تتوالى ردود الأفعال من اليمين الأميركي على التقرير الذي نشرته
صحيفة نيويورك تايمز الأميركية يوم الثلاثاء الماضي وتضمن معلومات عن إشراف
الرئيس الأميركي باراك أوباما شخصيا على أوامر استهداف مقاتلي القاعدة
والمطلوبين للولايات المتحدة، وحصر أوامر الاغتيال غير العادي مثل حالات
وجود قاصرين أو مواطنين أميركيين به شخصيا.
وفي هذا السياق كتب تشارلز كراوثمر في صحيفة واشنطن بوست
ناعتا أوباما بـ "حارب الطائرات المسيرة عن بعد"، واقترح بتهكم لو أن هذا
الوصف اتخذ كعنوان لمقال نيويورك تايمز.
وحرص كراوثمر على إلقاء الضوء على حقيقة أن تقرير نيويورك
تايمز لم يكن سبقا صحفيا ولا استنادا إلى وثائق مسربة، بل إلى معلومات أدلى
بها البيت الأبيض بشكل علني، ويعتقد الكاتب أن سبب إطلاق البيت الأبيض هذه
المعلومات هو محاولته تقديم أوباما على أنه الرجل الحازم الذي يتخذ
القرارات الجريئة والصعبة عندما تكون الأمور على المحك.
ويفسر الكاتب حرص البيت الأبيض على إظهار أوباما بهذه الصورة
بأنه خطوة تكتيكية بعد الصورة السلبية التي ظهر بها مؤخرا عندما بدا عاجزا
عن اتخاذ أي إجراء إزاء مذبحة الحولة في سوريا، إضافة إلى انهيار محادثات
بغداد بين دول 5+1 وإيران حول ملفها النووي، والتي أظهرت أوباما بأنه دمية
بيد الإيرانيين. هذا بالإضافة إلى الطريقة الفوقية التي يتعامل بها الرئيس
الروسي فلاديمير بوتين مع أوباما، وغلقه الباب بوجه أي إجراء ضد النظام
السوري باستخدام حق النقض (فيتو) بمجلس الأمن.
ويستمر كراوثمر بهجومه على أوباما ويقول إن معسكره ظنّ بأنه
يمكن أن يستخدم الغارة التي شنت على أسامة بن لادن لحل أي قضية سياسية
تتعلق بالسياسة الخارجية، لكن حتى محاولة استخدام الذكرى السنوية للغارة
رجعت وبالا على معسكر أوباما، عندما تفاخرت حملته الانتخابية بإشادة الرئيس
السابق بيل كلينتون بشجاعة قرار اغتيال بن لادن قائلا لو أن الغارة تسببت
بمقتل أميركيين "لكانت الآثار السلبية شنيعة عليه". وقد أشعل هذا التفاخر
غضب العسكريين الأميركيين الذين قالوا بالمقابل إنه لو كانت هناك آثار
سلبية لمقتل أميركيين فسيكون أشدها على أولئك الذين قتلوا في الواجب
وعائلاتهم وأحبتهم.
|
استخدام الطائرات بدون طيار سلاحا لاغتيال المطلوبين أثار ضجة على كافة الصعد (الفرنسية) |
الأنا وعقد
كراوثمر مقارنة بين أوباما والرئيس الراحل أيزنهاور، وبيّن كيف أن أوباما
لا يكف عن استخدام عبارات الأنا عندما يتعلق الأمر بأسامة بن لادن، بينما
لم يقم بذلك أيزنهاور في عملية إنزال النورماندي في الحرب العالمية
الثانية، رغم أن تلك العملية أكثر مصيرية للولايات المتحدة والعالم من
اغتيال بن لادن، أما البيان البديل الذي كان أيزنهاور ينوي إصداره في حال
فشل الإنزال فكان ينص على تحمله شخصيا وحصريا مسؤولية الفشل.
ويستمر الكاتب بالنقد اللاذع لأوباما ويتهمه بالانتهازية
بالقول "وهكذا فصانع السلام والحائز على جائزة نوبل والداعي لنزع السلاح
النووي الذي اعتذر للعالم نيابة عن أميركا لأنها ظلت الطريق الأخلاقي عندما
استخدمت أساليب قاسية لاستجواب نفس الناس الذين يقوم بقتلهم اليوم، تحول
فجأة وبالتزامن مع انتخابات عام 2012 إلى "زيوس" (كبير آلهة اليونان
المنتقم بألسنة من لهب)".
إنها أخلاقيات مربكة، يقول كراوثمر. ويكمل "كيف يطوف شخص
العالم ليقدم أميركا على أنها فتحت صفحة جديدة في قاموسها الأخلاقي
بانتخابها رئيسا شعر بالإهانة من الحروب التي شنها سلفه جورج بوش والمعاملة
السيئة للسجناء، وفي الوقت ذاته يتفاخر بأنه شخصيا يقوم بلعب دور الحكم
والجلاد بأوامر قتل يصدرها ضد أعداء غير مرئيين وبغض النظر عمن يكون
بصحبتهم وقت تنفيذ حكم الإعدام بحقهم بصاروخ يسقط من عليين؟".
مشاعر رقيقةويوضح
الكاتب بأن ما ذكره ليس انتقادا للهجمات التي نفذت وتنفذ بواسطة طائرات
بدون طيار، ويشدّد على أنها ضرورية ضد من وصفهم بأنهم "إرهابيون يرتدون
الملابس المدنية، ويستهدفون المدنيين بلا تمييز"، بل إن ما كتبه هو
للاستفهام حول السبات الأخلاقي لأولئك الذين تأذت "مشاعرهم الرقيقة" من
أساليب بوش التي حفظت أميركا آمنة لعقد من الزمان، والذين يؤيدون اليوم
حملة أوباما الذي يشن حرب اغتيالات بجهاز تحكم عن بعد.
ثم يتحول كراوثمر إلى تحليل الآثار الجانبية لعمليات الاغتيال
من الجانب الاستخباري، ويقول إن هناك "مشكلة عسكرية مزمنة. الإرهابي
المقتول لا يتكلم. هجمات الطائرات بدون طيار رخيصة التكلفة، وهو أمر جيد،
ولكن الأساليب التي تضمن لنا عدم وجود مقاومة لها تكلفتها أيضا، فهي لا
تأتينا بأي معلومات استخبارية".
ويرى الكاتب أن القبض على مطلوب واحد يدر معلومات استخبارية
تجعل الأميركيين بأمان أكثر من قتل عشر مطلوبين. ولكن الضجة التي افتعلها
أوباما حول استجواب المعتقلين جعلته غير قادر على الاستفادة من أي معتقل،
وبالتالي فإن القتل هو الحل الأنسب بالنسبة له.
ويختم بالقول، إن عمليات الاغتيال تتلف معها المعلومات
الاستخبارية التي يمكن أن تستفيد منها الولايات المتحدة في تعقب القاعدة
ومن على منوالها، ولكن لا يملك الأميركيون اليوم غير الاستمتاع بغارات
الطائرات بدون طيار ونتائجها القصيرة المدى، ولكن تكلفة ذلك سوف تُدفع
لاحقا.
http://www.aljazeera.net/news/pages/867cb26a-689b-4729-af06-d4ecaaf74918?GoogleStatID=9