العمالقة حين يرحلون..يغادرنا العمالقة بصمت، وبشكل مفاجئ بعد أن يقدموا للوطن والإنسان ثراء من العطاء والعمل والتضحيات والنضالات
التي أسهمت في بناء مداميك التأسيس، وكوّنت كياناً قوياً متماسكاً مؤثراً في المحافل الدولية، مشاركاً في صناعة
القرار الأممي، وفاعلاً في إنتاج التقدم والحضارة الإنسانية والحب والرفاه للشعوب.
يحضر الرجال العمالقة في تاريخ الشعوب والأمم شهباً مضيئة تبدّد الظلام، وتحارب الأوجاع والداءات، وتشيع الأمن
والنمو والتنمية، وتؤثّر بوعْيها وفكرها ورؤاها في مسارات التاريخ، وتصنع مستقبلات الأوطان على أسس
راسخة من مضامين الدولة العصرية الحديثة التي تكفل للمواطن العدالة، والأمن، والتنمية الشاملة، وتعطي للعالم
مساهمة ومشاركة في إرساء مفاهيم السلام، والتعاون، والعمل من أجل البشرية، فإذا غادروا تبقى رسالتهم وعياً في
السلوك، وممارسة في الانتماء، وإشعاعاً ينير الدروب.
العمالقة الكبار يحضرون في حقب زمنية مفصلية، يُلهمون الشعوب لخوض التجارب التاريخية الكبرى، ويحفزّونها
لاقتحام العمل الرؤيوي المبهر الذي يحقّق نهضة الإنسان والجغرافيا، وصياغة التاريخ، ويقدمون عملاً كبيراً
مبهراً في فضاءاته وآفاقه الوطنية، فكل همومهم تتمحور في الوطن كقيمة حضارية، وهوية وطنية، وانتماء يتجذر
في نسغ الكائن المواطن، فإذا رحلوا فالرسالة والمهمة باقية ومتماسكة لأنها أُسست على كثير من التضحيات
والوعي والإيمان.
والأمير نايف بن عبدالعزيز قامة شامخة من قامات الوطن المؤمنة والمخلصة للتراب والإنسان، ورمز من رموز
التأسيس، ومناضل بارز حمل هموم وهواجس الكيان في وجدانه، ومارس العمل على تحصينه وتسييجه من آفات
عصفت بكثير من الدول، وحاصر الإرهاب في مفاهيمه العدوانية الشرسة، وجفّف منابعه التي تهدف إلى إعداد
وتهيئة أصحاب الفكر المتطرف، واستطاع في ظروف صعبة متوحشة تعيشها المنطقة وبعض دول الجوار، وانفلاتات
أمنية في كثير من الجغرافيا المتاخمة، أن يعبر بالوطن إلى فضاء أمني في كل تفاصيل حياته الاجتماعية، ويرسخ
الأمن ليقدم مفاهيم للعالم أن المملكة عصيّة على كل أهداف شريرة، وأن أمن الإنسان والجغرافيا والمكتسب
التنموي والتاريخي خط أحمر لا يسمح بالاقتراب حوله، أو ملامسته.
وأمس عصف بالوطن على امتداد جغرافيته، وأطيافه الاجتماعية خبر رحيل الرجل الكبير، والرمز الذي لا يغيب عن
الفكر والوجدان الأمير نايف بن عبدالعزيز، رحل في ظروف ومناخات إقليمية غاية في الصعوبة والدقة وهو المؤثر
برؤيته، وتجاربه، وحكمته في وضع الأطر التي تواجه التحديات، وتنشئ التحصينات، لكنه شارك في تأسيس
وطن وإنسان يستلهمان حكمته في كل المواقف.
الوطن من أقصاه إلى أقصاه يسكنه الحزن لرحيل هذا العملاق، ويلتف حول قيادته في كل الظروف
الصعبة، والمسيرة مستمرة، وفكر نايف بن عبدالعزيز إلهام يؤطر المستقبل.
أيها الشامخ إلى الأبد، تغيب عنا حضوراً، وتبقى في دواخلنا رؤى ونبراساً، لذا أنت لم ترحل.