المعمـّرون يجرّدون الجزائريين من أملاكهم خاصة شركة سوناكوم و....بموافقة القنصل الفرنسي في الجزائر
أقرت جهات قضائية بالجزائر،
بوجود ''حملة'' يقودها معمرون، غادروا الجزائر خلال وبعد الاستقلال، لاسترجاع
''أملاكهم'' التي حوّلتها الدولة الجزائرية للمنفعة العمومية، من خلال عقود ملكية
يفترض عدم إعادة النظر فيها بعد 46 سنة من الاستقلال، لكن تحرك المعمرين منذ سنوات
قليلة، وتعاطي القضاء مع دعواتهم لاسترجاع ممتلكاتهم، وضع علامات استفهام عدة حول
حقوق الجزائريين، من جهة، ومبدأ السيادة الوطنية من جهة ثانية.
كشفت مصادر من
سلك العدالة تشتغل على ملفات يطالب فيها معمرون باسترجاع عقاراتهم الثابتة من أراض
وسكنات لـ ''الخبر''، أن مواطنا جزائريا ''م.ي'' قالت أنه ''يهودي'' جعل نفسه وكيلا
لأعمال جميع المعمرين الذين بقوا لفترة معينة في الجزائر بعد الاستقلال ويعمل حاليا
جاهدا من خلال رفع دعاوى قضائية ضد مؤسسات عمومية عمرها بعمر الاستقلال، وخواص من
أجل طردهم من العقارات والسكنات التي يشغلونها، خاصة في العاصمة والولايات الكبرى،
بحجة أنها ملك فرنسيين غادروا الجزائر، محملا بـ ''عقود ملكية'' تعود إلى سنوات
العشرينيات والثلاثينيات، بينما يحوز الجزائريين على عقود تحصلوا عليها بعد
الاستقلال، غير أن العدالة حكمت لصالح الفرنسيين من خلال قرارات بـ''الطرد'' ضد
شاغلي العقارات من الجزائريين، بما في ذلك المؤسسات العمومية.
''الغزو الجديد''
للمعمرين طال شركة ''سوناكوم'' من خلال مقراتها بكل من العاصمة ووهران، حيث قضت
العدالة بطردها منها مؤخرا، بعد ''تحرك'' وكيل المعمرين وهو جزائري من أصول يهودية،
مثلما أشار مصدر قضائي يشتغل على الملف، قالت أنه ''لا يحوز على وكالة من مسؤولي
شركة فرنسية تسمى ''فانسون'' وهي شركة كانت تختص بتوزيع سيارات ''بيجو'' بالجزائر،
تأسست سنة 1914، وكان مقرها الاجتماعي في 140 شارع سادي كارنوت، حسيبة بن بوعلي
حاليا، غير أنه بعد الاستقلال وبالضبط سنة 1964 ارتكب مسؤولوها، مخالفات جمركية
وجزائية، كالتزوير وتحويل الأموال مما أضر بالخزينة العمومية، كما ورد في نص
''حكم'' صدر عن محكمة الصديقية بوهران شهر أفريل 2007، بينما فر حينها مسؤوليها إلى
بلدهم بعد ثبوت التهم وتركوا أملاكهم المرتبطة بالشركة بما في ذلك قطعة أرض مساحتها
11 ألف متر مربع .
تمليك فوق ملكية؟
ومن أهم
الأملاك التي تعمل الشركة الفرنسية على استعادتها، قطعة أـرضية كائنة بشارع 20 أوت
1955، بالمسجد العتيق سابقا بوهران، جزء منها مبني عليه، وجزء آخر شاغر، يتبعها عقد
ملكية يعود إلى سنة 1919، حيث بعد الفضيحة التي ارتكبها مسؤولو ''فانسون'' اتخذ
وزير المالية آنذاك قرارا يقضي بتعيين محافظ حكومي لتسيير الأموال التابعة لها، بما
في ذلك محلات واقعة بنفس الشارع والتي أصبحت بعد ذلك ملك ''سوناكوم'' بوهران،
بالإضافة إلى مقر شركة ''سوناكوم'' حاليا والواقع بشارع محمد الخامس وسط الجزائر،
إذ تمّ الأمر بناء على اتفاق بين المحافظ المعين ومدير عام سوناكوم في ديسمبر1971،
غير أن الحبل الذي لعب عليه ممثل الشركة الفرنسية الذي يقاضي سوناكوم بالجزائر من
أجل طردها، هو أن المحافظ الحكومي آنذاك انتهت مهمته بالتوقيع على الاتفاقية دون
منح شركة ''سوناكوم'' أي سند للملكية ولإيجار المحلات. وعلاوة عن ذلك يرتكز على
قرار من المحكمة العليا اتخذ في جانفي 2000 وآخر صدر عن مجلس قضاء الجزائر في جوان
من نفس السنة يقران بوجود الشركة الفرنسية ''فانسون'' طبقا للقانون، وأعطى لها الحق
في استرجاع ذمتها العقارية، كما أن العقارات التي وضعت تحت تصرف سوناكوم لم تسجل
قبل ذلك ضمن الأملاك الشاغرة، مما يعني في نظر وكيل الشركة الفرنسية أن ''الذمة
العقارية لا تزال تابعة لـ''فانسون'' وهي النقطة التي غلبت الكفة لصالح الفرنسيين
وتم بناء عليها إقرار طرد شركة سوناكوم التي كانت تسمى في السبعينيات بـ''المؤسسة
الوطنية لتوزيع السيارات الخاصة ًِّل'' رغم أنه -مثلما ورد في نص دفوع شركة
سوناكوم- أن الشركة الوطنية ''حازت على الملكية بعقدي بيع حملا رقمي 68 و69 مسجلين
ومشهرين بالمحافظة العقارية بمقرر صدر يوم 05 سبتمبر 1999، الأمر الذي طرح التساؤل
بشأن ''تحويل الملكية للشركة الفرنسية دون إلغاء عقد الملكية الذي تحوّل لفائدة
''سوناكوم''؟
الفضيحة الكبرى..
يقول المصدر الذي
يشتغل على الملف، أن قرار الطرد وإعادة ملكية العقارات للشركة الفرنسية'' فضيحة
كبرى'' ويقدم سببا بسيطا وواحدا بمثابة دليل هو أن ''وكيل شركة ''فانسون'' وهو
وكيل كل المعمرين الذين غادروا الجزائر لا يحوز على وكالة مكتوبة من مسؤولي الشركة
الفرنسية للتقاضى باسمها حتى يرفع الدعوى القضائية ضد الشركة الوطنية من أجل طردها
في بلدها''، علاوة على فقدان ''فانسون'' للشخصية المعنوية.
كما أن دفاعه في وضع
غير قانوني طالما أن التوكيل الذي يفترض أن يصادق عليه موثق، غير موجود. وفي سؤال
عن خلفيات كسب ''الوكيل'' للقضية طالما أن مسألة طلب السلطات للوكالة أمر بديهي، رد
''هناك إرادة من أشخاص من بينهم الوكيل ''الوهمي'' وأطراف أخرى نافذة للاستيلاء على
العقارات''.
استفهامات كثيرة طرحتها هاته القضية، حسب متتبعي أطوارها، لماذا لم
تتحرك السلطات العمومية لإبطال قرار الطرد في الوقت الذي تحوز فيه سوناكوم على عقد
الملكية؟ مع الإشارة إلى أن تنفيذ قرار الطرد اصطدم لدى الوكيل ''الوهمي'' والأطراف
التي تقف وراءه بعدم وجود الوكالة من الشركة الفرنسية وهي الوثيقة التي دوّنها
وتستحيل معها عملية الطرد.
وليست قضية النزاع بين سوناكوم والشركة الفرنسية
''فانسون'' الوحيدة في قضايا المعمرين الذين يجتهدون لاسترجاع ممتلكاتهم بالجزائر.
ففي نزاع مماثل، حكم بطرد شركة الخطوط الجوية الجزائرية من مقرها الكائن بشارع
موريس أودان وسط العاصمة، وهو المقر الذي يضم كذلك الديوان الوطني للثقافة
والإعلام، بعد رفع شركة فرنسية لأصحابها المعمرين، كانت تشتغل في الجزائر، كما يوجد
مقر التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية بشارع ديدوش مراد بالعاصمة قيد التهديد
بنقل ملكيته لمعمرة رفعت هي الأخرى دعوى قضائية لاستعادة ''ملكها''، وكذلك الأمر
بالنسبة لفندق ''السفير'' بشارع عسلة حسين الذي يسعى معمرون إلى استعادته، حيث تبقى
خلفيات ''غزو المعمرين'' منذ سنوات قليلة مجهولة يتبعها تساؤل بشأن الأطراف التي
تسهل للمعمرين العودة إلى الجزائر والاستيلاء على عقارات يفترض أنها تحولت إلى
''ملكية وطنية'' بقرارات سيدة''.
عن جريدة الخبر الصادرة اليوم 28/08/2008