على أعتاب بيت عائلة مهنا المهجور في منطقة السريج على الشريط
الحدودي الشرقي لجنوب قطاع غزة اختارت شجرة عنب التسلل عبر مدخل الدار
حاملة معها عناقيدها لتكون شاهدا على أطلال منزل كان ينبض بالحياة قبل أن
ينزح أهله عنه فراراً من نيران وحمم رشاشات وقذائف الاحتلال التي يتوالى
إطلاقها بين حين وآخر على تلك المنطقة.
ويذكر مشهد منزل عائلة مهنا كل من يمر من هناك بالمشاهد التي حلت بمنازل
اللاجئين الفلسطينيين الذين رحلوا عنوة عن منازلهم وقراهم على أيدي
العصابات الصهيونية عام 1948.
وعلى النقيض تماما، اختارت عائلة أبو دقة أن تشيد منزلاً جديداً لأحد
أبنائها في منطقة الفراحين التي لا تبعد عن الشريط الحدودي سوى بضع مئات
الأمتار، رغم أن منازل وأملاكاً لتلك العائلة لم تسلم من القصف والتدمير
على مدار سنوات انتفاضة الأقصى الإحدى عشرة الماضية.
وعلى غير عادة سكان المناطق الحدودية شيدت العائلة في منزلها الجديد
ملجأ للاحتماء فيه من نيران قوات الاحتلال وهجماته الأرضية والجوية
المباغتة.
|
الملاجئ إحدى الضرورات في المنازل الحدودية (الجزيرة) |
صراع البقاءوتلخص
حكايتي منزلي عائلّتي مهنا وأبو دقة صراع البقاء الذي يخوضه سكان المناطق
الحدودية القاطنون على طول الحدود الشرقية للقطاع الممتدة على أكثر من
أربعين كليومترا.
فلا يكاد يمر يوم دون أن يتكبد القابضون على بيوتهم وأراضيهم مزيداً من
الخسائر في الأنفس والثمرات ثمناً لتحديهم غطرسة الاحتلال الهادفة إلى
اقتلاعهم من أرضهم.
وفي السنوات الست الأخيرة ازدادت منطقة الحدود التهاباً وصار ثمن البقاء
تحمل المزيد من القتل والاعتقال والتدمير، وذلك تزامناً مع انسحاب
الاحتلال صيف عام 2005 من قلب قطاع غزة، وتشديد قبضته البرية عليه من
ناحيتي الشرق والشمال وإقامته منطقة عسكرية عازلة بعرض ثلاثمائة متر إلى
ألف متر.
ويقول الشاب ماجد مهنا (23 عاما) وهو من سكان المنطقة الحدودية شرق بلدة
القرارة "إن معاناة السكان هنا متكررة ومتجددة ويغلب عليها عنصر المفاجأة،
إذ كثيرا ما تتعرض منازلنا وأراضينا الزراعية لإطلاق نار كثيف من قبل
المواقع العسكرية أو الطائرات العمودية، وحينها تنقلب حياتنا رأساً على عقب
ولا ندري كيف ندبر أمورنا؟".
وأضاف في حديثه للجزيرة نت أن النجاة من الموت بأعجوبة هي السمة الغالبة
على السكان، فكثيراً ما نسلم بفضل الله من نيران وقذائف الاحتلال المباغتة
والعشوائية المنطلقة من أبراج المراقبة العسكرية خصوصاً عند تكاثف الضباب
في الساعات الأولى من الفجر.
|
أبو دقة قال إن بقاءهم في المناطق المتوترة لعدم وجود بدائل أخرى (الجزيرة) |
قلق وخشيةوتابع
"رغم تعودنا على هذا الوضع إلا أن القلق على الأطفال وكبار السن يبقى
يساورنا خشية على أرواحهم لصعوبة ابتعادهم بسرعة عن خطر نيران الاحتلال
المفاجئة".
أما الحاج الثمانيني عبد الهادي أبو دقة -من سكان منطقة الفراحين
المحاذية للحدود في بلدة عبسان الكبيرة جنوب شرق القطاع- فيقول إن تعذر
خروج السكان من منازلهم أثناء تعرضها لنيران الاحتلال، دفع أهالي المنطقة
إلى التفكير في بناء ملاجئ أسفل بيوتهم.
وأكد أن سر بقاء الناس هو عدم امتلاكهم لأي بدائل أخرى للسكن، مشيراً
إلى أن قوات الاحتلال احتلت معظم أراضي المنطقة في العام 1967 ولم تبق منها
سوى النزر القليل.
وأوضح للجزيرة نت أن معظم سكان الحي الذي يقطنه يضطرون إلى مغادرته كلما
اشتدت وطأة إطلاق النيران، لكن سرعان ما يعودون إلى منازلهم وأراضيهم
لإعمارها وإعادة ترميمها وتأهيلها والبقاء فيها من جديد.
مناشدةوناشد
العجوز الفلسطيني كافة الجهات الفلسطينية والعربية المساعدة في تعزيز صمود
السكان ومد يد العون كي يثبتوا ولا يحل بهم ما حل بأجدادهم إبان النكبة.
واستناداً لبيانات مركز الميزان لحقوق الإنسان، فإن الاحتلال دمر لسكان
المناطق الحدودية منذ بداية انتفاضة الأقصى وحتى مطلع العام الجاري 1220
منزلا بين تدمير كلي وجزئي، وجرف في تلك المناطق التي تمثل مساحة أراضيها
35% من مجمل أراضي قطاع غزة الزراعية نحو 4278 دونما.
وأوضح المركز الحقوقي -الذي اتخذ من غزة مقرا له- أن قوات الاحتلال قتلت
من سكان المناطق الحدودية منذ صيف العام 2005 وحتى مطلع العام الجاري 190
فلسطينياً ثلثهم من النساء والأطفال
الجزيرة