الدكتور الفرنسي جون بيار بيرولو لـ ''الخبر''
مجازر 8 ماي في قُّالمة تشبه مجازر منظمة الجيش السري في المدن
يتحدث المؤرخ الفرنسي، جون بيار بيرولو، في حوار خاص لـ ''الخبر'' عن نتائج البحث الذي قام به خلال السبع سنوات الأخيرة والذي خصصه لأحداث 8 ماي 1945 بشرق الجزائر. وفي مذكرته التي عرضها في سبتمبر الماضي بمدرسة الدراسات العليا في علم الاجتماع والتاريخ بباريس تحت عنوان ''ُّالمة 8ماي 1945 '' قمع أوروبي في المقاطعة القسنطينية إبان الجزائر فرنسية''، السياسة الاستعمارية في مواجهة الإصلاحات الوطنية، حاول بيرولو في هذه الدراسة الكشف عن الهوية الحقيقية لمن كان وراء هذه المجازر استنادا للوثائق الأرشيفية.
أولا هل لنا أن نعرف ما الذي دفعك للبحث المكثف في مجازر 8 ماي 45 التي شهدها الشرق الجزائري؟
قبل سبع سنوات كنت بصدد القيام ببحث حول الدور الذي لعبته الشرطة في الجزائر إبان الحقبة الاستعمارية، ولكنني عثرت على عدة وثائق من الأرشيف حول مجازر 8 ماي وهو ما حمّسني لمواصلة العمل الذي قام به قبلي عدد كبير من المؤرخين، وذلك بهدف الكشف عن حقائق أخرى من شأنها إزالة الشكوك حول عدة قضايا تخص هذه المجازر.
عكس الدراسات الأخرى، فإن الهدف من وراء دراستك كان الكشف عن المسؤول الحقيقي عن هذه الأحداث، أليس كذلك؟
نعم، فقد حاولت من خلال هذه الدراسة التعرف عن المسؤول الرئيسي الذي قمع الحركة الوطنية الجزائرية التي كان حزب الشعب الجزائري يعد لها. صحيح أن الجزائريين دافعوا عن أنفسهم بطريقة عنيفة، حيث سقط 12 ضحية من الأوروبيين، لكن لا يمكننا المقارنة بين ذلك وبين ما قام به الأوروبيون. الحقيقة كانت أن الأوروبيين في ُّالمة، وهي المنطقة التي ركزت عليها في دراستي، أرادوا قمع الحركة الوطنية الجزائرية من جهة، ومن جهة أخرى أرادوا الانتفاضة ضد الإصلاحات التي كانت الحكومة الفرنسية المؤقتة قد باشرتها بداية من1944 والمتعلقة أصلا بقانون منح الجنسية الفرنسية للمسلمين الجزائريين. وأنا أقول أن هذه الأحداث جاءت ردا على كل هذا ولكن كان الرد عنيفا إن لم نقل قمعيا. ويمكن القول أن هذا القمع المدني للجزائريين بدأ في التاسع من ماي واستمر إلى غاية الـ27 من شهر جوان وهو تاريخ الزيارة التي قام بها وزير داخلية فرنسا الاشتراكي أدريان تيكسيي. وقد توصلت من خلال دراستي هذه إلى أن رد فعل الجزائريين كان عفويا على وفاة أول ضحية جزائرية خلال مظاهرات الثامن ماي، لكن القمع الذي قام به الجيش الفرنسي استمر لعدة أيام وبدايته كانت في المنطقة التي تفصل مدينة سطيف وبجاية.
و لكن من كان وراء هذه المجزرة حسب الدراسة التي قمت بها؟
أنا ركزت في دراستي على مدينة ُّالمة، حيث قامت رئاسة المقاطعة بالنيابة بتشكيل مجموعات من الميليشيات المسلحة مكوّنة من عشرات الأوروبيين. هذه الميليشيات كانت وراء المجزرة، ومسؤولية الحكومة الفرنسية تبقى كبيرة أيضا، لأنها لم تقم بمعاقبة مصالحها الإدارية في الجزائر التي كانت وراء كل ما حدث وقتلت آلاف الضحايا من المدنيين الأبرياء ولكن لها مسؤولية أخرى على مستوى الجيش. وأقول أن ما حدث في ماي45 يشبه كثيرا ما قامت به منظمة الجيش السري في الفترة ما بين 1961و1962 حين قامت بقتل عدد كبير، والاختلاف الوحيد هو أن منظمة الجيش السري كانت تنشط في أكبر المدن الجزائرية كالعاصمة وعنابة ووهران، أما مجازر الثامن ماي كانت ضد قرى معزولة كل سكانها جزائريين.
السفير الفرنسي في الجزائر اعترف أخيرا ببشاعة أحداث الثامن ماي واصفا إياها ''بالمجزرة''، لكن هذا الاعتراف نُعت بـ''الخجول'' من طرف المؤرخين الجزائريين الذين لم يفهموا سر تفادي نيكولا ساركوزي الاعتراف شخصيا، فما هو رأيك؟
لم أطلع على هذا التصريح، لكن تبقى هذه القضية سياسية بحتة وتتعلق بعلاقات دولة بدولة أخرى، ولكن إن قال السفير بأن ما حدث في ماي 45 هو مجزرة، فأنا أشاطره الرأي وهذا أكيد، وإن كان هذا التصريح على لسان سفير فرنسا بالجزائر فهو رسمي، لأنه الممثل الأعلى لفرنسا في الجزائر. أنا جد متفهم لعائلات الضحايا التي تبقى هذه الأحداث ذكرى سوداء بالنسبة لهم، لكن على الجميع الآن أن يطوي الصفحة دون النسيان وأن يفكروا أكثر في المستقبل. وليعلم الجميع أن الشعب الجزائري بتعرّضه لعدة مجازر قبل ماي 45 وبعده ولهذا فدورنا كمؤرخين هو تجنّب الصراعات السياسية.