السلام عليكم
كثر الحديث في الآونة الأخيرة و هو حديث ليس بجديد و إنما متجدد حول الدولة العثمانية أو الإمبراطورية الإسلامية العثمانية ، ما لها و ما عليها و ما حدث بفترة السنوات الطويلة التي حكمت بها الدولة العثمانية العالم الإسلامي و العربي كدولة خلافة إسلامية ، فكثير ٌ من المؤرخين و الكتاب و الباحثين و الشعوب أخذوا و قاسوا أعمال تلك الدولة الإسلامية من جانب واحد فقط ، جانب ما لحق ببعض الدول أو الجماعات من تنكيل أو تعذيب أو تشريد في آخر عهد هذه الدولة متناسيين تماما ً الحقائق و الإنجازات الكثيرة و الفتوحات التي حدثت و حصلت إبان الحكم العثماني .
فقد تم أخذ الجانب السلبي و عدم إنصاف الدولة العثمانية و تم أخذ الأمور من منطلق نهاية الحقبة لمرحلة الدولة مع بداية القرن العشرين و حكومة الاتحاد و الترقي لا أكثر متناسيين تماما ً الإنجازات الكثيرة التي قامت بالعهود الأولى و الوسطى لتلك الدولة .
فلم تتعرض دولة في العالم أجمع لما تعرضت له الدولة العثمانية من حملات عنيفة ضارية استهدفت التشهير و النيل منها ، و أكثر هذه الحملات و أكبرها كانت من قبل قوتان عالميتان هما الاستعمار الأوروبي و الصهيونية العالمية ، و اتخذت هذه و تلك من المؤلفات التاريخية و البحوث و التصريحات التي لاقت رواجا ً كبيرا ً شأنه الحمل على هذه الدولة .
و قد ردد بعض المؤرخين و الباحثين العرب عن جهالة أو تجاهل أو حقد تلك الآراء الخاطئة و الظالمة معا ً في مؤلفاتهم بشأن دولة الخلافة الإسلامية العثمانية . و استقر الكثير من ذلك الكلام في أذهان الأجيال المتعاقبة من رجال الفكر العربي و الإسلامي صور حالكة الظلام حول الدولة العثمانية . و اقترن ذكرها بالمظالم و التعسف و القتل و النهب و نسوا كثيرا ً الخدمات التي قدمتها الدولة العثمانية لولاياتها العربية بوجه خاص و هي خدمات و أمور يجب أن تذكر بها و تشكر عليها
و تناسى الكثير أن تلك الدولة واجهت أخطارا ً دولية جسيمة كانت تهدد العالم العربي بأفدح الأخطار و كان من بينها وصول البرتغاليين إلى البحار الشرقية و تسللهم إلى شرق جزيرة العرب و استيلائهم على مواقع عسكرية هامة و غيرها الكثير من الأمور هذا مثال ليس إلا .
لقد عاشت الدولة العثمانية أكثر من ستة قرون و اجتاحت جيوشها الإسلامية العثمانية أقاليم شاسعة في جنوبي شرق أوروبا ووسطها ، و هي أقاليم لم تخضع قط من قبل لحاكم مسلم ، و أحرزت باسم الدولة الإسلامية انتصارات كبيرة و مميزة و تساقطت في أيديها دول أوروبية كثيرة .
نشأة الدولة العثمانية :
دخل الأتراك العثمانيون آسيا الصغرى في الثلث الأول من القرن الثالث عشر الميلادي كقبيلة من القبائل التركية التي كانت ، على فترات متباعدة حينا ً و متقاربة حينا ً آخر تنزح من مناطق الإستبس في وسط آسيا متجهة غربا ً نحو آسيا الصغرى أو الأناضول .
و هنالك عدة روايات حول تاريخ الدولة العثمانية ، و تقرر إحدى هذه الروايات أن تلك القبيلة التركية قد أسدت سنة 1233 م في أثناء ترحالها في وهاد الأناضول خدمة جليلة لعلاء الدين الأول سلطان دولة الروم السلاجقة و يطلق عليها أيضا ً دولة الأتراك السلاجقة .
فقد حدث أنها شاهدت جيشين يقتتلان ، و أدركت أن أحد الجيشين ليس ندا ً للآخر فانضمت القبيلة إلى جانب الجيش الضعيف الذي كاد يلقى هزيمة محققة . و كان انضمام القبيلة إليه سببا ً في انتصاره . و بعد المعركة كانت مفاجأة سارة للقبيلة التركية "العثمانيون" حين تبين لها أنها تدخلت لنصرة بني جلدتها و هم الأتراك السلاجقة الذين كانوا يحاربون فرقة من المغول من جيش الخان أوكطاي ابن جنكيز خان ، الذي عهد عليه فتح آسيا الصغرى آنذاك .
و تقديرا ً لتدخل القبيلة التركية في المعركة أقطعها علاء الدين الأول سلطان دولة السلاجقة بقعة مترامية من دولته . و تدل هذه القصة على الطابع العنيف الذي اتسم به أفراد هذه القبيلة التركية فقد خاضوا المعركة لغير مصلحة لهم . و كان زعيم تلك القبيلة و يسمى "أرطغرل" الذي أقطعه السلطان علاء الدين على منطقه من حدود مملكته ذا أطماع سياسية بعيدة فلم يقتنع بالمنطقة التي أقطعها إياه السلطان و لم يقتنع باللقب الذي ظفر به ، بل شرع يهاجم باسم السلطان علاء الدين ممتلكات الدولة الرومانية الشرقية " الدولة البيزنطية" في الأناضول د
و نجح في سياسة التوسع الإقليمي ، فضم إلى المنطقة التي يحكمها مدينة " إسكي شهر" أو إسكيشهر و تقع هذه المدينة في الجزء الغربي من إقليم الأناضول الأوسط ، و قد مات أرطغرل عن ثلاث و تسعين عاما ً و كان متخذا ً من سو كود مقرا ً له و دفن فيها ، و خلفه من بعده سنة 1299 ابنه عثمان الذي سميت باسمه الأمة و الدولة ، و سرعان ما نمت هذه الإمارة حتى أصبحت إمبراطورية مترامية الأطراف امتدت أقاليمها و ولاياتها في آسيا و أوروبا و أفريقيا و غدت من أكبر الدول الإسلامية التي شهدها التاريخ و من أشدها بأسا ً و أعزها جندا ً .
اعتناقهم للإسلام :
و على عهد الأمير عثمان و في وقت مبكر تحدد الوضع الديني و العسكري و السياسي للأتراك العثمانيين ، فقد اعتنق هذا الأمير الدين الإسلامي و تبعه الأتراك العثمانيون كلهم و كانت عقيدتهم الدينية قبل ذلك غير واضحة تماما ً و يعتقد أنهم كانوا في حالة تحول من الوثنية أو من عقائد أخرى إلى الإسلام .
و مهما يكن من أمر فإن صلاتهم الوثيقة بدولة الأتراك السلاجقة في الأناضول و هيب دولة إسلامية كانت عاملا ً هاما ً ساعد على اعتناقهم في الدين الإسلامي بسرعة و سهولة و على ذلك فقد تحدد الإسلام عقيدة دينية رسمية للأتراك العثمانيين من عهد الأمير عثمان ، و سار عثمان في حكمه هدى إيمان عميق و بساطة في الدين .، و كان متحمسا ً لعقيدته الدينية و كانت العدالة أبرز ما تميز تصرفاته ، و كان للإسلام أثر كبير في مستقبل العثمانيين لا يقل عن الأثر الذي تركه الإسلام في شبه الجزيرة العربية و أهلها قبل العثمانيين بسبعة قرون عندما بعث محمد عليه الصلاة و السلام.
فقد هيأ الإسلام للأتراك العثمانيين وحدة العقيدة و ملأهم بشعور ديني جعلهم متحمسين للإسلام و اجتمعت إلى هذه العاطفة الدينية المتأججة روح عسكرية طاغية بحيث غدت سمة بارزة للأتراك العثمانيين .
تطوير أسلوب الحياة :
و من ناحية ثالثة فإن أهم دولتين كانتا في آسيا الصغرى هما الدولة البيزنطية و دولة الأتراك السلاجقة ، و كانتا قد وصلتا إلى حالة من الإعياء الشديد نتيجة الصراع الطويل الذي خاضته كل منهما ضد الأخرى . و نتيجة تعرض الدولة البيزنطية للغزو اللاتيني و نتيجة تعرض دولة الأتراك السلاجقة للغزو المغولي ، فكان في شبه جزيرة الأناضول فراغ سياسي كبير و كانت الأوضاع السياسية مهيأة لظهور دولة تملأ هذا الفراغ السياسي على أنقاض الدولتين المتداعيتين و من ناحية رابعة فإن نشأة الإمارة العثمانية في الشمال الغربي للأناضول على حافة العالم المسيحي ، و هو ما يسمى دار الحرب و على حافة العالم الإسلامي و هو ما يسمى دار الإسلام ، قد فرضت عليها سياسة حربية معينه ذلك أن هذه الإمارة كانت على الحدود .
و الثابت في تاريخ الأناضول أن الإمارات التي نشأت على الحدود كانت أوفر نصيبا ً في عوامل النمو و التطور من إمارات الداخل ، و أنه لم يكن في استطاعة هذه الإمارات الداخلية أن تتطور و تنمو بنفس السرعة التي تطورت و نمت بها إمارات الحدود .
و استطاع الأمير عثمان أن يحرز انتصارات عسكرية على البيزنطيين و قد أبدى علاء الدين الثالث سلطان دولة الأتراك السلاجقة تقديره العميق لخدمات عثمان فمنحه لقب "حضرة عثمان الغازي ، حارس الحدود العالي الجاه ، عثمان شاه.
عثمان يعلن استقلاله :
و كان من حظ عثمان أن أغار المغول سنة 1300 غلى دولة السلاجقة في آسيا الصغرى ، و حدث ما كان متوقعا ً إذ زالت دولة الأتراك السلاجقة و توفي السلطان علاء الدين الثالث سنة 1307 و أعلن عثمان استقلاله مقتديا ً بغيره من الأمراء الذين بلغ عددهم ثلاثة عشر أميرا ً أسس كل منهم حكومة مستقلة على أنقاض دولة الروم السلاجقة أو الأتراك السلاجقة .
و أبدى عثمان اهتماما ً كبيرا ً بدعم الجيش و تنظيم الحكومة وتمتع بشهرة عريضة بين معاصريه من الأمراء و اعتبر عثمان المؤسس الأول للدولة العثمانية و قد نسبت الدولة و الأمة إليه فسميتا باسمه .
نظرة أوروبا للدولة العثمانية:
منذ أن عبر المسلمون بقيادة طارق بن زياد جبل طارق سنة 711م و اجتاحوا بلاد الأندلس في القرن الثامن الميلادي لم تتعرض المسيحية لمثل هذا الخطر الداهم إلا عندما روعت أوروبا ابتداء من القرن الخامس عشر بزحف العثمانيين على بلاد البلقان و توغلهم فيها ثم اتجاههم إلى قلب أوروبا .
و قد نظرت أوروبا إلى الفتوح العثمانية على أنها فتوح إسلامية و كان العثمانيون في تقدير أوروبا هم الرمز الحي المجسد للإسلام . فقد كانت فتوح العثمانيين في البلقان ووسط أوروبا فتوح إسلامية و باسم الإسلام استولى العثمانيون على جزر البحر المتوسط التي كانت قواعد عسكرية صليبية .
و باسم الإسلام و به فتح السلطان محمد الثاني القسطنطينية و باسم الإسلام قاد السلطان سليمان المشرع "القانوني" ست عشرة حملة عسكرية في جوف أوروبا ووصل بها إلى أسوار فينا ،
و باسم الإسلام و الانتصار للإسلام تقدم العثمانيون لمساعدة العرب في شمالي أفريقيا في كفاحهم ضد الأسبان على امتداد الساحل الشمالي لأفريقيا لتكون محطات عسكرية صليبية تأوي إليها السفن الأسبانية و غيرها في صراعها ضد القوى الإسلامية فأسدى العثمانيون خدمات جليلة لعرب شمالي أفريقيا ، إذ حفظ العثمانيون لهم عروبتهم و إسلامهم .
حلت فكرة الإسلام في عمومه ممثلة بقوة العثمانيين في أذهان الأوربيين بعد أن انتقل مشعل الإسلام لسواعدهم القوية ، و في ضوء هذا الرأي الذي استقر في أذهان الأوربيين عن العثمانيين اعتبروا أي نصر عسكري تحققه القوات العثمانية سواء في البر أو البحر هو نصر للإسلام و هزيمة للمسيحية .
و تأسيسا ً على هذه النظرة الأوربية إلى العثمانيين فإن المحالفات الدولية تكونت ضد الدولة العثمانية عبر تاريخها الحافل كانت في لحمتها و سداها محالفات صليبية ضد الإسلام أملتها روح صليبية ووجهتها روح صليبية ، و على ذلك فإن الحروب الصليبية التي شهدها الشرق الإسلامي لم تنته بسقوط عكا آخر معقل للصليبيين في يد المسلمين على عهد السلطان خليل بن قلاوون سنة 1291 ،
بل استمرت متجددة متيقضة في نفوس الأوربيين في العصور الحديثة و إن اختلفت ميادينها و شخصياتها و الدول التي شاركت بها و الأسلحة التي استخدمت فيها .
و من ناحية أخرى فأن الانتصارات العسكرية التي أحرزتها دولة الخلافة الإسلامية العثمانية على الأوربيين قد أضفت عليهم هالة من المجد في أرجاء العالم الإسلامي ، و نظر المسلمون في مشارق الأرض و مغاربها إلى الدولة العثمانية على أنها دولة الإسلام الكبرى يستظلون بظلها ، و نظروا إلى السلطان العثماني وهو يخوض الحروب تباعا ً ضد الدول الأوروبية على أنه الأمل المرتجى في إعادة المجد الغابر للإسلام .
فكانت عواطف المسلمين و آمالهم متعلقة بالدولة العثمانية و لم تكن العاطفة القومية قد وجدت بعد في نفوس الشعوب الإسلامية في ذلك الوقت المبكر من العصور الحديثة . و كانت الوثيقة الدينية هي التي ربطت بعروة وثقى بين الدولة العثمانية و الشعوب الإسلامية سواء التي دانت لحكمها أو ظلت بمنأى عن سيطرتها .
و من هنا أبدى الكثير من المؤرخين الأوربيين الأسف الكبير لأنه حين استفحل الخطر العثماني على وسط أوروبا في القرن السادس عشر أثناء حكم السلطان سليمان المشرع "القانوني" كانت أوروبا في شغل شاغل عن هذا الخطر الإسلامي الذي أحدق بها ، فقد أبدى الكثير منهم الإشارة و التحامل الكبير على الدولة العثمانية ، و لعل الرأي الذي يبديه معظم المؤرخين الأوربيين يخفى وراء محاولة للتقليل من شأن الانتصارات التي حققها العثمانيون برا ً و بحرا ً أو لتبرير هزائمهم التي نزلت بالشعوب الأوربية و هو على الحالتين يكشف عن نزعة صليبية لا تزال لغاية الآن في نفوسهم
خصائص الدولة العثمانية :
اجتمع في الدولة العثمانية مجموعة من الخصائص العامة ، يذكر منها أنها دولة عسكرية و "تيوقراطيه" أي دينية و دولة عالمية و ذات حكم مطلق و طبقية و إقطاعية من نوع خاص ، سأتحدث عن بعض خصائصها باختصار
عسكرية :
و الحق أن العسكرية الصارمة كانت الخاصية الأولى للدولة و قد طبعت العسكرية أخلاق العثمانيين و طبعت تصرفات الدولة بل و سياستها العليا بالطابع العسكري العنيف . و لم تكن النزعة الحربية لدى العثمانيين نزعة طارئة ، بل كانت نزعة أصيلة استمدوها من بيئتهم الأولى في أواسط آسيا قبل أن يتجهوا إلى آسيا الصغرى . و قد عزز هذه النزعة الحربية الموقع الجغرافي لإماراتهم في شبه جزيرة الأناضول حيث أحاطت بالعثمانيين كيانات سياسية كان بعضها نصرانيا ً و البعض الآخر إسلامياً ، على ذلك فإن الحياة العسكرية بكل ما تنطوي عليه من معاني النظام و الصرامة و الشجاعة و استرخاص الموت و الطاعة العمياء كانت مصاحبة لنشأة إمارتهم و استمرأ العثمانيون هذه الحياة فالتصقت بهم و التصقوا بها عبر العصور و الدهور .
دينية :
و الدولة العثمانية دولة دينية و يقصد بهذه العبارة الطابع الديني الإسلامي الذي اتسمت به تشريعاتها و معظم تصرفاتها . فقد كان للهيئة الإسلامية في الدولة وضع معترف به و مركز مرموق و كان يطلق على رئيسها المفتي أو مفتي "استنبول" و هي القسطنطينية التي أعطاها العثمانيون هذا الاسم التركي و معناه دار الإسلام ، و كان من مظاهر الطابع الديني الذي اتسمت به الدولة العثمانية العناية الفائقة التي أبداها السلاطين بإنشاء العديد من المساجد الكبرى التي غدت رمزا ً مجسدا ً للفن المعماري العثماني ، و لم يكن اهتمام العثمانيين بإنشاء المساجد و بيوت العلم مقصورا ً على الأقاليم التي كانت مهدا ً لهم عند نشأة دولتهم بل امتد الاهتمام إلى الولايات الإسلامية جميعها و هذا الأمر إن دل على شيء يدل على أن اهتمام العثمانيين مع بداية نشأة دولتهم كان اهتماما ً إسلاميا ً بحتا و ذا طابع ديني مميز و جميل ، فلكل حقّه و لكل مكانته ضمن حدود الدين و الشرع .
عالمية :
كانت الدولة العثمانية دولة عالمية و تقصد بهذه العبارة أن الدولة لم تحصر نفسها في النطاق الإقليمي الضيق المحدود الذي نشأت فيه أول ما تكونت ، و هو بقعة صغيرة من الأرض في شبه جزيرة الأناضول بل انتهجت الدولة سياسة التوسع الإقليمي المرحلي فلم تظل كيانا ً سياسيا ً أناضوليا ً بل امتدت فتوحاتها في جميع الاتجاهات في الأناضول و البلقان أول الأمر و في وقت واحد ثم واصلت زحفها العسكري على أوروبا و اتجهت إلى جوف آسيا حيث خاضت حروبا ً ضارية ضد الدولة الصفوية في فارس و توغلت في أراضيها و استولت على قطاع كبير من بلاد أرمينية الغربية و ما بين النهرين و تبليس و حصن كيفا و ديار بكر و أورفه و الجزيرة و جميع الأراضي الجنوبية حتى الرقة و الموصل ، ثم استولت على جميع أراضي الدولة الدلغادرية بما فيها عاصمتها "ابلستين" و مرعش و غيرها من البلاد ، و فتحت بلاد الشام و مصر و ضمت الحجاز و فتحت اليمن و أرسلت حملات بحرية متعاقبة إلى البحار الشرقية و انتزعت "مسقط " من البرتغاليين و نفذت إلى الخليج العربي و اتصلت بالإمارات العربية مثل عمان و الأحساء و البحرين و الكويت و انتزعت العراق من الدولة الصفوية ، ثم بسطت الدولة حكمها في شمالي أفريقيا على ولايات طرابلس و تونس و الجزائر ، وفي زحمة هذا الامتداد الإقليمي في آسيا و أفريقيا لم تنسى الدولة العثمانية مواصلة الزحف على أوروبا حتى وصلت جيوشها إلى مشارق فيّنا عاصمة النمسا .
و إذا كان المد العسكري العثماني قد توقف في قلب أوروبا عند هذا الحد فإن الدولة العثمانية نجحت في أن تمد نفوذها على عدد من الدول الأوروبية ، مثل بلغاريا ، رومانيا ، اليونان ، يوغسلافيا السابقة ، ألبانيا ، المجر ، و شبه جزيرة القرم و الجزء الشرقي من النمسا و الشريط الجنوبي لبولند.
و بهذا عملت الدولة العثمانية على نشر الدين الإسلامي في كل ٍ من تلك الدول الأوروبية التي فتحتها و كان هذا الأمر الأول من نوعه أن تخضع مثل هذه الدول الأوروبية لحكم ٍ إسلامي مع الفتح العثماني لها . و هذا الأمر وحده يعطي الدولة العثمانية صفة و طبيعة لا يمكن لأي دولة أخرى أن تملكها ، و أن حدث ما حدث من تعذيب و تشريد أو قتل في آخر عهد الدولة العثمانية و مع بداية القرن العشرين فهذا لا يعتبر شيئا ً أمام إنجازات الدولة الإسلامية العثمانية التي دخلت البلدان و فتحت البلدان باسم الإسلام و تحت راية الإسلام ، فالإسلام دائما ً و أبدا ً كان يفتح قلوب الناس قبل أن يفتح البلدان و على هذا النهج كانت الدولة العثمانية .
ذات حكم مطلق :
الدولة العثمانية كانت ذات حكم مطلق إذ كانت السياسة العليا من وضع السلطان و هو رأس الدولة و مناط الاختصاص و لا تثريب على سلاطين الدولة العثمانية حين مارسوا الحكم المطلق و هم لم ينفردوا بهذا النوع من أنواع الحكم ، و كان هذا النوع تقريبا ً سائدا ً في معظم دول العالم و خاصة أوروبا التي لم يكن فيها حكم نيابي .
و لكن كانت الهيئة الإسلامية تحرص حرصا ً تاما ً على أن تكون مبادئ الشريعة دوما محترمة و مطبقة و كان السلطان يدرك جيدا ً أنه ليس في مقدوره المساس بالمبادئ الأساسية في الشريعة الإسلامية سواء بالحذف أو الإضافة أو التحرير . و كان يعلم علما ً يقينا ً أنه إذا اقدم على تغيير جذري يمس قواعد الشريعة تعرض للعزل من العرش أن لم يكن القتل .
..................... و الباقي ات