قليل منا يعلم تفاصيل ووقائع الغارة الأسرائيلية على منطقة حمام الشط بتونس
عام 1985.و سأحاول فى السطور القادمة شرح ملابسات هذا اليوم
1-في فجر
الأول من اكتوبر 1985كانت الطائرة التي أقلت ياسر عرفات و معه أبو أياد من
بغداد إلى المغرب ثم إلى تونس .قد غيرت طريقها نتيجة لمعلومات حول نية
الطائرات الحربية الإسرائيلية اعتراض سبيلها في الجو، وتحويل مسارها إلى
مطار إسرائيلي أو إسقاطها . لكن هذه المحاولة الإسرائيلية فشلت لتصل بأمان
إلى تونس، وذهب عرفات إلى مقر قيادته في حمام الشط ، وما كاد يصل حتى كانت
الطائرات الإسرائيلية تقصف المقر في تمام الساعة العاشرة والربع صباحاً،
بينما كان عرفات غير بعيد عن مقر إقامته يقوم بتمارين رياضية كعادته كل يوم
فهو حريص على الركض والسباحة وركوب الخيل وقد كان في تلك الساعة يرتدى
لباساً رياضياً وشاهد الغارة التي استهدفت مقر القائد العام والأركان و"
القوة 17"
2-وكانت الطائرات الحربية الإسرائيلية قد أقلعت فجرا من
فلسطين المحتلة ورصدت وحدات الرادار المصري هذه الطائرات ولكنها عجزت عن
تحديد الجهة التي تقصدها واظهرت أجهزة الرصد المصرية إن هدفا بحريا غير
إسرائيلي كان يساعد في القيام بتشويش إداري أثناء تحليق الطائرات
الإسرائيلية في الجو، وأعطيت أوامر فورية للطيران المصري وأجهزة الدفاع
بالتعامل مع الطائرات الإسرائيلية إذا ما اخترقت المجال الجوى المصري، كما
تم رفع حالة التأهب القصوى إلا أن أثر الطائرات الإسرائيلية فقد على أجهزة
الرادار. الأمر الذي أدى إلى تحريك طائرة استطلاع مصرية على الفور لملاحقة
الطائرات الإسرائيلية التي أخذت خط سير مطابقاً لطرق الطيران الدولية فوق
البحر المتوسط
3-وقد استخدمت إسرائيل في الغارة 16 طائرة من نوع " أف 16
" تزودت في الوقود بالجو
. وعلى الرغم من أن إسرائيل لا تمتلك طائرات
الصهريج، وهى من نوع " بوينغ – 707 " أو " دى . سى 9 " أو " دى سى 10 "
فقد
تم تزويد الطائرات الإسرائيلية بالوقود في الجو ثلاث مرات، مرتين في
الذهاب ومرة في العودة . وانطلقت طائرات الصهريج من إيطاليا بدون علم
الحكومة الإيطالية . وكانت قد وصلت إلى مطار روما ثلاث طائرات صهريج
أمريكية من نوع" بيونغ – 707 " في السابع والعشرين من أيلول تابعة للسرب
الثالث عشر في وحدة التزويد بالوقود بالجو لدى الحرس الأمريكي ومقرها ولاية
أوهايو، وذلك للمشاركة في مناورات لحلف شمال الأطلسي. ورصدت إيطاليا طائرة
من هذا النوع في الممر الجوى الذي استخدمته الطائرات الإسرائيلية في
الغارة. كما أن مصادر مطار روما ذكرت أن طائرتين من الثلاث قد تركتا
مربضيهما في أقصى اليسار من المطار في ساعة مبكرة من فجر يوم 1 تشرين الأول
وعادت إحداهما إلى ممر الهبوط في الساعة العاشرة والربع صباحاً فيما طلبت
الثانية الإذن بالهبوط الساعة السادسة والنصف مساء.
4-وبعد الغارة
مباشرة وضعت الحكومة الإيطالية حراسة مشددة وغير عادية على الممر الذي تربض
فيه الطائرات الأمريكية الثلاث، وأدان رئيس الوزراء الإيطالي بتينو كراكسى
إسرائيل بلهجة قاسية جداً وقال إن إيطاليا مصممة على استعمال حقها لمعرفة
ما إذا كانت طائرات واشنطن قد استخدمت الأراضي الإيطالية لتزويد الطائرات
الإسرائيلية بالوقود.
ولم تخف الولايات المتحدة الأمريكية دعمها للغارة
الإسرائيلية وباركت ما حصل بعد ربع ساعة فقط من الغارة وعلى لسان لارى
سبيكس الناطق الرسمي للبيت الأبيض، في حين واصلت وسائل الإعلام الإسرائيلية
ادعائها بمقتل عرفات، حتى ظهر مساء ذلك اليوم في حديث مباشر من تونس مع
التلفزيون الإيطالي القناة الأولى . وبعد ساعة من الغارة الإسرائيلية أعلنت
إذاعة تونس النبأ على النحو التالي : "طائرات مجهولة الهوية قامت بقصف
منظمة التحرير الفلسطينية في حمام الشط "
5-وكان مطار قرطاج الدولي قد
رصد الطائرات الإسرائيلية قبل الغارة بدقائق وأبلغت المعلومات إلى وزارة
الدفاع ، التي رصدت راداراتها الطائرات المغيرة قبل دقائق من وصولها ، في
حين أبلغت إيطاليا تونس قبل دقائق من الغارة بأن طائرات مقاتلة تتجه نحو
تونس !!
وجاءت الغارة الإسرائيلية في ظل أجواء من التوتر في العلاقات
التونسية – الليبية وكانت هذه العلاقات شهدت تدهوراً خطيراً خلال الشهور
التي سبقت الغارة ، وكان الجيش التونسي وقد وضع في حالة تأهب قصوى لمواجهة
عملية عسكرية ليبية ضد تونس ! الرأي العام التونسي كان مهيأ لغارة ليبية
إسرائيلية، بسبب الحرب الإعلامية المتبادلة بين البلدين وفعلاً، قام الجيش
التونسي بنقل طائراته الحربية من نوع ف – 5 إلى قواعد عسكرية في الجنوب
التونسي ، قرب الحدود التونسية الليبية، قبل الغارة، وذكرت بعض المصادر أن
بورقيبة أصدر أوامره بعدم خروج الطائرات الحربية التونسية للتصدي للطائرات
الإسرائيلية نظرا لضعف القوة الجوية التونسية انذالك اما القوة المهاجمة.
وقد
حاول الضباط التونسيون في قاعدة " سيدي أحمد " الجوية قرب بنزرت، التي
تبعد حوالي 50 كيلو مترا عن مقر المنظمة، الخروج بطائراتهم بغض النظر عن
نوعية الطائرات يدفعهم الحماس للدفاع عن الوطن. وبعد نصف ساعة من انتهاء
الغارة جاءت طائرات جزائرية مقاتلين اشتركت مع الطائرات التونسية في
التحليق فوق حمام الشط وتونس العاصمة، خوفاً من قيام الطائرات الإسرائيلية
بعملية التفاف خصوصاً أنه بعد الغارة مباشرة وصل عدد كبير من المسؤولين
الفلسطينيين والتونسيين إلى مكان الغارة ومنهم عرفات وأبو أياد وأبو جهاد
وأبو العباس . ومن الجانب التونسي جاء محمد مزالي والهادي البكوش ووسيلة
بورقيبة وزين العابدين بن على .
6-ولم تكن الغارة على مقر منظمة التحرير
حدثاً عاديا يمكن أن تزول آثاره بسهولة . ومنذ الساعات الأولى التي تلت
الغارة وردود الفعل المختلفة تتواصل وتتفاعل رسمياً وشعبياً، فلسطينياً
وعربياً ودولياً، ففي 5 اكتوبر 1985، بعد الغارة بخمسة أيام، كان في رأس
بركة جنوب سيناء، جندي مصري يدعى سليمان خاطر . قام بإطلاق الرصاص على
مجموعة من الإسرائيليين الذين أهانوا العلم المصري، فقتل سبعة منهم وحوكم
في 28 اكتوبر بالأشغال الشاقة المؤبدة في محكمة السويس العسكرية وبعد ذلك
تم إعدامه داخل السجن. وكان الحادث الثاني بعد عملية سليمان خاطر، ذلك الذي
أطلق خلاله الشرطي التونسي الرصاص على مجموعة من اليهود في جزيرة جربة
التونسية. وفى 5 اكتوبر ذاته كان المفاجأة عندما أدان مجلس الأمن العدوان
الإسرائيلي على مقر المنظمة وصوت 14 عضواً في صالح قرار الإدانة وامتنعت
الولايات المتحدة للتصويت ولم تستخدم " الفيتو " وطالب قرار مجلس الأمن
الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بصفة عاجلة اتخاذ إجراءات لاقناع إسرائيل
بعدم اللجوء إلى مثل هذه الأعمال التي تنتهك سيادة أي دولة، ووحدة أراضيها
وأكد القرار أن لتونس الحق في الحصول على تعويضات مناسبة نتيجة للخسائر في
الأرواح والأضرار المادية .
والسبب الرئيسى لهذه الضربة كان ردا على
عملية اغتيال ثلاثة من عملاء الموساد فى قبرص ولقد حدثت هذه العملية يوم 25
سبتمبر 1985 عندما اقتحم ثلاث مسلحين اليخت ( فيرست ) في ميناء لارنكا
القبرصي حيث قتلوا امرأة واحتجزوا رجلين رهينتين مطالبين بالإفراج عن 20
معتقلاً فلسطينياً في السجون الإسرائيلية.
وقد انتهت هذه العملية
باستسلام الفدائيين الثلاثة ومن بينهم أيان ديفيسون البريطاني، بعد مقتل
الإسرائيليين الثلاثة، الذين كانوا أعضاء في جهاز المخابرات الإسرائيلية.
الموساد وكانت بينهم امرأة أصبحت معروفة في الموساد ومن ألمع الجواسيس الإسرائيليين.
وكان
هؤلاء الإسرائيليين الثلاثة يشكلون وحدة تجسسية تقودها المرأة التي عملت
في اليخت باسم ( أستر بولزار ) واسمها الحقيقي سيلفيا رافائيل و يقال ان
اسمها الحقيقى ايضا هو ايؤولا كوهين (حسب برنامج سرى للغاية) واستعملت
أثناء خدمتها في الموساد أسماء عديدة مستعارة وجوازات سفر مزيفة.
وكانت
مهمة سيلفيا رصد تحركات الفلسطينيين في قبرص، عبر عميل للشبكة يدعى مصطفى
صبرا، لقي حتفه عندما قررت (القوة 17 ) تصفية هذه الشبكة.
و لقد كانت
مطلوبة لدى المخابرات الفلسطينية نظراً للجرائم العديدة آتى ارتكبتها، ولعل
أهمها جمع المعلومات وتسهيل دخول فريق اغتيال من الموساد إلى بيروت لتفخيخ
السيارة التي تم بواسطتها اغتيال أبو حسن سلامة قائد ( القوة 17 ) في 22
يناير1979.
لذلك فبعد مقتلها قررت اسرائيل معاقبة ياسر عرفات على هذه العملية.
المصدر: من ملفات المخابرات الفلسطينية