بعد فشل استراتيجية العسكرية العسكرية في حرب
(2006م) إشترت القوات الجوية الإسرائيلية (125) طائرة حربية من طرازي إف-15 أي و إف-16 أي المزودة بأحدث أجهزة الطيران الإلكترونية، وخزانات
إضافية للوقود صممت لتوجيه الضربات الجوية لأهداف بعيدة عن إسرائيل،
وبالإضافة إلى ذلك، اشترت إسرائيل قنابل متطورة يمكنها اختراق التحصينات،
وطورت أعدادا كبيرة من الطائرات بدون طيار، بينما ركزت تدريبات سلاحها
الجوي على المهام طويلة المدى. من جانب آخر يقول مركز الدراسات
الاستراتيجية في واشنطن إن لدى إسرائيل سجل في توجيه ضربات استباقية ضد
أهداف نووية في المنطقة. ففي يونيو عام 1981 وجهت إسرائيل ضربة
جوية للمفاعل النووي العراقي "تموز" بالقرب من العاصمة بغداد. وفي شهر
(سبتمبر 2007شن الطيران الإسرائيلي هجوما على إحدى المنشآت
في سوريا كانت تعتقد إسرائيل والولايات المتحدة والعديد من الخبراء أنه
مقاعل نووي تحت الإنشاء.غير أن الضربة
المحتملة ضد إيران لن تكون بمثل سهولة الهجمات التي شنتها إسرائيل ضد
الهدفين العراقي والسوري سابقا ولا بطبيعتها، حيث كانت الضربتان السابقتان
موجهتين ضد أهداف فوق الأرض، وكانت الطائرات الاسرائيلية قد ظهرت بشكل
مفاجئ.
من هنا فالضربة المحتملة ضد إيران
لتدمير البرنامج النووي الإيراني بشكل كبير يجب أن تراعي عدة مشاكل، منها
النطاق، وتعدد الأهداف، وطبيعة هذه الأهداف أيضا، فكثير من هذه المشاكل
تمثل صعوبة في حد ذاتها، ولكن عند وضعها معا، فهي تزيد من تعقيد التحديات
التي يواجهها المخططون العسكريون في إسرائيل.
إشكاليات الوصول الى إيران:
بداية،
الطريق من إسرائيل إلى إيران طويلة جداً، وكتقدير تقريبي، يقع العديد من
الأهداف المحتملة على بعد 1,500 كم حوالى 930 ميلاإلى 1,800 كم 1,120 ميلا
تقريبا من القواعد الإسرائيلية.
ومن هنا، فالطائرات الحربية الإسرائيلية ستحتاج أن تصل إلى ايران، وبنفس القدر من الأهمية، ستحتاج أن تعود مرة أخرى.
وهناك ثلاث طرق ممكنة على الأقل للوصول إلى إيران:
أولا:
الطريق الشمالي: حيث يمكن للطائرات الإسرائيلية أن تتوجه نحو الشمال، ثم
نحو الشرق بطول الحدود بين تركيا وسوريا، ثم بين ثم تركيا والعراق.
ثانيا:
الطريق المركزي: وهو الذي يشير الى ان هناك احتمالية لمرور الطائرات
الإسرائيلية من فوق العراق. فبعد رحيل القوات الأمريكية من العراق، ستكون
السلطات العراقية أقل قدرة على رصد ومراقبة مجالها الجوي، مما يفتح الباب
بشكل فعال أمام توغل إسرائيلي في الأجواء العراقية وخاصة في المجال الجوي
لشمال العراق.
ثالثاً: الطريق الجنوبي: الذي
ستمر فيه الطائرات الإسرائيلية عبر المجال الجوي للمملكة العربية
السعودية. والسؤال هنا: هل ستغض السعودية الطرف عن مثل هذا التحرك، مع
الأخذ في الاعتبار وجود مخاوف لدى اسرائيل بشأن البرنامج النووي الإيراني؟
ولكن هل يمكن للطائرات الإسرائيلية أن تتخذ نفس الطريق عند العودة؟ ببساطة،
نحن لا نعرف.
لاشك
ان عملية عسكرية بهذا الحجم ومع هذا المسافة الطويلة، تكشف أن الطائرات
الإسرائيلية ستحتاج إلى التزود بالوفود في طريقها (كانت هناك مشاورات
سعودية امريكية اسرائيلية حول السماح للطائرات الاسرائيلية باستعمال المجال
الجوي السعوديللمرور بعد ان تمر الطائرات عبر الاردن باتجاه الاجواء
السعودية، وكانت الملك قد ابدى موافقته مع بعض التحفظ).
التزود بالوقود:
في
قضية التزود بالوقود يقول دوغلاس باري وهو خبير بارز في مجال الطيران
العسكري في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (آي آي إس إٍس) في لندن:
"إن إعادة التزود بالوقود في الجو سيكون أمرا حرجا بالنسبة للطيران
الاسرائيلي ".ويضيف: "الطائرات الإسرائيلية لا تحتاج فقط للدخول والخروج من
المجال الجوي الإيراني، ولكنها تحتاج أيضا إلى وجود وقود يكفي لإمدادها
بالوقت المطلوب للوصول لأهدافها، ووقود يكفي كذلك إلى تغطية أي حالات طارئة
قد تظهر أثناء العملية". وبين باري أن المحاولة الأولى للتزود بالوقود
يمكن أن تتم فوق البحر المتوسط، أو داخل المجال الجوي الإسرائيلي.
ووفقاً
لمركز الاستراتيجيات العالمي: يحتمل أن إسرائيل تمتلك ما بين ثمان إلى عشر
ناقلات كبيرة من نوع طائرة (بوينغ 707 التجارية)، ولكن يرى الخبراء أن
قدرة هذه الناقلات على التخزين سوف تحدد امكانية التغلب على أحد العوامل
المقيدة لنطاق أي عملية جوية، هذا غير إمكانية ان تقوم ايران باطلاق
صواريخها على هذه الناقلات التي تتميز بانها ضخمة وبطيئة قياسا لسرعات
الصواريخ والطائرات المقاتلة.
ما هي الأهداف المحتملة التي يمكن ضربها؟
هذه الاشكالات مثل المسافة، وطبيعة بعض الأهداف، ومدى توافر طائرات التزود بالوقود ستحدد طبيعة ونطاق أي عملية إسرائيلية محتملة.
في
هذا الصدد يقول باري: " سيبحث المخططون الإسرائيليون عن الأهداف التي يمكن
أن تحدث أكبر قدر ممكن من الضرر، وخاصة مع وجود عدد محدود من المنصات التي
تتحكم فيها". وأضاف: " سيسألون عن الأماكن الرئيسية التي تصيب البرنامج
الايراني في مقتل، ومن الواضح أن استهداف منشآت تخصيب اليورانيوم سيكون له
معنى من وجهة النظر العسكرية ".
وبالتالي،
فإن منشآت تخصيب اليورانيوم في مفاعل (ناتانز) جنوب طهران، و(فوردو) بالقرب
من مدينة قم الدينية، ستكون من أبرز المنشآت في قائمة الأهداف
الإسرائيلية. وهناك أيضا مفاعل لإنتاج الماء الثقيل، وآخر تحت الإنشاء في
مدينة (أراك) غربا، قد يكون هدفا بارزا أيضا، وكذلك مفاعل تحويل اليورانيوم
في أصفهان. وليس من الواضح ما إذا كانت إسرائيل ستملك القدرة على ضرب
مجموعة من الأهداف الأخرى المرتبطة بالبرنامج الصاروخي لإيران وبرنامج
اختبار المتفجرات.
لكن هذه القائمة من
الأهداف تثير مجموعة أخرى من المسائل، فمنشآت التخصيب في ناتانز تقع تحت
الأرض، وكذلك أقيمت المنشأة الجديدة في فوردو على أعماق كبيرة داخل أحد
الجبال.
هل تستطيع إسرائيل تدمير أهداف تحت الأرض؟
قال
باري إنه يتعين الحصول على معلومات استخباراتية جيدة لتنفيذ مثل هذا
الهجوم. ويوضح: "يتعين الحصول على معلومات حول جغرافيا الموقع المستهدف
وطبيعة التربة وتفاصيل تتعلق بتصميم وبنية الغرف الخرسانية الموجودة تحت
الأرض." ويتطلب قصف أهداف محصنة تحت الأرض نوعا خاصا من القنابل. والسلاح
الرئيسي في الترسانة الإسرائيلية هي قنابل "جي بي يو 28"، التي تزن الواحدة
منها أكثر من طنين ويمكن التحكم فيها بالليزر.
ويقول
روبرت هيوسون، محرر مجلة جينز أير لانشيد ويبونز، إن "جي بي يو 28" هي
أكبر سلاح قادر على اختراق الأرض ويمكن استخدامه مع الطائرات المقاتلة. وقد
أجريت على هذه القنابل تعديلات منذ أن استخدمتها الولايات المتحدة أول مرة
عام 1991. وأوضح أن ثمة معوقات أمام استخدام إسرائيل لهذا السلاح بسبب عدة
عوامل هامة. فمن الناحية الواقعية، لا تستطيع طائرات (إف 15 أي) وهي
الوحيدة القادرة على حمل هذا السلاح - حمل أكثر من قنبلة واحدة.
ولذا
سيتعين الحصول على قوة هجومية كبيرة مما يعني الحاجة إلى عناصر دعم أخرى
ليست لدى إسرائيل بأعداد كبيرة. وأشار إلى أن الهجوم يجب أن يكون من مسافة
قريبة نسبيا، مؤكدا على الحاجة إلى "بيانات دقيقية لتحقيق أكبر أثر لهذا
السلاح". وبالطبع فإن المجهول الأكبر يتعلق بمدى استطاعة هذا السلاح تدمير
منشآت التخصيب الإيرانية الموجودة تحت الأرض في ناتانز وفوردو.
القدرات الاستراتيجية والفاعلية:
ويقول
هيوسون إن قنابل "جي بي يو 28" تتسم بالفعالية ضد أي هدف تحت الأرض نوعا
ما"، مضيفا: "بالنسبة لسلاح مثل جي بي يو 28، تحدد السرعة وزاوية التصويب
مقدار فعالية الاختراق. وعليه فإن الصورة المثلى أن تسقط القنبلة من مكان
مرتفع بالسرعة القصوى وإصابة الهدف من زاوية شبه رأسية". ويشير باري إلى أن
قنبلة واحدة قد لا تكفي. وأضاف "ربما تحاول تحقيق ذلك من خلال استهداف نفس
المنطقة بالعديد من القنابل لاختراق الأرض والصخور والخرسانة. أو ربما
تحاول منع الوصول إلى المنشأة بتدمير مداخل الأنفاق". ويضيف: "كافة هذه
المنشآت تحتاج إلى قدر كبير من الكهرباء، ولذا ربما يمكن السعي لتدمير
إمدادات الكهرباء وأي كابلات تحت الأرض". ويوضح أن الهدف سيكون خلق عدد من
المشاكل أمام الإيرانيين عن طريق إغلاق المداخل وقطع الكهرباء وتدمير غرف
تحت الأرض.
هل لدى إسرائيل خيارات عسكرية أخرى؟
إلى
هنا كنا قد ناقشنا المعلومات المعروفة عن إمكانات إسرائيل، وبالأساس
القنابل والمقاتلات التي تمدها بها الولايات المتحدة. غير ان لدى إسرائيل
قطاع إليكترونيات وطيران متطور بدرجة كبيرة، وربما ساعد ذلك على إنتاج نظم
ذات صلة بتنفيذ هجوم على إيران.
في هذا
الصدد يقول باري إن هناك الكثير من التفاصيل المتعلقة بإمكانيات إسرائيل،
ولاسيما التقنية الإسرائيلية التي لا نعرفها. وأضاف "يمكن استخدام طائرات
من دون طيار مثل هيرون وإيتان لتقييم الدمار الذي تسببه أي هجمات، أو لخداع
الدفاعات الجوية". ويشير إلى أن هذا النوع من الخداع سيكون جزءا لا يتجزأ
من العملية، إذ أنه يهدف إلى إعاقة أجهزة الرادار أو خلق صور زائفة لما
يحدث على أرض الواقع.
ماذا عن دفاعات إيران الجوية؟
جاءت
دفاعات إيران الجوية بالأساس من روسيا، ولذا فهي مألوفة للطيارين
الإسرائيليين. كما تستخدم إيران نظام "Hawk" الأميركي الذي يعود لأيام
الشاه. وتضم أهم الدفاعات الإيرانية صواريخ "SA-5" الروسية، التي يمكن
استخدامها ضد أهداف على ارتفاعات عالية.كما أنها تستخدم نظام "Tor-M1/SA-15
Gauntlet" المتنقل الذي يشتبك مع أهداف على ارتفاعات أقل. غير ان روسيا
ترفض إعطاء إيران نظام "S-300" الطويل المدى، ولكن يقول الإيرانيون إنهم
اشتروا بعض بطاريات الصواريخ الخاصة به من أماكن أخرى. وتحمل صواريخ إيران
أرض-جو تهديدا رغم كونها قديمة. ويمكن مقارنة الأمر بما قام به طيران حلف
شمال الأطلسي (الناتو) والولايات المتحدة عند استهداف الدفاعات الجوية في
ليبيا العام الماضي.
ولن يكون لدى إسرائيل
الوقت أو الموارد للقيام بهذه الحملة الجوية لوقت طويل، ولذا فإن العنصر
الإليكتروني في أي ضربة لاستهداف الدفاعات الإيرانية ربما يكون بنفس أهمية
إسقاط قنابل.
الغواصات:
وربما
تلعب الغواصات الإسرائيلية الصغيرة دورا في العملية. ويقول باري إن
"إسرائيل لديها إمكانات صواريخ كروز يمكن إطلاقها من البحر بالاعتماد على
غواصات دولفين الألمانية التي لديها." وأوضح انه يمكن استخدامها لاستهداف
مواقع الدفاع الجوي SA-5 ورادارات الاستطلاع. ولكنه أشار إلى أن إضافة
مشاركة القوات البحرية قد يعقد من جهود التنسيق عند القيام بأي هجمات.
ويعتقد خبراء أن القوات الجوية الإسرائيلية تتفوق على نظيرتها الإيرانية،
التي بها عدد قليل من مقاتلات (F-14 Tomcat) الأمريكية وعدد كبير من
المقاتلات ميغ 29 والتي أمدتها بها روسيا.
لكن
التهديد المحتمل من الطائرات الإيرانية يضفي نوعا من التعقيد على التخطيط
الإسرائيلي، ويضع أي قتال جوي مزيدا من الضغوط على إمدادات الوقود المحدودة
التي تحملها المقاتلات.
هل سينجح الهجوم الإسرائيلي؟
يتفق معظم الخبراء على أن إسرائيل تستطيع ضرب عدة أهداف في إيران وإلحاق قدر كبير من الدمار بالبرنامج النووي.
غير
ان مقدار الضرر سيكون أقل كثيرا من هجوم أمريكي شامل يعتمد على كافة
الموارد الموجودة لدى واشنطن. وسيعمد الاسرائيليون إلى استخدام كل ما في
جعبتهم. ويقول باري: "إذا قاموا بالهجوم، سيكون ذلك استعراضا لقوتها في
مواجهة مجموعة من الأهداف الصعبة والمتفرقة". وأشار إلى أن عدد قليل من
القوات الجوية في العالم يمكنها شن مثل هذه العملية. ولكنه يؤكد أنها حتى
لو حققت نجاحا في ذلك، فلن يفضي الأمر إلا إلى تعطيل البرنامج النووي
الإيراني.
ويتفق هيوسون مع هذا الرأي،
ويقول: "إسرائيل ليس لديها القدر الكبير من القوات ولن يتيح لهم الإيرانيون
الحرية العملياتية المطلوبة لتدمير البنية التحتية النووية داخل إيران."
ويؤكد
على أن نتائج هذا الهجوم ستكون قاسية وستكون على مستوى العالم. وقبل أيام
قليلة، قال رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية الجنرال مارتن ديمبسي إن
الهجوم الإسرائيلي لن يمثل خطوة حكيمة، وأشار إلى إن مثل هذا الهجوم "سيؤدي
إلى زعزعة الاستقرار ولن يحقق أهدافه على المدى الطويل".
المصادر التي تمت عنها الترجمة:
...............................
- تقارير مركز الدراسات الاستراتيجية/جامعة واشنطن. حول كل من ايران واسرائيل 2006-2011.
تقارير مركز هرتزليا للدراسات والابحاث الامنية.
عن تقرير لدوغلاس باري: وهو خبير بارز في مجال الطيران العسكري في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (آي آي إس إٍس) في لندن.
دراسة لروبرت هيوسون، محرر مجلة جينز أير لانشيد ويبونز.