التناول القرآني للمعركة
الهجومية:
1 ـ الصورة الأولى ( مرحلة حشد القوات ):
تناول القرآن الكريم هذه المرحلة في قول المولى ـ عز وجل ـ: )وأعدوا لهم
ما استطعم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من
دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم ([الأنفال: 60].ويلاحظ هنا أن الأمر الإلهي
جاء في صورة عامة شاملاً إعداد وتجهيز القوات في أوقات السلم، وأيضاً
القيام بحشدها استعداداً لتنفيذ القتال. وواضح من قوله ـ تعالى ـ أن
الإعداد هنا يشمل عنصر القوة ممثلة في القوة البشرية والأسلحة والمعدات
... الخ، وكذلك عنصر المناورة ممثلاً في رباط الخيل، وحيث كانت الخيل هي
العنصر المشترك في أغلب معارك هذه الفترة من الزمن، وكانت هي وسيلة
المناورة الرئيسية. ويجب ألا ننسى هنا أن أي معركة قتالية تتم في عصرنا
اليوم تتكون من عنصرين أساسيين، هما: النيران، والمناورة وقد وردا في
الآية الكريمة لأهميتها القصوى عند تنفيذ القتال الصحيح.
2 ـ الصورة الثانية ( مرحلة الاقتراب من دفاعات العدو ):
تناول القرآن الكريم هذه المرحلة من خلال القسم الإلهي في قوله تعالى:
)والعاديات ضبحاً([العاديات : 1]. والعاديات هنا المقصود بها الدواب التي
لها القدرة على العدو والسرعة خلال تنفيذ الأعمال القتالية، وهي ـ على وجه
التحديد ـ الخيل والإبل، وحيث كان يتم استخدامها في القتال في عصر نزول
القرآن. وعندما نتأمل القسم الإلهي هنا فلا بد أن ندرك أن هناك وجه إعجاز
في تلك المخلوقات، ويكفي لإيضاح ذلك أن نقول: إن الإبل والخيل كانتا ـ
وسوف تستمر إلى يوم قيام الساعة ـ أداة من أدوات القتال فعلى الرغم من
التطور الكبير الذي شهدته معدات المناورة مثل الدبابة والناقلة المدرعة
والطائرة العمودية إلا أن هناك العديد من الجيوش العالمية التي تحتفظ
بوحدات كبيرة من الخيالة والهجانة، خصوصاً إذا كانت مسارح عمل هذه الجيوش
ذات طبيعة جبلية أو غابات وأدغالاً، وأيضاً في المسارح الصحراوية لتغطية
مواجهات الحدود الواسعة. ويلاحظ هنا أن الآية الكريمة عندما تكلمت عن
العاديات لم تتناول التوقيت الذي تتحرك فيه، حيث سيتم استنتاج ذلك من
الآية التي تليها، وإنما تناولت الآية ما يجب أن يراعى أثناء التحرك، فجاء
اللفظ الكريم (ضبحاً) والذي هو الصوت الوسط للخيل بين الصهيل والحمحمة،
وكأنما تريد الآية الكريمة أن تدعونا إلى أن تحرك العاديات المقترب في
اتجاه العدو لا بد أن يكون تحركاً مخفياً لا تصدر فيه عن الخيل أصوات
عالية، وإنما أصوات مقبولة لا تكشف تحرك القوات. ولعل ذلك واضح من خلال
حديثنا عن هذه الصورة في المعركة الهجومية التي تتم في عصرنا اليوم