بقلم: إيليا كرامنيك، معلق "نوفوستي" العسكري
باتت قاذفة "B-52H" التي سقطت في المحيط الهادئ قرب جزيرة غوام ثالث طائرة إستراتيجية فقدتها الولايات المتحدة خلال نصف العام الأخير. وتثير مثل هذه الكوارث المتكررة التي تحدث للقاذفات الثقيلة المكلفة شكوكا في الاستعداد القتالي لسلاح الجو الأمريكي عامة.
وتمثلت أولى تلك الكوارث في سقوط قاذفة "B-2" في فبراير الماضي أثناء إقلاعها في قاعدة أندرسين في جزيرة غوام. وتلاها انفجار دمر قاذفة "B-1B" فور هبوطها في قاعدة "العديد" الجوية في قطر.
وبالرغم من عدم إعلان السبب المباشر لكارثة "B-52H" الأخيرة إلا أن جذور الحادثة تمتد على الأرجح إلى تقادم الطائرة. فقد صنعت القاذفات من طراز "B-52" في السنوات 1953 - 1963 بما في ذلك من طراز "B-52H" المعدل المستعمل حتى الآن بحيث يناهز عمرها المتوسط 47 عاما.
وخلال سنوات خدمتها الطوال خضعت "B-52" لعمليات تحديث متعددة بيد أن التحديث الذي يتيح تجديد المعدات والأسلحة المركبة على الطائرة يعجز مع ذلك عن إعادة الحياة إلى هيكلها المتآكل. أما عمليات التصليح الأساسي فرغم قدرتها على تمديد عمر الطائرة التشغيلي، لا تستطيع أن تمدده إلى ما لا نهاية له. وبالرغم من كل هذا ستبقى الطائرات من هذا النوع في خدمة سلاح الجو الأمريكي لغاية عقد الأربعينات من هذا القرن بسبب غياب البديل المطلوب لها.
ويبدو هذا الوضع مخالفا للمنطق السليم لاسيما أن الولايات المتحدة أقبلت أكثر من مرة على تصميم طائرات إستراتيجية من أجل إحلالها محل "B-52H". وكانت "XB - 70" (فالكيريا) في مقدمة الطائرات المرشحة لاستبدال "B-52H" ولكن التكاليف الباهظة لهذه القاذفة فوق الصوتية العالية الارتفاع منعت تصنيعها المتسلسل.
XB-70 Valkyrie
وجاءت بعدها قاذفة "B-1A" التي جرى تصميمها في الستينات والسبعينات من القرن الماضي ولكن الطائرة المسلحة بالقنابل وحدها بدت متخلفة في أواخر السبعينات. لذا بدأ على أساسها تصميم "B-1B". بيد أن هذه الطائرة رغم كل التطوير الذي جرى عليها لم تتمكن من حمل الصواريخ المجنحة الإستراتيجية "ALCM" فتحددت أسلحتها بصواريخ جوية بالستية من طراز "SRAM" ذات مدى أقل بكثير.
AGM-69 SRAM
وفي النتيجة ظلت "B-52H" المسلحة بالصواريخ المجنحة البعيدة المدى طائرة إستراتيجية رئيسية لسلاح الجو الأمريكي. وبالإضافة إلى ذلك جردت الاتفاقيات السوفيتية - الأمريكية حول تقليص الأسلحة النووية قاذفة "B-1B" من صواريخ "SRAM" تاركة لها فقط القنابل.
(وإن يقال أنها ستزود في القريب العاجل بأحدث صواريخ مجنحة من طراز "JASSM").
AGM-158 JASSM
وبات "B-2" آخر مشروع جرى تطويره من أجل الطيران الإستراتيجي الأمريكي حتى الآن. وبدأ إنتاجها المتسلسل في أوائل التسعينات بيد أن الطائرة التي صممت أصلا كبديل لـ"B-52" كلفت غاليا جدا حتى بالنسبة للميزانية الأمريكية: نحو 5ر1 مليار دولار للطائرة الواحدة. وفي النتيجة اكتفت الولايات المتحدة بصنع 20 طائرة من طراز "B-2" وأبقت "B-52H" في الخدمة العسكرية.
ولا يوجد حاليا بديل لـ"B-52" التي تعتبر الطائرة الوحيدة في الولايات المتحدة القادرة على أداء كامل طائفة مهمات الطيران الإستراتيجي - فمن القصف "السجادي" إلى إصابة الأهداف الشديدة التحصين بواسطة الصواريخ البعيدة المدى العالية الدقة. أما تطوير الطائرة الإستراتيجية الجديدة القادرة على حل محل كل القاذفات الثقيلة الأمريكية الثلاث دفعة واحدة فما زالت حيز التصاميم الأولية. وإذا راعينا أولا، مدة التصميم والتصنيع وثانيا، كلفة الطائرات المعاصرة فلا يستبعد أن تصبح "B-52" إلى جانب نظيرتها الروسية "تو - 95" أول طائرة في العالم تحتفل بالذكرى المئوية لخدمتها العسكرية والتي تصادف عام 2055!