بعد ما يقارب العام على تنفيذ الغارة الإسرائيلية على موقع سوري، كشفت تقارير صحفية تفاصيل الضربة وفق مصادر متعددة أشارت أن قيادة هيأة الأركان الإسرائيلية بترخيص من رئيس الوزراء نفذت عملية تحمل اسم << فيرجي>> الخاصة بقصف هدف عسكري سوري على بعد 25 كلم شمال غرب بلدة دير الزور، شرق سوريا وعلى بعد 145 كلم من الحدود العراقية، ويقع على 800 متر من سطح نهر الفرات، وتشير المصادر، حسبما نقل موقع العرب اون لاين عنها، أن قيادة هيئة الأركان الإسرائيلية تخلّت عن خيار اعتماد الهجوم المباشر على الموقع العسكري عبر سرب من الطائرات يتم إعدادها لهذا الغرض، بل إنها ببالغ من الحيطة وخوفا من افتضاح أمرها من مراكز الرصد السورية ووسائل الإنذار المبكر، اختارت عدم التوجه نحو الهدف مباشرة، بل أمرت السرب بالالتفاف على حدود الأراضي السورية في حركة دائرية من جهة بحر الأبيض المتوسط، أى قبالة الشواطئ السورية والقبرصية، ثم دخول الفضاء الجوى التركى الذى ترخص اتفاقية التعاون العسكري بينهما السماح للطيران الإسرائيلى القيام بعمليات تدريبية فى فضائه جوا، لكن دون اتخاذه وسيلة من أجل قصف عسكرى خارج مهمات التدريب المحضة، وشككت بعض المصادر في كون السلطات التركية على علم بذلك، فيما يرجح البعض أن تل أبيب وضعت تركيا أمام الأمر الواقع. هذا فى الوقت الذى عمد فيه الطيارون الإسرائيليون إلى التخلص من خزانات الوقود الإضافية فى طائراتهم الحربية على الأراضي التركية.
التقرير الصحفي يكشف أن الخطة الإسرائيلية استقرت على تزويد المطاردات المقنبلة بصواريخ وقنابل موجهة بأشعة الليزر من أجل إصابة الهدف بدقة بالغة، إذ انتدبت لهذه المهمة طائرات الفانتوم "F 15 I" التابعة للسرب الجوى رقم 69، والتى تم تكليفها بتدمير الهدف الرئيسي، علاوة على تدريب الربابنة لهذه المهمة بكثافة ومنذ مدة طويلة، كما تم تكييف الطائرات العسكرية مع ما يتناسب مع المهمة عبر إمدادها بخزانات وقود إضافية، مما يحقق لها إمكانية الطيران طويلا بكل استقلالية وفعالية كبيرة. بالإضافة جرى أيضا تزويد كل طائرة على حدة بكل وسائل التشويش الإلكترونية وصواريخ جو جو "Python4 & AMRAAM" ثم بمدفع "Vulcan" 20 ملمتر من أجل تأمين حمايتها الخاصة.
هذا فى الوقت الذى تحدد فيه قبل الهجوم القيام بهجوم إلكترونى واسع المدى بحيث تُشل الشبكات الإلكترونية السورية، ناهيك عن محاولة التحكم فيها عن بعد Aviation Week & Space technology, 21 novembre 2007" " كما صرح بذلك مدير عام وزارة الدفاع الإسرائيلية. بل إنه بموازاة ذلك تقرر أن تقوم طائرات فانتوم 15 بدورات استطلاعية قرب الحدود السورية بغاية التدخل من أجل اعتراض الطائرات السورية إذا تحركت من قواعدها، وبالتالى قام سرب من ثمانى طائرات فانتوم "F 15 I" مدعمة بطائرة ضخمة من نوع "Gulfstream G-550 Nachson" مجهزة بأحدث وسائل التشويش الإلكترونية وأجهزة الحماية الإلكتروإشعاعية للمطاردات، من الإقلاع من قاعدة عسكرية إسرائيلية. هذا فى الوقت الذى تفيد مصادر أخرى حضور أربعة مطاردات مقنبلة أخرى من نوع فانتوم "F-16 I"، بغاية الزيادة فى إمكانية التشويش الإلكترونية حتى يتم تفادى الرادارات السورية "Jane’s Defence Weekly, 26 septembre 2007" بالكامل.
تفاصيل الخطة تكشف إقلاع كل طائرة على حدة، قبل أن تجتمع من جديد شمال إسرائيل فى اتجاه تركيا، بحيث تحاذى الشواطئ السورية بمسافة أمنية كافية، وكأنها متجهة نحو الفضاء الجوى التركى الذى من المعتاد أن تجرى فيه تدريبات تقليدية، ثم قيامها بعد دخولها الفضاء الجوى التركى بأن تُعرِّج بسرعة فائقة نحو شمال شرق الحدود التركية السورية على ارتفاع منخفض، فى الوقت الذى دخلت أجهزة التشويش الإلكترونى على الخط بنجاعة، حيث تنفصل طائرات فانتوم " F-16 I " عن السرب من أجل الهجوم على محطة رادار سورية تقع فى تل الأبواد، بالقرب من الحدود التركية " Aviation Week & Space technology, 21 novembre 2007 ، وذلك نظرا لكون هذه المحطة تقع 80 كلم شمال الرقاح وبوسعها مراقبة مجمل الفضاء الجوى الذى ستتحرك فيه الطائرات العسكرية الإسرائيلية، لذا فإن تعطيلها بفعل عدة صواريخ" سيشل الرقابة الجوية السورية فى هذه المنطقة. وبالتالى تعود هذه الطائرات إلى إسرائيل بعد تنفيذ المهمة مع طائرة "Gulfstream G-550 Nachson" التى أمنت الحماية الإلكترونية فى المرحلة الأولى من العملية.
حان موعد تنفيذ العملية ومع اقتراب موعد عقارب الساعة الثانية عشرة ليلا وخمس عشرة دقيقة، أفرغ الطيران الإسرائيلى ما لديه من قنابل وصواريخ، حيث سهر على توجيهها بدقة فريق كوماندوس "Sayeret Matkal" من وحدة الاستطلاع الملحقة بقيادة الأركان العامة، يتردد عن تسرُّبها فى عين المكان عبر الحدود التركية القريبة قبل يوم من ذلك من أجل << تحديد الهدف>> فى الوقت المعلوم، وبحسب التقرير تسربت فرقة كوماندوس من الأراضى التركية قبل ذلك وساهمت فى إرسال عدة إشارات ساهمت فى إصابة الهدف، ويضيف التقرير أن الطائرات الإسرائيلية عادت إلى قواعدها حوالى الساعة الواحدة وخمس عشرة دقيقة صباحا، بعدما تخلصت طائرتان حربيتان من خزانتين للوقود على الأراضى التركية، ولم تتخلص من جميع خزانات الوقود الإضافية برميها فى عرض البحر الأبيض المتوسط ما دفع بوزير خارجية تركيا إلى الاحتجاج بعد ذلك رسميا، قابلته الدبلوماسية الإسرائيلية بتوضيح أسبابه كالتالي: << وجدت المطاردة الإسرائيلية نفسها مرغمة على ذلك بعد أن تتبعها نظام الدفاع السوري، حيث تخلص الطيار من ثقلها من أجل الحصول على هامش إضافى من الحركة"، فيما لم يقم الطيارون الآخرون الذين كانوا فى نفس السرب بذلك.
يؤكد التقرير أن
ثمة العديد من المعطيات تؤكد أن الحكومة الإسرائيلية أرادت أن تزج بتركيا فى هذه العملية، من أجل إرسال إشارة بالغة إلى كل من سوريا وإيران أنها قادرة على الحصول على الدعم التركى فى الساعات الحاسمة رغم انخفاض حرارة التعاون الاستراتيجى بعدما اتضح دعم إسرائيل إلى المقاتلين الأكراد وتغلغلها فى شمال العراق، ويشير التقرير أن الأمور لم تكن لتهدأ إلا بعدما قدم إيهود أولمرت وشيمون بيريز اعتذارهما " الأول فى لندن والثانى فى أنقرة"، لكى تقبل السلطات التركية على مضض إغلاق الملف بعد مرور شهرين على ذلك، غير أن عدة مصادر مطلعة كشفت أن الإسرائيليين فاوضوا الأتراك فى عدم استمرار تقديم دعم للمقاتلين الأكراد نظير استمرار حصولهم على حق استعمال الفضاء الجوى التركي، وبحسب التقرير أيضاً أُمد الجيش التركى نظير هذه الصفقة بطائرات استطلاع بدون طيار وحضور فنيين من اسرائيل من أجل مساعدة الجيش التركى فى تعقب فلول الجماعات الكردية المقاتلة التابعة لحزب العمال الكردى الماركسى.
العديد من المصادر تؤكد بأن الولايات المتحدة الأمريكية أول من كانت على علم كامل بذلك، مشيرةً أن سرب الطائرات العسكرية الإسرائيلية مرَّ بالقرب من القاعدة الأمريكية "Incirlik" فى شرق تركيا، حيث تظل العديد من طائرات الأواكس والرصد تقوم بدوريات فى الجو دون انقطاع، كما نقل العديد من الصحفيين على لسان عسكريين أمريكيين فى عين المكان، أن واشنطن قدمت معلومات تقنية حول الشبكة السورية، إضافة إلى دعم إلكتروني على قدر كبير من الأهمية.
إسرائيل لم تنبس هذه المرة بكلمة عن هذا الهجوم، حتى 2 أكتوبر عندما خرجت الحكومة الإسرائيلية عن صمتها وأعلنت في بيان مقتضب أن قواتها قامت فعلا بقصف جوى فى سوريا، لكن حيثيات وأهداف هذا الاختراق لا يمكن فى الوقت الحاضر الإعلان عنها>>، حسبما ذكرت هآرتس، وبالتالى استمر فرض رقابة عسكرية صارمة منعا لتسريب أى معلومات عن الموضوع فى وسائل الإعلام الإسرائيلية.
حول اسباب الغارة الإسرائيلية على الموقع السوري تتعدد الفرضيات؛ حيث تبين تغطية صحيفة "هارتس" الإسرائيلية للحدث ترجيح استفزاز الحكومة الإسرائيلية لسوريا، ما يحمل الأخيرة على الرد عسكريا من أجل اختبار قوتها على ضوء صمود حزب الله العسكرى البطولي، فيما يفيد خبراء عسكريون إسرائيليون إن إسرائيل كانت تريد دفع سوريا للكشف عن محطات الرصد والرادارات الجديدة، بخاصة صواريخ أرض - جو الروسية والصينية، ثم اختبار شبكة دفاعها المضاد للطيران والتعرف على أنظمتها التقنية الجديدة.
ثمة تكهنات أخرى ذهبت إلى القول بأن قصف سوريا هو رسالة إلى طهران، وهو التحليل الذى يتبناه إفراييم كام نائب مدير المعهد الإسرائيلى للدراسات الأمنية القومية "INSS".
التقرير يذكر أن إسرائيل قدمت لواشنطن تقارير عن ان الموقع المستهدف هو موقع نووي لتحصل على الموافقة الأميركية بقصفه، وأشر التقرير ان السفير الروسى بواشنطن علم بأمر الغارة، وعليه تدخل على الخط من أجل تحذير سوريا من قصف محتمل باتت علاماته وشيكة فى ظل الاتفاقية المبرمة بين سوريا وكوريا الشمالية للتعاون التقني، ويؤكد التقرير تفنيد المزاعم الإسرائيلية والأمريكية أتت من الصحفى الإسرائيلى الشهير يوسى ميلمان "Yossi Melman" فى 22 نوفمبر 2007، حيث اعتمد على دراسات الأستاذ "Ouzi Even" الخبير فى الفيزياء النووية فى جامعة تل أبيب وأحد خبراء محطة ديمونة النووية فى إسرائيل سابقا، بأن البناية موضوع القصف الإسرائيلى فى سوريا من المستحيل أن تكون محطة نووية فى طور البناء "Haaretz, 12 janvier 2008"، لكنه بدافع تجنب الحرج، بخصوص أن تحتضن البناية مصنعا من أجل تخزين قطع غيار نووية أو غيرها من الذخائر الحربية التقليدية، فترك الباب مفتوحا واكتفى بالقول أن كل بناية عبارة عن مستودع، يمكن أن تكون مأوى لأى شيء، علماً أن الرئيس الأمريكى جورج بوش، صرح فى زيارته الأخيرة إلى الشرق الأوسط بأن القصف الإسرائيلى << عملية وقائية هامة من أجل التوازن فى المنطقة>>.
صدى سوريا