إن الحربين العالميتين الأولي والثانية , لم تكن
حروبا مرت مرور الكرام وأصبحت تاريخا , بل كانت سببا رئيسيا في تغيير مفاهيم
ومباديء الأمن القومي لدول العالم , وغيرت كثيرا من العقائد الأمنية فبعضها لم
يصبح له وجود والبعض الأخر نشأ وتطور بسبب الحربين. ولكن للأسف الشديد , لم يكن
المستفيد من أثارالحربين أي من الدول العربية او الأسلامية أو حتي الأفريقية , فقد
كانت هذه الدول مستعمرات للأطراف المتحاربة , ولم يتعدي أثر الحربين علي أمتنا
العربية , إلا أثرا غير مباشر تمثل كرد فعل في تغيير العقيدة الأمنية لدي من
إستعمرونا من الأمبراطوريتين الفرنسية والإنجليزية.
ومنذ تفتحت عيناي علي المعرفة , إهتممت كثيرا بهذه الحروب , وكنت أسأل نفسي سؤالا
,
كيف إستطاعت ماكينة الحرب الألمانية أن تفعل كل ما فعلته ؟
وحاولت ان أجيب علي هذا السؤال مع تدفق المعلومات وما يكشف من وثائق الحربين سنويا
, وكل يوم يضاف للصورة شيء جديد لم أكن اعرفه , واعترف انني مع ذلك لم ارسم الصورة
الكاملة لأن الأمر يتعدي المعرفة بالحربين.
والدرس اليوم إذا سمح مرشحي الرئاسة سواء مرشحين المائدة المستديرة أم المرشحين
الذين لا فرصة لهم.
هو معاهدة فرساي,
ولمن لا يعرف , فإن الحرب العالمية الأولي إنتهت بهزيمة ألمانيا وتوقيع إتفاقية في
فرساي بين الألمان والفرنسيين وكان من بنودها , تحديد وتخفيض أعداد الجيش الألماني
وتسليحه ,وإقتطاع أراضي المانية. وكانت بنود الإتفاقيه مجحفه بالنسبة للألمان ,
وإعتبرها هتلر والرايخ وصمة عار علي الحنس الأري وهي بالطبع طبيعة حال المهزومين.
خرج هتلر وقد كان من من حاربوا في الحرب الأولي , وأحس بالمعني الحقيقي للهزيمة ,
وإتجه للعمل السياسي وخطب في الناس وكانت له قدرة غير عادية في التأثير علي
الجماهير الأمر الذي أدي إلي إستلامه لحكم ألمانيا في منتصف الثلاثينيات.
وأعلن هتلر منذ اليوم الأول , ليس منذ اليوم الأول في رئاسته ولكن منذ اليوم الأول
الذي خرج فيه للجماهير , انه يتعهد بأن يسترد الكرامة الألمانية ويجعل فرنسا تتجرع
مرارة الهزيمة.
ومع بداية الأربعينيات , إحتل هتلر فرنسا , وإعلنت باريس مدينة مفتوحة ( أي
إستسلمت)
ودخل هتلر العاصمة , ووصل إلي بلد قريبة من باريس تسمي كامبيانو ,أمر هتلر قواته
بإحضار عربة القطار التي تم توقيع معاهدة فرساي فيها , وتم نقلها جرا وصولا إلي
باريس وتقابل الوفدان الألماني والفرنسي في عربة القطار , نفس العربة التي وقعت
فيها الهدنة والتي أعلن فيها خروج ألمانيا مهزومة من الحرب العالمية الأولي. وترأس
هتلر الوفد الألماني وترأس الجنرال هانزجير الوفد الفرنسي. وفي بداية الإجتماع تلي
علي الوفد الفرنسي نقدا لازعا يحمل فرنسا تبعات إعلانها الحرب علي المانيا بالكامل
, وبعد قراءة البيان خرج هتلر من الإجتماع من دون ان يتكلم كلمة واحدة.
وبغض النظر عن الإتفاق معه او الخلاف علي الوسيلة .
لقد أدرك جندي من صفوف الشعب خرج من الحرب ووطنه مهزوما ,وأدرك أن الوطن لا يتحمل
ان يعيش بشروط الهزيمة , وأمن بهذه القضية وأصر عليها وخاطب الناس في كل موقع وكل
مناسبة , وفي كل مرة كان يؤكد ان هدفه ان يسترد كرامة الشعب والجيش الألماني.
إن هتلر مهما إختلفنا عليه وعلي النازية, كان يؤمن بوطن في عالم متغير لابد وان
يفرض إرادة هذا الوطن علي هذه المتغيرات فيجبر العالم كله ان يقبل وجود ألمانيا
كما يراها في عينه وكما يؤمن بها.
ولم يفلح اي تفاوض علي ان يغير من قناعاته حتي وهو في نهاية أيامه وهو يتجرع مرارة
الهزيمة ولكن مع الفارق, لقد خرجت المانيا من الحرب محطمة ماديا , ولكن الألمان
أدركوا حقيقة في منتهي الأهمية , إن الوطن الذي لا يؤثر في مجريات الأحداث في
العالم سوف يكون مهزوما علي الدوام.
وبالرغم من الحقيقة الثابتة ان المانيا الهتلرية , خرجت بهزيمة لا لشيء إلا ان
هتلر أدرك ان الحفاظ علي مكاسبة يتعدي مجرد الحصول عليها, فحارب اوربا , وامريكا ,
وروسيا فكان طبيعيا ان تنهزم المانيا.
إن الأمم في قوتها تقبل بأن يأتي لها رئيس لا لون له ولا طعم, ولا يؤثر ذلك عليها
أما في ضعفها فهي تحتاج لأكثر من ذلك بكثير , تحتاج إلي رجال طحنتهم أزمات اوطانهم
فأدركوا العلاقة بين الجغرافيا والتاريخ وفهموا متطلبات الوصول للمستقبل.
إننا نحتاج إلي ماهو اكثر من طلاقة اللسان , ونعومة الأصابع , وكمثرية الجسد
الخارجي.
إننا نحتاج إلي ماهو أكثر من شفقة من لا شفقة له ,ونحتاج إلي أكثر من سبعينية العجز
والكهولة
ونحتاج إلي ماهو أكثر من الخبرة في علم الطفيليات.
علاء سعد
مرشح محتمل من الشباب للإنتخابات الرئاسية