القوة الجوية في حلف شمال الاطلسي
ان منظمة حلف شمال الاطلسي (NATO) أُنشئت لتَزود اوروبا في ذروة
الحرب الباردة ببنى تحتية دفاعية جماعية نووية وتقليدية فعالة قد تحولت في
القرن الحادي والعشرين الى منظمة بعيدة عن كل الاهداف التي أُنشئت من اجلها
تقريبا. ذلك ان معظم اعضاء الحلف الاوروبيين قد خفضوا اصولهم الدفاعية
الكبيرة كثيرا فيما كان ما يسمى بقسمة السلام تنكشف في مطلع التسعينات،
برغم الزيادة الكبيرة في عدم الاستقرار في اوروبا الشرقية والشرق الاوسط.
فمن قاعدة قوة جوية جماعية صغيرة، جازفت المنظمة (NATO) ابعد من مجال
عملياتها التقليدي كثيرا لتحتضن انشطة خارج نطاقها لتشمل افغانستان ومهام
مقاومة القرصنة في القرن الافريقي والمحيط الهندي وفوق ليبيا
ان الزيادة في استعمال الاسلحة الدقيقة والمخابرات المتقدمة والمراقبة
والاستطلاع (ISR) والاصول الجوية، مكنت قوة بعدد اصغر كثيرا من تحقيق
الكثير، فيما يجري دمج العمليات عبر تحالفات متعددة. وان الانشطة الجوية
التي يواجهها المشاركون في (NATO) في افغانستان يمكن ان تعتمد على الطائرات
وعلى البنى التحتية على الارض التي يؤمنها اولئك المجهزون افضل لتأمين
الاصول، مع انه من الانصاف القول ان عبئا غير متناسب من نشاط الطيران تنفذه
حاليا الولايات المتحدة وبريطانيا والوحدات العسكرية الفرنسية. وان بلدانا
اخرى في الحلف (NATO) هي اقل حرصا، او اقل قدرة، على المشاركة في متابعة
السلسلة الكاملة من الهجمات ومهام الدعم القتالي للطوافات. لكنهم يساهمون
في تقديم الدعم بشكل النقل الجوي وطوافات المنافع والدفاع الارضي والتغطية
الرادارية والاعمال الطبية واللوجستية الاخرى. ولذلك فالى اين يتجه الحلف
(NATO)، وهل هو مجهز تجهيزا جيدا لمواصلة العمليات الجوية في القرن الحادي
والعشرين؟
انتقد وزير الدفاع الاميركي السابق، بوب غايتس (B. Gates) بلدان منظمة
حلف شمال الاطلسي (NATO) على احجامها عن المحافظة على الانفاق على الشؤون
الدفاعية، فضلا عن زيادتها، في وقت كان متوقعا من الولايات المتحدة ان تقدم
حجما من القوة الجوية في العمليات الجوية ما وراء البحار. وقال ان على
اوروبا ان تفعل المزيد، باعتبار ان الولايات المتحدة لا تستطيع مواصلة
انفاق نسبة عالية جدا من المصاريف الدفاعية في الحلف (NATO) في السنوات
المقبلة. وقد فسر المراقبون العسكريون ذلك على انه يشكل نداء استيقاظ للحلف
(NATO) تدعو الحاجة له لتحديث العديد من الاصول الرئيسية التي كانت قيد
الخدمة منذ عدة عقود. ويكمن التحدي الاكبر الذي يواجهه حلف (NATO) في
التهديدات المستقبلية التي غير معروفة طبيعتها نسبيا. ففي الماضي، كان
التهديد السوفياتي من الجناح الشرقي في اوروبا يشكل قلقا اولويا معروفا
بوضوح بالنسبة للتحالف الغربي، لكن انضم حاليا حتى اعضاء سابقون في حلف
وارسو الى (NATO)، وان الاصول الجوية فيه غير متوازنة لاسباب تاريخية. وان
الحاجة الى دبابات هجومية واحتجاز تشكيلات ضخمة من الدبابات المتقدمة
ومقاتلات الدعم الجوي القريب قد استبدلت بالحاجة الاكثر الحاحا لمنصات جوية
تقوم بالمخابرات والمراقبة والاستطلاع (ISR) وبطائرات قتالية متعددة
الادوات القادرة على ان تحمل اسلحة دقيقة، وتكون قادرة ايضا على ان تدافع
عن نفسها ضد المقاتلات الاخرى.
وهذا يدل على الاهمية المتزايدة للحفاظ على
ميزان الاصول الجوية الذي يستطيع التكيّف مع المتطلبات العسكرية المتغيرة.
وهذا يعني ان الاستثمار في جمع المخابرات المحمولة جوا والمراقبة والقيادة
والتحكم والاتصالات الآمنة هي اساسية اذا كان ينبغي ان تحظى القوة الجوية
المنسقة بفرصة لتشكل فرقا في حصيلة اي تدخل على مسافة بعيدة من القواعد
الجوية المضيفة.
ان الرد على قرار هيئة الامم المتحدة الرقم ١٩٧٣، الذي خوّل في ١٧
آذار/مارس تدخلا جويا فوق ليبيا، لكن ليس تدخلا من قوات برية خارجية، قدم
للقوات الجوية في (NATO) مهمة اضافية دون تخطيط فوق واجبات الامن الاوروبية
الروتينية والانشطة المستمرة فوق افغانستان. وان القوة الجوية التي جُمعت
على عجل من عشرة بلدان بالاضافة الى قوات جوية من الامارات العربية المتحدة
وقطر، وقادتها بريطانيا وفرنسا، لكن بدعم اولي ايضا من الولايات المتحدة
الاميركية والجامعة العربية، وضعفت معا في زمن قياسي يومين وقامت بالمهام
الجوية الاولى طائرات بريطانية وفرنسية واميركية اعتبارا من ١٩ آذار/مارس.
وان الاهمية الحيوية للنقل الجوي والتزود بالوقود في الجو، اضافة للمخابرات
والمراقبة والاستطلاع (ISR)، بدا واضحا بسرعة انه كان ينبغي دعم الطائرات
المقاتلة والقاذفات وطائرات دوريات المراقبة للقيام بمهام استدامة طويلة.
وقد ارسلت فرنسا بسرعة حاملة الطائرات (Charles de Gaulle) الى البحر
المتوسط مجهزة بطائرات (Rafale) القتالية المتعددة الادوار وطائرات الانذار
الباكر (AEW) والطوافات، في حين ارسلت المملكة المتحدة طائرات (Nimrod)
للمخابرات والمراقبة والاستطلاع (ISR) وطائرات (Sentinels) وطائرات الانذار
الباكر (E-3) الى قبرص، وكانت طائرات (Typhoons) و (Tornados) منشورة في
(Gioia del Colle) في جنوب ايطاليا في ٢٠ آذار/مارس. وكانت خلال ٢٤ ساعة من
وصولها عملانية. واقتضت المهام الهجومية الاولى تعزيز منطقة الحظر الجوي
بضرب الرادارت الليبية وقواعد الصواريخ والاهداف العسكرية التي تهدد
المدنيين، انطلقت الى ليبيا ومنها في رحلة ذهابا وايابا دون توقف على مسافة
٣٠٠٠ ميل من القواعد البريطانية في ١٩ اذار/مارس، استعملت في طريقها
التزود بالوقود في الجو. وبعد انشاء مرافق القواعد في ايطاليا، انطلقت
طائرات (Tornados) و (Typhoons) في تعزيز اضافي موسع للهجمات. وقد استعملت
فرنسا ايضا التزود بالوقود في الجو للطائرات التي انطلقت من قواعد فرنسية،
اضافة الى طائرات (Rafales) الجاثمة على متن حاملة الطائرات، التي استفادت
من اوقات الطيران للرد السريع من القاعدة العائمة بعيدا عن السواحل
الليبية.
لم يتوقع احد في حلف (NATO) ان يصبح الحلف متورطا في النزاع الليبي
الداخلي، لكن كان احتمال انتشار الاضطراب عبر شمال افريقيا معروفا، اضافة
الى الحاجة الملحة لحماية المدنيين في المدن الليبية الشرقية من مذبحة
محتملة. وعلى رغم ان كل بلدان حلف (NATO) قد خفضت قواتها في الخط الامامي
كثيرا، كانت هناك مرونة كافية لما تبقى من قوات للرد باشارة وجيزة في
الاحوال الطارئة. وما هو غير مؤكد جيدا هو كيف تستطيع بلدان حلف (NATO)
المختلفة المشاركة في عملية الحماية الموحدة (OUP) ان تتمكن تماما من
مواصلة الانشطة الجوية الليبية اذا كان هناك نقص في التقدم في انهاء النزاع
على الارض. وقد خفضت القوات الاميركية مشاركتها، المركزة حاليا على اصول
المخابرات والمراقبة والاستطلاع (ISR)، لكن ليس على الطائرات الهجومية
المأهولة.
ان قدرة احدث الطائرات القتالية على ربط بياناتها عبر نقاط التقاطع
المشاركة المختلفة بين حلفاء التحالف قد اوضحت التقدم التكنولوجي السريع
الذي انجز في السنوات الاخيرة. فالتقدم في التكنولوجيا الرادارية الدقيقة
والتصوير بالاشعة تحت الحمراء والبصريات الالكترونية (EO) ونظام (GPS)
المدمج والتصويب الليزري الدقيق قد حول قدرة القوات الجوية للحصول على صورة
دقيقة جدا للاهداف المتحركة والثابتة على مسافات بعيدة وعلى مدى بعيد
يحافظ على سلامة الطائرات من الاذى من صواريخ سطح - جو. وقد اثبتت الصواريخ
الهجومية الجديدة البعيدة انها ذات دقة عالية، وان فائدتها المهمة تكمن في
قدرتها على الحاق اضرار جانبية قليلة، حتى عندما تستعمل في المناطق
المدينية كانت ناجحة في اصابة الدبابات الفردية والمركبات المدرعة المتوقفة
في شوارع المدينة، التي فكر اصحابها انها كانت محمية نسبيا من الهجمات
الجوية.
وقد اظهرت صور الفيديو من (NATO) من حاضنات التصويب تدمير هذه
المركبات، في حين لم يلحق بالابنية المجاورة اي ضرر مهم. وكان احد اكثر
الاسلحة الجديدة البارزة هو صاروخ (Brimstone)، المزدوج الاسلوب من شركة
(MBDA)، الذي اطلق من قاذفة (Tornado GR 4) في سلاح الجو الملكي (RAF)،
والذي اظهر على انه قادر على الدخول من نافذة في الطابق الثاني، حيث دمر
الغرفة، لكن لم يدمر الابنية المرتفعة العالية. وقد بلغ عدد الصواريخ التي
اطلقت حتى منتصف تموز/يوليو الماضي اكثر من ١٢٠ صاروخا. وهذه الاسلحة تعني
انه ليس هناك بعد الان اي ملجأ آمن في البيئات المدينية العالية الكثافة
والابنية الشاهقة للقوات المنشقة المختبئة بين السكان المحليين.
والقت طائرات (Tornado GR 4) في سلاح الجو الملكي (RAF) ايضا اكثر من ٣٠٠ قنبلة،
وزن الواحدة ٥٠٠ رطل، من نوع (Paveway IV) الموجهة بدقة بنظام (GPS/LR)،
خلال الفترة نفسها. وهذه الاسلحة كانت تتمتع بجانب قابل للتكيف طبقا لحاجة
المهمة، وكانت دقيقة الى ابعد حدود الدقة. وقد استقدمت فرنسا ايضا
للاستعمال القنبلة البعيدة الموجهة بدقة (AASM/SBU-38 Hammer) من شركة
(Sagem) التي كانت ايضا ناجحة جدا اتاحت للطائرة المنصة اطلاق السلاح
المعزز صاروخيا من مسافة ٣٠ ميل لاصابة هدف بدقة. ومنذ بداية العمليات
الجوية العسكرية في ١٩ اذار/مارس الماضي، هاجمت الطائرات البريطانية اكثر
من ٧٤٠ هدفا. ولما كانت طائرات (Rafale) الفرنسية قد استعملت نماذج طائرات
بمقعد واحد وبمقعدين، استخدمت المملكة المتحدة في طيرانها ازواجا من طائرات
(Typhoons) بمقعد واحد وطائرات (Tornados) بمقعدين، مدعية انها قامت
بطلعات ناجحة بلغ معدلها ٩٧ في المائة. وقد استعملت طائرات (Typhoons) في
سلاح الجو الملكي (RAF) اسلحتها في ٩١ مهمة هجوم فوق ليبيا حتى اواسط
تموز/يوليو الماضي، وقد حلقت طائرات (Tornados) ٤٥٥ مرة. اما طائرات الحلف
(NATO) الاخرى التي شاركت في العمليات الجوية فوق ليبيا فقد شملت طائرات
(AV-8B Harriers) و(F-16s) و(Mirage 2000s).
على رغم ان طائرات القتال استحوذت على معظم الاهتمام، فان النشاط الجوي
غير المرئي في دعم عملية الحماية الموحدة (OUP) تضمن عددا كبيرا من طائرات
الصهريج الجوية، مثل طائرات (KC-135) و(VC-10) واعداد كبيرة من طائرات
النقل العسكرية التي ضمت (C-130 Hercules) و(C-160 Transalls) و(C-295s)
و(C-27s). وقد ضمت المركبات الجوية دون طيار مركبة (Predator) من شركة
(General Atomics) والعديد من طائرات نقل القوات الخاصة والطوافات. وقد
استعملت المملكة المتحدة طوافات (Apache) الهجومية مجهزة بمدافع وصواريخ
كانت قائمة على متن حاملة الطوافات (HMS Ocean)، التي كانت فعالة جدا في
مكافحة نشر المدافع على الساحل وقوارب القتال الصغيرة المسلحة، المستعملة
في الاغارة على المياه الساحلية وزرع الالغام خارج المرافئ. وقد دمر الكثير
منها باطلاق طوافات (Apache) عليها صواريخ (Hellfire).
على رغم ان العمليات الجوية النشطة تستمر جارية فوق ليبيا وافغانستان،
استمر حلف (NATO) في تأمين غطاء دفاع جوي في المجال الجوي الاوروبي وحوله.
وقدم ايضا عددا كبيرا من طائرات النقل والطوافات لنقل القوات السطحية، التي
شملت مساعدة المجتمعات في وقت وقوع كارثة طبيعية. وان اهم طائرات النقل في
حلف (NATO) هي طائرات (C-17s) و(C-130s)، لكن من المقرر في غضون سنوات
قليلة دخول اسطول كبير من طائرات النقل (A400Ms) الى الخدمة. وقد تتقاسم
المملكة المتحدة بعضا من اسطولها الجديد المؤلف من ١٤ طائرة صهريج من طراز
(Airbus A330) مع فرنسا، وسوف تتمتع طائرة النقل (A400M) بسعة كبيرة لتحمل
احدث انواع مركبات الجيش المدرعة الكبيرة، التي هي حاليا كبيرة جدا لتناسب
عنبر طائرة (C-130).
وتشغل حاملات الطائرات، اضافة الى فرنسا والمملكة
المتحدة، في اوروبا ايطاليا واسبانيا.
ويتمتع حلف (NATO) بثاني قوة جوية فعالة اكثر قدرة حاليا خارج الولايات
المتحدة الاميركية التي هي بالطبع عضو رئيسي في NATo، الا ان تراجع
الانفاق على الدفاع في اوروبا اخذ يؤدي لصعوبات في الابقاء على مستويات
القدرة الحالية. ولا يزال لدى (NATO) اساطيل كبيرة من الطائرات القتالية من
السبعينات في الخدمة، مثل طائرات (F-16s)، لكن التحديث هو قيد الاجراء
وسوف تصبح طائرات (Eurofighter Typhoon) و(Rafale) اكبر اسطولين قيد
الاستعمال.
اضافة لذلك، سوف تحصل المملكة المتحدة وايطاليا على عدد كبير من
مقاتلات (F-35JSF) في وقت لاحق من هذا العقد. ومن المتوقع ان تحذو بلدان
اخرى في (NATO) حذوهما. وان المزيد من التعاون بين الحلفاء هو المرجح مثل
اتفاقية الدفاع الاخيرة الانغلو - فرنسية حول مشاطرة الخبرة والقدرات حول
القوة الجوية البحرية والمركبات الجوية دون طيار. ونتيجة لذلك، من المتوقع
ان يكون هناك مزيد من تجميع التدريب ومرافق الدعم لتحسين الفعالية ومنصات
المخابرات والمراقبة والاستطلاع (ISR) والنقل الجوي وطائرات الصهريج
الجوية.
تم بحمد الله ..