إن مما يتألم له قلب كل مسلم ما قامت به
حفنة مجرمة من الإساءة إلى خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه
وسلم، وهم بذلك لم يضروا إلا أنفسهم، ولا يضرُّون رسول صلى الله عليه وسلم
في شيء، قال الحقُّ تبارك وتعالى: {إنا كفيناك المستهزئين}، “فما ضر رسولَ
الله صلى الله عليه وسلم استهزاءُ المستهزئين، ولا إساءة المبطلين، بل رفع
الله سبحانه من شأنه، وأعلى من قدره، وظلت شريعته خالدة إلى يومنا هذا،
وصار خبر من عاداه إلى زوال”.
وليس ذلك الفعل الإجرامي بغريب على من امتلأت نفوسهم غيظًا وحقدًا على هذا
الرسول الكريم وعلى دينه وأمته، فلم يراعوا له حرمة، ولم يحترموا مشاعر
أمته، ولم ينظروا في عواقب جريمتهم النكراء وما قد تجرُّ إليه من تبعات غير
محمودة، و”هذا إن دل على شيء فإنما يدل على سفه كبير، وحقد دفين، في عقول
وقلوب هؤلاء”.
لقد أرسل الله سبحانه وتعالى رسوله محمدًا إلى الخلق هاديًا ومبشِّرًا
ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، فهو عبده ورسوله، وأمينه
على وحيه، وخيرته من خلقه، فهو سيد ولد آدم أجمعين، وكان من ربه بالمنزلة
العالية التي تقاصرت العقول والألسنة عن معرفتها ونعتها، شرح الله له صدره،
ورفع له ذكره، ووضع عنه وزره، وأرسله رحمةً للعالمين، فهو الرحمة المهداة،
والنعمة المسداة، ما عرفت الأرض أنبل ولا أكرم منه أخلاقًا وعدلاً ورحمةً،
ولا عرفت رسالةً أكمل وأشمل وأعدل وأرحم من رسالته، تضمنت هذه الرسالة
الإيمان بجميع الأنبياء والرسل واحترامهم وحمايتهم من الطعن والتنقص.
هو محمدٌ: كثير الخصال التي يُحمد عليها، وهو أحمد: الذي يُحمد أكثر مما
يُحمد غيره، وهو العاقب: الذي جاء عقب الأنبياء فلا نبي بعده، وهو نبي
التوبة: الذي فتح الله به باب التوبة على أهل الأرض وكان صلى الله عليه
وسلم أكثر الناس استغفارا وتوبة، وهو نبي الرحمة: الذي أرسله الله رحمة
للعالمين، وهو الفاتح: الذي فتح الله به الأعين العمي والآذان الصم والقلوب
الغلف، وهو البشير: المبشِّر لمن أطاعه بالثواب، وهو النذير: المنذر لمن
عصاه بالعقاب.
وفي الوقت الذي يستنكر فيه كلُّ مسلم الإساءة إلى النبي الخاتم صلى الله
عليه وسلم فإنَّ الانتصار للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لا يكون إلا
وفق سنَّته وهديه لا بالافتيات على شرعه الحنيف والقيام بعمليات القتل
والتفجير والحرق وإشاعة الفوضى والاضطراب، فإن هذه الأعمال ليست من الدين
الحق في شيء، كما أن بعض القوى العالمية تجد في هذه الأعمال فرصة لها
لتحقيق أجنداتها على حساب الآخرين بطريق أو بآخر، ذلك الذي يجعلنا على حذر
من الأيادي الخفية التي تعمل من وراء الأستار وتسعى في إشعال فتيل الصراعات
وتسعى لإيجاد مبررات لتلك القوى لتفعل ما تشاء باسم الحفاظ على مصالحها.
“إننا وإن كنا نشعر بالظلم وبالدهشة لكل هذه الضغائن ضد النبي صلى الله
عليه وسلم وضد كتابه ورسالته لا نخالف في مواقفنا وردود أفعالنا الأدب الذي
أدبنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن نترفع فلا نجيبهم لما يطمحون
إليه من مآرب خبيثة ومقاصد فاسدة، تحقيقا لمكاسب سياسية، ومصالح شخصية”.
إن الانتصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم يكون بالقيام بحقوقه عليه الصلاة والسلام، ومن حقوقه صلوات الله وسلامه عليه:
1- طاعته والاقتداء به وإيثار ما شرعه وحضَّ عليه على هوى النفس.
2- محبته صلى الله عليه وسلم أكثر من محبة النفس والوالد والولد.
3- توقيره وتعظيمه وإظهار الخشوع مع سماع اسمه والأدب مع أحاديثه.
4- كثره ذكره والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وكثرة الشوق إلى لقائه.
5- بر آله وذريته وأمهات المؤمنين وتوقير أصحابه وبرهم ومعرفة حقهم.
6- محبة القرآن الذي أتى به صلى الله عليه وسلم وسلم بتلاوته والعمل به وتفهمه ومحبة سنته والوقوف عند حدودها.
7- الشفقة على أمته والنصح لهم والسعي في مصالحهم.
8- نشر سيرته وسنته وبيان فضله وقدره وإظهار محاسن دينه.
9- التخلق بأخلاقه وآدابه.
10- عدم الإساءة إلى دينه بالأعمال الإرهابية والفوضوية، فإن هذه الأعمال تسيء إليه صلى الله عليه وسلم.
وقد قال الله سبحانه:{ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله
عَدْوًا بغير علم}، فنهى الله سبحانه المؤمنين عن سب آلهة المشركين لما
يترتَّب عليه من مفسدة أعظم، وهو كون هذا السب طريقًا إلى سب المشركين لرب
العالمين.
فإذا كان هذا في أمر هو جائزٌ في الأصل ولكن مُنِع لما يترتب عليه من مفسدة
أكبر، فكيف بما ليس بجائز من الأساس كجرائم القتل والتفجير والحرق وإحداث
الفوضى والاضطراب وإشغال الناس بمثل هذه الأعمال اعن القيام بحقوق الحبيب
عليه الصلاة والسلام؟!
وأمَّا محاولة استغلال التنظيم الإخواني أو التنظيمات التكفيرية لهذه
الواقعة للانتصار لأجنداتهم الخاصة وتصفية حساباتهم مع الآخرين ومحاولة
إثارة عواطف الناس ضد الحكام للوصول إلى كراسي الحكم وتحريك الشارع العربي
والإسلامي من أجل هذه الأغراض السياسية والحزبية وتربية الناس على بلورة
ردود أفعالها عن طريق المظاهرات والمصادمات وإثارة الفوضى فهو استغلال
دنيء، إذ لا يليق بأحدٍ استغلال هذا العمل النبيل وهو الانتصار للرسول صلى
الله عليه وسلم لتحقيق مصالحه الحزبية، كما لا يليق أيضًا صياغة هذا العمل
النبيل على مجرد العواطف والحماسات والأهواء والأمزجة والمصالح الحزبية
وتربية الناس على غير هدي الحبيب صلى الله عليه وسلم ومحاولة استغلالهم
واستغلال مشاعرهم، بل الواجب الانتصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفق
هديه وسنته وشريعته.
ولنعلم أنه “مهما حاول حاقد أن يسيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو
يصد عن دينه فإن الله سبحانه حائل بينه وبين ذلك، وأن هذه الدعوة السمحة
ستبلغ الآفاق، قال تعالى: {يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله
إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ، هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق
ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون}، وقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم:« ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا
وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل »”.
ورضي الله عن حسان بن ثابت حيث قال:
هجوتَ محمدًا فأجبتُ عنهُ … وعند الله في ذاك الجزاءُ
هجوتَ محمدًا بَرًّا حنيفًا … رسولَ الله شيمته الوفاءُ
فإن أبي ووالده وعرضي … لعرض محمدٍ منكم وقاءُ
صلى الله عليك يا رسول الله.
كاتب إماراتي - حفظه الله -