً فعلياً في قدرات المقاومة نسبة إلى الإجمالي. ج. التجهيزات والأسلحة والمعدات طبقاً للتقديرات الإسرائيلية، فإن المقاومة لم تكن تملك القدرات التسليحية والتجهيزية التي يمكنها تهديد الجيش الإسرائيلي في عدوانه؛ ووفقاً لما ذكره الكاتب الإسرائيلي "عميدور" يصف المقاومة، "ضعف الوسائل والتجهيزات إلى حد الفقر والبؤس". وعلى الرغم من هذا فإن نتيجة العدوان لم تشكل إنجازاً خارقاً حتى بالعين الإسرائيلية. وكلام كهذا يثبت الضعف الإسرائيلي في المواجهة البرية على وجه الخصوص، ولا يشكل عيباً للمقاومة؛ إذ إن المقاومة بحالها هذا الذي شهد به العدو، منعت إسرائيل بإمكانياتها التي تفاخر بها من أن تحقق أهدافها. وفي هذا يكمن نجاح المقاومة، يخفف من وطأة التداعيات العسكرية عليها في مواجهة عدو يملك الطائرة والدبابة، ولم يؤثر في المقاومة. ونضرب لذلك الأمثلة الآتية: (1) تدعي إسرائيل أنها دمرت نسبة عالية من صواريخ القسام، وأنها استطاعت أن تحدّ من معدل القصف الصاروخي الذي انخفض من 37 إلى 24 صاروخاً في اليوم. وبدراسة هذه النسبة ومقارنتها بالفارق الكبير بين قدرة الجيش الإسرائيلي وقدرة "حماس" نخلص إلى القول إن قدرات المقاومة في المجال الصاروخي، لم تتأثر بشكل يحدّ من الفاعلية والأثر في مواجهات مقبلة؛ وإن ما دمر قابل للتعويض. (2) لم يتمكن العدوان من حرمان المقاومة قدراتها في مجال استخدام الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والصاروخية. وإن ما استعمل منها من ذخيرة أو صواريخ أو دُمر هو أمر قابل للتعويض، وليس من شأنه التأثير سلباً في قدرات "حماس" في المواجهة مستقبلاً. د. العقيدة القتالية والروح المعنوية دائماً يلازم المنتصر شعور بمعنويات مرتفعة. وعلى الرغم مما تكبده قطاع غزة من أهوال العدوان، فقد خرج مقاتلوه بتمسك أكثر بالحق الذي حملوا السلاح من أجله، وقد ظهر ذلك واضحاً، مما أعلنته قيادة "حماس" بقرار وقف إطلاق النار، بعد 24 ساعة كاملة على قرار إسرائيل، من جانب واحد بالوقف، وبعد أن أمطرت "حماس" المواقع الإسرائيلية بصواريخها؛ واشترطت على إسرائيل أن تنسحب من القطاع بعد أربعة أيام وإلا استأنفت عملياتها. يعني ذلك أن "حماس" وصلت إلى نهاية المعركة، وهي قادرة على القتال وتملك إرادة المقاومة. وكان ذلك حالها كذلك عندما خرقت إسرائيل وقف إطلاق النار، وكان ردها بالصواريخ بشكل مركز، إلى الحد الذي أقدمت فيه إسرائيل على تقديم شكوى إلى مجلس الأمن. وهذا يعطي دلالة على مدى شعود إسرائيل بالإخفاق من نتائج الحرب. هـ. التجهيز العملياتي لمسرح القتال على الرغم من أن العدوان على غزة أحدث تدميراً وهدماً للبنية التحتية والأنفاق والأعمال الهندسية أكثر من 75% منها، ودمرت المنازل والأنفاق التي يستفيد منها المقاومون؛ ما كان له أثر سلبي كبير. ولا شك في وجود خسارة لوجستية من شأنها أن تؤثر في فاعلية أداء المقاومة. إلا أن هذا الأثر لم يمس إرادة القتال بل رفع معنويات التنظيمات والمقاومين والشعب، ومنح المقاومة خبرة وصلابة تجعلانها أكثر قدرة على خوض معارك مماثلة.
ابطال الحرمين
لـــواء
الـبلد : العمر : 38المهنة : باحث في العلوم الاستراتيجية والعسكرية التسجيل : 24/07/2011عدد المساهمات : 3185معدل النشاط : 4639التقييم : 867الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
موضوع: رد: الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة (27 ديسمبر 2008 ـ 17 يناير 2009) الأحد 18 مارس 2012 - 15:06
المبحث السابع الأدوار وردود الأفعال العربية
لعبت المواقف العربية خلال الحرب على قطاع غزة، 2008/2009، دوراً مهماً في كشف عدد من الحقائق بشأن حقيقة أدوار القوى العربية والإقليمية والدولية، ومجمل النيات والأهداف التي تقف وراءها. وأظهرت تناقضات تضارب المصالح في العلاقات، وقدرة بعض الأطراف على توظيف الأزمة لتحقيق مصالحها الوطنية، أو لخلق دور إقليمي جديد بالمنطقة. وأن المقاومة الفلسطينية لم تكن في مواجهة مع الجانب الإسرائيلي فقط، بل كانت في مواجهة مع أطراف أخرى فاعلة في الأزمة.
أولاً: دول الاعتدال العربي 1. الدور المصري منذ اللحظة الأولى للأزمة، أدركت مصر أنها تواجه أزمة كبرى ومعقدة، تمس الأمن الوطني ودورها الإقليمي ومصالحها العليا. وتمثلت عناصر الأزمة في العمل على احتواء العمليات العسكرية، والسيطرة على الحدود المصرية - الفلسطينية، وتأمين المعونات الإنسانية لقطاع غزة، والرد على الحملات الإعلامية الموجهة لمصر واتهامها بالتواطؤ مع إسرائيل في الحرب. كانت الملامح الأولى للدور المصري في تحميل حركة "حماس" مسؤولية الحرب، والتحرك لوقف العدوان، ولتكوين موقف عربي موحد تجاه العدوان، وتحريك المجتمع الدولي للضغط على إسرائيل. كما رفض الدور المصري عقاب إسرائيل من خلال قطع العلاقات الدبلوماسية، أو إلغاء اتفاق السلام المصري ـ الإسرائيلي، وكان هناك تعاطف مصري نسبي نحو المدنيين الفلسطينيين، والتحرك لاستباق النتائج بطرح المبادرات والمؤتمرات للتهدئة أو لإعادة الإعمار والمصالحة الفلسطينية ـ الفلسطينية. كان تركيز الدور المصري الأولي على رفض وإدانة وإيقاف العدوان، ودعوة الفلسطينيين إلى توحيد صفوفهم. وشمل خطاب "مبارك" عناصر متكاملة، بدأت بوقف العدوان بما يتيح العودة إلى التهدئة، وإعادة فتح المعابر تخفيفاً لمعاناة الشعب الفلسطيني، ورفض المخطط الإسرائيلي للفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة؛ وأن فتح معبر رفح هو تكريس لهذا الانفصال، وأن مصر تؤمن بحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال، شرط أن تكون مقاومة مسؤولة تضع في حسبانها المكسب والخسارة، اللذَين يمكن أن يتعرض لهما الشعب الفلسطيني؛ ومواصلة مصر جهودها لتحقيق المصالحة الفلسطينية؛ وأن مصر تدرك أن جوهر القضية هو إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية. بعد إدراك القيادة المصرية محاولة بعض الأطراف الخارجية، خاصة إيران، اختطاف أزمة قطاع غزة، لوضعها تحت شعار إسلامي، وليس قومياً، كان هناك دور مصري يؤكد أن ما يجري في قطاع غزة أمر يمس الأمن القومي المصري، وأن الجغرافيا والتاريخ تعطيان مصر الأفضلية على غيرها من اللاعبين الإقليميين لتولي الأزمة، ولا حل لحركة "حماس"، إلا بما ترسمه القاهرة، للتعامل مع أزمة قطاع غزة. شهدت مصر، في الأسبوع الأول من العدوان، زيارات من عدد من المسؤولين الأوروبيين، والرئيس الفرنسي، يوم 5 يناير 2009، وتحركاً دبلوماسياً مصرياً على مستوى الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن، ودعوة الدبلوماسية المصرية للجانب التركي للمشاركة في الأزمة، والتعاون مع مصر من خلال علاقاتها القوية مع إسرائيل لوقف العدوان ورفع الحصار. كما التقى وفد من "حماس" الأطراف المصرية بالقاهرة، يوم 6 يناير. وفي السادس من يناير 2009، وبحضور الرئيس الفرنسي، أعلن الرئيس "مبارك" أسس المبادرة المصرية لاحتواء الموقف، والتي تضمنت: أ. الوقف الفوري لإطلاق النار، ولمدة محدودة، لإتاحة الفرصة لفتح ممرات آمنة للمساعدات الإنسانية لأهالي غزة، وتحرك مصري للتوصل إلى وقف شامل ونهائي لإطلاق النار. ب. دعوة مصر للجانبَين: الإسرائيلي والفلسطيني لاجتماع عاجل، للتوصل إلى ترتيبات وضمانات كفيلة بعدم تكرار ما حدث في غزة، ومعالجة مسبباته، بما في ذلك تأمين الحدود لضمان إعادة فتح المعابر ورفع الحصار؛ واستعدادها لمناقشة ذلك مع الجانبَين: الإسرائيلي والفلسطيني والاتحاد الأوروبي واللجنة الرباعية الدولية. ج. تجديد مصر دعوتها للمصالحة الوطنية والوفاق الفلسطيني بين الفصائل والسلطة، لتجاوز التحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني. تحرك الدور المصري لعقد لقاءات مكوكية بالقاهرة، منذ 7 يناير 2009، في حوار غير مباشر بين وفد حركة "حماس" والوفد الإسرائيلي برئاسة "عاموس جلعاد" المستشار السياسي في وزارة الدفاع الإسرائيلية؛ على الرغم من رفض الطرفَين للمبادرة المصرية. وبعد توظيف مصر لعلاقاتها الدولية والإقليمية للضغط على إسرائيل، وافقت إسرائيل، يوم 8 يناير، على فتح ممرات آمنة ووقف العمليات العسكرية حولها لمدة ثلاث ساعات يومياً، لدخول الإمدادات الإنسانية، كما وافق الطرفان على المبادرة المصرية يوم 10 يناير، ووقف العمليات يوم 17 يناير بصورة منفردة لكلّ طرف. وكان هناك تفاهم لوقف إطلاق النار وانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة، لمدة لا تزيد على أسبوع، حيث انسحبت القوات الإسرائيلية بشكل كامل في 21 يناير 2009. كان من نتيجة الدور السلبي للولايات المتحدة الأمريكية خلال الأزمة، تحرك الرئيس "مبارك" نحو الاتحاد الأوروبي، ووجد قبولاً لحصول الاتحاد الأوروبي على دور في قضية الشرق الأوسط. وكان للرئيس الفرنسي "ساركوزي" دور في هذا الأمر، حيث دعت القاهرة لعقد قمة تشاورية مع الاتحاد الأوروبي لاستكمال مسيرة المبادرة المصرية، بحضور زعماء فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا وألمانيا، ووزير خارجية تشيكيا، بصفتها رئيسة الاتحاد الأوروبي في دورته الحالية؛ والأمين العام للأمم المتحدة، والأمين العام لجامعة الدول العربية، وملك الأردن، والرئيس الفلسطيني "محمود عباس"، والرئيس التركي "عبدالله جول"؛ وذلك في شرم الشيخ، يوم 18 يناير 2009، لبحث تثبيت وقف إطلاق النار وتهيئة الأجواء لاستعادة التهدئة وفتح المعابر ورفع الحصار، وتعبئة الموارد لإعادة إعمار غزة. وبعد انتهاء القمة توجه الزعماء الأوروبيون إلى إسرائيل لبحث الموقف الإسرائيلي. استكمل الدور المصري مسيرته على المسار الفلسطيني، لإجراء المصالحة الوطنية، منذ فبراير 2009. وعقدت عدة جولات حققت نجاحاً محدوداً. وعلى مسار جهود التهدئة، عُقدت عدة جولات بين الطرفَين: الإسرائيلي والفلسطيني، في لقاءات غير مباشرة بالقاهرة، بدءاً من فبراير 2009. إلا أنها توقفت بسبب إضافة الجانب الإسرائيلي شرط الإفراج عن الجندي الإسرائيلي الأسير "جلعاد شاليط". وعلى مسار إعادة الإعمار، عُقد في شرم الشيخ، يوم 2 مارس 2009، مؤتمر دولي لإعادة الإعمار، بحضور 87 دولة ومنظمة دولية، وتعهد بمساعدات بقيمة 4.5 مليارات دولار؛ إلا أنها متوقفة بسبب منع الجانب الإسرائيلي دخول مساعدات إعادة الإعمار إلى قطاع غزة.
2. الدور السعودي تحرك الدور السعودي خلال الأزمة على غير اتجاه، لتدعيم السياسة المصرية للتعامل مع الأزمة، ولتوحيد الصف العربي، ومحاولة المصالحة العربية ـ العربية، ودور آخر للمحافظة على وحدة صف دول الخليج العربي وعدم تفككه بسبب الأزمة؛ إضافة إلى تحرك المملكة على مسار المجتمع الدولي والمنظمات الدولية لوقف العدوان. وتبنت المملكة سياسة هادئة للتعامل مع الأزمة، أو ما يُطلق عليه "الدبلوماسية الهادئة"، والتي عبر عنها وزير الخارجية السعودي الأمير "سعود الفيصل" في المؤتمر الصحفي لإعلان البيان الختامي لاجتماع وزراء الخارجية العرب بالقاهرة، في الأول من يناير 2009، والذي تضمن: "القادة العرب مسؤولون وليسوا مجازفين، وإن سحب المبادرة العربية، لن يركع إسرائيل". دعت المملكة العربية السعودية إلى اجتماع طارئ لوزراء خارجية منظمة المؤتمر الإسلامي، في جدة، في 3/4 يناير 2009، وصدور بيان يدين العدوان، ويدعم السلطة الفلسطينية، ويدعو لنشر بعثة مراقبة دولية في قطاع غزة، ويعلن خيبة الأمل من مجلس الأمن في عدم إصداره قراراً يدين إسرائيل. كان هناك دور سعودي للمحافظة على تماسك دول مجلس التعاون الخليجي، واتخاذ سياسية خليجية موحدة نحو الأزمة، حيث دعت الرياض إلى اجتماع قمة استثنائي، يوم 15 يناير 2009. وجاء هذا الاجتماع في ظروف التفكك العربي بعد دعوة قطر لعقد اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية في الدوحة، 16 يناير 2009، ورفضته المملكة العربية السعودية؛ إضافة إلى دعوات جماهيرية، ومن أنظمة عربية رسمية، تطالب بوقف تصدير النفط والغاز إلى الدول التي تساند إسرائيل؛ وكانت إيران من أشد الدول التي طالبت بهذه المقاطعة. لعب الملك "عبدالله بن عبدالعزيز" دوراً مهماً في المصالحة العربية ـ العربية، خلال القمة العربية الاقتصادية بالكويت 20 يناير 2009، حيث عقد لقاء خاصاً للمصالحة في مقر إقامته بالكويت، بحضور كلّ من الرئيسَين: المصري والسوري، وأميرَي قطر والكويت، والملك الأردني، مساء يوم 19 يناير 2009. كما أعلن الملك السعودي تقديم مليار دولار مساعدات للشعب الفلسطيني، وتضمنت كلمته في المؤتمر "أن المبادرة العربية للسلام لن تظل مطروحة على الطاولة" (اُنظر صورة قادة قمة الكويت).
3. الدور الأردني على الرغم من المعارضة الإسلامية في الأردن، والتي تقودها جماعة الإخوان المسلمين هناك، والتي تبنت موقف دول الممانعة العربية، فقد كان الموقف الأردني الرسمي حاسماً. وتبنى العاهل الأردني الموقف المصري والسعودي نفسه، حيث دعا المجتمع الدولي، فور وقوع العدوان، للعمل من أجل الضغط على إسرائيل كي توقف عدوانها على غزة؛ وتنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم 1860. وشدد على ضرورة أن يلي وقف العدوان جهود دولية فاعلة ومستمرة لإنهاء الصراع، على أساس "حل الدولتَين" الذي تضمن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيل. وأكد ذلك الموقف الأردني الرسمي في الامتناع عن حضور القمة العربية في الدوحة، وعدم قبول دعوة قطر؛ وفي المقابل حضور قمة الكويت. وهو ما أحدث توتراً في علاقة الحكومة الأردنية مع أصحاب التيار الإسلامي في الأردن، والذين كان خطابهم استقواء على الدولة فيما يتعلق بالأزمة في غزة. وفي الوقت نفسه، كانت خطوة الانفتاح الأردني على "حماس" حليف التيار الإسلامي الأردني، استطلاعاً لإمكان فتح قنوات مع محور الممانعة، بهدف تنويع التحالفات، والذي يقوي موقف المملكة الأردنية، التي نصف سكانها من أصل فلسطيني؛ معظمهم لم تُحسم هويتهم وانتماؤهم الوطني، بانتظار قيام دولة مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة. ومع انتهاء ولاية الرئيس الفلسطيني "محمود عباس"، كانت عيون صناع القرار في الأردن على احتمالات تمدد نفوذ "حماس" والسيطرة على الضفة الغربية أو تحولها إلى شريك للحركة. فقد استفاد أتباع التيار الإسلامي من هذه الأجواء ونزلوا إلى الشارع الأردني خلال العدوان على غزة، وقادوا وأظهروا قوتهم فيه، مع حرصهم الشديد على عدم الاحتكاك مع عناصر الأمن، التي كانت تراقبهم، وخاصة بعد أن استخدمت السلطات الأردنية القانون خلال السنوات القليلة الماضية للحد من نفوذ التيار الديني، من خلال منعهم من إصدار الفتاوى ومن الخطابة. كما وضعت الحكومة يدها على مواردهم المالية. وجاءت الانتخابات: البلدية والتشريعية، عام 2007، والتي هزموا فيها، لتكون الضربة الأخيرة لهم. وكان الموقف السياسي الرسمي الأردني يمشي على حبل مشدود، منذ بداية الأزمة. ففي العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، استخدم الملك "عبدالله الثاني" لغة حادة في التعبير عن معارضته لهذا العدوان. وفي الوقت نفسه لم يوجه إدانة مباشرة إلى "حماس". وفي الوقت عينه، وقف إلى جانب الشرعية الفلسطينية التي يمثلها الرئيس "محمود عباس"، وطالب بصورة مستمرة بوضع حد فوري للعدوان، مراعياً الشارع الأردني المنقسم على نفسه، والذي يُظهر إعلامه الرسمي والخاص انحيازاً واضحاً لخيار المقاومة المسلحة. كما كان لتفاقم مشكلة نقص المياه في الأردن تأثير كبير في الموقف الرسمي الأردني، حيث لجأت الأردن إلى سورية أكثر من مرة لتزيد حصتها من المياه التي تأتي من سورية إلى الأردن. ولتحسين العلاقات بين الأردن وسورية، واحتواء نقمة الشارع الأردني، لجأت عمان من طريق دائرة الاستخبارات العامة إلى الاتصال بالمكتب السياسي "لحماس"، والذي يرأسه "خالد مشعل". لكن تفاقم الاحتجاجات الرسمية: الفلسطينية والمصرية، على سياسة الانفتاح على "حماس"، والتي أدت إلى زيادة التأييد في الشارع الأردني للحركة، وإلى وقوع تطورات غير مسبوقة، مثل السماح بالتظاهر أمام السفارة المصرية، وتوجيه هتافات معادية لمصر وقيادتها، وحرق العلم الإسرائيلي تحت قبة مجلس الأمة الأردني - جمدت اتصال دائرة الاستخبارات بالمكتب السياسي للحركة. ومع ازدياد مطالب التيار الإسلامي في الأردن بقطع العلاقات بإسرائيل، أوضح الإعلام الرسمي أن مثل هذه الخطوة ليس في مصلحة الشعب الفلسطيني المحاصر في غزة، حيث إنها سوف تؤثر في تدفق الإمدادات التي تأتي عبر منفذ الملك حسين على نهر الأردن، ثم إلى الضفة الغربية المحتلة.
4. الدور اللبناني كان الموقف الرسمي والشعبي أقرب ما يكون لموقف دول الاعتدال العربي، وهو ما انعكس في المظاهرات التي قادتها عناصر حزب الله ضد السفارة المصرية في بيروت. من المعروف أن لبنان يتقاسمه معسكران، الأول هو معسكر 14 مارس الذي يرتبط بتوجيهات مجموعة دول الاعتدال العربي، والثاني معسكر 8 مارس التابع لإيران وسورية. حين تفجرت أزمة غزة، وتصاعدت الدعوات لعقد قمة طارئة في الدوحة، وجد لبنان أن عليه أن يشارك حتى لا يبدو منحازاً إلى محور عربي على حساب الآخر، وكان هذا القرار اللبناني قد اتُّخذ بعد تقييم عام للموقف. وتوجه الرئيس اللبناني إلى الدوحة لأنه يحاول الاحتفاظ بالموقف التوافقي وسط الانقسامات العربية. وفي الدوحة ألقى الرئيس اللبناني خطاباً متوازناً وهادئاً، متمنياً استعادة الوفاق العربي، شاكراً قطر على دورها في اتفاق الدوحة الذي وضع حداً للموقف السياسي الذي كان مجمداً في لبنان لمدة عامَين، ومنع إجراء انتخابات رئيس الجمهورية خلال تلك المدة. إلا أن محور دول الممانعة رأى أن الرئيس اللبناني قد ارتكب خطأَين في كلمته التي ألقاها في قمة الدوحة. الخطأ الأول عندما وصف ما يجري في الدوحة بأنه "اجتماع تضامني مع غزة، وليس قمة عربية طارئة كما كانت تريد سورية وقطر. والخطأ الثاني هو رفض الرئيس اللبناني التوقيع على بيان يقول أن المبادرة العربية ماتت (وهي العبارة التي استخدمها الرئيس السوري في كلمته). وقد صدر إعلان الدوحة نتيجة هذا الاجتماع، مسجلاً به أن دولة لبنان قد تحفظت من البند الخاص بمبادرة السلام العربية. من هنا، كان غضب الرئيس السوري على الرئيس اللبناني لرفضه تبني الموقف السوري.
5. دور منظمة التحرير الفلسطينية ظهر واضحاً للمراقبين أن الحرب على غزة، قد كرست الانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة. وظهر الشرخ واضحاً بين حركة "فتح" التي لم تشارك عملياً في الحرب (كونها لم تنس ما فعلته بها "حماس" في غزة، قبل سنتَين)، وبين "حماس" التي رفضت إعطاء أيّ دور للسلطة الوطنية التي تسيطر عليها "فتح" في المفاوضات لأجل إيقاف العدوان. وتعامل أهالي الضفة مع أهالي القطاع وكأنهم ينتمون إلى شعب آخر، وأن قضيتهم هي قضية أخرى، باستثناء بعض المظاهرات التي تزعمها الموالون لحركة "حماس". ومع ذلك دانت منظمة التحرير الفلسطينية العدوان الإسرائيلي على غزة. وطالبت "حماس" بالتجاوب معها في وقف الحملات الإعلامية بينهما، والعمل على توحيد الصف الفلسطيني؛ ليواجهوا جميعاً العدوان الإسرائيلي بموقف فلسطيني موحد، يدعو العالم للعمل على وقف العدوان، وتقديم المساعدات العاجلة لشعب غزة. كما أيدت السلطة الفلسطينية المبادرة المصرية، داعية "حماس" للتجاوب معها بصفتها آلية ملائمة لتنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم 1860. وكان الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" قد رافق وزراء الخارجية العرب إلى نيويورك لحضور مناقشات مجلس الأمن بشأن العدوان. وألقى كلمة فلسطين أمام المجلس، شرح فيها مدى المعاناة التي يتكبدها الشعب الفلسطيني في غزة، بسبب عدوان إسرائيل وبسبب الحصار الذي تضربه على سكان القطاع. وطالب المجتمع الدولي بالتصدي لهذا العدوان وإيقافه ومساعدة شعب غزة على إعادة بناء ما دمرته إسرائيل. ولكن -وكما هو متوقع- لم تستجب "حماس" لنداء الرئيس الفلسطيني "عباس"، كونها لا تعترف به رئيساً للفلسطينيين. وطالبته في المقابل بأن يسمح للمقاومين في الضفة الغربية بالانتقال لقتال الإسرائيليين داخل أراضيهم وفي مدنهم. أما في اجتماع الدوحة، فقد بدأ الاستقطاب الفلسطيني واضحاً، حين دعت قطر "خالد مشعل" رئيس "حماس" لحضور هذا الاجتماع؛ الأمر الذي أدى إلى امتناع الرئيس "عباس" عن الحضور. ولكنه حضر قمة الكويت بصفته الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني. إلا أن حضوره قمة الكويت واجه موقفاً صعباً أكد وحدة هذا الاستقطاب، عندما أعرب 21 نائباً في مجلس الأمة الكويتي معظمهم من الإسلاميين المنتمين إلى جماعة الإخوان، عن رفضهم زيارة الرئيس الفلسطيني للكويت، مقدرين أنها زيارة غير مرغوب فيها وغير مرحب بها؛ بسبب ما يرونه من مواقف سلبية ومتخاذلة اتخذها "عباس" إزاء العدوان الإسرائيلي على غزة؛ وفوق ذلك أن ولايته الرئاسية "منتهية الصلاحية". وهو الموقف الذي رد عليه الرئيس "عباس" في قمة الكويت عندما قال: "لن نسامح من قتل اتفاقية مكة قبل أشهر قليلة من التوقيع عليها، ولو لم يكن الانقلاب عليها ما كان حصل ما حصل"؛ في إشارة إلى اتفاقية مكة التي رعتها المملكة العربية السعودية عقب الانقسام الذي وقع بين السلطة و"حماس"، عام 2007. ثم أهدرتها "حماس"، بتعليمات من طهران ودمشق. وعندما طالب الرئيس السوري "بشار الأسد" "حماس" بسرعة استثمار ما أطلق عليه نصراً عسكرياً، ودعا إلى إنشاء مرجعية فلسطينية جديدة، بديلاً من منظمة التحرير الفلسطينية، واستجاب لهذا الطلب "خالد مشعل" ـ رأى "عباس" أن الأسد "يلعب في الوقت الضائع"، بمحاولة إنشاء مرجعية جديدة، وأنه عندما يتحدث عن ذلك إنما يريد تدمير صرح عمره 44 عاماً، ومعترف به من قِبل العرب والمسلمين والعالم، وأن 120 دولة معترفة بالمنظمة. أكد "عباس" أن "الانقلاب الذي حصل في غزة، لن يتكرر في الضفة الغربية". كما اتهمت السلطة الفلسطينية خالد مشعل بأنه بهذه الدعوة "يريد أن يقطع بذلك الطريق على المحاولات الجادة التي تبذلها مصر لاستئناف الحوار الفلسطيني ورأب الصدع".
ثانياً: دول الممانعة العربية 1. الدور السوري جاء الدور السوري خلال العدوان على قطاع غزة، ليكرس مصالح دمشق: الوطنية والإقليمية، لتعزيز مركز ثقلها الإستراتيجي بصفتها طرفاً فاعلاً في حل أزمات المنطقة؛ إضافة إلى دورها مع الفلسطينيين المعارضين في دمشق وبيروت، بكونها حاضنة لهم على أراضيها أو أراضي حلفائها في لبنان. تبادلت سورية وإيران زيارات مكثفة لمسؤولين بارزين من الطرفَين، وغلب عليها زيارات المسؤولين الإيرانيين. كما كانت دمشق إحدى المحطات المهمة لزيارات المسؤولين والبرلمانيين: الأمريكيين والأوروبيين. وشاركت سورية في جميع الجهود الدبلوماسية: الإقليمية والدولية. واتخذت خطاً متشدداً حيال إسرائيل والأزمة، وربما مع بعض الدول العربية. خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب، بالقاهرة، يوم 31 ديسمبر 2008، طالبت سورية بسرعة عقد قمة عربية طارئة؛ لاتخاذ مواقف متشددة، بما فيها سحب المبادرة العربية للسلام، وقطع العلاقات العربية بإسرائيل، وتبني إجراءات للضغط على الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل. وكان هناك رأي آخر لتأجيل عقد القمة العربية، وإعطاء فرصة للدبلوماسية: المصرية والعربية، للتحرك مع الاتحاد الأوربي، ومع مجلس الأمن للحصول على قرار أممي، يدعم الموقف الفلسطيني والعربي لحل جذور المشكلة. نتيجة لفشل مجلس الأمن في الوصول إلى قرار منصف، بسبب الفيتو الأمريكي، تحركت سورية مع قطر على المستوى العربي، منذ 4 يناير 2009، للدعوة إلى قمة عربية طارئة، بالدوحة. ترددت الدول العربية في المشاركة فيها. إلا أن قرار مجلس الأمن الرقم 1860 في 8 يناير 2009، وعدم التزام إسرائيل به، وخاصة وقف إطلاق النار، حملا سورية على تجديد مطالبها لعقد قمة الدوحة. وفعلاً عُقدت القمة بالدوحة، يوم 16 يناير؛ إلا أنها لم تكن رسمية لعدم اكتمال النصاب القانوني. ولم يشارك فيها الأمين العام للجامعة العربية، ولا الرئيس الفلسطيني "محمود عباس". وشارك فيها زعماء حركة "حماس"، والجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية. تضمنت زيارات المسؤولين الأوروبيين سورية الاطمئنان على عدم مشاركتها في الحرب. وأشار بعض المصادر إلى أن إسرائيل هددت بقصف دمشق خلال الحرب، في حالة قيام حزب الله اللبناني بإطلاق الصواريخ على المدن الإسرائيلية، حيث أرسلت إسرائيل رسالة التهديد عبر وسطاء أوروبيين. وأشارت مصادر أخرى إلى أن دمشق مارست نفوذها على حزب الله لضمان عدم تدخله خلال الحرب، حيث نقل النائب الفرنسي "فيليب ماريني" الذي زار دمشق وبيروت، أواخر يناير 2009، موفداً من الرئيس الفرنسي ذلك الأمر عن الرئيس "الأسد". كما أن دمشق كانت محطة وصول للعديد من المسؤولين والدبلوماسيين: العرب والأجانب، في أواخر الحرب وما بعدها، لتمارس دمشق ضغوطها على الفصائل الفلسطينية المعارضة لوقف إطلاق النار، ثم قبول التهدئة. كما كانت، خلال فبراير ومارس 2009، مركزاً للمصالحة الوطنية الفلسطينية ـ الفلسطينية؛ إضافة إلى محاولات أخرى لفصل التحالف السوري مع إيران، ومنع سورية من دعم المقاومة المسلحة في فلسطين ولبنان.
2. الدور القطري أرادت قطر أن تلعب دوراً إٌقليمياً في تسوية أزمة غزة. بعد ساعات من بدء الحرب الأخيرة على غزة، دعت قطر إلى قمة عربية طارئة، حددت هدفها في استصدار قرار يطالب مصر بفتح معبر رفح أمام الفلسطينيين، وكان قادة دول مجلس التعاون الخليجي في قمتهم الطارئة، في 21 يناير 2009، أوضحوا أن مصر هي الدولة العربية القادرة على إنقاذ شعب غزة من المذبحة. كما رفضوا دعوة قطر لعقد قمة عربية طارئة في الدوحة. وأوضحوا لأمير قطر أن قمة الكويت لها الأولوية وستكون أزمة غزة على رأس أولوياتها. لكن أمير قطر أصر على عقد قمته التي لم يكتمل النصاب لعقدها.
3. دور حزب الله اللبناني بعد توقف حرب الثمانية أعوام، في أغسطس 1988، بين العراق وإيران، بدأت إيران تنظر إلى الخارج مجدداً، وخاصة البيئة الإقليمية المحيطة بها. واستأنفت عملية تصدير ثورتها إلى الدول العربية، وأوجدت لها مواطن أقدام في لبنان، وفي العراق، وفي فلسطين. وحزب الله في لبنان، برئاسة "حسن نصرالله"، هو ذراع إيران الممتدة في الشرق العربي، وهو ما اعترف به "نصرالله" أنه يأتمر بأوامر الولي الفقيه في إيران، وأن هذا مما يشرفه. وكانت أهداف إيران وسياستها، وكذلك سورية، تجاه العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة مشابهة تماماً لأهدافها وسياستها تجاه العدوان الإسرائيلي على لبنان، في صيف 2006، من حيث اختلاق الذريعة والمبرر لإسرائيل لشن العدوان، ثم تحويل نتائج الحرب في الحالتَين، وهي كارثة على كلّ من لبنان وغزة، إلى "انتصار إلهي" يمكن استثماره سياسياً بواسطة حزب الله لفرض سيطرته على لبنان، وكذلك بواسطة "حماس" في غزة لتغيير المرجعية السياسية الفلسطينية المتمثلة في السلطة الفلسطينية بزعامة "محمود عباس"، واستبدال "حماس" بها، بزعامة "خالد مشعل". وأثناء العدوان الإسرائيلي على غزة، تدخل حزب الله في الحرب، بالخطابات التي ألقاها "حسن نصرالله" والتي استهدفت تأجيج الصراع وحشد العرب والمسلمين ضد مصر، في حرب إعلامية تخدم الأجندة والمصالح والأهداف الإيرانية في المنطقة بشكل أساسي، على حساب المصالح العربية بشكل عام؛ وتهديد الأمن القومي المصري على وجه الخصوص. وكان رد الفعل الطبيعي أن حدث تطور إيجابي في الشارعَين: العربي والمصري. وعرف حزب الله نفسه صراحة بأنه يتلقى تعليماته من إيران. وهو ما سبق أن اعترف به الرئيس الإيراني السابق "محمد خاتمي" حينما أكد للسفير الأمريكي "فرنك ويزني"، أن "تسليح وتمويل حزب الله في لبنان يأتي في إطار بناء دفاعات إيران والتخطيط لها في الساحة الخارجية، حتى لا تضع الولايات المتحدة الأمريكية يدها في حلق إيران". ومع أول ظهور علني لنصرالله بعد بدء العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، وعلى شاشة فضائية "المنار"، كشف عن حقيقة الدور المكلف به في تلك الأزمة، قائلاً: "إن ما سكت حزب الله عنه وتسامح بشأنه بعد حرب يوليه 2006، بشأن التواطؤ مع المحتل والتيسير لشأنه في تلك الحرب على لبنان، لن يُسكت عنه، ولن يُبدي أيّ تسامح تجاهه في غزة اليوم". ومن الغريب أن يشن زعيم حزب لبناني عربي، وليس إيراني الهوية، حملة إعلامية يوجه فيها اللوم والهجوم، ليس ضد إسرائيل المعتدية، ولا ضد الدول المحسوبة على "حماس" ولم تفعل شيئاً إيجابياً لمساندتها، بل ضد المصريين الذين يعلم الجميع حجم التضحيات التي قدموها من أجل القضية الفلسطينية. ومن أهم التناقضات كذلك في إدارة "حماس" للأزمة، أنها تدعو إلى المقاومة وفتح المعابر أمام المقاومين الفلسطينيين لإمدادهم بالسلاح والعتاد لقتال الإسرائيليين؛ وفي الوقت نفسه، تحجم عن إطلاق طلقة واحدة عبر الحدود الجنوبية اللبنانية ضد الشمال الإسرائيلي. واستمراراً لهذا النهج الميكافيلّي لحزب الله، وقناعة "نصرالله" بأن "الغاية تبرر الوسيلة"، فإنه لم يتورع عن تشكيل خلية تابعة له من مخربين، يبعث بهم ليتسللوا عبر الحدود المصرية ليكونوا أداته في تنفيذ مخططاته ضد مصر. وهو ما كشفت عنه أجهزة الأمن المصرية، في 10 أبريل 2009. واتضح من التحقيقات واعترافات المتهمين أن العملية المكلفين بها في مصر تأتي في إطار خطة حزب الله للانتقام من اغتيال مسؤول الاستخبارات والعمليات في الحزب "عماد مغنية" الذي اغتيل في دمشق، في 14 مارس 2007، على أيدي عملاء للموساد الإسرائيلي؛ وأن قيادة حزب الله قررت أن يكون ميدان الانتقام من إسرائيل في مصر، وذلك باغتيال سياح إسرائيليين في سيناء، وضرب بواخر شحن إسرائيلية أثناء مرورها في قناة السويس، وإثارة عمليات تخريب داخل العمق المصري، دون النظر إلى ما يخلفه ذلك من عدم استقرار للجبهة الداخلية في مصر، وتبعات ذلك. وإزاء انكشاف هذا المخطط التآمري على مصر، لم يملك "حسن نصرالله" سوى المسارعة في الاعتراف بمسؤولية حزبه عن هذه الخلية، وأنها كانت في مهمة وطنية لتقديم مساعدات عسكرية للمقاومين التابعين "لحماس" في قطاع غزة؛ وهو ما لا يستحي الحزب من الاعتراف به.
ثالثاً: موقف جامعة الدول العربية لم تستطع جامعة الدول العربية تنظيم اجتماع عاجل لبحث العدوان الإسرائيلي على غزة، الذي بدأ في 27 ديسمبر 2008. ولم يعقد هذا الاجتماع إلا في 31 ديسمبر 2008؛ على الرغم من كلّ الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني. كان لتأجيل هذا الاجتماع الذي عقد على مستوى وزراء الخارجية أسباب عديدة، أهمها أن ستة من وزراء الخارجية العرب هم وزراء دول مجلس التعاون الخليجي، كانوا مشغولين بالقمة الخليجية التي عقدت في مسقط في 29 ديسمبر 2008. لكن السبب الأهم هو الانقسام في المواقف بالنسبة إلى دعوة قطر لعقد قمة عربية طارئة، وتركيز دول عربية في طلب فتح المعابر المصرية، وهو ما ترفضه مصر؛ ولها أسبابها. شهدت الساعات التي سبقت انعقاد هذا الاجتماع الوزاري العديد من اللقاءات والمشاورات العربية، كان أبرزها بالطبع القمة الخليجية ولقاءات القادة والوزراء. كما عقد وزراء خارجية دول اتحاد المغرب العربي اجتماعاً تشاورياً، في العاصمة الليبية، طرابلس. واتفقوا على ضرورة وقف العدوان الإسرائيلي، ودعم سكان القطاع بكلّ الوسائل. وهي المطالب التي أجمعت عليها جميع الاتجاهات والمحاور والانتماءات والمختلفة. انتهى اجتماع وزراء الخارجية إلى بيان، وصف بأنه هزيل لا يعبر عن الانقسام العربي بقدر ما يعبر عن حالة الضعف العربي والعجز عن القيام بشيء إيجابي مؤثر من جانب الدول العربية جميعها، من دون تمييز بين معتدل وممانع. فبدلاً من اتخاذ إجراءات عربية واضحة وصريحة، انطلاقاً من مبدأ الدفاع عن النفس ووقف العدوان ومعاقبة المعتدي، لجأ الوزراء العرب إلى الشجار والنزاع المتبادل والهروب من المسؤولية وتصديرها إلى مجلس الأمن. حيث تضمن البيان الختامي طلب عقد اجتماع فوري لمجلس الأمن لوقف إطلاق النار، وفتح المعابر. وفي الجلسة المسائية تضمن البيان "ترحيب" الوزراء بقيام مصر بفتح معبر رفح للأغراض الإنسانية، وباستعدادها لبذل الجهد والعمل مع الأطراف المعنية على اتخاذ الخطوات اللازمة، بما يسمح بفتح معبر رفح بشكل مستمر. انتهى بيان اجتماع وزراء الخارجية من دون اتخاذ قرار بعقد قمة عربية طارئة، وإلى نص يقضي بتأجيل البت في عقد القمة العربية الطارئة إلى ما بعد معرفة النتائج التي ستسفر عن اجتماع مجلس الأمن. عقدت الجامعة العربية اجتماعاً على مستوى المندوبين الدائمين، في 13 يناير 2009 لبحث دعوة قطر لعقد قمة عربية طارئة. وشهد هذا الاجتماع مشادات حادة بين الدول المساندة للدعوة القطرية والدول الرافضة بزعامة مصر، التي كانت "ترى أن وجود القادة العرب في الكويت، في 18 يناير 2009، يمكن أن يكون مناسَبة ملائمة للتشاور في ما بينهم بشأن الوضع في غزة". جاء اجتماع وزراء الخارجية الذي عقد في الكويت، يوم 16 يناير 2009، لوضع جدول أعمال القمة العربية الاقتصادية، في الكويت، والذي نص على "الدعوة إلى الوقف الفوري للعدوان الإسرائيلي وانسحاب قوات الاحتلال من قطاع غزة فوراً" وفتح جميع المعابر، وإنهاء الحصار على قطاع غزة وفق آلية المبادرة المصرية. كما نص على "الالتزام بإعادة البناء والإعمار في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية، وتوفير الإمكانيات المالية اللازمة لهذا الغرض". كما دعا مشروع القرار إلى "تقديم دعم إضافي للسلطة الفلسطينية. وناشد دول العالم المشاركة في عملية إعادة الإعمار. كان الأمين العام لجامعة الدول العربية "عمرو موسى"، قد وصف الوضع العربي قبيل هذا الاجتماع بأنه "أصبح فوضى كبيرة جداً ومؤسفة جداً ومؤذية جداً". وأكد أن العمل العربي يحتاج إلى تعاون حقيقي، واصفاً قمة الدوحة التي جرت في اليوم نفسه بأنها "خارج إطار الجامعة العربية، وأن قمة الكويت هي قمة عربية متكاملة".
ابطال الحرمين
لـــواء
الـبلد : العمر : 38المهنة : باحث في العلوم الاستراتيجية والعسكرية التسجيل : 24/07/2011عدد المساهمات : 3185معدل النشاط : 4639التقييم : 867الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
موضوع: رد: الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة (27 ديسمبر 2008 ـ 17 يناير 2009) الأحد 18 مارس 2012 - 15:27
المبحث الثامن الأدوار وردود الأفعال: الإقليمية والدولية
أولاً: الموقف الإقليمي 1. الدور الإيراني يأتي دور إيران في الحرب على قطاع غزة 2008/2009، في إطار مشروعها الإقليمي، لفرض نفوذها بالمنطقة على حساب النفوذ المصري والسعودي والإسرائيلي، دون كلفة أو تورط مباشر. وهي بذلك تشغل الدول العربية في محيطها المباشر وغير المباشر، لتتفرغ هي لتثبيت أرباحها في العراق، وبعض دول الخليج العربي. كما يأتي الهجوم الإعلامي على مصر والمملكة العربية السعودية، لكونهما العمود الفقري للمشروع القومي العربي، حيث سعت بالتعاون مع أطراف عربية لإظهارهما عاجزتَين أمام أزمة الحرب في غزة. وجاهدت لإبعاد الأنظمة الحاكمة عن شعوبها، ووضعت الصراع العربي ـ الإسرائيلي تحت العباءة الإسلامية. أمّا قطاع غزة، فقد عبر عنه "علي ريجاني" رئيس مجلس الشورى الإيراني، بأن غزة مرتبطة بالأمن القومي الإيراني، وأن حزب الله اللبناني هو جزء من الأمن القومي الإيراني. أمّا المصادر الإعلامية الإيرانية في تعليقاتها على الحرب، فقالت إن إيران نقلت التحدي إلى ساحة إسرائيل؛ ولذلك فإن هناك نفوذاً إيرانياً واسعاً في قطاع غزة. وحقيقة أمر النفوذ الإيراني بالمنطقة هو سعي طهران لامتلاك أوراق ضغط لتعظيم ثقلها الإقليمي للمساومة عليها؛ وفي الوقت نفسه يمكنها التخلي عنها لقاء ثمن أهم في مكان آخر، وخاصة في إيران أو محيطها الإقليمي. فالإطلالة الإيرانية على البحر المتوسط يؤمنها حزب الله اللبناني في ظل التجانس الديني والمذهبي والعقائدي. إلا أن هذا التجانس غير موجود في قطاع غزة، ولذلك فإن المعادلة الإيرانية يكون فيها حزب الله هو الثابت، و"حماس" والجهاد الإسلامي هما المتغير المؤقت؛ وما يجري لا يتعدى اللعب بالأوراق. وفي إطار الحركة الدبلوماسية الإيرانية الناشطة، شارك الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، إلى جانب سبعة زعماء عرب في قمة قطر، التي عقدت في 17 يناير 2009. تمثل القمة بلا شك انتصاراً لطهران والقوى المناوئة لمحور الاعتدال العربي، ذلك أن مشاركة إيران في قمة عربية في الجوهر يجسد ثقلها في المعادلات الإقليمية والفلسطينية على وجه الخصوص. ألقى الرئيس الإيراني كلمة أمام القمة ندد فيها بالحصار الصهيوني الذي سبق العدوان على غزة، وبآلة الحرب الصهيونية التي دكت القطاع والتي استخدمت فيها إسرائيل الأسلحة المدمرة والمحرمة، وهذا انتهاك صارخ للقوانين والأعراف الدولية. وشدد على أن الدول: الغربية والأوروبية التي ساندت إسرائيل، ودعمتها شريكة في الحرب على غزة؛ مشيراً إلى أن فلسفة الكيان الصهيوني تكمن دائماً في ارتكاب الجرائم والاحتلال، وهو تكرار لما حدث من قبل في جنين ودير ياسين. وصف نجاد في كلمته ما يجري في غزة، أنه مؤامرة كبرى. قال: "يجب ألا نسمح بتنفيذها؛ لكون الكيان الصهيوني يستهدف إحداث الفرقة في عالمنا الإسلامي والعربي. وعلينا أن ننتبه لذلك، ونوحد جهودنا المشتركة لإفشال المؤامرة، والوقوف بجانب الشعب الفلسطيني". وقال إن لدى الحكام العرب صلاحيات واسعة لا بد أن يستثمروها لمصلحة فلسطين. وإن في إمكانهم ممارسة الضغوط على الكيان الصهيوني والتلويح بقطع العلاقات وكلّ أشكال التعاون. وسأل كيف أن 22 دولة عربية تتفرج على شرذمة من الفاسدين جاؤوا من أقصى العالم ليسلبوا شعباً أرضه، ويحتلوها ويمارسون القتل! كما انتقد أحمدي نجاد صمت الإدارة الأمريكية حيال ما يجري في غزة من أحداث دامية. ورأى ذلك مؤامرة تستهدف الأمة يتوجب التصدي لها بمواقفنا المشتركة في العالم العربي والإسلامي. ووصف الرئيس الإيراني اقتراح أمير قطر إنشاء صندوق لإعمار غزة بأنه بَنّاء؛ مؤكداً وقوف الشعب الإيراني دائماً مع قضية الشعب الفلسطيني العادلة ومقاومته الباسلة. وفي 18 يناير 2009، دعا الرئيس نجاد، أمير قطر والرئيسَين: السوري والسوداني إلى العمل لتكون القرارات التي ستتخذ في قمة الكويت الاقتصادية، في اليوم نفسه، مكملة لقرارات قمة الدوحة حول ما يتعلق بالعدوان على غزة. بعد انتهاء العدوان قدم الرئيس نجاد تهانيه إلى خالد مشعل بمناسبة انتصار المقاومة الفلسطينية؛ مقدراً أن صمود المقاومة وانسحاب قوات الاحتلال، يُعَد انتصاراً "لحماس" وهزيمة لإسرائيل. وخلال فبراير 2009، قام رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، خالد مشعل بزيارة إلى إيران أكد فيها استمرار المقاومة ضد الكيان الصهيوني. وأعرب عن "شكره الجزيل لدعم ومساندة الجمهورية الإسلامية الإيرانية للفلسطينيين في مواجهة الكيان الصهيوني، وبالأخص خلال العدوان الأخير على غزة". كان هناك دور دبلوماسي إيراني مكثف خلال الأزمة، تركزت محطاته في سورية ولبنان وقطر وتركيا وليبيا. وأرسلت إيران 22 مبعوثاً باسم الرئيس الإيراني إلى دول: أوروبية وآسيوية، لتحقيق وقف إطلاق النار، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية لقطاع غزة؛ إضافة إلى تنسيق المواقف السياسية. كما حاولت إيران إرسال سفينة مساعدات إلى قطاع غزة، إلا أن إسرائيل منعتها. كما شكلت إيران لجنة قانونية، في 30 ديسمبر 2008، لرفع شكوى أمام المحاكم الدولية المختصة لمحاكمة مجرمي الحرب في إسرائيل بسبب جرائم الحرب في غزة. إلا أنها تحولت إلى محكمة داخلية دانت فيها القادة: العسكريين والسياسيين الإسرائيليين. وتردد أنها أرسلت قوائم بأسمائهم إلى الأنتربول الدولي في مرحلة لاحقة. أمّا الدور الإيراني الآخر لدعم المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة بالأموال والسلاح، فإن حلقاته لم تكتمل صورتها، حيث تردد أن إيران ودول أخرى سوف تدعم قطاع غزة بالأموال، من خلال مساعدات إنسانية للمتضررين من الحرب؛ ما دعا "إسماعيل هنية" رئيس وزراء الحكومة المقالة في غزة، يوم 23 يناير 2009، إلى إعلان تشكيل صندوق غوث المتضررين، ورصد مبلغ 28.5 مليون يورو تعويضات. كما أعلنت إيران، يوم 22 يناير 2009، إنشاءها صندوقاً لإعادة إعمار غزة، وتعهدها ببناء ألف وحدة سكنية، ومساعدة الشهداء، وكفالة ألف طفل فلسطيني يتمتهم الحرب. أمّا في مجال إمداد المقاومة في غزة بالسلاح، فقد أُعلن احتجاز البحرية الأمريكية سفينة روسية تحمل أسلحة إيرانية متجهة إلى قطاع غزة، في يناير 2009، حيث تمت مصادرة الشحنة في قبرص، في فبراير 2009. كما أغارت إسرائيل على شاحنات تحمل أسلحة، شمال شرق السودان، يناير/ فبراير 2009، هي أسلحة إيرانية كانت متجهة إلى قطاع غزة. ويمكن تلخيص الدور الإيراني تجاه العدوان على غزة في النقاط التالية: أ. منذ اللحظة الأولى للعدوان على غزة، وإيران تقف إلى جانب أهل غزة و"حماس". وكان الموقف جامعاً على الصعيدَين: الرسمي والشعبي. وتجلى ذلك في تصريحات المراجع: السياسية والدينية وفي التحركات الشعبية التي دعت إلى وقف فوري للعدوان وفتح معابر قطاع غزة وخاصة معبر رفح. الأمر الذي دعا الرئيس الإسرائيلي بيريز، ووزيرة الخارجية الأمريكية رايس، أن يصرحا أن "حماس" تقاتل بالوكالة عن إيران، التي تسعى إلى امتلاك قنبلة نووية لتدمير إسرائيل وزعزعة استقرار الشرق الأوسط. ب. كانت رؤية إيران للهدف الإسرائيلي من الحرب على غزة، هي القضاء على "حماس" وفصائل المقاومة الفلسطينية؛ ما يضع الملف الفلسطيني تحت السيطرة من جهة ويجعل ملف إيران النووي الذي يقلق إسرائيل يطفو على السطح؛ ما يجعل الرئيس الأمريكي الجديد يضعه في أولوياته والتركيز فيه. ج. نشطت الدبلوماسية الإيرانية في توثيق علاقة إيران بالقوى: الإقليمية والعربية التي وقفت مع "حماس"، حيث كانت هناك زيارات مكوكية ومتواصلة للقيادات السياسية الإيرانية، متمثلة في وزير الخارجية، ورئيس مجلس الشورى، وأمين عام مجلس الأمن القومي، في إطار التنسيق الإيراني مع تركيا وسورية وبعض دول الخليج. د. تجلى الدور الدبلوماسي الإيراني واضحاً من خلال حضور الرئيس نجاد قمة غزة التي عقدت في الدوحة، وشارك فيها سبعة زعماء عرب إلى جانب الرئيسَين الإيراني والسنغالي، ونائب رئيس الوزراء التركي؛ في ما قاطعتها دول "الاعتدال" العربية، إلى جانب رئيس السلطة الفلسطينية أبومازن. هـ في ظل العداء الإيراني ـ الإسرائيلي، والخلاف الإيراني ـ المصري، كان العامل الجغرافي عاملاً حاسماً في منع إيران من ممارسة دور مباشر وإرسال مساعدات إلى غزة عبر البحر، وعبر معبر رفح المصري. لكن إسرائيل منعت السفن التي أرسلتها إيران من الاقتراب من غزة، في ما رفضت مصر استقبال المساعدات الإيرانية أو إقامة مستشفى ميداني متنقل على الأراضي المصرية قرب حدود غزة مع مصر.
2. الدور التركي تميز الدور التركي خلال وبعد الحرب على غزة، 2008/2009، بالحضور غير المسبوق، وطغيان هذا الدور على معظم الأطراف: العربية والإقليمية، والذي تمثل في الرفض القاطع للعدوان، والذي جاء صريحاً مباشراً وعلنياً من قمة النظام والشعب التركي. وقد أرجعه البعض إلى حالة الخداع التي تعرضت لها تركيا إبّان زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي لأنقرة، يوم 22 ديسمبر 2008، دون الكشف عن نيات العدوان الإسرائيلي حيال قطاع غزة. لم يرتبط الدور التركي بمصلحة عاطفية مع حركة "حماس" أو المقاومة الفلسطينية. وإنما جاء من منطلق تحقيق مصالح: داخلية وخارجية. أولاها مرتبطة بالانتخابات المحلية لزيادة شعبية حزب العدالة والتنمية، والذي نجح فيها، في 31 مارس 2009. وثانيتها مرتبطة بالدور الإقليمي لوضع الدولة لأن تكون "مركزية" وليست "طرفية"، من منظور ما أطلقوا عليه "العثمانية الجديدة"، في إطار دعم العلاقات: السياسية والاقتصادية، بالدول العربية. وقد حصدت تركيا هذا النجاح في أشهر ما بعد الحرب. وثالثتها مرتبطة بالدور الدولي لوضع تركيا في مكانة الجسر بين الغرب والشرق، وأن تلعب دور الوسيط بين القوى الخارجية ومع دول الممانعة والاعتدال بالمنطقة، بما فيها إسرائيل. وقد نجحت تركيا كذلك في تحقيق هذا الهدف أملاً في حل بعض ملفاتها العالقة في قضية الأرمن، والانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، وملف العراق، وقضية حزب العمال الكردستاني، وقضية قبرص، وغيرها. وهو أمر أكده الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" في خطابه أمام البرلمان التركي، في 7 أبريل 2009، والذي أشار إلى احتمالات تعزيز هذا الدور مستقبلاً. بعد تفجر الأزمة مباشرة، أعلنت تركيا إدانتها للعدوان. وأوقفت دورها كوسيط في المفاوضات غير المباشرة بين سورية وإسرائيل. وقام الرئيس التركي بزيارات مكوكية إلى الدول العربية في دمشق والأردن ومصر والمملكة العربية السعودية، منذ يوم 2 يناير 2009. وكانت أنقرة محطة وصول العديد من الدبلوماسيين في مصر وسورية وقطر وإيران. وبدت تركيا كأنها كانت في بؤرة الحدث ومحركته؛ وهو أمر أقلق إسرائيل ودفعها إلى رفض الدور التركي في الأزمة. نظر البعض إلى الدور التركي بأنه كان من الأطراف المستفيدة من الأزمة، أو بمعنى آخر، أن النظام التركي نجح في توظيف الأزمة لتحقيق أهدافه، وربما تمكن من إزاحة النفوذ الإيراني نسبياً عن المنطقة، وأن هناك العديد من الإشكاليات لاستمرار الدور التركي مستقبلاً بحماسته نفسها خلال الأزمة، وخاصة صعوبة الاضطلاع بدور بارز في القضايا الإقليمية الكبرى التي تحمل الكثير من تعارض المصالح مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل. وأشار بعض المصادر إلى أن تركيا ربما أدركت مصالحها أخيراً، وأعادت علاقاتها الودية بإسرائيل بعد الأزمة. ويمكن أن نلخص الدور التركي تجاه العدوان على غزة في النقاط التالية: أ. تدخلت الدبلوماسية التركية منذ اللحظة الأولى للعدوان على غزة. ولعبت دوراً فاعلاً في وقف العدوان. وقد تواصلت تركيا مع جميع الأطراف المعنية من دون استثناء من مصر إلى رئيس السلطة الفلسطينية و"حماس" وإسرائيل وفرنسا ودول: أوروبية وعربية أخرى. ب. كانت تركيا الدولة الوحيدة التي استطاعت التواصل مع "حماس"؛ وبالتالي إعلان وقف مزدوج للنار. ولم تستبعد تركيا عن هذه المبادرة الشريكَين الرئيسيَّين في التسوية: مصر وفرنسا. بل إن مصر طلبت من تركيا أن تتولى ضمانة "حماس" في مفاوضات وقف النار. وبالفعل كانت تركيا هي البلد الذي ضمن قبول "حماس" وقف النار. ج. لم تكن تركيا مجرد "وسيط"، بل كانت البلد الذي ملأ الفراغ، بل كانت عاملاً في إقناع "حماس" ببعض المواقف. ولو لم تقم تركيا بهذا الدور، لكان وقف النار من جانب واحد، وهو إسرائيل، عرضة للانهيار في أيّ لحظة. د. على الرغم من مواقف رئيس الوزراء التركي أردوغان الحادة من إسرائيل، إلا أن تركيا لم تقطع تواصلها مع إسرائيل. وقام السفير التركي في إسرائيل بلقاء أولمرت ومسؤولين إسرائيليين آخرين. ويرى المحللون أن نجاح تركيا يكمن في تواصلها مع الجميع، وأن تركيا تعمل بنجاح على جميع المحاور، وهي على مسافة واحدة من الرئاسة الفلسطينية وحركة "حماس"، وتعمل على المصالحة بين الرئيس أبومازن و"حماس"؛ وتعتقد أن الأخيرة يجب أن تشارك في العملية السياسية لضمان استمرار وقف النار. هـ. وفق المبدأ نفسه، استمر التواصل التركي مع إيران، حيث أسهمت التحركات التركية في إبقاء إيران صامتة إلى حدّ ما. ولو أن إيران تدخلت بشكل ما أثناء العدوان الإسرائيلي، لكان الوضع مختلفاً، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية تدخلت كذلك في جانب إسرائيل. و. رأى بعض المراقبين أن الأتراك منحازون إلى "حماس"، وأنهم يبتعدون عن الغرب. وفي المقابل تؤكد الدوائر الرسمية التركية أن العلاقات التركية مع الغرب ليست موضع مناقشة، وهي ثابتة. وكان واضحاً بعد ذلك تصريح وزير خارجية تركيا، أن على "حماس" أن تختار بين أن تكون منظمة مسلحة أو حركة سياسية. ورأى المراقبون كذلك أن هذا الموقف جاء محاولة لتخفيف الضغوط الغربية عن تركيا، ورسالة إلى الغرب أن تركيا لا تزال على حيادها من كلّ الفرقاء. ز. تعد حادثة ملتقى "دافوس"، الاقتصادي، التي حصلت مساء 29 يناير 2009، هي العلامة الأوضح التي عكست موقف تركيا القوي من العدوان الإسرائيلي على غزة؛ على الرغم من مرور عشرة أيام على انتهائه. ففي ذلك اليوم، تساجل الرئيس الإسرائيلي بيريز مع رئيس الحكومة التركية أردوغان في جلسة خصصت للوضع في غزة، ضمن فاعليات ملتقى دافوس الاقتصادي في سويسرا. تحدث أردوغان في الجلسة متهماً إسرائيل بأنها جعلت غزة سجناً كبيراً وأنها كان يجب أن ترفع الحصار، وأن إسرائيل دمرت غزة بما فيها مباني الأمم المتحدة والمدارس التابعة لها. وطالب أردوغان بوجوب الاعتراف بخيار الشعب الفلسطيني الذي صوت لكتلة الإصلاح والتغيير "التابعة لحماس"؛ لأن الاستمرار في التحدث إلى عباس فقط لن يحل المشكلة. ثم كان دور بيريز الذي وجه الاتهام "لحماس" محملاً إياها مسؤولية العنف في غزة، ومدافعاً عن رئيس السلطة الفلسطينية، متهماً أردوغان أنه لا يعرف الوضع في غزة جيداً. وفور انتهاء بيريز من كلامه، أصر أردوغان على الرد ووصف بيريز بأنه يعرف القتل جيداً وبأنه يتكلم بخلفية المذنب المتهم، وأنه يعرف جيداً كيف قتلتم الأطفال عند الشاطئ، (مخاطباً بيريز)، ويوجد رؤساء حكومة عندكم يتباهون بأنهم يدخلون غزة على ظهر الدبابات. وبعد هذا ترك أردوغان مقعده مغادراً الجلسة،. ولدى عودته إلى إسطنبول كان في استقبال أردوغان في المطار الآلاف من الأتراك الذين وصفوه بأنه "الفاتح"، و"الزعيم الجديد".
ثانياً: الموقف الدولي 1. الدور الأمريكي إن الدور الأمريكي في الحرب على غزة 2008/2009، لم يأت مع بدء الحرب، وإنما جاء في مرحلة التحضير للحرب، لإعداد الجيش الإسرائيلي للحرب، بتزويده بالأسلحة والذخائر ووقود الطائرات، حيث أقامت واشنطن في عام 2008 محطات للإنذار المبكر، وأهدت إسرائيل رادارات متقدمة وزودتها بأنظمة ثاد المضادة للصواريخ، للوقاية من الصواريخ: الإيرانية والسورية، في حالة تدخلهما في الحرب. وفي سبتمبر 2008، زودتها بصواريخ مضادة للتحصينات (ألف صاروخ) من نوع GB-39. كما أشار تقرير منظمة العفو الدولية، الصادر في 13 أبريل 2009، إلى أن الإدارة الأمريكية زودت إسرائيل بشحنة أسلحة وذخائر بحمولة 14 ألف طن على سفينة مؤجرة انطلقت من الموانئ الأمريكية، في 20 ديسمبر 2008، وفرغت حمولتها في ميناء أشدود الإسرائيلي. كما أجرى الجيش الإسرائيلي خلال الحرب تجارب لأسلحة وذخائر أمريكية لم تدخل الخدمة في الجيش الأمريكي. مع بدء الحرب، أعلنت الإدارة الأمريكية موقفها في تفهمها لموقف إسرائيل رأته حقاً مشروعاً للدفاع عن النفس. وحملت حركة "حماس" المسؤولية عما يحدث في غزة. وسعت إلى تعطيل إصدار قرار من مجلس الأمن لإعطاء فرصة لإسرائيل لإنجاز مهمتها في قطاع غزة، وخلق معطيات وأوضاع جديدة على الأرض، لاتخاذ ترتيبات جديدة على أساسها. وعندما صدر القرار الرقم 1860، شجعت الولايات المتحدة الأمريكية إسرائيل على عدم تنفيذه؛ وعلى الرغم من مشاركة وزيرة الخارجية الأمريكية في إعداده، امتنعت الولايات المتحدة الأمريكية عن التصويت عليه. أصدر الكونجرس الأمريكي بمجلسَيه عدة قرارات، يوم 10 يناير 2009، تدعم إسرائيل في الحرب، وتعترف بحقها في الدفاع عن النفس، وتتغافل عن حجم المجزرة التي ترتكبها إسرائيل ضد المدنيين في قطاع غزة. ارتكز الدور الأمريكي على منع حركة "حماس" من استعادة السيطرة على الوضع في قطاع عزة، ومنعها من إطلاق الصواريخ وتهريب الأسلحة. وفي هذا الإطار أبرمت واشنطن التفاهم الأمني المشترك مع إسرائيل، في 15 يناير 2009، لمنع تهريب الأسلحة إلى غزة من البر أو البحر. وشكلت مع الدول الأوروبية مجموعة لمكافحة تهريب الأسلحة في البحر. وعقدت مؤتمرَين: أحدهما في الدنمارك والآخر في بريطانيا، خلال فبراير/ مارس 2009 ترى الإدارة الأمريكية الجديدة أن المشكلة الفلسطينية هي من أعقد المشاكل الدولية تاريخياً. وأن الأمر يتطلب مرحلة زمنية لإعادة الثقة بين الطرفَين: الفلسطيني والإسرائيلي. وهي مرحلة زمنية غير محددة، قد يتم فيها إدارة الصراع، وليس حل الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي. أمّا إعادة الثقة، فتتضمن الانخراط في المفاوضات لحل بعض القضايا، مثل أعمال العنف الفلسطيني، وتهريب السلاح، وإطلاق الصواريخ، مقابل رفع الحصار وفتح المعابر، وبحث الحالة الإنسانية في قطاع غزة، والتي قد تستغرق عدة سنوات. وخلاصة القول، أن الدعم الدولي الأكبر لإسرائيل جاء من الولايات المتحدة الأمريكية، على لسان الرئيس الأمريكي الأسبق "جورج بوش"، ووزيرة خارجيته السابقة "كونداليزا رايس"، اللذَين حمّلا حركة "حماس" المسؤولية، ودافعا عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها؛ ولكنهما طالباها بمراعاة الجانب الإنساني. وفي مجلس الأمن حالت الولايات المتحدة الأمريكية بين المجلس وصدور قرار بوقف إطلاق النار، حتى تأخذ إسرائيل الفرصة لتحقيق أهدافها. ومن خلال الحرب نقلت الطائرات الأمريكية إلى إسرائيل نوعيات من الذخائر الجوية، كان السلاح الجوي الإسرائيلي في حاجة إليها للتعامل مع أهداف "لحماس" محصنة في أنفاق تحت الأرض. إن القراءة العلمية والموضوعية لموقف الولايات المتحدة الأمريكية من العدوان على قطاع غزة، تؤدي إلى النتائج الآتية: أ. منحت الولايات المتحدة الأمريكية الموافقة المسبقة على العدوان، أو على الأقل عدم المعارضة للعدوان. ب. على الرغم من التجاوزات التي ارتكبتها إسرائيل، وطبيعة التدمير الذي وصل حسب تقدير المراقبين إلى حد جرائم الحرب؛ إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية لم ترد أن تتخذ موقفاً قطعياً من العدوان؛ كون النتائج غير مضمونة قياساً على حرب لبنان، عام 2006. ج. إن الولايات المتحدة الأمريكية لم ترد أن تضع عراقيل واضحة أمام السياسات الأمريكية في المنطقة، وخاصة أن الحديث يدور عن إدارة شعارها "تغيير السياسات". د. تمثل الهدف السياسي الرئيسي للولايات المتحدة الأمريكية، في تلك المرحلة، في عدم تغذية سياسة المحاور في المنطقة "الاعتدال والممانعة". وجاء الموقف الأمريكي محتوياً للعديد من التطورات سواءً على الساحة العربية أم الإقليمية أم الدولية. ولو اتخذت الإدارة الأمريكية موقفاً "قطعياً" من العدوان، لغذى ذلك سياسة المحاور المذكورة، وخاصة أنها على أعتاب إدارة جديدة، ولم يكن الرئيس أوباما قد تسلم بعد منصبه. هـ. لم تبتعد الولايات المتحدة الأمريكية كثيراً عن سياستها تجاه منح إسرائيل "الدعم التبريري"، بمعنى اتباع سياسة الترويج المعاكس. فقد ارتكزت الإستراتيجية الأمريكية، أثناء العدوان على قطاع غزة وبعده، على سياسة الترويج وأوحت بأن جذور المشكلة تكمن في تهريب الأسلحة. وقامت المبادرة الأمريكية على أساس تقديم الدعم لمنع تهريب الأسلحة إلى القطاع. وتبع ذلك عشية الإعلان عن وقف النار، توقيع الولايات المتحدة الأمريكية مع إسرائيل لاتفاقية المراقبة البحرية لمنع تهريب الأسلحة إلى القطاع، وتعاون قوات حلف شمال الأطلسي في هذه المهمة وكذلك بعض الدول العربية.
2. دور الدول الغربية جاء موقف الدول الغربية على مختلف توجهاتها مؤيداً لإسرائيل؛ وعلى نقيض الموقف الدولي العام الرافض للعدوان. ولكن درجة التأييد راوحت بين الإشارة إلى توجيه الاتهام إلى "حماس" بالاسم، وتأكيد حق إسرائيل في الدفاع عن النفس، وبين وصم "حماس" بالإرهاب وتأكيد حق إسرائيل في الدفاع عن النفس، كما جاء في بيان أستونيا وجورجيا. وجاء في بيان وزير خارجية أستراليا، أن مسؤولية بدء القتال تقع على عاتق من أطلق الصواريخ على إسرائيل؛ وتأكيد حق إسرائيل في الدفاع عن النفس. كما جاء في بيان وزير الخارجية النمساوية الإشارة إلى سقوط عدد من الضحايا المدنيين، دون أن يوضح هويتهم أو المسؤول عن قتلهم. كما تمثل في تصريحات "ميركل" مستشارة ألمانيا، التي حملت "حماس" وحدها المسؤولية. ثم قدمت ألمانيا، في 21 يناير 2009، خطة من خمس نقاط عرضها وزير الخارجية الألماني، في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، في بروكسل. وهي تدعو إلى تنسيق إرسال المساعدات الإنسانية الأوروبية وتأمين التمويل اللازم لها، وتعزيز مكافحة تهريب السلاح بين قطاع غزة ومصر، مع استعداد ألمانيا لمساعدة مصر تقنياً في هذا المجال. وتقترح النقطة الثالثة إعادة المفتشين الأوروبيين إلى معبر رفح لتشغيله، طبقاً لاتفاق عام 2005؛ إضافة إلى فتح معابر إسرائيل مع القطاع. كما تدعو النقطة الرابعة إلى إعادة إعمار قطاع غزة من خلال دعوة الدول المانحة لعقد مؤتمر دولي. أمّا النقطة الخامسة والأخيرة، فتدعو إلى استعادة مفاوضات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين في إقامة الدولة الفلسطينية إلى جانب إسرائيل. وبالمثل جاء بيان الخارجية الكندية، ليركز فقط على إطلاق الصواريخ على إسرائيل؛ لأنه وحده هو مصدر المشكلة. أما بيان التشيك، فقد أيد حق إسرائيل في الدفاع عن النفس. وحمّل "حماس" المسؤولية. وهو ما فعله كذلك رئيس وزراء الدنمارك، قائلاً إن "حماس" هي التي انتهكت الهدنة. كذلك عبر بيان الخارجية الإيطالية عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها؛ ولكنه ناشدها أن تترفق بالمدنيين الفلسطينيين. وفي المسار نفسه، مشت هولندا، حيث عبر رئيس وزرائها عن تفهمه "للتحركات" الإسرائيلية؛ ورفض إدانتها. وكان الموقف الإسباني مماثلاً للموقف الإيطالي، حيث أعرب وزير الخارجية الإسباني عن "الإدانة الحازمة للاستفزاز غير المسؤول من جانب "حماس" بشن هجمات الصواريخ، واستعمال القوات الإسرائيلية المفرط للأعمال الانتقامية". أمّا فرنسا، فإنها دانت "الأعمال الاستفزازية غير المسؤولة، التي أدت إلى هذا الموقف (حماس) والاستعمال غير المتكافئ للقوة (إسرائيل)". ولكنها دانت الهجوم البري الإسرائيلي، في 7 يناير 2009. وجاء بيان خارجية مالطة معبراً عن التوجه نفسه، أيْ إدانة إطلاق الصواريخ، والحث على الرأفة بالفلسطينيين. وقد خرجت بلجيكا عن هذا المسار، وعبر بيان خارجيتها عن الانزعاج لارتفاع ضحايا الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة. كما خرجت بلغاريا وكرواتيا عن هذا النمط، واكتفتا بمطالبة الطرفَين بتفادي استعمال العنف. هذا بالإضافة إلى اليونان وأيرلندا اللتَين دانتا "حماس" وإسرائيل، في آن واحد. كما سارت المجر في طريق الإشارة إلى مسؤولية الطرفَين على قدم المساواة. وطالبت نيوزلندا "حماس" وإسرائيل بوقف القتال. أمّا البيان النرويجي، فجاء أكثر توازناً من الموقف الأوروبي العام، حيث رفض استعمال الطائرات لضرب غزة، ورفض الهجوم البري في 7 يناير 2009. ودعا إسرائيل إلى سحب قواتها من غزة فوراً. ولكنه دان "حماس" لإطلاق الصواريخ. هذا بينما تبنى عدد من الدول الأوروبية الحياد المشوب باستنكار الاستعمال الإسرائيلي المفرط للقوة ضد شعب غزة، مثل فنلندا وصربيا وسلوفاكيا، أو الاكتفاء بالمطالبة بوقف القتال، مثل لاتفيا وروسيا البيضاء وأوكرانيا. أمّا أقوى السياسات الأوروبية خروجاً على معظم النمط الأوروبي المؤيد صراحة لإسرائيل، جاء من السويد التي دانت الهجوم الإسرائيلي على غزة، وأشارت إلى خرق إسرائيل للقانون الدولي. جاء موقف بريطانيا ملتزماً بالحياد المشوب بالتفهم للعدوان الإسرائيلي، حيث دانت إطلاق الصواريخ الفلسطينية، ولكنها عبرت عن القلق لارتفاع الضحايا المدنيين الفلسطينيين؛ دون الإشارة المماثلة لإدانة إسرائيل على تلك الأعمال، باستثناء إدانة إسرائيل لتدميرها منشآت الأمم المتحدة في القطاع.
3. الدور الروسي من المعروف أن روسيا كانت قبل الحرب قد دعت إلى عقد مؤتمر في موسكو لبحث المشكلة الفلسطينية. وذلك رداً على مؤتمر أنابوليس الذي دعت إليه الولايات المتحدة الأمريكية، وعقدته في يناير 2008؛ ولم تُُسفر عنه نتائج ذات قيمة. كما دعت روسيا على لسان وزير خارجيتها "سيرجي لافروف" كلاًّ من إيران وسورية إلى إقناع "حماس" في غزة بقبول المبادرة المصرية لإنهاء القتال في غزة؛ مؤكداً ضرورة تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي، ودعم المبادرة المصرية؛ وأن روسيا لا ترى حاجة إلى طرح أية مبادرات جديدة بخصوص الأوضاع في غزة، وأن هذه المبادرة تتفق مع الرؤية الروسية التي تطالب بسرعة وقف إراقة الدماء وبلوغ التهدئة التي يجب أن تكون على أساس دائم. كما أكد أن السلطة الفلسطينية ستكون ممثلة في شخص الرئيس الفلسطيني "محمود عباس"، بصفته الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، في مؤتمر السلام الذي دعت إليه موسكو. أمّا الموقف الروسي من العدوان الفعلي على غزة 2008/2009، فاقتصر على الجانب الإنساني للعدوان، حيث طالب وزير الخارجية "لافروف" بوقف أعمال القوة واسعة النطاق ضد قطاع غزة، والتي تسببت في سقوط ضحايا عديدين بين السكان الفلسطينيين. كما طلب من "حماس" وقف "القصف لأقاليم إسرائيل" المتاخمة لقطاع غزة، والتي تصلها الصواريخ من "حماس". يحلل المراقبون الموقف الروسي تجاه العدوان على غزة أنه موقف "صامت". وهناك مجموعة من الأسباب التي دفعت إلى هذا الموقف، ومن أهمها: أ. لا تعتمد السياسة الروسية الحالية مبدأ "مناطق النفوذ"، كما كان من قبل؛ وإنما تستند إلى منطلق "الأمن القومي الروسي". وهذا يقود إلى النظر في مدى تهديد العدوان الإسرائيلي للأمن القومي الروسي. وبالتأكيد لا يمكن التقدير أن هناك تهديداً مباشراً لروسيا، يأتي من هذه المنطقة. ب. دعت الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة أوباما إلى إحداث نقلات في العلاقات الدولية وطبيعتها وبالذات تجاه الدرع الصاروخي في أوروبا الشرقية. وكان ذلك أحد الأسباب التي جعلت الإدارة الروسية تتخذ سياسة عدم التصعيد مع هذه الإدارة. ج. تتمتع روسيا بعلاقات بحركة "حماس". وكانت من أُوَل الدول الكبرى التي استقبلت رئيس المكتب السياسي للحركة في أعقاب الانتخابات التشريعية الفلسطينية، عام 2006. إلا أن السياسة الروسية ترى أنها تلعب دوراً متوازناً تجاه مكونات العمل السياسي الفلسطيني والعربي. وبالتالي، فإن الموقف الروسي يجد لنفسه التبرير في الخلاف الفلسطيني والعربي حول الشرعية في الضفة الغربية وقطاع غزة. د. تريد الإدارة الروسية أن تستمر علاقاتها المتوازنة بالدول: العربية والإقليمية، في المنطقة. فوجدت الصمت هو أبلغ تعبير عن المحافظة على علاقاتها الطيبة سواء بمحور الممانعة أو محور الاعتدال.
4. دور الدول الإفريقية والآسيوية والأمريكية اللاتينية اكتسبت القضية الفلسطينية دعماً سياسياً لم تحصل عليه من قبل من الدول الآسيوية، ومن بعض دول أمريكا اللاتينية، ومن مؤسسات المجتمع المدني العالمي. فقد دانت معظم الدول: الإفريقية والآسيوية والأمريكية اللاتينية العدوان الإسرائيلي. وكان أقوى تلك الإدانات من جانب بوليفيا وفنزويلا اللتَين قطعتا علاقتهما الدبلوماسية بإسرائيل. وطالبت بوليفيا بسحب جائزة نوبل من "شيمون بيريز". كما وصف "شافيز" رئيس فنزويلا، العدوان الإسرائيلي بأنه "إرهاب الدولة". كما أشار بيان الخارجية الكوبية إلى "الأعمال الإسرائيلية الإجرامية في غزة". وكانت من أقوى الإدانات ضد إسرائيل إدانة الرئيس الأفغاني "حامد قرضاي" الذي أصدر بياناً دان فيه الهجوم البربري للقوات الإسرائيلية على المدنيين في قطاع غزة. وكذلك رئيس جامبيا، الذي وصف العدوان الإسرائيلي بأنه "هولوكوست" ضد الشعب الفلسطيني الأعزل. وكذلك بيان رئيس نيكاراجوا "دانييل أورتيجا" الذي أشار إلى "الأعمال الإجرامية الإسرائيلية في غزة"، داعياً إلى وقفها. ودان بيان كوريا الشمالية إسرائيل بشدة ووصف ما قامت به بأنه "جريمة ضد الإنسانية". وكذلك بيان "عبدالله بدوي" رئيس ماليزيا، والذي طالب بفرض عقوبات دولية على إسرائيل. أمّا في البوسنة، فقام "سيلاديتش" عضو مجلس الرئاسة البوسني، بزيارة سفارة فلسطين في سيراييفو، معرباً عن تضامن بلاده مع شعب غزة. الأمر نفسه جرى في بروناي، ودار السلام، وإريتريا. كذلك إندونيسيا، التي عبر رئيسها "يورهينو" عن دعم بلاده الثابت للنضال الفلسطيني. وبالمثل فقد دانت باكستان، على لسان الرئيس "زرداري"، "الهجوم الإسرائيلي على غزة وخرق إسرائيل للقانون الدولي". كما طالب الرئيس السنغالي "عبدالله واد" بانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة دون شروط، مؤكداً أن بلاده "تنضم إلى صوت العالم بأسره الذي يدين العنف". وطالبت فيتنام إسرائيل بوقف الهجوم وسحب قواتها فوراً من غزة. هذا بينما تبنى قسم من تلك الدول الحياد المشوب باستنكار الاستخدام الإسرائيلي المفرط للقوة. من هذه الدول البرازيل، وتشيلي، وكولومبيا، والإكوادور، وتنزانيا. بينما تبنى قسم الحياد واكتفى بالمطالبة بوقف القتال، مثل الأرجنتين، وباراجواي، وبيرو، والفيليبين، والمكسيك، وأرمينيا، وبوركينا فاسو، والجابون، وكازاخستان، وطاجيكستان، وأوزبكستان، وكينيا، وسنغافورة، وتايلاند، وكوريا الجنوبية، وسريلانكا. وأيد قسم منها العدوان الإسرائيلي، مثل بنما التي أصدرت بياناً تُعلن فيه صراحة إدانة "حماس" وتأييد "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها". أمّا الصين، فقد التزمت الحياد الصارم. وأعلنت خارجيتها قلقها العميق من تصاعد الموقف المتوتر في غزة، وإدانتها للأعمال التي تسبب الإصابات والقتل بين الناس العاديين. وناشدت الأطراف ضبط النفس. ولم يشر البيان إلى أيّ مسؤولية لإسرائيل عما يحدث في غزة. وسار بيان الخارجية اليابانية على المنوال عينه. وكان الموقف الهندي أكثر تحديداً، حيث طالبت نيودلهي إسرائيل بوقف العمليات العسكرية ضد المدنيين الفلسطينيين. وأعربت عن علمها "بانتهاك الحدود" في إشارة إلى إطلاق الصواريخ من قِبل "حماس". ثم أصدرت الحكومة الهندية بياناً ثانياً دان الاستعمال المفرط للقوة من جانب إسرائيل. ونخلص إلى القول إنه على الصعيد الدولي، كشف العدوان الإسرائيلي أن الدعم الدولي للقضية الفلسطينية نتيجة العدوان الإسرائيلي 2008/2009، لم يتضاءل، واكتسب أرضاً جديداً في جميع قارات العالم.
ثالثاً: دور الأمم المتحدة والمنظمات ومؤسسات المجتمع المدني 1. موقف الأمم المتحدة وقرار مجلس الأمن الرقم 1860 عقب مفاوضات طويلة وشاقة بذلتها مجموعة وزراء الخارجية العرب، ومعهم رئيس السلطة الفلسطينية "أبو مازن" في دوائر مجلس الأمن، من أجل استصدار قرار يجبر إسرائيل على وقف إطلاق النار؛ وبعد جهود استغرقت ثلاثة أيام، قادها كلّ من وزير الخارجية السعودي "سعود الفيصل"، ووزير الخارجية المصري "أحمد أبو الغيط"؛ وبمشاركة وزراء خارجية كلّ من الأردن وليبيا والمغرب وقطر ولبنان وفلسطين، وأمين عام الجامعة العربية "عمرو موسى"؛ صدر قرار مجلس الأمن الرقم 1860 في 9 يناير 2009، وذلك بأغلبية 14 صوتاً، وامتناع الولايات المتحدة الأمريكية عن التصويت. وعلى الرغم من أن القرار لم يستجب لكلّ مطالب اللجنة الوزارية العربية، إلا أنه يحقق الحدّ الأدنى من هذه المطالب. فقد دعا القرار وقف فوري لجميع أعمال القتال، وتقديم المساعدات الإنسانية إلى شعب غزة. كما رحب بالمبادرات الرامية إلى توصيل المعونات الإنسانية على نحو مستمر، ودان جميع أشكال العنف والأعمال الحربية الموجهة ضد المدنيين وجميع أعمال الإرهاب. وعلى الرغم من أن القرار لم يضع آلية لمراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار، إلا أنه دعا الدول الأعضاء إلى تكثيف الجهود الراقية لتوفير الترتيبات والضمانات اللازمة من أجل الحفاظ على وقف دائم لإطلاق النار، والمحافظة على الهدوء ومنع الاتجار غير المشروع بالأسلحة والذخائر، وضمان إعادة فتح المعابر بصفة مستمرة على أساس اتفاق التنقل والعبور المبرم في عام 2005 بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل. كما رحب القرار بالمبادرة المصرية وبالجهود الإقليمية والدولية الأخرى الجارية. وشجع مجلس الأمن في قراره على اتخاذ خطوات ملموسة نحو تحقيق المصالحة بين الفلسطينيين. شدد رئيس الوزراء البريطاني "جوردون براون" ـ الذي قدمت بلاده مشروع القرار ـ على ضرورة اتخاذ إجراءات على الأرض بسرعة بعد إعلان هذا القرار، وبما يوفر الأمن الضروري لوضع حدّ نهائي للعنف، سواء من جانب العمليات العسكرية الإسرائيلية، أو من جانب الهجمات الصاروخية لحركة "حماس". هذا إلى جانب ضرورة اتخاذ ترتيبات لمنع تهريب الأسلحة داخل غزة فوراً، إلى جانب سرعة فتح الحدود، وهو ما يفرض وجود مراقبة دولية تضمن أمن الأشخاص الذين يشعرون بأنهم في خطر. وقد وصف بعض المحللين السياسيين هذا القرار بالضعف، لأنه لم يصدر وفق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. وبالتالي، لن يُلزم الأطراف المعنية بتنفيذه، ولن يُنذر بعقوبات لكلّ من لا ينفذه. وهذا ما تم بالفعل عندما رفضت كلّ من إسرائيل و"حماس" تنفيذه، لأن القرار لم يعط لأيّ منهما ما تريده. وأبقى بعض الأمور غامضة وغير محددة، مثل ما يعنيه بتحقيق الهدوء الشامل، وكيفية تنفيذ ذلك. كما لم يوضح متى سيتم الانسحاب الإسرائيلي؟ وكيف؟ ومتى ستُفتح المعابر؟ وطبيعة الترتيبات التي ستتخذ لوقف التهريب. هذا الغموض كان مقصوداً لأنه وفر لكلّ طرف مساحة من الأخذ والعطاء، في حالة قبول مبدأ وقف القتال وتسوية الملفات العالقة بين الطرفَين، وبناء هدنة دائمة.
2. الاتحاد الأوروبي حاول الاتحاد الأوروبي أن يلعب دوراً واضحاً في قضية الشرق الأوسط، في السنوات الأخيرة. وهو ما يمكن تفسيره بالبحث عن دور فاعل يزيح القطب الأوحد المتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية، لإدارة الصراع العربي ـ الإسرائيلي. وجاء الموقف الأوروبي من خلال الرئاسة الحالية للاتحاد، عندما أعلنت وفي اللحظة الأولى من الحرب البرية، يوم 7 يناير 2009، أن "ما تقوم به إسرائيل في قطاع غزة عبارة عن عملية دفاعية". وتلا ذلك دعوة بقية الرؤساء والزعماء في أوروبا، طوال الحرب، لضرورة وقف إطلاق صواريخ المقاومة قبل كل شيء. وقد حاولت دول الاتحاد الأوروبي في اللحظات الأخيرة من الحرب، بعد أن قررت إسرائيل وقف العدوان من جانب واحد، أن تُعيد التوازن إلى مواقفها السابقة التي اتسمت بالتخاذل، فلم تتدخل بالضغط على إسرائيل إلا بعد 22 يوماً، ثم تسارعت إلى مؤتمر في شرم الشيخ للعمل على تحقيق هدف واحد، هو عدم تهريب السلاح إلى "حماس". أمّا المشاركة في إعمار غزة، فقد وافق المؤتمرون على تقديم المنح والمساعدات للسلطة الفلسطينية، مع الحرص على عدم حصول "حماس" عليها؛ مع محاولة إقناع الدول العربية بأن الاتحاد الأوروبي قادر على القيام بدور إيجابي في نزاع الشرق الأوسط. وهو ما انعكس في مسارعة فرنسا إلى تبني وتنفيذ فكرة "الاتحاد من أجل المتوسط"، على أساس أنها تُسهم في إقرار السلام بين شعوب الشرق الأوسط المطلة على البحر الأبيض المتوسط.
3. مؤسسات المجتمع المدني العالمي جاءت أكبر أشكال الإدانة للعدوان الإسرائيلي من مؤسسات المجتمع المدني العالمي. فقد عمت المظاهرات مختلف المدن حول العالم منددة بالعدوان. وقد أشار موقع ويكيبيديا إلى "ردود الأفعال الدولية لصراع غزة 2008/2009" في تسجيله لتلك المظاهرات. وقد شملت تلك الاحتجاجات تدمير المواقع الإسرائيلية على الإنترنت، والهجوم على المعابد والرموز اليهودية. وقد قدر "المنتدى العالمي ضد اللاسامية" أن حوادث الهجوم تلك بلغت 300%، مثل الحوادث التي تمت في المدة نفسها من العام الماضي، حيث وقع 250 هجوماً، مقابل 80 هجوماً في مدة أسبق.
4. الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين برز دور الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، برئاسة الدكتور "يوسف القرضاوي"، منذ اليوم الأول للحرب على غزة. وبرز دور ال
ابطال الحرمين
لـــواء
الـبلد : العمر : 38المهنة : باحث في العلوم الاستراتيجية والعسكرية التسجيل : 24/07/2011عدد المساهمات : 3185معدل النشاط : 4639التقييم : 867الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
موضوع: رد: الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة (27 ديسمبر 2008 ـ 17 يناير 2009) الأحد 18 مارس 2012 - 16:05
المبحث التاسع رؤية مستقبلية لتبعات الحرب على قطاع غزة
أعلنت إسرائيل إيقاف القتال في قطاع غزة من جانب واحد، في 17 يناير 2009، ولم يكن هذا الإعلان إيذاناً بانتهاء الحرب بمعناها الشامل، بل هو هدنة مؤقتة للحرب بالوسائل الحربية، واستئنافاً للحرب بالقوى الناعمة السياسية والاقتصادية والإعلامية، وفي بعض الأحيان بالقوى العسكرية إذا تطلب الأمر، فقد حرص كلّ طرف أن يُثبت للرأي العام الداخلي والعالمي، أنه حقق انتصاراً في هذه الحرب، مستنداً في ذلك إلى دعاوى أنه حقق أهدافه من الحرب، وفي المقابل حرم خصمه تحقيق أهدافه.
وانطلاقاً من هذا المفهوم المغلوط، سعى كلّ طرف إلى محاولة إثبات ما عَدّه انتصاراً عسكرياً، واستثماره على الصعيدَين: السياسي والإعلامي، إن يستطع تحقيقه على الصعيد العسكري. واستناداً إلى هذا المفهوم، وعقب توقف القتال، ظهرت أحداث وتغيرات كثيرة في الدائرتَين: الإقليمية والعالمية، ارتبطت بشكل أو بآخر بالحرب التي وقعت في غزة ونتائجها؛ وبالتالي، أثرت فيها وطرحت سؤالاً فرض نفسه: ماذا بعد حرب غزة؟
أولاً: أهداف إسرائيلية لم تتحقق إن ما أعلنته إسرائيل من أهداف قبل العدوان الإسرائيلي الأخير حول منع إطلاق الصواريخ على أراضيها، هو جزء من أهداف هذه الحرب؛ ولكنه في الإطار التكتيكي. أما الهدف الإستراتيجي الأشمل، فهو إعادة رسم الخريطة الإقليمية في المنطقة، وتمكين إسرائيل منها، وتفتيت العرب، وإضعاف موقف مصر بصفتها مركز الثقل والعقبة الكبرى في طريق تنفيذ هذا المخطط.
والهدف الإستراتيجي لإسرائيل لم يكن ليتحقق، وهي تتعلق بأستار السلام، بل يلزم تحقيقه تفتيت العالم العربي بعدوان إجرامي كالذي وقع على غزة 2008/2009، وأدى بالفعل إلى تقسيم الدول العربية بين دول الاعتدال ودول الممانعة. فاليوم ليس بأفضل من الأمس عقب إبرام مصر معاهدة كامب ديفيد عام 1978، حيث تشكل ما أطلق عليه: "جبهة الصمود والتحدي" من عدة دول عربية قاطعت مصر عشر سنوات.
واتساقاً مع هذه الإستراتيجية بعيدة المدى في ظل حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل، تتمنى إسرائيل استمرار بقاء الأحزاب والتنظيمات المتشددة في السلطة في الدول المجاورة لها، مثل الإخوان في مصر، وحزب البعث في سورية، وحزب الله في لبنان، وحركة "حماس" في غزة؛ مع الحرص على إبقائها في حالة ضعف غير قادرة على منازلة إسرائيل أو إزعاجها، ولكنها قادرة على إزعاج الحكومات الشرعية وإحداث صراعات داخلية تضعفها وتجعلها غير قادرة على اتخاذ قرارات مصيرية سليمة، في مناخ عدم الاستقرار والضعف، واستمرار حالة التوتر في المنطقة.
وحقيقة الأمر أن إسرائيل لا تريد السلام في المنطقة؛ لأنها تتخوف من دولة فلسطينية موحدة على حدودها، مهما كانت مجردة من السلاح. وتفضل أن تبقى حالة الحرب سائدة؛ لأنها الوازع الوحيد لإبقاء ونمو مستوطناتها وسياستها للاحتلال والهيمنة ومعارضة إنشاء الدولة الفلسطينية التي يريدها العالم بأسره.
ومن ثم، فإن الاعتدال السياسي العربي المنفتح على العالم غير موات لإسرائيل؛ لأنه يضطرها إلى تنازلات لا ترغب فيها، وخاصة مع إصرار إدارة "أوباما" على تحقيق تسوية للقضية تقوم على إقامة دولة فلسطينية وإيقاف الاستيطان الإسرائيلي. وفي السياق عينه، يجب ألا نتجاهل المواقف السلبية من وصول نيتانياهو إلى السلطة أخيرا في إسرائيل، وتحالفه مع الزعيم اليميني المتطرف "ليبرمان": وذلك في ضوء ما صرح به نيتانياهو أثناء الحملة الانتخابية، متهماً حكومة أولمرت ببث الضعف أمام حركة "حماس" والمنظمات الفلسطينية المتشددة. وأعلن أن الحكومة التي سيشكلها في حالة فوزه سوف تعمل على تحطيم "حماس".
كما أعطى أولوية لاهتمام حكومته في منع إيران من امتلاك سلاح نووي. أمّا ليبرمان الذي أصبح وزيراً للخارجية فهو الداعي إلى ترحيل عرب إسرائيل إلى خارجها، وعدم التنازل عن أيّ جزء في القدس الشرقية، وتكثيف الاستيطان. ولذلك، فإذا كان نيتانياهو مستعداً لشن حرب ضد إيران لتدمير برنامجها النووي، فإنه سيجر بالقطع الولايات المتحدة الأمريكية إليها بعد أن ترد إيران على إسرائيل بقصفها بصواريخ شهاب، وبما ستضطر معه واشنطن إلى التدخل عسكرياً دفاعا عن إسرائيل.
وأيضا سيكون نيتانياهو مستعداً بدرجة أكبر لشن حرب أكثر عنفاً وأشد دموية ضد "حماس" في غزة؛ بهدف تدميرها واقتلاعها من هناك حتى لو أدى الأمر إلى إعادة احتلال غزة مرة أخرى.
ثانياً: الملاحقة القضائية لمجرمي الحرب إذا كانت إسرائيل بالمقاييس العسكرية قد نجحت في حربها على غزة، فإنها بالمقاييس الأخلاقية قد هُزمت، بشهادة العالم والمراقبين الإسرائيليين أنفسهم، الذين عبروا عن استيائهم وغضبهم من الممارسات الإجرامية التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية، وأدت إلى هذا الحجم الكبير من القتلى والجرحى والدمار والخراب، الذي تجاوز الحدود. وعلى المستوى العالمي، عبر عن هذه الحقيقة الأمين العام للأمم المتحدة، الذي طالب إسرائيل بوقف فوري للعدوان وسحب قواتها من القطاع، وكذلك قرار مجلس الأمن الرقم 1860؛ وفشل الولايات المتحدة الأمريكية في استخدام حق الفيتو لمنع استصداره؛ حيث إن حجم الجرائم لم يسمح لواشنطن أن تتحدى الرأي العام العالمي الغاضب والمطالب بسرعة وقف القتال، ولا سيما أن الحرب دارت بين جيش نظامي وشعب أعزل تحمل وحده العدوان.
وقد اتهمت جريدة "أفتون" السويسرية الشهيرة، الإسرائيليين بقتل الفلسطينيين لسرقة أعضائهم بهدف الاتجار بها. واستندت في ذلك إلى شهادات أسر فلسطينية تتهم إسرائيليين بالقبض على شباب فلسطينيين وإعادتهم إلى أسرهم بعد نزع أعضاء منهم. وأشارت إلى الإسرائيلي "ليفي إسحق" المقيم بالولايات المتحدة الأمريكية، ويواجه اتهامات بالتورط في قضية تهريب أعضاء بشرية. وأكد الشهود أن هذه الجرائم لا تقتصر على الشباب فقط، بل الأطفال كذلك.
إن المظاهرات الغاضبة من التجاوزات والاستخدام المفرط للقوة العسكرية، في كثير من مدن العالم، رفضت العدوان ودانت إسرائيل وتعاطفت مع الفلسطينيين، وطالبت بحمايتهم. وهي المظاهرات التي أبرزت حجم الإدانة وسوء السمعة اللذَين لحقا بإسرائيل.
وإذا كانت إسرائيل قد نجحت في إعدادها السياسي والإعلامي المسبق والمنهجي للحرب، وتحركها السياسي الناشط في الولايات المتحدة الأمريكية وبلدان أوروبا في تسويق عدوانها على غزة، وإيجاد مبررات مدعية أن "حماس" تسعى إلى إزالة إسرائيل وإقامة دولة دينية في فلسطين مثل دولة "طالبان"؛ فإنه يجب ألاّ تقوى "حماس" وتدعم فكرة حكمها المنفرد في القطاع، لذلك، يجب ألاّ تسيطر "حماس" وتتحكم في عمليات إعادة إعمار غزة؛ لأن "حماس" سوف توظف المبالغ الضخمة لهذا الغرض في إعادة التسلح مرة أخرى.
ومن منطلق أن إسرائيل تدافع عن وجودها، فقد حصلت على ضمانات أوروبية بعدم التعامل مع القضايا التي قد يرفعها متضررون فلسطينيون أو جماعات حقوقية من أجل محاكمة إسرائيل وضباطها لما ارتكبوه من جرائم حرب وضد الإنسانية أثناء الهجوم على غزة؛ واستخدامها أسلحة محرمة. فالقادة: السياسيون والعسكريون في الجيش الإسرائيلي يعيشون في حالة توتر شديد، وخاصة بعد أن بدأت بالفعل ملاحقة قضائية ضد قائد المنطقة الجنوبية فور الكشف عن هويته الجنرال "يوآف جالنت"، وقائد السلاح الجوي الجنرال "فحوشتان".
وقد أُعلن في إسرائيل، يوم 21 يناير 2009، أن جهات: غربية، وإسرائيلية، قدمت 15 دعوة إلى محكمة جرائم الحرب في لاهاي ضد 15 شخصية سياسية وعسكرية إسرائيلية على رأسهم "أيهود أولمرت" رئيس الوزراء، ووزيرة الخارجية "تسيبي ليفني"، وأيهود باراك" وزير الدفاع، وغيرهم كثيرون تورطوا في جرائم حرب في أحداث سابقة مختلفة. وقد أعربت أوساط عسكرية إسرائيلية عن قلقها. واحتل القانونيون والمحللون القضائيون محل الكُتاب في الجرائد. كما عُقدت اجتماعات طارئة في هيئة الأركان العامة لإعداد الخطط القانونية المضادة لهذه الدعاوى، بمشاركة خبراء بالقانون الدولي ومحاكمات مجرمي الحرب.
وقد تسلمت "سيري فريجارد" كبيرة المدعين في هيئة الادعاء العام في النرويج دعوى قضائية من ستة محامين نرويجيين ضد قادة إسرائيليين: سياسيين وعسكريين، مطلوبة ملاحقتهم قضائياً.
ومن أهم ردود الأفعال وتداعيات ملاحقة مجرمي الحرب في إسرائيل بارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة خلال حملة استمرت 22 يوماً، أنه في يوم 14 ديسمبر 2009، أصدرت محكمة وستمنستر أمر اعتقال بحق وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة "تسيبي ليفني"، بشأن اتهامات بارتكاب جرائم حرب؛ وذلك بناءً على طلب محامين يمثلون ضحايا فلسطينيين.
وفي اليوم التالي كشفت جريدة "الجارديان" البريطانية، أن القضاء البريطاني سحب أمر الاعتقال بحق الوزيرة السابقة ليفني، بعد ما أدرك أن الأخيرة ألغت زيارتها للعاصمة البريطانية لندن للمشاركة في مؤتمر ينظمه الصندوق القومي اليهودي.
وهذه هي المرة الأولى التي يواجه فيها وزير إسرائيلي سابق أمر اعتقال في المملكة المتحدة؛ ما يُعَد إشارة إلى الجهود المتزايدة في متابعة الادعاءات الخاصة بارتكاب جرائم حرب.
وكانت وكالة "معاً" الفلسطينية الخاصة للأخبار نقلت عن مصادر خاصة في العاصمة البريطانية قولها إن ليفني كانت قد وصلت لندن بالفعل؛ ولكنها تمكنت من الاختفاء في لندن قبل أن تصل قوة من الشرطة البريطانية توجهت إليها لاعتقالها.
أكدت تلك الأنباء لاحقاً منظمة "التضامن" الحقوقية البريطانية، حيث صرحت لموقع قناة "الجزيرة" أن شهود العيان شاهدوا ليفني في فندق "قاعة هندون هوتل" بلندن.
كما أكدت مصادر حكومية بريطانية أن هناك حالة ارتباك في لندن، التي تدرس بطريقة عاجلة تداعيات قرار اعتقال ليفني، وأنه سيتم اتخاذ إجراء عاجل لبحث ملابسات تلك القضية.
وقد انتقد سفير إسرائيل في بريطانيا "رون بروسور" قرار توقيف وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة، وقال: "الوضع الحالي أصبح لا يُطاق. وحان الوقت ليتغير". وأضاف: "أنا واثق من أن الحكومة البريطانية ستدرك، أنه حان الوقت ليتغير، وأنها لن تكتفي فقط بالتصريحات".
أمّا مكتب ليفني، فقد نفى بدوره أن الوزيرة السابقة اضطرت إلى إلغاء زيارتها إلى لندن بسبب صدور قرار باعتقالها؛ مؤكداً أن قرار إلغاء الزيارة اتُخذ قبل أسبوعين بسبب "تضارب في المواعيد".
وعن مغزى أمر الاعتقال، فقد أكد أساتذة القانون "أن القرار صدر بناءً على القانون الإنجليزي الذي يتيح ملاحقة الجرائم الدولية، خصوصاً جرائم الحرب". وأعلنوا أن القرار يؤكد رغبة الدول في عدم جعل الجرائم تمر دون عقاب، وإمكانية عرضها أمام المحاكم الدولية.
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن هناك وقائع على ارتكاب جرائم حرب، نذكر منها الآتي: 1. في 28 ديسمبر 2008، أقدمت قوات الاحتلال على قتل الأطفال الخمسة أبناء "أنور بعلوشه" وهم في منزلهم في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة، عندما قامت الطائرات الإسرائيلية بإطلاق صواريخ على مسجد "عماد عقل" فدمرت المسجد والمنزل، واستشهد جراء ذلك أطفاله الخمسة وهم: تحرير (13 عاماً)، وسمر (7 أعوام)، ودينا (8 أعوام)، والتوأم جواهر وإكرام (4 أعوام).
2. في 29 ديسمبر 2008، قامت الطائرات الإسرائيلية بإطلاق صاروخ على منزل "زياد العبسي" الواقع في مخيم يبنا في رفح جنوبي قطاع غزة؛ فانهار المنزل على رؤوس قاطنيه؛ ما أدى إلى استشهاد أطفال العبسي الثلاثة، محمد (14 عاماً)، وأحمد (12 عاما)، وصدق (4 أعوام).
3. في الأول من يناير 2009، أطلقت الطائرات الحربية الإسرائيلية عدة صواريخ باتجاه منزل القيادي في "حماس" "نزار ريان" بالقرب من مسجد الخلفاء الراشدين في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة، وأدى القصف إلى تدمير المنزل المكون من خمس طبقات واستشهاد نزار ريان، وزوجاته الأربع، وأبنائه الأحد عشر.
4. في 3 يناير 2009، استهدفت الطائرات المقاتلة الإسرائيلية مسجد إبراهيم المقدامة/غزة، وقتل عشرة مواطنين أثناء أدائهم صلاة المغرب.
5. في 4 يناير 2009، قامت قوات الاحتلال التي توغلت شرق حي الزيتون جنوب شرق مدينة غزة بتجميع عشرات الأفراد من عائلة "السموني" في بيت واحد مساحته 180 م2 ، هذا ما يرويه أحد الناجين من عائلة السموني، وهو "تائب السموني " 35 عاماً. ويضيف بعد ذلك قامت قوات الاحتلال بدك البيت على من فيه بالقذائف لمدة عشر دقائق حتى سقطوا جميعاً بين جريج وشهيد. وقال بعد ما قامت قوات الاحتلال بإمطارنا بهذا العدد من القذائف، تحول البيت إلى بركه من الدماء. وأكد السموني أن قوات الاحتلال منعت الإسعاف من الوصول إلى أفراد العائلة المستهدفة؛ على الرغم من المناشدات العديدة التي وجهها الصليب الأحمر. ويشهد الطاقم الطبي لمستشفى الشفاء أن ما حدث كان إعداماً جماعياً لسبعين ضحية، وصلوا إلى المستشفى بين شهيد وجريح.
6. في 5 يناير 2009، استهدفت المقاتلات الإسرائيلية منزل عائلة أبوعيشة بصواريخ وقنابل؛ ما أدى إلى استشهاد سبعة من أفراد الأسرة هم أب وأم وخمسة من أطفالهما.
7. في 6 يناير 2009، وقبل 25 دقيقة من انتهاء ساعات التهدئة، قصفت الدبابات والطائرات الإسرائيلية أربعة صواريخ وقذائف مدفعية باتجاه مخيم جباليا شمالي قطاع غزة. وقد سقطت إحدى هذه القذائف في فناء منزل المواطن "سمير شفيق ديب" (43 عاماً)؛ ما أدى إلى استشهاده على الفور، هو ووالدته (70 عاماً)، وثلاثة من أبنائه وخمسة من أنجال شقيقه واثنتَين من نساء العائلة.
8. صباح يوم 9 يناير 2009، استشهد ستة من أفراد عائلة صالحة في منزل الأسرة الواقع في بيت لاهيا شمالي القطاع.
9. في 10 يناير، تم قصف منزل عائلة عبدربه بواسطة المقاتلات الإسرائيلية، فاستشهد ثمانية من أفراد الأسرة.
10. كشفت شهادات لمواطنين فلسطينيين في القطاع عن عمليات استهداف مباشر لمدنيين رفعوا الرايات البيضاء، ومع ذلك فقد تعرضوا للقصف ودُمرت منازلهم. أمّ (34 عاماً) تسمى "ابتسام القانوع"، رفعت الراية البيضاء ظنت أنها ستحمي منزلها من التجريف في بلدة "العطاطرة"، ولكنها سرعان ما تلقت الجواب بينما أطلق قناص إسرائيلي النار عليها بشكل مباشر وأرداها شهيدة.
11. أكدت شهادات أدلى بها جنود إسرائيليون بشأن ممارستهم خلال الحرب على غزة قيامهم بقتل فلسطينيين، وإطلاق النار من دون قيود، وتدمير ممتلكات الفلسطينيين بشكل متعمد. وفقاً لموقع جريدة "هآرتس" الإلكتروني فإن الجنود أدلوا بشهاداتهم خلال مؤتمر عقدته المدرسة التحضيرية العسكرية في أكاديمية "أورانيم" Oranim Academic College شمالي إسرائيل.
12. في 13 فبراير 2009، اعترف قائد وحدة في سلاح المشاة باستشهاد سيدة فلسطينية ووليدها جراء تعرضهما لنيران مدفع رشاش إسرائيلي.
13. في يوم 16 يناير 2009، تم تنفيذ قصف جوي لمنزل الدكتور/ عز الدين أبو العيش في جباليا، راح ضحيته جميع أفراد الأسرة، عدا الدكتور عز الدين وأصيب ابنته؛ وقُتل فيه ستة أفراد من العائلة وجرح عشرة آخرون. على الرغم من أن الدكتور عز الدين كان يعمل طبيباً للنساء والتوليد في مستشفى إسرائيلي لعلاج المواطنين الإسرائيليين داخل الأراضي الإسرائيلية. وقد تم مناشدة الإعلام الإسرائيلي للجيش بعدم استهداف منزل الدكتور/ عز الدين. وأكد الجيش بأنه لن يستهدفه، إلا أنه قام بتدميره على من فيه في النهاية. تلقى الدكتور عز الدين أبو العيش، في 6 أبريل 2009، خطاب ترشحه للحصول على جائزة نوبل للسلام.
ثالثاً: البُعد الديموجرافي (السكاني) للصراع العربي ـ الإسرائيلي حرب غزة الأخيرة لن تكون نهاية المطاف، حيث إنها لم تحقق أهداف إسرائيل بعيدة المدى، ومن أهمها تفتيت المنطقة وإضعاف دولها بتنفيذ ما يُسمى بسياسة "شد الأطراف"، الذي يفتعل حروباً بين الدول العربية وجيرانها من دول غير عربية مثل تركيا وإيران وإثيوبيا. أو إضعاف الدول العربية داخلياً على أسس عرقية وطائفية ومذهبية. وهذا ما نراه الآن في العراق والسودان والمغرب العربي ولبنان، وأخيراً فلسطين، بالانشقاق بين "حماس" في غزة وفتح في الضفة الغربية، ومخطط "تكثيف الاستيطان" الذي تصر حكومة "نتنياهو" على تنفيذه؛ على الرغم من معارضة واشنطن، وهي إستراتيجية ليست بجديدة وتدعو إلى ترحيل عرب إسرائيل (الفلسطينيين) من داخل إسرائيل إلى الدول العربية. هي سياسة تتبعها إسرائيل منذ نشأتها، تُنفذ على مراحل كلّما سمحت الظروف في البيئتَين: الإقليمية والدولية بذلك. وهي مُعلنة منذ قيام إسرائيل. وجاءت في مذكرات "بن جوريون" الذي قال: "أؤيد الترحيل الإجباري للفلسطينيين. ولا أراه تصرفاً غير أخلاقي".
ومما هو معروف، أن الهدف الإستراتيجي من حرب غزة الأخيرة، ولم يتحقق، هو ترحيل جزء كبير من سكان غزة تحت ضغط القصف الجوي والهجوم البري، ونزوحهم إلى سيناء عبر بوابة رفح. وتصدير جزء كبير من المشكلة إلى مصر. وترتبط إستراتيجية الترحيل بقضية البُعد الديموجرافي (السكاني) للصراع.
وإذا انتقلنا إلى أراضي السلطة الفلسطينية (الضفة الغربية وغزة)، نجد أن عدد السكان الفلسطينيين المقيمين بالضفة وغزة تجاوز أربعة ملايين نسمة، وهو ما يمثل 40% من إجمالي الفلسطينيين الذين شردتهم النكبات المتتالية، حيث يعيش نحو 11% في أراضٍ داخل إسرائيل (عرب 48)، ونحو 28% في الأردن؛ إضافة إلى 16% في دول عربية أخرى، ونحو 5% في باقي دول العالم.
ويبلغ عدد سكان غزة مليوناً ونصف المليون نسمة مكدسين في مساحة لا تتجاوز 360 كم2، حيث تصل الكثافة السكانية إلى 4100 شخص لكل كم2، وهي كثافة مرتفعة جداً بجميع المقاييس، حيث تصل إلى ثمانية أمثال الكثافة في الضفة الغربية، ونحو 13 مثلاً للكثافة السكانية في إسرائيل. ويعيش نحو ثلث سكان غزة في مخيمات. ويصل معدل المواليد في غزة إلى 4.2%، وهو أعلى معدل مواليد في الدول العربية. ولا يكاد ينافس قطاع غزة في هذا المعدل سوى عدد قليل من الدول الإفريقية وأمريكا اللاتينية. وهو ما يعني أن أهل غزة يزداد تعدادهم السكاني كلّ عام نحو 63 ألف نسمة.
وقد نتج من ذلك تركيبة ديموجرافية (سكانية) شابة، حيث نصف السكان دون الخامسة عشرة. ومتوسط حجم الأسرة 6.6 نسمات. وعلى المدى الطويل وخلال العشر سنوات الماضية، زاد عدد السكان من مليون إلى مليون ونصف نسمة، أي زيادة 50% في عشر سنوات. وفي المقابل زاد عدد سكان الضفة الغربية بنحو 40% خلال المدة نفسها من عام 1997 إلى عام 2007.
تُشير التوقعات إلى أن عدد سكان هذه الأراضي سيتجاوز ستة ملايين نسمة بحلول عام 2025. وسيقرب من تسعة ملايين نسمة في عام 2050. ومع استمرار معدل الزيادة في مواليد غزة، من المتوقع أن يتساوى عدد الفلسطينيين من سكان غزة مع عدد الفلسطينيين من سكان الضفة الغربية، وهو ما يضيف عاملاً إضافياً في معادلة توازن القوى في الداخل الفلسطيني.
أمّا عدد سكان عرب إسرائيل (فلسطيني 48)، فيبلغ مليوناً و200 ألف نسمة. وهم يزيدون بمعدل 4.2% سنوياً، ويشكلون حالياً 20% من إجمالي سكان إسرائيل. وطبقاً لإحصاءات الجهاز المركزي للإحصاء، يتوقع أن يصل عددهم، عام 2015 إلى مليونَي نسمة. وحتى على افتراض أن إجمالي سكان إسرائيل سيصل إلى سبعة ملايين نسمة عام 2015، فإن نسبة العرب داخل إسرائيل سترتفع إلى 28%؛ وهو ما يُهدد مستقبلاً بأن تتحول إسرائيل إلى دولة مزدوجة القومية. وهو ما يتعارض مع أساس قيامها، وهو المحافظة على نقاء الهوية اليهودية لسكانها.
خطر هذا الأمر يتمثل في زيادة مطالبة عرب إسرائيل بحقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية المشروعة، في مجتمع يشكلون نحو ثلثه. وهو ما لا تستطيع أيّ حكومة إسرائيلية تجاهله. ومن هنا جاء إلحاح زعماء إسرائيل اليوم على "يهودية الدولة" وإستراتيجية "الترحيل".
ومن الواضح أن السلوك الإنجابي في قطاع غزة يسير جنباً إلى جنب مع معدلات البطالة بين السكان. فقد كان معدل البطالة قبل الانتخابات التشريعية التي فازت فيها "حماس" 19% في الضفة الغربية مقابل 35% في غزة. وهو ما يشير إلى أنه إذا كان الضلع الأول في المثلث هو إنجاب مرتفع، والضلع الثاني هو بطالة مرتفعة، فإن الضلع الثالث الذي يُكمل المثلث هو حالة اليأس التي لا تلبث أن تتحول إلى طاقة تدميرية، وخاصة إذا ما تحولت غزة بفعل الحصار إلى ما يشبه سجناً مغلقاً.
ومن هنا يجب دراسة هذه السلبيات والرجوع عن هذا التوجيه العقائدي المتمثل في "المقاومة بالإنجاب"؛ إذ إنه لم يثبت نجاحه وفاعليته.
رابعاً: رد إسرائيل إذا ما استمر إطلاق صواريخ جديدة حتى تثبت حركة "حماس" فشل إسرائيل في تحقيق هدفها من الحرب على غزة، والتي انتهت "مؤقتاً" في 17 يناير 2009، وهو استعادة مصداقية الردع؛ ومما يؤكد أن الحرب لم تنتهِ نهائياً، عاودت "حماس" والجهاد إطلاق الصواريخ على جنوبي إسرائيل. وهو ما دفع إسرائيل إلى الرد بعنف عقب كلّ عملية إطلاق صواريخ، وذلك بشن غارات جوية ضد مواقع عسكرية داخل القطاع، مثل ورش تصنيع وتجميع الصواريخ، ومقار أجهزة الأمن، والأنفاق التي أُعيد بناؤها؛ إضافته إلى نشطاء "حماس" في أماكن وجودهم وأثناء تجوالهم.
فقد هددت "ليفني" وزيرة الخارجية السابقة قائلة: "سيُطلق الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية أخرى في قطاع غزة، إذا لم تدرك "حماس" حقيقة عدم موافقة إسرائيل على عمليات تهريب السلاح إلى القطاع، وعلى استمرار عمليات إطلاق القذائف الصاروخية على أراضيها".
أمّا وزير الدفاع "باراك"، فقد هدد "بشن هجوم أعنف على قطاع غزة، إذا ما استمر إطلاق الصواريخ". أمّا رئيس الحكومة الجديدة "نتنياهو" فقد عبر عن المفهوم عينه زاعماً أن عملية "الرصاص المصبوب" لم تحقق أهدافها كاملة، وأن "حماس" تُعيد تسليح نفسها وتختبر الموقف الإسرائيلي. ورأى أن حكومته لا تملك إلا استكمال ما استهدفته العملية السابقة، واجتثاث ما أسماه: "قاعدة الإرهاب الإيرانية في قطاع غزة".
أمّا الوزير "إلي بشاي"، فقد طالب الجيش الإسرائيلي بتدمير 100 منزل فلسطيني في قطاع غزة، مقابل كلّ صاروخ تطلقه "حماس" تجاه إسرائيل.
كما دعا نائب وزير الدفاع "متان فلنافي" إلى إعادة احتلال مناطق إطلاق الصواريخ بعمق 5 – 6 كم داخل قطاع غزة. كما لم يستبعد قائد الجبهة الداخلية في الجيش الجنرال "يائير جولان" القيام بحملة عسكرية واسعة النطاق في قطاع غزة، وخاصة بعد أن وصل مدى الصواريخ التي لدى "حماس" إلى 45 كم؛ ما يجعلها قادرة على الوصول إلى بئر السبع وأشدود.
وفي الإطار نفسه، لم تكتف إسرائيل بالهجمات الجوية، بل شنت عملية برية بقوات خاصة في شرق خان يونس، يوم 22 مارس 2009. بينما قصفت الزوارق الحربية منطقة "المواصي" الساحلية غرب غزة. وقد استمرت عمليات القصف الصاروخي من قطاع غزة (اُنظر صورة نتائج قصف صاروخ القسام)، والرد الإسرائيلي بعمليات قصف جوي عنيف ضد أهداف منتقاة في قطاع غزة حتى نهاية مايو 2009. وبعد ساعات من سقوط صاروخ على مستوطنة سديروت ، صرح "يوفال ديسيكين" رئيس جهاز الشاباك الإسرائيلي، أنه لا مفر من إسقاط حكم "حماس" قائلاً: "في نهاية المطاف، لدينا طريق واحد فقط. ويجب أن نقرر متى نفعل هذا. أنا أدعي أنه لا حاجة إلى احتلال كلّ القطاع لإسقاط حكم "حماس"". واستدرك ديسيكين قائلاً: "يمكن إسقاط حكمها، ولكن لا يمكن اقتلاع "حماس" من قلوب الناس". وأكد أنه لا أمل في إجراء مفاوضات ما بقيت "حماس" تسيطر على القطاع.
وقد دفعت الهجمات الجوية الإسرائيلية العنيفة التي شنتها إسرائيل رداً على استئناف إطلاق الصواريخ من قطاع غزة، دفعت "حماس" إلى توقفها عن إطلاق الصواريخ، حرصاً على شعب غزة.
وكانت مصر قد نقلت إلى "حماس"، في أبريل 2009، رسالة إسرائيلية مفادها أن الحكومة الإسرائيلية سترد بقوة في حال استمرار إطلاق الصواريخ.
وقد نقلت "حماس" هذه الرسالة إلى أربع فصائل فلسطينية ("حماس" والجهاد الإسلامي والجبهتَين: الشعبية والديموقراطية) عن ضرورة ضبط عملية إطلاق الصواريخ التي تهدد مصالح الشعب الفلسطيني والاستقرار في القطاع.
ولهذا الغرض تم تشكيل غرفة عمليات عسكرية مشتركة للتنسيق بين الفصائل الأربع، على أن تتولى وزارة الداخلية معالجة الخروق الفردية خارج إطار الفصائل الأربع.
وبالفعل قامت وزارة الداخلية في حكومة "حماس" خلال الأسبوع الأول من مارس 2009، باعتقال 10 من ناشطي مجموعات "حزب الله الفلسطيني" وذلك على خلفية استمرار الحزب في إطلاق الصواريخ من قطاع غزة من دون التوافق مع الفصائل الفلسطينية الأخرى؛ فهم استطراداً، "خارجون عن الإجماع الفلسطيني".
تضم مجموعات حزب الله الفلسطيني منشقين عن سرايا القدس ـ الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي ـ ومنشقين عن ألوية الناصر صلاح الدين، ويُعرفون أنفسهم بأنهم متشددون ويتبعون خط أبو مصعب الزرقاوي الذي اغتالته القوات الأمريكية في العراق.
وقد ردت سرايا القدس على ذلك بأن قصفت بلدات في جنوبي إسرائيل رداً على قيام إسرائيل باغتيال "خالد شعلان" أبرز قادتها وثلاثة آخرين من ناشطيها.
وفي الأسبوع الأول من مارس 2009، اتهمت سرايا القدس حركة "حماس" "بأنها تسير على طريق السلطة الفلسطينية في رام الله باعتقالها المقاومين في غزة مثلما تعتقلهم السلطة هناك". وتشوب العلاقة بين "حماس" والجهاد توترات من حين إلى آخر وتتهم الجهاد الحركة بمحاولة السيطرة على المقاومة في القطاع لمنعها من إطلاق الصواريخ.
كانت خلافات سابقة قد تفجرت بين الحركتَين بسبب اتهام الجهاد "لحماس" بمحاولة الاستئثار بالدعمَين: الشيعي والسُّني ومحاولة الاستيلاء على مساجد معروف أنها تتبع الجهاد الإسلامي. ومن المعروف أن الجهاد رفضت غير مرة قبول التهدئة مع إسرائيل وصممت على استمرار إطلاق الصواريخ في اتجاه المدن والبلدات الإسرائيلية.
خامساً: تداعيات مكافحة تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة أعلن الجيش الإسرائيلي أنه دمر نصف الأنفاق التي حفرها الفلسطينيون بين مصر وقطاع غزة، بهدف تهريب الأسلحة والصواريخ، والمُقدر عددها بنحو 300 – 500 نفق.
وفي الاجتماع الأسبوعي للحكومة الإسرائيلية، في 18 يناير 2009، صرح "يوفال ديسيكين" رئيس الشاباك، أن حركة "حماس" ستتمكن في غضون بضعة أسابيع من إعادة حفر أنفاق التهريب هذه التي دمرها الجيش الإسرائيلي في هجومه على قطاع غزة. ورأى أن "حماس" عانت مما سماه: "صدمة إستراتيجية"، ولم تتوقع أن تطلق إسرائيل عملية بهذا الحجم الكبير، وأن ترسل قواتها إلى داخل قطاع غزة في حرب برية شرسة. إلا أن "العملية لم تسدد ضربة قاضية للأنفاق؛ على الرغم من الضربات القاسية التي تلقتها البنية التحتية".
والهجمات الجوية التي شنتها إسرائيل خلال الأشهر التي أعقبت وقف إطلاق النار، وحتى مايو 2009، رداً على قصف مستوطنات جنوبي إسرائيل بالصواريخ من قطاع غزة ـ استهدفت تدمير كلّ ما كان يتم اكتشافه من أنفاق في منطقة الحدود برفح.
وقد استعانت إسرائيل بقصاصي الأثر البدو، إلا أنها وجدت أنهم يتعاونون مع المهربين؛ ما دفعها إلى إصدار تعليمات مشددة بعدم إطلاع قصاصي الأثر البدو العاملين مع الجيش على مخططاته المتعلقة بنصب مكامن، حتى لا يتم إبلاغ المهربين بها.
نقلت جريدة "جيروزاليم بوست" في عددها بتاريخ 7 أبريل 2009، أن مسؤولين عسكريين إسرائيليين يخشون من توجه "حماس" نحو حفر أنفاق كبيرة وواسعة وأكثر عمقاً، على امتداد الخط الحدودي مع مصر وقطاع غزة، واستخدام هذه الأنفاق في تهريب أسلحة وصواريخ بعيدة المدى بعد تفكيكها؛ وتكون قادرة على تهديد العمق الإسرائيلي.
ومن المعلوم أن الطائرات الإسرائيلية من دون طيار كانت قد شنت، في فبراير 2009، غارتَين جويتَين ضد قوافل تحمل أسلحة متجهة إلى حركة "حماس" في غزة، آتية من السودان، وقبل أن تدخل مصر.
إضافة إلى غارة بحرية ثالثة ضد سفينة كانت تحمل كذلك أسلحة في البحر الأحمر متجهة إلى سواحل السودان لتفريغ حمولتها لنقلها براً، بالطريقة نفسها إلى قطاع غزة عبر سيناء.
وفي السياق عينه كانت السلطات القبرصية قد احتجزت، في 29 يناير 2009، سفينة إيرانية محملة بالأسلحة في البحر الأبيض المتوسط متجهة إلى سواحل سورية؛ استجابة لطلب إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية.
وكانت إسرائيل قد طلبت من الأمم المتحدة أن تسمح لها بتفتيش سفن يُشتبه بأنها تحمل سلاحاً لحركة "حماس" أو حزب الله اللبناني، كما توجهت إسرائيل بطلب مشابه إلى دول الاتحاد الأوروبي ودول حلف شمال الأطلسي. وقد حضر مسؤول أمني إسرائيلي جلسات لقاء كوبنهاجن، في 4 فبراير 2009، الذي تم خلاله بحث سُبل مكافحة تهريب الأسلحة إلى "حماس"، وحضره خبراء أمريكيون وأوروبيون.
وكانت جريدة "معاريف" الإسرائيلية قد ذكرت أن السفن الإيرانية تحمل الأسلحة لحركة "حماس" في قطاع غزة، حيث يقوم غواصون إيرانيون بنقلها تحت البحر، ثم ربطها في سفن وقوارب صيد فلسطينية لتعود بها إلى شواطئ القطاع.
وتُعد الحدود بين مصر ورفح هي أكثر المناطق مناسبة لتهريب الأسلحة عبر الأنفاق؛ ما دفع السلطات المصرية إلى رفع سواتر ترابية وحواجز داخل مدينة رفح المصرية الملاصقة لرفح الفلسطينية جنوب قطاع غزة، في محاولة للسيطرة على تجارة الأنفاق. كما عززت أجهزة الأمن المصرية من وجودها داخل مدينة رفح. وتتولى قوات حرس الحدود مهمة ضبط ومراقبة الأنفاق، باستخدام أجهزة المراقبة الحديثة التي حصلت عليها مصر من الولايات المتحدة الأمريكية.
سادساً: استعدادات إسرائيل لمواجهة حرب صاروخية بالستية جديدة في إطار استعدادات إسرائيل لحرب مقبلة واختبار مدى قدرتها على مواجهة هجمات صاروخية مكثفة من عدة اتجاهات عدائية، أجرت إسرائيل، من 31 مايو إلى 4 يونيه 2009، مناورة ضخمة أطلقت عليها: "نقطة تحول ـ 3"، والتي تلت مناورة أخرى أُطلق عليها: "نقطة تحول ـ 2"، نُفذت في أبريل 2009، واستُخدم فيها المقلدات استعداداً للمناورة.
خلال هذه المناورة نفذت تدريبات مكثفة شملت القيادات: السياسية والعسكرية، والسلطات المحلية ووحدات عسكرية والشرطة والدفاع المدني، إلى جانب جميع السكان وطلبة المدارس في إسرائيل.
تولى إدارة المناورة نائب وزير الدفاع الجنرال "أتان فلنائي"، وقد سبق إجراءها مناورة أخرى جوية استمرت ثلاثة أيام، شملت موضوعات تتعلق بقدرة القوات الجوية الإسرائيلية على شن ضربات جوية على مسافات بعيدة تصل إلى 2000 كم (تمثل إيران). جرى خلالها عمليات إمداد بالوقود في الجو، وإعادة تمركز في مطارات دول أخرى، وشن هجمات جوية بواسطة ذخائر خاصة موجهة ذاتياً ضد منشآت نووية تحت الأرض، وإجراء عمليات إبرار جوي لقوات خاصة في عمق العدو، والتقاط طيارين سقطوا أثناء المعارك بعد تدمير أو إصابة طائراتهم.
تُشير توقعات أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية إلى أن إيران ستتمكن خلال النصف الأول من عام 2010 من أن تحصل على كمية من اليورانيوم المخصب 235 بنسبة 90%، تُقدر بـ25 كجم، قادرة على بناء قنبلة نووية أو رأس نووي للصاروخ البالستي "شهاب" أو الصاروخ "سيجل"، والذي يصل مداه إلى 3000 كم. كما تقدر هذه الأجهزة الاستخبارية أن الجهود الأمريكية لإجراء مفاوضات مع إيران أو فرض عقوبات دولية عليها بهدف منعها من استكمال برنامجها النووي ـ ستبوء بالفشل.
وبالتالي لزاماً على إسرائيل أن تشن ضربة جوية وصاروخية وقائية ضد المنشآت النووية الإيرانية لتدمير أو تعطيل البرنامج النووي الإيراني، على الأقل لعدة سنوات.
ومن المنتظر أن ترد إيران بقصف إسرائيل بصواريخ شهاب برؤوس تقليدية: وفوق تقليدية كيماوية وبيولوجية. وستساندها في ذلك كلّ من سورية بشن هجمات بصواريخ سكود، وحزب الله من لبنان، و"حماس" من غزة، بقصف صواريخ قصيرة المدى (كاتيوشا، وقسام، وفجر، وقادر، وزلزال، وجراد.. وغيرها). ومن ثم فإن إسرائيل يجب أن تستعد لصد هذه الهجمات الصاروخية المتزامنة باعتراضها وتدميرها خارج أراضيها باستخدام المنظومات المضادة وبالوسائل القتالية المختلفة التي تبدأ بالإنذار المبكر منها بواسطة الأقمار الصناعية. يلي ذلك قصف مواقع إطلاقها بالمقاتلات واعتراضها في الجو بالصواريخ المضادة، مثل (حيتس، وباتريوت، والقبة الحديدية، وسكاي جارد، وثاد، وفلانكس...). وفي حالة سقوطها داخل إسرائيل يتعين على أجهزة الدفاع المدني أن تقوم بدورها. هذا إلى جانب التدريب على شن ضربة جوية وصاروخية انتقامية ضد مصادر التهديد في جميع الدول التي ستشارك في قصف إسرائيل. وهذا ما تم التدريب عليه خلال المناورة "نقطة تحول ـ 3"، والتي بدأت في يومها الأول بإطلاق صفارات الإنذار من 2700 جهاز في جميع المدن والبلدات والمستعمرات الإسرائيلية. وتمثلت الهجمات المعادية لإسرائيل في قصف عشرات الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى استهدفت المناطق السكنية والأهداف الإستراتيجية في المناطق الساحلية والوسطى والجنوبية؛ إلى جانب هجمات معادية بعضها انتحاري من جانب إيران وسورية. وأمكن اعتراض بعض الصواريخ، والبعض الآخر نجح في الوصول إلى أهدافه وأحدث تدميراً وتلوثاً وخسائر بشرية ومادية متنوعة.
وقد تم اختبار أجهزة الدفاع المدني، وكفاءة أطقم جهاز الحرب الكيماوية في إزالة آثار التلوث. كما شمل التدريب شن عمليات انتحارية في حافلات وغيرها، واحتجاز رهائن وقصف معسكرات.
كما شملت المناورات كذلك اختبار حكومة "نتنياهو" في إدارة الأزمة وعقد اجتماع طارئ برئاسة رئيس الوزراء، واتخاذ القرارات بوصفها حرب شاملة على إسرائيل، وانتقال الحكومة المصغرة إلى مركز القيادة والسيطرة الإستراتيجي الرئيسي.
إضافة إلى اختبار نظام الاتصالات، وكيفية التعامل مع حجم ضخم من الخسائر: البشرية والمادية، وإزالة الآثار السلبية الناتجة، إلى جانب الاستفادة من الحلفاء في طلب دعم خارجي ومادي، عسكري وسياسي.
وتم تصوير طائرات من دون طيار كنموذج لطائرة سورية أو إيرانية، في إطار المناورات الجوية التي أُجريت يوم 23 يونيه 2009، قرب الحدود مع سورية، وإسقاط الطائرة النموذج التي تمثل هجمات جوية سورية، وكأنها اخترقت الحدود الإسرائيلية، فانطلقت نحوها عدة طائرات F-16 من قاعدة حتسور الجوية، وأمكن اعتراضها وإسقاطها.
وتعقيباً على هذه المناورات، تم تدريب السلاح الجوي الإسرائيلي على اعتراض المقاتلات: السورية والإيرانية MiG-29 ، التي حصلت عليها الدولتان من روسيا في السنوات الأخيرة.
وقد كشفت مناورات "نقطة تحول ـ 3" عن بعض المثالب في الدفاع عن الجبهة الداخلية، وأن بعض الأحياء خالية من الملاجئ، وجهل بعض المواطنين وعدم معرفتهم بما يجب أن يفعلوه، وأن عدد من الملاجئ غير مجهز بوسائل الحماية.
وقد وجهت هذه المناورات عدة رسائل، أولها إلى شعب إسرائيل لطمأنته إلى استعداد الدولة للتعامل مع أشد التهديدات، بما يقلص خسائره إلى أدنى حدّ؛ إضافة إلى رسالة ثانية إلى الولايات المتحدة الأمريكية بأن إسرائيل لن تقبل تحت أيّ ظرف أن يتعرض كيانها لتهديدات من جانب أعدائها.
والرسالة الثالثة والأهم موجهة إلى أعداء إسرائيل، فحوى الرسالة أن إسرائيل مستعدة لمواجهة أسوأ الاحتمالات وهو شن هجمات جوية وصاروخية كثيفة ومتنوعة من أربعة اتجاهات في وقت واحد. وأن إسرائيل مستعدة لتقبل الخسائر: البشرية والمادية. وأنها في الوقت عينه، وهو الأهم، قادرة على توجيه ضربات انتقامية ضد من سيطلقون عليها الصواريخ تكلفهم أضعاف ما ستتعرض له إسرائيل من خسائر، مع عدم استبعاد لجوئها إلى استخدام سلاحها النووي إذا ما تطلب الموقف ذلك، وتقصد إذا ما تعرضت لصواريخ مزودة برؤوس: كيماوية وبيولوجية.
سابعاً: الا
ابطال الحرمين
لـــواء
الـبلد : العمر : 38المهنة : باحث في العلوم الاستراتيجية والعسكرية التسجيل : 24/07/2011عدد المساهمات : 3185معدل النشاط : 4639التقييم : 867الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
موضوع: رد: الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة (27 ديسمبر 2008 ـ 17 يناير 2009) الأحد 18 مارس 2012 - 16:08
وأضافت الجريدة أن العمل توقف يوم 21 ديسمبر 2009 في بناء السور الفولاذي الذي يقام على الحدود مع قطاع
غزة، بعد اعتداء عناصر من حركة "حماس" على معدات بناء السور، حيث فتحت عناصر "حماس" نيران أسلحتها الرشاشة، على ثلاثة أوناش ضخمة وجهاز دقاق يستخدم في بناء السور الجديد؛ ما أدى إلى تعطل العمل. فأسرعت عناصر من القناصة المصرية إلى اعتلاء أسطح المنازل القريبة من منطقة بناء السور في رفح المصرية، حيث تمكنت عناصر "حماس" من الهروب.
قال وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط، أثناء مرافقته الرئيس مبارك في زيارته إلى الإمارات العربية المتحدة، رداً على سؤال لقناة "العربية" حول ما يثار عن إنشاء جدار على حدود مصر مع قطاع غزة، قال إن أيّ إجراءات لصيانة الأمن القومي المصري، وتأمين الحدود، مهما كان شكل هذه الإجراءات سواء أعمال إنشائية أو هندسية، أو معدات جس أو معدات للاستماع (تنصت) فوق الأرض أو تحتها، هي شأن مصري يتعلق بالأمن القومي المصري؛ مشدداً على أنه يدخل في مسؤوليات الدولة وأسرارها.
وأضاف أبو الغيط "أن هناك سوراً أقامته مصر منذ سنوات، وأيضاً بقايا سور أقامته إسرائيل"؛ موضحاً أن الأول تم تحطيمه عندما تحركت جموع الشعب الفلسطيني في غزة نحو مصر عام 2008. وتمت إعادة بنائه مرة أخرى؛ لأن هناك خطاً للحدود يجب أن يحترم؛ ومن لا يحترمه يصبح معتدياً على السيادة المصرية.
وتابع وزير الخارجية المصري أن هناك تهديدات تسعى على إحداث فروقات من خارج سيناء إلى داخلها، وإلى داخل الأراضي الفلسطينية. كما أن هناك من يسعى إلى إحداث خروقات من قطاع غزة إلى سيناء ومنها إلى الأراضي المصرية؛ ومن يترك أمور الأمن القومي نهباً لهذه المحاولة أو تلك، يكن قد تهاون في أمن الوطن؛ وهو شيء مقدس.
وفي ذات الشأن قال المتحدث باسم وزارة الخارجية السفير "حسام زكي"، أن الحديث عن بناء الجدار مصدره الأساسي جريدة إسرائيلية ثم تناقلت الخبر عنها بعض وسائل الإعلام دون أن يكون لدى هؤلاء معلومات واضحة حول الإجراءات التي تقوم بها مصر؛ مشدداً على أن الخوض في هذه الأمور هو مساس بالأمن القومي المصري؛ مؤكداً أن مصر تختار من الإجراءات ما يحمي أمنها نافياً أن تكون هذه الإجراءات بهدف معاقبة "حماس" والضغط عليها.
وفي فلسطين دعا النائب الأول لرئيس المجلس التشريعي "أحمد بحر" الكتل البرلمانية والمستقلين والقوائم إلى جلسة طارئة يوم 23 ديسمبر 2009 لمناقشة آثار بناء الجدار الذي حذر من "مخاطر كارثية" في حال إكماله.
وقال مصدر في كتلة "حماس"، إنها تعُد ورقة عمل قانونية لإعلانها حول بناء الجدار بصفته "جريمة حرب". ويسهم في تشديد حصار مليون ونصف المليون فلسطيني داخل قطاع غزة. وكان العشرات من أتباع حركة "حماس" قد تجمعوا رافعين الأعلام الخضراء أمام السور الفولاذي بمنطقة صلاح الدين الحدودية، والذي اكتملت أعمال بنائه بطول نحو كيلومترَين في المنطقة الممتدة من معبر رفح حتى بوابة صلاح الدين.
أدى بناء السور الجديد إلى إزالة أعداد كبيرة من أشجار الموالح والزيتون في المنطقة. وقررت محافظة شمال سيناء تعويض المتضررين من إزالة الأشجار بنحو 250 جنيهاً لكلّ شجرة.
وقال عدد من أصحاب الأنفاق إن المصريين في رفح لا يقبلون استمرار الحصار المفروض على أشقائهم في غزة ويرفضون أن يموتوا جوعاً لذلك يساعدونهم على التخلص من تبعات الحصار بتوصيل السلع إليهم عبر الأنفاق، مؤكدين أنها نحو 400 نفق. يتكلف إنشاء النفق الواحد زهاء 200 ألف دولار، وذلك نظراً إلى الطبيعة الجيولوجية لصحراء سيناء حيث يتميز سطح الأرض بتربة رملية على عمق مترَين ويلي ذلك تربة طينية بدرجات ليونة مختلفة؛ وقد يتخلل ذلك حجر رملي. أمّا عمق النفق، فيراوح بين 15 و35 م.
وقد أجمع كلّ التجار المتعاملين مع الأنفاق أن الأنفاق لعبت دوراً أساسيا أثناء حرب إسرائيل على غزة 2008 -2009، حيث عملت جميع الأنفاق بلا أيّ مقابل مادي في توصيل الأدوية وبعض الأطباء المتطوعين إلى القطاع. ونظراً إلى الزحام الشديد على معبر رفح كانت الأنفاق تعمل بجميع طاقتها ليلاً ونهاراً.
وفي سياق التعاون المشترك بين وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة "ليفني" ونظيرتها الأمريكية السابقة رايس، أبرم الاتفاق بينهما والذي وقعته الوزيرتان في يوم 16 يناير 2009، في أعقاب تباشير انتهاء الحرب على غزة. وتنص المادتان الأولى والثانية منه على الآتي (اُنظر ملحق نص اتفاق رايس ـ ليفني حول التهريب إلى غزة، 16 يناير 2009): 1. سيعمل الطرفان بتعاون مع دول الجوار، وبشكل مواز سيعملان مع الدول الأخرى في المجتمع الدولي، لمنع تهريب الأسلحة والمواد ذات العلاقة للمنظمات الإرهابية التي تهدد أيّاً من الطرفَين، وبشكل خاص التركيز في تزويد الأسلحة والمواد ذات العلاقة والمتفجرات ومنعها من الوصول إلى غزة إلى منظمة "حماس" والمنظمات الإرهابية الأخرى. 2. ستعمل الولايات المتحدة الأمريكية مع الشركاء في المنطقة وفي حلف شمال الأطلسي لمعالجة مشكلة تزويد الأسلحة والمواد ذات العلاقة وتنقلات الأسلحة والشحنات البحرية إلى "حماس" وإلى المنظمات الإرهابية الأخرى في غزة. ويشمل ذلك النقل في البحر الأبيض المتوسط، وفي خليج عدن، والبحر الأحمر وفي شرقي أفريقيا، من خلال تحسينات على الترتيبات الحالية أو من خلال إطلاق مبادرات جديدة لزيادة فاعليات هذه الترتيبات في ما يتعلق بمنع تهريب الأسلحة إلى غزة. وأضافت الاتفاقية العلم بالجهود التي يقوم بها الرئيس المصري مبارك وبشكل خاص الاعتراف بأن ضمان حدود غزة أمر لا غنى عنه، وإدراك أن ذلك يضمن إنهاء القتال في غزة بشكل قوي ودائم. وفي مقال تحت عنوان: "جدار مصر الفولاذي في نظر القانون الدولي"، للدكتور عبدالله الأشعل، ذكر الرأي القانوني محللاً إياه كالتالي: من حق أي دولة أن تفعل ما تشاء داخل حدودها لتأمين نفسها من جيرانها. ولكن القاعدة المستقرة في القانون الدولي هي أن حق هذه الدولة مقيد بالتزام عدم الإضرار بشكل غير مشروع بالدولة المجاورة أو الإقليم المجاور. لكن لما كان القانون الدولي يَعُد غزة أرضاً محتلة وأن حصارها من الجرائم ضد الإنسانية، وإبادة جماعية لسكانها، فضلاً عن كونه جرائم حرب بموجب اتفاقية جنيف الرابعة، فقد أوجب القانون الدولي على الدول أطراف المعاهدات التي تجرم هذا العمل أن تسعى إلى فك هذا الحصار وإنقاذ السكان وكفالة الحدّ الأدنى من الظروف الإنسانية لبقائهم. أمّا بالنسبة إلى مصر، وبسبب وضعها كمنفذ وحيد على الجانب الآخر لغزة فقد رتب القانون الدولي عليها التزامات أقصى، وهي ضرورة فتح معبر رفح وكلّ منافذ الحدود الأخرى؛ لإنقاذ غزة من مخطط الإبادة الإسرائيلي.
الصور
ابطال الحرمين
لـــواء
الـبلد : العمر : 38المهنة : باحث في العلوم الاستراتيجية والعسكرية التسجيل : 24/07/2011عدد المساهمات : 3185معدل النشاط : 4639التقييم : 867الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
موضوع: رد: الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة (27 ديسمبر 2008 ـ 17 يناير 2009) الأحد 18 مارس 2012 - 16:13
ابطال الحرمين
لـــواء
الـبلد : العمر : 38المهنة : باحث في العلوم الاستراتيجية والعسكرية التسجيل : 24/07/2011عدد المساهمات : 3185معدل النشاط : 4639التقييم : 867الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
موضوع: رد: الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة (27 ديسمبر 2008 ـ 17 يناير 2009) الأحد 18 مارس 2012 - 16:18
المصادر والمراجع أولاً: الكتب 1. أبو بِكر الدسوقي، "حماس والحصار الدولي بين التراجع والصمود"، السياسة الدولية، العدد 165، يوليه 2006، مركز الأهرام للنشر والتوزيع، 2006. 2. أحمد السمان، "إسرائيل وإدارة إعلام الحرب على غزة"، السياسة الدولية، العدد 176، أبريل 2009، مركز الأهرام للنشر والتوزيع، القاهرة، 2006. 3. إلياس حنا، "المنطقة في مرحلة ما بعد الحرب على غزة"، شؤون عربية، العدد 137، ربيع 2009، جامعة الدول العربية، 2009. 4. جورج جقمان، "الفلسطينيون والمعضلات الثلاث"، دراسات فلسطينية، العدد 76، خريف 2008، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 2008. 5. حسام سويلم، "إسرائيل تستكمل استعداداتها لحرب الخريف"، مختارات إسرائيلية، العدد 156، ديسمبر 2007، مركز الأهرام للنشر والتوزيع، القاهرة، 2007. 6. حسام سويلم، "الدور والمصلحة الإيرانية في الحرب الإسرائيلية على غزة"، مختارات إيرانية، العدد 103، فبراير 2009، مركز الأهرام للنشر والتوزيع، القاهرة، 2009. 7. حسام سويلم، "خطة خمسية لتطوير القوات المسلحة الإسرائيلية"، مختارات إسرائيلية، العدد 154، أكتوبر 2007، مركز الأهرام للنشر والتوزيع، القاهرة، 2007. 8. حسام سويلم، "قراءة إستراتيجية في الموقف الإسرائيلي"، مختارات إسرائيلية، العدد 171، مارس 2009، مركز الأهرام للنشر والتوزيع، القاهرة، 2009. 9. حسام سويلم، "قصة الحرب على غزة من 27 ديسمبر ـ 17 يناير 2009"، الجزء الأول، ط 2009. 10. حسن أبو طالب، "مصر وأزمة العدوان الإسرائيلي على غزة"، كراسات إستراتيجية، العدد 196، فبراير 2009، مركز الأهرام للنشر والتوزيع، القاهرة، 2009. 11. حسن توفيق إبراهيم، "العدوان الإسرائيلي على غزة"، كراسات إستراتيجية، العدد 197، مارس 2009، مركز الأهرام للنشر والتوزيع، القاهرة، 2009. 12. سامح راشد، "العدوان على غزة، أبعاد التحرك المصري"، السياسة الدولية، العدد 176، أبريل 2009، مركز الأهرام للنشر والتوزيع، القاهرة، 2009. 13. صبحي عسيلة وآخرون، "الفصائل الفلسطينية من النشأة إلى حوار الهدنة"، مؤسسة الأهرام للنشر والتوزيع، القاهرة، 2005. 14. عبدالخالق فاروق، "الحرب على غزة، مفاهيم الربح والخسارة"، السياسة الدولية، العدد 176، أبريل 2009، مركز الأهرام للنشر والتوزيع، القاهرة، 2009. 15. عدنان أبو عامر، "ماذا تبقى من قدرات حماس العسكرية"، السياسة الدولية، العدد 176، أبريل 2009، مركز الأهرام للنشر والتوزيع، القاهرة، 2009. 16. عماد جاد، "إسرائيل ولقاء أنابولس، العودة إلى خريطة الطريق"، السياسة الدولية، العدد 171، يناير 2008، مركز الأهرام للنشر والتوزيع، القاهرة، 2008. 17. مجلة الدفاع المصرية، العدد 271، فبراير 2009، مركز الأهرام للنشر والتوزيع، القاهرة، 2009. 18. محمد جمعة، "اتفاق مكة، قراءة في التداعيات السياسية وحدود الشراكة"، السياسة الدولية، العدد 168، أبريل 2007، مركز الأهرام للنشر والتوزيع، 2007. 19. محمد عبدالقادر، "الدور الإقليمي لتركيا وإيران من حصاد غزة"، مختارات إيرانية، العدد 103، فبراير 2009، مركز الدراسات للنشر والتوزيع، القاهرة، 2009. 20. مركز معلومات الاستخبارات والإرهاب التابع لجهاز الأمن الإسرائيلي (الشاباك)، " حماس تضم 20 ألف مسلح"، مختارات إسرائيلية، العدد 161، مايو 2008، مؤسسة الأهرام للنشر والتوزيع، القاهرة، 2008. 21. الموجز السياسي حول الشرق الأوسط رقم 26، مجموعة الأزمات الدولية، 5 يناير 2009. 22. ميناء علي إسلام، صحيفة الدبلوماسية الإيرانية يوم 18 فبراير 2009؛ ومختارات إيرانية، العدد 104، مارس 2009، مركز الدراسات للنشر والتوزيع، القاهرة، 2009. 23. وحيد عبدالمجيد، "التفاعلات العربية الإقليمية تجاه الحرب على غزة"، السياسة الدولية، العدد 176، أبريل 2009، مركز الأهرام للنشر والتوزيع، القاهرة، 2009.
ثانياً: الجرائد 1. أحمد موسى، جريدة الأهرام المصرية"، يومي 14 و27 يناير 2009. 2. فهمي هويدي، جريدة الأهرام المصرية، بتاريخ 11 يوليه 2006. 3. تحليل إخباري عن الحرب في غزة، جريدة الأهرام المصرية، أيام 7، 11، 25 يناير 2009. 4. جريدة الأهرام المصرية، أعداد 4 أغسطس 2008، 14 أكتوبر 2008، 3، 29، 30 يناير 2009، 12 فبراير 2009، 25 مارس 2009. 5. جريدة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية، يومي 25 يناير 2009، 22 فبراير 2009. 6. جريدة معاريف الإسرائيلية، يوم 30 ديسمبر 2007.
ثالثاً: مواقع الإنترنت 1. موقع قناة النيل للأخبار المصرية، في 1 يناير 2009. 2. موقع الجزيرة نت، في 23 يونيه 2007، 3 أغسطس 2008، 1 – 30 يناير 2009. 3. ويكيبيديا، الموسوعة الحرة، "الهجوم على قطاع غزة 2008/2009"، في 28 ديسمبر 2008 – 17 يناير 2009، والهجوم على غزة 2008، خرائط 23 يناير 2009. 4. موقع BBC العربية، 17 يناير 2009، نقلاً عن القناة العاشرة في التليفزيون الإسرائيلي. 5. موقع قناة الحرة نت، 17 يناير 2009. 6. موقع العربية نت، في 21 يناير 2009. 7. موقع قناة الأقصى، في 23 يناير 2009. 8. موقع حركة الجهاد الإسلامي نت، في 19 يناير 2009. 9. موقع المركز الفلسطيني للبحوث والدراسات المسحية، في 8 أبريل 2009. 10. موقع الجيش الإسرائيلي IDF، في 21 يناير 2009. 11. جريدة هاأرتس الإسرائيلية، في 31 ديسمبر 2008، 16 يناير 2009. 12. "أثر الصواريخ الفلسطينية على الصراع مع الاحتلال"، 9 أبريل 2008، Asharqalarabi.org.uk/markaze.D.S.doc. 13. موقع walla.co.il الإسرائيلي، في 22 ديسمبر 2008. 14. مركز الزيتونة للدارسات و الاستشارات، بيروت، دراسة في العدوان الإسرائيلي على غزة، 2009.
سكنان
لـــواء
الـبلد : المهنة : ايضاح الحقيقه فقط لاغيرالمزاج : رايق جدا جداالتسجيل : 13/06/2011عدد المساهمات : 4949معدل النشاط : 4803التقييم : 334الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
موضوع: رد: الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة (27 ديسمبر 2008 ـ 17 يناير 2009) الأحد 18 مارس 2012 - 18:05
الله يعطيك العافيه
تقبل مني احلى التقييمات +++++
لجهودك وتعبك في الموضوع
ابطال الحرمين
لـــواء
الـبلد : العمر : 38المهنة : باحث في العلوم الاستراتيجية والعسكرية التسجيل : 24/07/2011عدد المساهمات : 3185معدل النشاط : 4639التقييم : 867الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
موضوع: رد: الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة (27 ديسمبر 2008 ـ 17 يناير 2009) الأحد 18 مارس 2012 - 19:21
سكنان كتب:
الله يعطيك العافيه
تقبل مني احلى التقييمات +++++
لجهودك وتعبك في الموضوع
الله يعافيك اخوي سكنان مشاركتك بحد ذاتها تقييم
وضعنا هذا البحث الذي يتناول شامل القضية وشامل الاطراف المشاركة والافعال والاحداث التي شملت
في معالجتها والادوار الحقيقي لكل جهة حتى نحد من تهور المغامرات البطولية الزائفة
خير جنود الارض
عمـــيد
الـبلد : المزاج : واقعي جدا لا احب تصوير الامور باشكال وردالتسجيل : 17/02/2011عدد المساهمات : 1736معدل النشاط : 1861التقييم : 45الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
موضوع: رد: الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة (27 ديسمبر 2008 ـ 17 يناير 2009) الأحد 18 مارس 2012 - 19:56
شكرا موضوع جيد خاصة الخرائط انا اول مرة اراها تقييم
الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة (27 ديسمبر 2008 ـ 17 يناير 2009)