يزداد وصف الصراعات الحديثة بما يطلق عليه الحروب بين الناس، التي تختبىء فيها القوات المتمردة بين السكان المدنيين في محاولة لشلّ فائدة القوات التقليدية في قوة اطلاق النار.
المتمردون لا يأملون فعلاً ان يجدوا حماية من الهجوم بالاندماج بين السكان المدنيين فحسب، بل يرون ايضا ان الحماية تشكل عنصرا مهما في استراتيجية كسب القلوب والعقول. فباجبار القوات الحكومية على القتال في ارض قريبة من السكان المدنيين، يأمل المتمردون انه في استعمال قوة اطلاق النار بشكل غير متناسب وانشطة عسكرية اخرى سوف يؤدي الى وقوع اصابات مدنية تلام عليها قوات الأمن الحكومية وتقوّي الدعم للمتمردين.
ان استعمال القوة الجوية في الحملات المناهضة للتمرد تمنح قوات الأمن فوائد عديدة. فالضربات الجوية يمكن ان تطلق قوة نار بدقة وتتيح لقوات الامن ان تتحاشى استعمال الدبابات والمدفعية والمعدات الأرضية الثقيلة الاخرى التي يمكن ان تروّع وتخيف المدنيين.
مع ذلك، يمكن ان تؤدي الاخطاء في استخدام الضربات الجوية الى وقوع اصابات مدنية واضرار في الممتلكات الخاصة، وتمنح هدية دعائية مجانية للمتمردين الذين يأملون في تشويه سمعة قوات الأمن الحكومية.

التوحيد الجوي البري


التوحيد الجوي البري
لضمان استعمال القوة الجوية حتى أقصى مفعولها، مع أدنى مفعول على السكان المدنيين، طوّرت القوات المسلحة حول العالم بُنى قيادة وتحكم معقدة ومعدات متخصصة تؤكد ان الضربات الجوية تطلق الى المكان المقصود.
اما الطريقة الرئيسية التي تضمن استخدام الضربة الجوية بصورة صحيحة، فهي التأكد من ان المراقبين الجويين في المقدمة مدربين تدريبا عاليا ومجهزين حسب الاصول وهم متموضعون مع القوات البرية، ويشكلون الرباط الرئيسي بين الطائرات المهاجمة والقوات البرية، اما وظيفتهم الاساسية فهي ان يحددوا ايجابا ان الاهداف المقصود مهاجمتها هي بعيدة بعدا آمنا عن القوات الصديقة والمدنيين. كما عليهم ان يتأكدوا من ثم ان الطيارين في الطائرات المهاجمة قد حددوا الهدف الصحيح ويستعملون ايضا السلاح الصحيح.
ان مساعدي المراقبين الجويين في المقدمة (FACs) هم موظفون يعملون في مجموعات المراقبة الجوية التكتيكية (TACP) وفي مراكز عمليات الدعم الجوي (ASOC) لتنظيم تواجد الطائرات فوق الاهداف وان تكون هي الطائرات الصحيحة، المزودة بالاسلحة الصحيحة، وجاهزة للعمل عند الطلب.

المعدات الاختصاصية
ان المعدات الاختصاصية للمراقبين الجويين في المقدمة متاحة حاليا من مجموعة واسعة من الموردين، وان السوق هي حاليا ديناميكية جدا مع ظهور منتوجات جديدة بسرعة.
يشكل اكتشاف الاهداف وتحديدها مطلبا رئيسيا بالنسبة للمراقبين (FACs)، الذين هم مجهزون عادة بمجموعة من النظم. كمناظير التصوير الحراري ونظارات الرؤية الليلية التي تتيح للمراقبين (FACs) العمل ليلا وفي الاحوال الجوية السيئة، وهي متاحة من الموردين الاصيلين، بما في ذلك شركة (Thales) في اوروبا وشركة (ITT) في الولايات المتحدة الاميركية.
بعد اختيار الهدف، يجب على المراقب (FAC) عندئذ ان يكون قادرا على توليد الاحداثيات الدقيقة للهدف وتحويلها من ثم بدقة الى الطيارين في الطائرات المهاجمة. ففي السبعينات، ادخلت كاشفات المدى الليزرية في محفظة معدات المراقبين (FACs) لتمكنهم من اطلاق شعاع ليزري بسرعة على اهداف ومن ثم تقدير المسافة الى الهدف بدقة. ولدى جمعها باجهزة الملاحة بالاقمار الاصطناعية (GPS) اليدوية وذلك بات متاحا في مطلع التسعينات، تمكّن المراقبون من توليد احداثيات هدف دقيقة لا تبعد الا نحو مترين في دقتها. وعلى رغم من الدقة الكبيرة لهذا العمل، غالبا ما كان يشكل اجراءً معقدا حين كان يتوجب العمل بكاشفات المدى الليزرية وبأجهزة (GPS) في الاحوال الجوية السيئة وفي الحالات القتالية التي كانت تفرض الحصول على احداثيات في الوقت المناسب. ثم يجب ان ترسل احداثيات التصويب بالراديو الصوتي الى الطيارين، وهو اجراء يمكن ان يشكل استهلاكا للوقت وغالبا ما ادى الى ارتكاب اخطاء خلال حماوة المعركة، وقد جرى معالجة هذه المشكلة خلال العقد الماضي. وقد جمع اصحاب مصانع متعددة كل هذه التكنولوجيا معا في رزمة واحدة تؤتمت كثيرا من هذا العمل. ويشكل نظام (Fire Storm) من شركة (Rockwell Collins) نموذجا من هذه المنتوجات، التي تجمع المنظار الحراري مع كاشف المدى الليزري والكومبيوتر، وتتيح توليد الاحداثيات اوتوماتيكيا. ثم يمكن ارسال احداثيات الهدف رقميا للطائرة المهاجمة وازالة الكثير من خطر الاخطاء من الاجراء. اما نظام (Fire Storm) فهو نظام صغير خفيف يمكن نقله بسهولة من قبل مجموعات المراقبين (FACs) الراجلين في اراض واوضاع قتال مختلفة.

الرؤية البعيدة
لما كانت تقتضي نظم مثل (Fire Storm) وقتا طويلا لازالة هامش الخطأ من عمليات المراقبة الجوية الامامية، فلا يزال هناك حاجة للطيارين في الطائرات المهاجمة والمراقبين (FACs) ان يكون لديهم فهما مشتركا عن اوضاع القتال المعقدة. اذ غالبا ما يتمتع الطيارون في الطائرات النفاثة المهاجمة برؤية افضل لساحة المعركة وذلك بفضل حاضنات التصويب المتقدمة القوية، مثل حاضن (Sniper) من شركة (Lockheed Martin). وهذه الحاضنات تتيح للطيارين تقريب الرؤية على اهداف محددة، مثل متمرد مسلحا ببنادق (AK-47) اقتحامية.
هذه الحاضنات الحديثة تعتبر حاليا حاضنات قياسية مجهزة بروابط بيانية تتيح ارسال الصور بسرعة الى المراقبين (FACs) على الارض. وبفضل ما يسمى محطات الرؤية البعيدة، تستطيع مجموعات المراقبين (FACs) والطيارين النظر الى الصورة نفسها ومن ثم بحث ما اذا كانت الاهداف والتكتيكات لتدميرها صحيحة.
ان اول جيل من محطات روابط البعيدة كان بحجم الكومبيوتر الشخصي، سهل الحمل، لكن لا يمكن استعماله الا بربط رؤية البيانات المطلوبة حسب الطلب بمحطات فردية وحاضنات محددة. وقد استبدلت هذه المحطات الطرفية منذ وقت طويل بروابط بيانات مفتوحة انشائيا تستطيع العمل بمجموعة واسعة من المحطات الطرفية والحاضنات. وهذا حوّل الطريقة التي يعمل فيها المراقبون (FACs) واتاح لهم رؤية الصورة من اي طائرة برابط بيانات مجهز بحاضن مما يعزز كثيرا المرونة العملانية.
الى جانب ذلك، فان حجم المحطة الطرفية انخفض كثيرا، ويمكن حاليا رؤية الصور على (PDA) او على اجهزة بحجم الهاتف النقال. وليس مفاجئا ان هذا الأمر كان له تأثير كبير على الطريقة التي يستعمل فيها المراقبون (FACs) محطات الرؤية البعيدة التي انتشر استعمالها حاليا على نطاق واسع. وان شركات عديدة تنتج هذه المحطات الطرفية، غير ان شركة (L-3 Comm.) الاميركية ربما هي اكثر شركة معروفة تماما بسلسلة منتوجات (ROVER) المنتشر استعمالها، والتي باتت كلمة (ROVER) حاليا مستعملة عادة لوصف كل انواع محطات الرؤية البعيدة، مهما كان صانعوها.

تدريب المراقبين
ان مهارات المراقبة الجوية الامامية هي مهارات يتغير جوهرها بتطور الاجهزة المستخدمة وينبغي على المراقبين (FACs) ان يخضعوا لتدريب منتظم للمحافظة على مهاراتهم حتى يتمكنوا من اداء واجباتهم بفاعلية وامان في اوضاع قتالية فعلية. وتشكل المشبهات عنصرا اساسيا من هذا التدريب المتواصل. وقد ادخلت جيوش عديدة نظم اداء عالية الدقة لتدريب الموظفين المتوجهين الى مناطق القتال.
يستعمل المراقبون (FACs) في الجيش البريطاني المشبهات ونظم التدريب الافتراضية بكثافة في مرفق التدريب (DSALT) في مركز التدريب على القتال الجوي (ABTC) في قاعدة سلاح الجو الملكي (RAF-Waddington) حيث تصقل الوحدات مهارات اطلاق النار المشتركة قبل الانتشار في افغانستان. ويتم صيانة المرفق (DSALT) ودعمه بموجب عقد مع شركة (QinetiQ) ومع الشركات المتعاقدة من الباطن (Boeing) و(Plexsys).
تضم المرافق الحالية في مرفق التدريب (DSALT) عددا من المشبهات بدرجات مختلفة من الاداء الدقيق، اذ تستطيع ثمانية مشبهات على الطيران، التي يمكن اعادة تصميمها، استيعاب طائرات (Eurofighter Typhoon) و(Harrier) و(Tornado) وان أربعة من المشبهات مجهزة بقناوات متعددة، وبمكبرات بانورامية، وبأربعة مشبهات أخرى مجهزة بقناة واحدة مع شاشة عرض مسطحة. ويتواجد ايضاً مشبه طوافة هجومية نوعي، وهناك مجموعات مراقبين (FACs) متعددين ومقارات رئيسية (TACP) موضوعة لممارسة اوضاع قتالية مشبهة.
تقتضي التمارين الحية للمراقبين (JTAC) و(FAC) كما هي الحال في تدريب الطيارين، موجودات لا تكون متاحة غالباً أو تكون باهظة الثمن للاستعمال، ولذلك تستعمل المشبهات غالباً لسد هذه الحاجة، وينتج احد هذه النظم شركة (TNO) في هولندا، وقد استعمل مشبه التدريب على المراقبة الجوية الامامية (FACSIM) في سلسلة من أدوار التدريب المحلية ومع شركاء دوليين. ويستعمل المشبه (FACSIM) لتدريب المراقبين (FACs) في سيناريوات متعددة، مع التشديد على القتال القريب والأوضاع الطارئة.
ان مشبه التدريب على المراقبة الجوية الامامية (FACSIM) هو نظام يعتمد أولاً على قاعة الدراسة، الا انه متاح أيضاً بشكل نقال، ويمكن تشغيل مشبه كامل على ستة كومبيوترات شخصية من السوق التجارية (COTS) وتأمين مراكز للمراقبين (FACs) ومساعديهم/مراقبين أماميين، وهو تصميم اساسي مع اربعة كومبيوترات شخصية لا تستوعب الا المراقبين (FACs) وان النظم النقالة المنشورة في افغانستان في مطلع العام ٢٠١١ تتيح للمراقبين اعادة عرض المهمة. وان مشبه التدريب (FACSIM) قادر على دعم التدريب بنظام يستعمل على نطاق واسع في افغانستان، وهو المحطة الطرفية (ROVER) التي تستعمل اولاً بين المراقبين (JTACs) والطائرات النفاثة السريعة او المركبات الجوية دون طيار عندما تكون قيد العمل. ويستطيع المشبه تصدير الصور الى محطات (ROVER) طرفية فعلية، التي تقع غالباً مترافقة مع نظم التدريب (FACSIM) وتستطيع ان تستوعب أيضاً ارسال صور الكاميرا من حاضن التصويب.
ليس المشبه حالياً في الخدمة الا في الجيش الهولندي الملكي، لكن القوات البلجيكية، والفرنسية والألمانية قد تدربت على مشبه (FACSIM) وقد ربط أيضاً بمشبهات طائرات (F - 16) الهولندية وبمشبهات طوافة (AH - 64 Apache).

مستقبل المراقبين
تتطور معدات المراقبين (FAC) بخطى سريعة جداً، ويرجح ان تتطور خلال السنوات القليلة المقبلة نظم الجيل الحالي بنماذج اخف وأكثر قدرة على الخدمة، ويرجح ايضاً أن تبرز تكنولوجيات جديدة مع تقدم في الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المتطورة. وتعتبر معظم جيوش المراقبين (FACs) انهم يتمتعون ببعض الأهمية ويستحقون أفضل تدريب وأفضل المعدات المتاحة
المصدر : مجلة الدفاع العربى