في عيون العرب من المحيط الي الخليج ، كانت حرب اكتوبر حدثا ، بل هي الحدث الابرز في تاريخ التضامن العربي الحديث ، الملك فيصل يقود معركة النفط من السعودية ، قوات الملك الحسن علي الجبهة ، طائرات بومدين تقصف الاسرائيليين ، سودانيون وكويتيون يقاتلون في الدفرسوار ، الشيخ زايد يقترض من بنوك لندن من اجل مصر ، السلطان قابوس يقدم دعما ماليا عاجلا ، اليمن فتحت موانيها للبحرية المصرية ، ومواقف اخري عديدة جسدت حقيقة التضامن العربي ، وهي الحقيقة التي رصدتها مجلة الاهرام العربي المصرية في عام 1998 واعرضها عليكم اليوم .
تم الحوار مع رؤساء ووزراء واستمعنا الي شهادات مسئولين شهدوا المعركة وكانوا جزءا فاعلا منها ، ومعهم ايضا نري الحلم والضمير العربي بعد عقود في محاولة لكتابة تاريخ عربي جديد بدأ في الثانية بعد ظهر السادس من اكتوبر .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــالسودان :الرئيس السوداني جعفر نميري يصف الاجواء التي عاشتها السودان قبل الحرب بأنها كانت اياما عصيبة ، فيقول (( كنا في حالة من اللاسلم واللاحرب ، التأهب والاستنزاف ونعلم ان الحرب قادمه لذلك أرسلنا قوات سودانية الي مصر قبل المعركة بزمن وجيز )) .
وحين قامت الحرب ، يقول نميري : كان علينا عبء كبير فالسودان عمق لمصر ، لذلك ترأست اجتماعا لمجلس الوزراء وقررنا وضع كل امكانتنا تحت تصرف مصر وهي تخوض حربها المجيدة بأسم العرب ، وكنا نحمي ظهر مصر ونتقاسم معها المؤن ، ووفرنا مياة الشرب للقوات التي تحارب جنوب القناة ، وكنا نرسلها ميناء بورسودان .
ويمضي النميري واصفا حالة الشارع السوداني فيقول : " التجاوب كان كبيرا حتي ان كل القوي العاملة السودانية ابرعت بجزء من مرتباتها الشهرية ، وجمع الشعب تبرعات مادية وعينية لدعم الاشقاء في الجبهة .
لواء النصر السوداني :لكن الوجود السوداني لم يقتصر علي الدعم الشعبي فلواء النصر السوداني بقيادة اللواء احمد ميرغني حمو شارك في المعركة وحاصر الاسرائيليين في الثغرة ، اللواء كمال علي صالح احد قادة هذا اللواء يقول : " ان تدريبات الجيش السوداني قبل اكتوبر بدأت تختلف وخاصة سلاح المهندسين ، وبدءت الزيارات التدريبية الي مصر تزيد من معدلاتها وهو ما اعطانا احساسا بأن شيئا قريبا سيحدث .
ويضيف اللواء كمال صالح : تحركنا الي القاهرة وبعد استكمال التدريبات العسكرية انتقلنا الي الجبهة ، ودخلنا القنطرة شرق بعد ان حررها اللواء فؤاد عزيز غالي ، وشارك المهندسون السودانيون في زرع الالغام وحصار الاسرائيليين في الثغرة ، وظللنا علي الجبهة لمدة عام كامل وفقدنا 15 ضابطا وبعض الجنود الذين لبوا نداء القيادة في منطقة الدفرسوار .
ويذكر اللواء صالح انه خلال فترة حصار العدو في الثغرة كانت هناك مشكلة كبيرة في التواصل بين القوتين السودانية والمغربية لاختلاف اللهجات المحلية ، فأتفقنا علي الحديث بالعربية الفصحي حتي يمكننا التفاهم والتنسيق .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاليمن :ومن السودان الي اليمن ، وشهادة اولي صاحبها الرئيس علي ناصر محمد رئيس اليمن الاسبق - وهو أحد الفاعلين في معركة النصر - حيث كان رئيسا لوزراء اليمن الجنوبي ووزيرا للدفاع وهو صاحب قرار منع مرور السفن الاسرائيلية عبر مضيق باب المندب ومن هنا تبدأ شهادته :
بحكم موقعي شاهدت وسمعت عن استعداد لخوض المعركة التي لم ينحدد موعدها ، حتي كانت المعركة واقتحام خط بارليف ، فأعلنا حالة الاستعداد العسكري في كل افرع القوات المسلحة وأبلغنا القيادتين المصرية والسورية بأن قواتنا تقف الي جانبهما في معركة الشرف والتحرير والدفاع عن الامة العربية ، وأبلغنا قادة القوات البحرية بتقديم كل التسهيلات للبحرية المصرية التي انتقلت بعض سفنها الي موانينا ومياهنا الاقليمية وتولت مصلحة ميناء عدن نقل المواد الغذائية وغيرها الي القوات المتمركزة في الغردقة وساحل البحر الاحمر .
وينتقل الرئيس علي صالح محمد الي موضوع اغلاق باب المندب ويقول : " طلبت من قواتنا البحرية في باب المندب منع مرور السفن الاسرائيلية في البحر الاحمر وخليج عدن مساهمة منا في المعركة ، وقد أدي هذا الموقف الي توتر في البحر الاحمر وانزعاج اسرائيل خاصة أننا سمحنا لبعض القوات البحرية المصرية بالوجود في جزيرة بريم اليمنية".
اما رئيس وزراء اليمن الاسبق " محسن العيني " ، نائب رئيس المجلس الاستشاري حاليا فقد كان سفيرا لبلاده في لندن وعلي مقربة من السفارة المصرية وهو ينقل احاسيسه واحاسيس الجالية اليمنية في لندن في تلك اللحظات ، يقول العيني : " في الساعات الاولي كنا خائفين ولانصدق مانسمع ، اسرعت الي السفارة المصرية وقابلت السفير المصري ( كمال رفعت ) الذي كان مرجعنا في معرفة الاخبار ويتذكر العيني ان بعض اليمنيين اسرعوا الي سفارتهم في لندن لتقديم التبرعات للمجهود الحربي واخرجوا شيكات ووقعوها ، وبعد ذلك احتجزت سفينة احدهم في البحر الاحمر بسبب الحرب ، فضحك وقال : ربما عرفت اسرائيل انني تبرعت للمجهود الحربي - لكنه كان سعيدا رغم ان تجارته قد توقفت .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــالامارات :احد مستشاري الشيخ زايد بن سلطان رئيس دولة الامارات فيضيف تفاصيل اكثر اثارة حول موقف الامارات وذلك في حديث لم ينشر من قبل ، حيث اتصل وزير البترول الاماراتي وقتها مانع سعيد العتيبة من الكويت في اثناء الاجتماعات، وأبلغني بأن الوزراء وافقوا علي قطع نسبة 5% من الانتاج عن جميع دول اوروبا .
وهنا يظهر المعدن العربي الاصيل للشيخ زايد وايمانه الذي لم يتزحزح يوما بقضايا الامة العربية ، فسأل وزير بتروله " وهل وافقت علي نسبة 5% ؟ " فأجاب الوزير نعم ، فرد عليه الشيخ زايد نحن لانوافق التقي بالصحفيين واعلن امامهم ان الامارات قررت قطع كل بترولها عن أية دولة تقدم دعما الي اسرائيل في حربها ضد العرب ، ونفذ الوزير وفؤجي العالم .
وكان الشيخ زايد وقت الحرب في زيارة الي لندن فأمر بتحويل اذاعة ابوظبي وكل اجهزة الاعلام الاماراتية الي اعلام عسكري .
وكانت الامارات في ذلك الوقت لاتتمتع بسيولة مالية علي الاطلاق ، فكل الدخل مستثمر في مشاريع التنمية في الدولة وايمانا منه بضرورة مساعدة مصر وسوريا فقد اقترض الشيخ زايد من البنوك البريطانية مئة مليون دولار ووضعها في حساب مصر ، رغم ان مصر لم تكن قد طلبت المساعدة ، ولكنها شهامة القائد العربي ، بل انه ارسل بعثة اعلامية بريطانية علي حسابه الخاص الي جبهة القتال بعد ان لاحظ سيطرة الاسرائيليين علي الاعلام البريطاني واستخدامه في بث برامج وبيانات ومعلومات مشوهة عن صورة القتال .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجزائر :
اما الجزائر التي كانت بعيدة جغرافيا عن ساحة القتال فقد تواجدت في المعارك بعدة صور واشكال وخاض رئيسها الراحل هواري بومدين الحرب وكأنها حربا جزائرية خاصة .
محيي الدين عميمور النائب بالبرلمان الجزائري كان مستشارا للرئيس بومدين للاعلام وعاصر معه كل الاحداث الساخنة .
يقول عميمور : " كانت هناك شكوك عديدة تحيط بنية الرئيس السادات في استرجاع الحقوق العربية عبر معركة مسلحة ، لكن هذه الشكوك لم تمنع التنسيق ( المصري - الجزائري ) الذي بدأ بعد نكسة يونيو مباشرة وخلال هذه الفترة التقي الرئيسان بومدين والسادات عدة مرات كان أهمها لقاء تم في الجزائر علي هامش المؤتمر الرابع لحركة عدم الانحياز ، وفي هذا اللقاء قال السادات انه قرر دخول الحرب ، ورد بومدين لاأريد تواريخ محددة ، كل ما أريد معرفته مالذي تريد مني تقديمه بالضبط ؟ ومتي تريد ذلك ؟
ويمضي عميمور في شهادته : وفي يوم 16 سبتمبر 1973 وصل الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس الاركان الي الجزائر بشكل سري وكانت مهمته اخطار الرئيس الجزائري بأن العد التنازلي للحرب قد بدا ، وباتفاق مشترك بين مصر وسوريا .
ويضيف : " كنت في زيارة الي سوريا في الاسبوع الاخير من سبتمبر ، وذهبت بعدها الي مصر في بداية اكتوبر وقابلت المناضل التونسي الراحل ( ابراهيم طوبال ) الذي سأل عن سبب زيارتي الي القاهرة ودمشق في رمضان وهو شهر يفضل الجزائريون قضاءه في منازلهم ، وسأل بشك عن زيارتي فقلت انها عادية لكنه رد بيقين ان الحرب علي الابواب " .
ويضيف عميمور : " في اليوم الثاني اندلعت الحرب فذهبت الي سفارتنا في القاهرة وطلبت الرئيس بومدين وعلي الطرف الاخر من الهاتف سألني الرئيس بشوق كبير عن الاخبار وقال لي ضاحكا : ( مبروك اصبحت مراسلا حربيا)، وابلغني انه سيرسل وزير الداخلية في اليوم التالي للقاء الرئيس السادات وكلفني الاتصال بالقصر الجمهوري وابلاغهم بأن يتصل به الرئيس السادات .
في السابعة من مساء أول ايام المعركة كان الاتصال الاول بين الرئيسين وتعددت بعدها المكالمات وفي اليوم التالي وصل الي القاهرة وزير الداخلية العقيد عبد الغني والتقي بالرئيس السادات وعدنا معا علي الطائرة الرئاسية الجزائرية وتوقفنا في بنغازي في ليبيا حيث كانت الطائرات الحربية الجزائرية من طراز ( ميج-21 ) تنتظر الاذن بدخول الاجواء المصرية ، وكان للجزائر في المعركة سرب ميج-21 ، وسرب ميج-17 ، وسرب سوخوي ، ولواء مدرع .
القادة المصريين يتفقدون القوات الجزائرية .
ويمضي عميمور في شهادته : " وصل بعد ذلك الي الجزائر الدكتور اشرف مروان مستشار الرئيس المصري لشئون المعلومات ولخطأ في البروتوكول الجزائري كلفت بمقابلته رغم انني مستشار بومدين للاعلام لكن هذا الخطأ اعطانا فرضة لفتح قناة اتصال خاصة موازية للاتصالات الدبلوماسية الكلاسيكية وكان الدكتور مروان هو الطرف المصري وانا الطرف الجزائري .
وفي بداية الاسبوع الثاني بدأت الاخبار المقلقة عن اختلال حجم التسليح لصالح العدو الاسرائيلي ، فسافر الرئيس بومدين الي موسكو صباح يوم 14 اكتوبر وفي الكرملين انفجر بومدين في بريجنيف الذي لم يخف شكوكه في جدية السادات وقال له عبارته المشهورة : " لم أت الي هنا للكلام ولكن لشراء السلاح والعتاد ، وسلم بومدين القيادة السوفيتية شيكا بمبلغ 200 مليون دولار لارسال الاسلحة التي تحتاجها مصر وسوريا فورا ، وفيما بعد منحني الرئيس السادات وسام الاستحقاق من الدرجة الاولي .