لأن معظم كتاب السيناريو وصناع السينما بشكل عام ليسوا من المتدينين ، فقد شوهوا صورة المتدين على الشاشة ، وأظهروه في صورة " الدرويش " المنعزل عن الحياة ، أو المتطرف المعادى للمدنية والمجتمع مثل شخصية الطالب التي جسدها محي إسماعيل بطريقة كاريكاتيرية في فيلم " خلى بالك من زوزو " ، وبالطبع انتصر الفيلم لشخصية " زوزو " ابنة الراقصة التي اختاروها كفتاة مثالية للجامعة ، في حين ظل " محي " يصرخ بهستيرية " جمعاء .. جمعاء "
ومع بداية المد الإسلامي ، وظهور تيارات الإسلام السياسي ، عقب الثورة الخومينية في إيران ، اختفى التسامح تماماً في علاقة السينما المصرية بالتدين ، واختفت شخصيات مثالية طيبة ومعتدلة مثل " الشيخ حسن " الذي ظل يعطف على المجرم الخارج من السجن أو فريد شوقي في فيلم " جعلوني مجرماً " وإن لم ينجح في إنقاذه من اضطهاد المجتمع له ، باعتباره " رد سوابق " أو خريج إصلاحية .
وحلت مكان " الشيخ حسن " الطيب المتسامح شخصيات أخرى تتخذ من الدين ستاراً للتواكل والإهمال في العمل بحجة أداء الصلاة مثل الشخصية التي لعبها الممثل أحمد عقل ، الموظف في مجمع التحرير من خلال فيلم " الإرهاب و الكباب " .
أو ستاراً للسرقة والابتزاز وارتكاب الفواحش مثل دور صاحب شركة توظيف الأموال ، حسن مصطفى في فيلم أحمد زكى وإيناس الدغيدي " امرأة واحدة لا تكفى " ، و شخصية الحاج " جلال الشرقاوي " في فيلم " البدروم " للمخرج الراحل عاطف الطيب ، وإن كان " الطيب " نفسه هو الوحيد الذي قدم شخصية الشاب المتدين بشكل إيجابي فى أفلام الثمانينات ، وهى شخصية المعيد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية " أحمد سلامة " في فيلم " أبناء وقتلة " ، والذي يرفض إغواء زوجة أخيه له ، ويرتبط بمعيدة محجبة زميلة له بالكلية ، ويلقى محاضرات عصرية عن الاقتصاد الإسلامي ، والغريب أن كاتب سيناريو الفيلم حكم على هذه الشخصية بالموت برصاصة طائشة من غريم والده القديم " مجدي وهبة " ، والذي اكتشفنا في نهاية الفيلم أنه والد الفتاة المتدينة التي يحبها أبن عدوه القديم " شيخون " .
وتحت زعم محاربة التطرف والإرهاب .. قدم عادل إمام أكثر من فيلم بداية من " الإرهابي " ، وحتى " حسن و مرقص " ، يخلط فيه بين التدين بمعناه الصحيح ، وبين التشدد المرفوض ، وجماعات العنف التي حملت أسم الإسلام ظلماً وعدواناً ، وهى بعيدة كل البعد عن روحه ورسالته للناس أجمعين .
وسار على نفس النهج كتاب ومخرجون ونجوم آخرون أساءوا كثيراً إلى صورة المتدين الحقيقي ، وحاولوا تحدى مشاعر الشعب المتدين فطرياً بالإساءة إلى صورة الفتاة المحجبة أو المنقبة ، والتركيز على النماذج الشاذة التي تتخذ من الزى المحتشم وسيلة للخداع والتمويه ، وكأن كل المحجبات أو المنقبات كاذبات ومخادعات .. ووجد بعض صناع الأفلام في هذه الطريقة غير المباشرة بديل آمن لنشر أفكارهم الخبيثة عن الدين والتدين ، بدلاً من مغامرة المجاهرة بها ومواجهة غضب الناس وحنقهم كما حدث مع وزير الثقافة فاروق حسنى بسبب تصريحاته حول الحجاب .
ويأتي وحيد حامد على رأس هؤلاء الكتاب الذين يحاولون دس السم في العسل ، وتشويه صورة المتدين من خلال نماذج شاذة وأحداث ملفقة ، وشخصيات وهمية أبدعها خياله ، ولا يخلو فيلم أو مسلسل لهذا الكاتب منذ " العائلة " وحتى " دم الغزال " من شخصية أو شخصيات متطرفة ، دفعتها ظروفها الصعبة وصدامها مع المجتمع وفشلها في التكيف إلى طريق التزمت والتشدد ، وكأن كل من يؤدى فروض الدين ، أو يذهب للصلاة في المسجد بانتظام ، هو بالضرورة متطرف أو إرهابي .
ولا ينافس وحيد بعد لينين الرملي على تشويه صورة المتدين في السينما ، سوى المخرج خالد يوسف ، وأفكاره في هذا الجانب لا تختلف كثيراً عن أفكار وحيد حامد ولينين الرملي وبالطبع عن أستاذه يوسف شاهين في النظرة للدين والتدين على الطريقة الاسلامية .
وسيظل الحال على ذلك الفهم المغلوط والتشويه المتعمد ، حتى يفطن المتدينون الحقيقيون إلى خطورة سلاح السينما والإعلام بشكل عام في تشكيل وعى الجماهير ونظرتهم للأمور ، ويظهر مبدعون ملتزمون دينياً يقدمون لنا صورة حقيقية للمتدين المعتدل على الشاشة .. فهل من مستجيب ؟!