بسم الله الرحمن الرحيم
" َولاَ تَقُولُواْ لِمَن يُقتَلُ فِي سَبِيِل اْللهِ أَمَواتُ بَلْ أَحَياءٌ وَلِكن َلاتَشُعُرونَ "
صدق الله العظيم
( سورة البقرة _ الآية 154 )
.0.0.0.
" كفنوني بعلم مصر ، وسلموا أبنتي ( منى ) المصحف والمسبحة "
تلك هى وصية العقيد / إبراهيم عبد التواب التى القاها على جنوده لحظة أن وطئت قدماه أرض موقعة ( كبريت ) في التاسع من أكتوبر 1973.
ولد العقيد / إبراهيم عبد التواب بمحافظة أسيوط في العاشر من مايو 1937
وكان والده متدينا محبوبا من أهل قريته ، التحق إبراهيم بالمدرسة الثانوية
بالمنيا .. وتعلم منذ الصغر كيف يعتمد على نفسه ، وما أن أنهى سنواتها
الثلاث حتى أسرع بتقديم أوراقه للكلية الحربية وكانت سعادته لا توصف عند
قبوله بها فأجتهد حتى تخرج عام 1956.
كان الشهيد رحمه الله مثالاً
في الأخلاق والشهامة والتسامح والتواضع الشديد ، فكان يقرأ القرآن كثيرًا
ويواظب على مواعيد الصلاة ثم يتبعها بالتسابيح والدعاء لله سبحانه وتعالى ،
لذا فلم يكن المصحف والمسبحة يفارقان جيبه أبدًا ، حتى أشتهر بين جنوده
بلقب " الشيخ " .
تدرج البطل / إبراهيم عبد التواب عقب تخرجه في
مناصب القيادة المختلفة حتى تولى رئاسة أركان إحدى مجموعات الصاعقة ، ثم
أصبح قائدًا لإحدى كتائب لواء تابع للقوات الخاصة في حرب أكتوبر .
تولى العقيد / إبراهيم عبد التواب بنفسه تشكيل كتيبة وأستكمالها من أفراد
ومعدات ، فحرص على حصول ضباطه على الفرق التعليمية التى تؤهلهم للمناصب
التى يشغلها كلٌ منهم ، وكان يقوم بنفسه بإعداد طوابير التدريب التكتيكي
لوحدته حتى يطمئن إلى أن كل فرد قادر على تنفيذ المهام التي يُكلف بها في
كفاءة تامة .
كانت مهمة كتيبة البطل خلال حرب أكتوبر المجيدة ، هى
إقتحام البحيرات المرة الصغرى تحت تغطية من نيران المدفعية والقصف الجوى
للطائرات المصرية ، ثم التحرك شرقــًا على طريق
( الطاسة ) ثم طريق ( الممرات ) لتهاجم وتستولى على المدخل الغربي لممر ( متلا ) .
وبالفعل في الموعد المحدد ومع صيحات الله أكبر التى أنطلقت من حناجر رجال
القوات المسلحة تبث الرعب في قلوب الإعداء ، أنطلقت كتيبة البطل لتقتحم
البحيرات المرة الصغرى بنجاح تام وفي فترة زمنية صغيرة للغاية ، بفضل
التوجيه المميز للقائد الشهيد / إبراهيم عبد التواب ، حتى وصلت الكتيبة إلى
البر الشرقى للبحيرات وبدأت تنفيذ الشق الثاني من المهمة وهو السيطرة على
ممر ( متلا ) ، ورغم العقبات التى واجهت كتيبة البطل وشراسة العدو المصاب
بالذهول ، إلا أن أيمان الرجال بنصر الله ورغبتهم في إستعادة كرامة الوطن
حولتهم إلى أسود مرعبة فرت من أمامها مدرعات العدو ودباباته .
أستمرت مهمة البطل / إبراهيم عبد التواب ورجاله في تلك المنطقة وكبدوا
العدو الإسرائيلي خسائر هائلة في الأرواح والمعدات ، حتى التاسع من أكتوبر
1973 .. حيث صدرت الأوامر بمهاجمة النقطة الحصينة شرق ( كبريت ) والإستيلاء
عليها .
في ساعة 630 يوم التاسع من أكتوبر 1973 تحركت كتيبة البطل
/ إبراهيم عبد التواب نحو نقطة ( كبريت ) الحصينة ، حيث أعتمدت خطة الشهيد
على أستغلال نيران المدفعية والدبابات لإقتحام النقطة الحصينة من أتجاهى
الشرق و الجنوب بقوة سرية مشاة ، في نفس الوقت الذى تقوم باقى وحدات
الكتيبة بعملية عزل وحصار من جميع الجهات لمنع تدخل أحتياطي العدو
الإسرائيلي .
ورغم قصف طيران العدو ، وأشتباك وحداته المدرعة في قتال
ضار مع كتيبة البطل على بعد حوالى 3كم من النقطة الحصينة ، إلا أن عزم
القائد البطل ورجاله كان أقوى من أى عقبات ، وسرعان ما أنهارت قوات العدو
وأنسحبت مذعورة خلف التباب القريبة ، وأنطلق خلفها رجال الكتيبة الأبطال
ونجحوا في تدمير الدبابات عن آخرها ونجحت خطة أقتحام النقطة الحصينة وتم
تطهيرها وتفتيش جميع الدشم والملاجىء ، وأرتفع علم مصر خفاقا عاليا فوق هذا
الموقع وتعالت صيحات الله أكبر .
وللإهمية البالغة لهذا الموقع ،
حيث كان مقرًا لإحدى قيادات العدو الإسرائيلي الفرعية وملتقى الطرق
العرضية شرق القناة ، ويمكن من خلاله السيطرة على كافة التحركات شرق وغرب
منطقة ( كبريت ) ، بالإضافة إلى أنه يعتبر نقطة الأتصال بين الجيشين الثاني
والثالث المصريين
لهذا الأسباب فقد كان تخلى العدو الإسرائيلي عن
هذا الموقع شىء صعب للغاية إن لم يكن مستحيلاً ، لذا فقد بدأت قوات العدو
في محاولات مستميتة ومتكررة لإستعادة السيطرة على الموقع ، حتى أن الهجمات
الجوية كانت تستمر لساعات متواصلة وبقنابل بلغ وزنها الألف رطل ، بالإضافة
إلى هجمات الدبابات والمشاة .
ورغم كل هذا لم تسفر محاولات العدو
عن أى تقدم ، وظل الموقع صامدًا بفضل القيادة الحكيمة من البطل / إبراهيم
عبد التواب ، وبراعة جنود مصر الأوفياء .
ونتيجة للفشل
الذى مُنيت به هجمات العدو المتوالية ، لم يكن أمام قادة إسرائيل إلا فرض
الحصار حول الموقع على أمل عزل الكتيبة المصرية عن الجيش المصرى ومنع
الإمداد عنها ، ولقد أستمر هذا الحصار مدة 134 يوما ، نُسجت خلالها ملحمة
نادرة غير مسبوقة من الصمود والتماسك بين أفراد الكتيبة المصرية بقيادة
الشهيد البطل / إبراهيم عبد التواب .
منذ اليوم الأول للحصار جلس
العقيد / إبراهيم عبد التواب وحوله رجاله _ ضباطــــًا وجنود _ يوضح موقف
الكتيبة والإجراءات الواجب أتباعها ، وتعاهد الرجال أنه لاتفريط في الموقع
حتى آخر طلقة وآخر نفس يتردد في الصدور .
لقد كان البطل / إبراهيم
عبد التواب قدوة في تحمل آثار الحصار لكل الجنود ، فقد كان أقل رجاله
أستهلاكــــًا للمياه والطعام بل أنه في بعض الإحيان كان يتنازل عن التعيين
الخاص به لمن يرى عدم قدرته على تحمل حالة التقشف التى أتبعتها الكتيبة
منذ اليوم الأول للحصار وأنقطاع الإمداد من الجيش المصرى .
ورغم
حالة الإعياء التى بدأت تظهر آثارها واضحة على البطل الشهيد ، بسبب قلة
الطعام ، والمجهود الرهيب الذى يبذله ، فقد حرص العقيد / إبراهيم عبد
التواب على أن يُصلى برجاله كل الفرائض في مواعيدها ، كان يخطب أيام الجمع
يبث الحماس والأمل في نفوس رجاله ، ويبشرهم بنصر الله القريب أو الفوز
بالشهادة .
في الرابع عشر من يناير 1974 وبينما كان البطل يواجه إحدى غارات العدو ، سقطت دانة غادرة إلى جواره فأستشهد رحمه الله بين رجاله .
كان لوفاة البطل / إبراهيم عبد التواب أكبر الآثر في نفوس رجاله حيث أزداد
عزمهم على عدم التفريط في الموقع أبدًا ، رغم العروض المغرية التى كان
يلقيها العدو كل لحظة تارة بضمان سلامتهم ، وتارة بضمان عودتهم بإسلحتهم ،
ولكن الرجال أصروا على القتال والمقاومة ، حتى تم إتخاذ قرار الفصل بين
القوات ، وأنسحبت قوات العدو