«محلب الناقة» حوض تطهير أمام معبد لحياني
جولة: د. محمد الحربي تصوير: ماجد العتيق عندما نشرت "عكاظ" الشهر المنصرم تحقيقا ضمن صفحة "كشف المستور" في منطقة
جبل القهر التابعة لمحافظة الريث بمنطقة جازان وتساءلت فيه ان كانت ناقة
صالح عليه السلام قد خرجت من صخرة في جبل القهر؟ كما تشير بعض الآثار
الموجودة في المنطقة وكما اشار لها أحد الباحثين. تلقيت اتصالات ورسائل
عديدة ترفض مجرد القبول بالفكرة استنادا على ان ناقة صالح عليه السلام كانت
في منطقة "الحجر" شمال شرق العلا وان "محلب الناقة" مازال موجودا في
المنطقة وكذلك "بئر الناقة" موجودة في منطقة "الحجر" و "جبل الحوار" الذي
دخل فيه فصيل ناقة صالح عندما هرب بعد ان قتلت امه. فهل صحيح ان كل هذه
الآثار كما قالوا تعود لقوم ثمود الذين كان فيهم نبي الله صالح عليه السلام
في العصر الذي عاش فيه الثموديون. توجهت الى هناك باحثا عن "محلب
الناقة".. وقد وجدته في منطقة "الخريبة".. وليس في الحجر كما يقولون. اما
"بئر الناقة" فهو في "الحجر" بجانب القلعة العباسية وقد تحدثت عنه في
الحلقة السابقة.
اما "جبل الحوار" الذي يقولون انه الجبل الذي
هرب اليه فصيل ناقة صالح ولم يخرج منه حتى اليوم. والذي تتردد حوله الكثير
من الاساطير عن اناس يسمعون صوت فصيل الناقة يصدر من جوف الجبل كل يوم جمعة
وان الابل تجفل ذعرا اذا مرت بالقرب من الجبل يوم الجمعة.
و "مبرك
الناقة" الذي يقع في جوبة الحجر شمال غرب العلا على بعد 49 كيلو مترا
تقريبا وجنوب محطة ابو طاقة على بعد 16 كيلو تقريبا، وهو الموقع الذي يعتقد
بعض المفسرين والمؤرخين ان "ناقة صالح" عقرت فيه وهو عبارة عن فج بين
جبلين عاليين.
مفاجآت بالجملة
ولكن الحيرة تزداد والمفاجآت
تتوالى الاسئلة تكثر ولكن تقصر عن بلوغ اجاباتها.. وكل ما في المكان يزداد
غموضا.. حول "الحجر" و "محلب الناقة" و "بئر الناقة" و "مبرك الناقة". فهل
تثبت انها تعود للثموديين ام الانباط ام غيرهم؟
محلب الناقة
مطلق
سليمان احمد المطلق باحث آثار في إدارة الآثار والمتاحف في الهيئة العليا
للسياحة والآثار بمحافظة العلا يقول: لابد من العودة الى تاريخ هذا المكان
الذي يقع فيه الحوض المسمى "محلب الناقة" فهذا المكان يعود لتاريخ دولة
ديدان ولحيان ويعود تاريخه للقرن السادس قبل الميلاد ويذكر ان اول من اكتشف
هذا المكان هم المعينيون، ولكن يظل الديدانيون هم الاشهر في هذا الموقع،
اذ كان المعينيون في الجنوب وحامية اقتصادية في هذا المكان وعلى علاقة مع
البطالمة في مصر، واستمرت العلاقة مع وجود الديدانيين والمعينيين جنبا الى
جنب، واللحيانيين عندما انبثقت تلك العائلة اللحيانية من خلال دولة ديدان
واصبحت دولة لحيان اشهر ولها علاقات ايضا مع المعينيين واستقروا هنا وعملوا
واجهات مقابر معينية في جنوب الموقع وانتهت الحضارة اللحيانية حوالي منتصف
القرن الثاني قبل الميلاد على ايدي الانباط عندما سيطروا واستقروا شمال
هذه المنطقة في منطقة الحجر واتجهوا جنوبا ليسيطروا على هذا المكان تجاريا
وبدون حرب في منتصف القرن الثاني قبل الميلاد ولهم رسومات وكتابات ونقوش
كثيرة وبعض البقايا التاريخية. ويضيف المطلق: اما فيما يختص بما يسمى "محلب
الناقة" فهو لايعدو كونه حوض تطهير منحوتا امام معبد لحياني قديم كما ذكره
الرحالة جوسين وسافنياك وكانت لهما بعض الصور لبعض بقايا الاعمدة التي
كانت من بقايا المعبد القديم وقد يكون من ضمن العلاقات ما بين البطالمة في
مصر وهذه المنطقة فكانوا يعملون دائما امام المعابد احواضا منحوته للتطهير
من ضمن هذه العلاقة، خاصة موجود في سرابيط الخادم في مصر فوجود مثل هذه
الاحواض كدليل وهذا ما هو ثابت علميا فهذا الحوض ليس الا حوض تطهير يسمى
محليا بمحلب الناقة وقد اكتسب هذا المسمى من اهالي المنطقة واصبح دارجا
بينهم باسم "محلب الناقة" ولا علاقة له بالثموديين وبناقة صالح عليه
السلام. ويضيف المطلق بعد سقوط الانباط على ايدي الرومان هناك من خرج من
هذا الوادي "الخريبة" وسكن في البلدة القديمة التي يعود تاريخها الى القرن
الثامن الهجري ولكن انا من الناس الذين يقولون بأنها كانت قلعة قديمة واقدم
من هذا التاريخ وهي القلعة المسماه "قلعة موسى بن نصير" ولكنها اعيد
بناؤها عدة مرات وهي تتوسط القرية التي تمتد منها شمالا وجنوبا وبعد ان
سيطر الانباط على هذه المنطقة واشتغلوا بالزراعة كانت المنطقة جنات وعيونا
والمنطقة تعتبر الكرة العربية في فترة الرومان بعد 106 ميلادية فاختلطوا في
مجموعات من بقايا الديدانيين واللحيانيين والانباط والعرب عموما في هذا
المكان. فاصبحت حكومات او دويلات وادي القرى. واصبحت تسمى "وادي القرى"
قبيل الاسلام وكانت تمر رحلات الشتاء والصيف من هذا الوادي الى ان فتحت
"العلا" وادي القرى عنوة ومر الرسول صلى الله عليه وسلم فيها اثناء توجهه
لغزوة تبوك فاكتسب هذا الوادي شهرته كمحطة رئيسية للحجاج بعد ان اصبحت فيئا
من افياء المسلمين وعلى ضوء ذلك وبعد انتشار الاسلام وبعد فتح تبوك اصبحت
البوابة الشمالية للفتوحات الاسلامية المظفرة في شمال افريقيا وفي الاندلس
وفي بلاد الشام وفي بلاد الرافدين فاكتسبت المنطقة اهمية اكبر. واصبح هذا
الوادي اضافة الى ما فيه من نقوش وكتابات وآثار وما يتمتع به من طبيعة
خلابة وتربة خصبة وكثرة قراه حتى يقال انه لاتكاد تختفي قرية حتى تظهر قرية
اخرى اصبح يحظى بوفرة العلم فيه والعلماء والحجاج لابد ان يمروا به واصبحت
قبائل تأتي اليه وتذهب قبائل الى ان استقرت فيه القبائل الموجودة فيه الآن
منذ مئات السنين وهم سكان الوادي الحاليون.
وقديما كان سليمان بن
عبدالملك يأخذ لابنائه معلمين من وادي القرى وكان من بينهم سليمان بن زيدان
فاستمر التعليم في هذا الوادي الى ان وصلوا الى الفترة الحديثة فمعظم
ابناء العلا متعلمون تعليما جيدا حتى كبار السن المشهورون منهم الذين
قابلناهم مثل "سالم بن جمعة" رحمه الله الذي توفي قبل عامين و "عبدالقادر
نوح" واخرين من كبار السن الذين كانوا على درجة كبيرة من العلم حتى ان
كثيرين ممن يزورون "العلا" كانوا يستغربون ويقولون انها المرة الاولى التي
يزورون فيها منطقة كل كبار السن فيها متعلمون. ومن ضمن من قابلناهم من كبار
السن هؤلاء من درس على ايدي العثمانيين الاتراك مثل "سالم بن جمعة" الى ان
جاءت الفترة الحديثة في العهد السعودي الميمون وهكذا تعاقبت على هذا
الوادي "وادي القرى" حضارات عديدة من الثمودية والديدانية واللحيانية
والمعينية والنبطية والرومانية ثم الاسلامية وصولا الى عهد الدولة السعودية
ليكتشف كل من يمر بالعلا وبوادي القرى انه يمر بـ "8" حضارات قديمة وضاربة
في عمق التاريخ بكل شواهدها خلال "20" دقيقة فقط. وهو نادر ولايتوفر في
غير "وادي القرى".
http://www.okaz.com.sa/okaz/osf/20080305/con20080305177731.htm