الاحتلال الروسي للقوقاز
نستطيع أن نقول بمنتهى الوضوح والصراحة أن السبب الرئيسي وراء سقوط هذه البلاد الغالية في قبضة الاحتلال الروسي هو الكيد والتآمر الشيعي الخبيث الذي قامت به الدولة الصفوية الرافضية التي ظلت تحارب وتنازع الدولة العثمانية على منطقة القوقاز مما سهل على الروس التقدم واحتلال صحراء القوقاز، ثم احتلال بلاد القوقاز شيئاً فشيئا فاحتلوا أولاً داغستان المطلة على بحر قزوين ثم الشيشان ثم توالى السقوط بتوالي هزائم الدولة العثمانية أمام الروس.
عمل الروس منذ أن وطئت أقدامهم النجسة هذه البلاد الطاهرة على تغيير الهوية والصبغة الإسلامية لأهل القوقاز فنشروا المفاسد وأباحوا المحرمات وعطلوا الشريعة وبذروا الفتنة بين المسلمين واصطنعوا عملاء وجواسيس لهم في كل قرية وبلد في القوقاز، وأثاروا النعرات القبلية بين القبائل والقوميات المختلفة، ونصبوا حكاماً وأمراء من المسلمين الموالين لهم ممن يؤثرون دنياهم ومصالحهم الشخصية على حساب دينهم وعقيدتهم، ونجح الروس إلى حد ما في طمس الهوية الإسلامية للشعوب القوقازية ونشر بعض المفاسد مثل الخمر الذي انتشر بين أبناء الشعوب القوقازية هناك، واسمع لوصف داغستان من واحد من أكبر علماء البلاد وقتها وهو العلامة 'سعيد الهركانى' وهو يدعو تلاميذه للهجرة من هذه البلاد الظالم أهلها فيقول 'اعلم أن دار داغستان هو معدن الأخطار ومسكن الأشرار ومنبع المآثم والأكدار لا تقام فيها الحدود، ولا توفى فيها العهود، وأهلها عبيد العارات، ومضيعوا الصلوات، ومرتكبوا الشهوات، ليس لهم همة سوى جمع الحطام من غير تفرقة بين الحلال والحرام، وحكامهم فجار، وولاتهم أشرار وعلماؤهم ذئاب على أجسادهم ثياب، فإن أردت اللحوق بالأبرار فعليك بالنقلة عن تلك الديار' ونحن نلحظ من هذه الرسالة مدى الفساد واليأس المنتشر بين أهل البلاد تحت تأثير الاحتلال الروسي .
ثورة الأحرار
كانت روسيا تتبع مع سكان داغستان نظام الحكم شبة الذاتي، حيث تركت إدارة البلاد بعد تقسيمها لعدة إمارات بيد المسلمين الموالين لها من الأمراء الطامعين الدنيويين، والاشتراط عليهم بالحكم بقوانين وعادات الروس وليس بالشريعة الإسلامية التي هي بالطبع تقوم السلوك وتصحح الانحراف وتأبى على المتحاكمين إليها بالخضوع والذلة لأعداء الإسلام، وتولى هؤلاء الأمراء الخونة مهمة قطع وطمس هوية الشعب الداغستانى المسلم، واستمر الوضع كما هو عليه عشرات السنين حتى بدأ الأحرار من المسلمين الصادقين في الشعور بحتمية التخلص من نير الاحتلال الروسي وإنقاذ بلاد الإسلام ودينهم من جور الكفرة الذين يريدون طمسه بالكلية .
نستطيع أن نقول أن الذي قاد الثورة في داغستان هم العلماء والشيوخ وكان أول من قاد الثورة هو الشيخ العلامة 'محمد الكمراوي' وكان من كبار علماء داغستان وله تلاميذ كثر على رأسهم الشيخ 'شامل أفندي' بطلنا المقدام، واستطاع العلامة المجاهد 'محمد الكمراوي' أن يعد جيشاً صغيراً يقدر بثمانية آلاف مقاتل مسلم من أهل البلاد، حقق به عدة انتصارات باهرة على القوات الروسية ولكنه سرعان ما استشهد رحمه الله في معركة 'كيمرة' ضد الروس وذلك سنة 1248 هجرية وأصيب الشيخ 'شامل' إصابة شديدة ولكنه نجا، وكان العلامة 'محمد الكمراوي' شديد الحماسة والغيرة على الإسلام وفي منتهى الشدة على الخونة والمنافقين من الموالين لروسيا، وألف رسالة صغيرة بعنوان 'إقامة البرهان على ارتداد أمراء داغستان' ويعني بهم التاركين لحكم الشريعة الإسلامية، الموالين لروسيا الصليبية، وبالجملة وعلى الرغم من قصر مدة ثورة 'محمد الكمراوي' إلا أنها استمرت من بعده ولم تهدأ طيلة ثلاثين عاماً متصلة.
بعد استشهاد الإمام الغازي والشجاع الباسل 'محمد الكمراوي' في جهاده ضد الفرس، تولى القيادة بعده الشيخ 'حمزة بك علي' واستطاع أن يكسر شوكة أمراء 'أوار' الموالين للروس الخائنين للإسلام ولكن لم يمضي عليه سوى سنة ونصف حتى قتله رجل منافق اسمه 'عثمان' بدافع من الروس وذلك يوم الجمعة حين ذهابه للصلاة إلى جامع البلد الكبير، 'وهكذا يلعب دائما المنافقون أقذر الأدوار في تعطيل مسيرة النهضة والتحرر ولولا هذا الطابور الخامس المندس في صفوف أمة الإسلام ما سقط بلد مسلم قط بيد أعداء الإسلام وما حدث في أفغانستان والعراق خير دليل على دور المنافقين الخطير في هدم الأمة وتسليمها لأعدائها'.
الإمام شامل
انتقلت قيادة الثورة إلى الشيخ الإمام 'شامل بن دنكاو الداغستاني' وكان هو بحق رجل الساعة وفارس الساحة والأسد الجبلي الذي لا يقوى عليه أحد من أعداء الإسلام، ولد 'شامل' سنة 1212 هجرية في قرية 'كيمرة' من مديرية 'خونزاخ' على نهر 'قويصو' وهى قرية زراعية مشهورة بالفواكه الجيدة، أخذ في حداثة سنه عن العالم المتبحر 'سعيد الهركاني' وصحب منذ صغره الشيخ المجاهد 'محمد الكمراوي' قائد الثورة الأول في رحلته العلمية وعكف معه على العلم والعبادة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، حتى قامت الثورة المباركة وكان 'شامل' الذراع اليمنى لمحمد الكمراوي وقائد جيوشه وشريكه في الأمور حتى ليلة استشهاده، ثم اشترك مع القائد الثاني 'حمزة بك على' حتى استشهاده هو الآخر، فأجمع الناس على تولية الشيخ 'شامل' قيادة الثورة ومن يومها أصبح اسمه الإمام شامل.
يتبع ...