في بحث مكثّف أجرته مجلة "دير شبيغل" الأسبوعية الألمانية، في 4 حزيران/ يونيو، حول صفقات الحكومة الألمانية العسكرية مع إسرائيل، تبيّن أن الأخيرة في صدد تجهيز غواصات قدمتها لها ألمانيا -وبتمويل كبير منها- بصواريخ عابرة تحمل رؤوساً نووية. ونفت برلين باستمرار أن يكون في إمكان هذه الغواصات أن تشكل جزءاً من الترسانة النووية الإسرائيلية.
ورغم النفي الحكومي السابق لهذا الأمر، إلاّ أن مسؤولين سابقين في وزارة الدفاع الألمانية قالوا للمجلة إنهم لطالما توقعوا أن تنشر إسرائيل أسلحة نووية على الغواصات.
لكن الناطق باسم الحكومة الألمانية، ستيفن شيبيرت، إكتفى بالقول إنه لا يشارك في "التكهنات" المتعلقة بالترسانة الإسرائيلية النووية، مشيرا إلى أن ألمانيا لم تفرض شروطا حول ما ستفعله إسرائيل بغواصاتها عند تسلمها. وقال: "لا يمكنني تأكيد وجود مواد مماثلة".
وأشار شييبرت، في 4 حزيران/ يونيو، إلى أن المسؤولية التي تتولاها ألمانيا في مجال ضمان أمن إسرائيل، تشكل أساسا للسياسة الخارجية الألمانية، و"تقوم سياسة الحكومة الحالية، كما الحكومات السابقة، على تواصل واستمرارية هذه العملية التي تضم توريد الغواصات ضمنا إلى الدولة اليهودية".
وقالت المجلة إن تلك الغواصات ستزود بالصواريخ من طراز "Popeye Turbo SLSM" التي يبلغ مداها 1500 كيلومتر. وتم تصميمها وتصنيعها من قبل مؤسسة عسكرية إسرائيلية. وبوسعها أن تحمل عبوة نووية تزن 200 كيلوغرام. ويمكن إطلاق تلك الصواريخ باستخدام نظام إطلاق هيدروليكي سري.
وأضافت درشبيغل أن الحكومة الألمانية تعلم منذ عقود ببرنامج إسرائيل لتسليح تلك الغواصات بصواريخ نووية؛ رغم النفي الألماني الرسمي لذلك.
فقد أوضحت وثائق لوزارة الخارجية الألمانية، إطلعت عليها المجلة، أن الحكومة الألمانية تعلم ببرنامج إسرائيل لتزويد الغواصات الألمانية الصنع بصواريخ نووية منذ عام 1961، وأنه في العام 1977 تحدث المستشار الألماني آنذاك، هلموت شميدت، إلى وزير الخارجية الإسرائيلي موشيه دايان عن الموضوع.
يشار إلى أن البحرية الإسرائيلية لديها ثلاث غواصات ألمانية من طراز "دولفين"، وتسلمت الغواصة الألمانية الرابعة في 3 أيار/ مايو2012، في خلال مراسم احتفال رسمية جرت في أحواض شركة HDW في مدينة "كييل" الألمانية، شارك فيها مدير عام وزارة الدفاع الإسرائيلية اللواء في الاحتياط، أودي شاني، وقائد سلاح البحرية اللواء رام روتنبرغ، ومسؤولون عسكريون ألمان وأُطلق إسم "أحي تنين" (التمساح) على الغواصة الجديدة التي من المتوقع أن ترسو في شواطئ إسرائيل خلال العام القادم 2013، بعد اجتيازها المزيد من الاختبارات.
وكان وزير الدفاع، إيهود باراك، وقّع في نيسان/ أبريل، إتفاقا مع ألمانيا لبناء وتزويد إسرائيل بغواصة حديثة متقدمة من هذا الطراز، من المتوقع أن يتم تسليمها في عام 2017، بحيث تصبح الغواصة السادسة التي يمتلكها سلاح البحرية، بعد أن يتسلم الغواصة الخامسة عام 2015.
وتُـعد "دولفين" إحدى أكثر الغواصات في العالم تطورا وتقدما، وهي الغواصة الأعلى سعرا التي يقتنيها الجيش الإسرائيلي.
ووفق معلومات الموقع الإلكتروني لصحيفة هآرتس الإسرائيلية، ستمول ألمانيا هذه الصفقة- أي عقد الغواصة السادسة- بمبلغ 135 مليون يورو، ما يعادل ثلث ثمن الغواصة، بعد أن صادق عليها البرلمان الألماني بعد مفاوضات بين الدولتين استمرت ثلاث سنوات.
وجاءت المصادقة على هذه الصفقة بعد أن حررت إسرائيل أموال الضرائب الفلسطينية التي احتجزتها في أعقاب قرار اليونسكو بقبول فلسطين عضوا فيها.
وتستطيع الغواصات الست حمل صواريخ يصل مداها إلى 1500 كيلومتر، وتحمل رؤوسا حربية نووية، وقادرة على توجيه "الضربة النووية الثانية" في حال تعرّض إسرائيل لهجوم بأسلحة نووية، كما أن هذه الغواصات تتميز بقدرتها الكبيرة على الخفاء في البحار والبقاء في أعماق البحار والمحيطات لفترة طويلة.
وسيتم إدخال تحسينات على الغواصات الثلاث الجديدة، أكثر تطورا من الغواصات الثلاث الأولى.
ويعتقد مسؤولون كبار في سلاح البحرية الإسرائيلي وقيادة الجيش ووزارة الدفاع أن امتلاك إسرائيل مثل هذه الغواصات الألمانية الحديثة والمتطورة سيزيد من قوة ذراع سلاح البحرية، ويعزز مقدرته على القيام بعمليات بعيدا عن المياه الإقليمية الإسرائيلية.
في هذا الإطار، أكد اللواء أبراهام بوتسر الذي تولى قيادة سلاح البحرية بين السنوات 1968 – 1972، وكان عضوا في هيئة الأركان العامة، في مقابلة أجرتها معه صحيفة "هآرتس"، ونشرتها في 30 حزيران/ يونيو2011، أكد أنه ليس بمقدور سلاح الجو الإسرائيلي توجيه ضربة لإيران وعرقلة برنامجها النووي، لكن الغواصات التي بإمكانها إطلاق صواريخ تحمل رؤوسا متفجرة نووية قادرة على القيام بـ"ردع استراتيجي".
وأردف أن "قادة سلاح الجو المنتشين من تفوقهم في حرب الأيام الستة (في العام 1967)، آمنوا أنه سينجح بالطريقة نفسها في الحرب المقبلة، وأقنعوا بذلك جميع أعضاء هيئة الأركان العامة والقيادة السياسية، وكان هذا وهم".
وعقب بوتسر قائلا إنه "قد تم إيهامنا مرتين خلال حروب إسرائيل بأنه فقط إذا كانت لدينا قوة جوية كبيرة فإننا سنحسم المعارك، المرة الأولى كانت في حرب يوم الغفران (1973)، فقد استعاد سلاح الجو التفوق الجوي في الحرب في منطقة القناة فقط، وذلك بعدما احتلت المدرعات قاعدة الصواريخ (المصرية) الأخيرة في الجبهة وأزالت التهديد، وذلك من دون مساعدة جوية". والمرة الثانية في حرب لبنان الثانية في العام 2006، "عندما اعتمدنا على أن سلاح الجو سيدمر حزب الله، ولذلك لم نستدع الاحتياط ولم نُدخل القوات البرية (لاجتياح جنوب لبنان) مسبقا، وكانت النتيجة أن سكان الجليل خرجوا من الملاجئ فقط بعد التوصل إلى الاتفاق المخزي، وهو مخز لأنه تحت رعايته عزز حزب الله قوته منذ ذلك الحين".
واعتبر أنه "يجب أن يكون بحوزة إسرائيل أسطولا مؤلفا من 8 أو 9 غواصات"، ويقدّر أنه لا توجد لدى سلاح الجو القدرة على القيام بهجوم ناجح ضد إيران وتدمير منشآتها النووية، وأنه في وضع كهذا يتعين على إسرائيل الاعتماد على "الردع الاستراتيجي"، في إشارة إلى القدرة النووية الإسرائيلية.
وأكد بوتسر أن "ردع الولايات المتحدة وغيرها من الدول العظمى الكبرى في فترة الحرب الباردة، واليوم أيضا، مبني على الغواصات"، وأن "استراتيجية الغواصات تشكل ركنا هاما في بناء القدرات النووية في أي عقيدة استراتيجية لتوجيه الضربة الثانية (النووية)ن التي بإمكان الغواصات التي يصعب رصدها (بالرادارات) فقط تنفيذها".
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك، في رسالة تهنئة بشراء الغواصة السادسة: "إن الغواصة ستعزز قدرة وإمكانات إسرائيل، حيث أن سلاح البحرية الإسرائيلي يشهد تغييرات استراتيجية عدة خلال الأعوام الاخيرة، وهي تضعه كرأس حربة في الدفاع عن أمن وسلامة إسرائيل، جنبا إلى جنب مع الجيش الإسرائيلي."
وأضاف باراك: "إن هذا الاتفاق يعكس قوة العلاقات بين ألمانيا وإسرائيل، والتزام الحكومة الألمانية القوي تجاه أمن إسرائيل."
تثبت هذه الوقائع مدى الإلتزام الألماني، ليس بأمن إسرائيل فقط وليس بالتفوق الإسرائيلي، بل بتمكين إسرائيل من امتلاك "الردع الاستراتيجي" ما يجعل من القوة البحرية الإسرائيلية الخفية بواسطة غواصات الدولفين الست - حتى الآن – ذراعاً طويلاً يهدد أمن المنطقة بأسرها، ويوفر لها القوة التدميرية في إبادة شعب كامل.
ونورد هنا، للذاكرة فقط، أن إسرائيل "استاءت" وتوترت علاقتها مع ألمانيا في نيسان/ أبريل الفائت، عندما نشر الكاتب الألماني الحائز على جائزة نوبل للآداب غونتر غراس قصيدة تحذّر من أن امتلاك إسرائيل السلاح النووي" قد يمحو الشعب الإيراني بضربة واحدة".
في المقابل، منعت ألمانيا الجيش اللبناني من إمكانية حصوله على بعض مدرعات ليوبارد قديمة العهد، كانت بلجيكا قررت الاستغناء عنها، واستخدمت ألمانيا حقها في ذلك كونها الجهة المصنعة.
المصدر
http://www.sdarabia.com/preview_news.php?id=26447&cat=9
بإنتظار أرائكم وتعليقاتكم وشكراً