مهندس تفتيت خط بارليف وقائد الصاعقة يكشفان أسرار حسم معركة العبور
* اللواء أركان حرب معتز الشرقاوى أحد أبطال الصاعقة فى حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر: كبدنا إسرائيل خسائر فى المعدات والأرواح عشرات المرات قبل حرب أكتوبر
من المعروف أن دور رجال الصاعقة فى أى جيش دائما تطهير الموقع قبل بدأ أى اشتباكات محتملة، والحقيقة أن الصاعقة المصرية وعلى الأخص تلك الفرقة التى أسسها الشهيد إبراهيم الرفاعى كان لها دور بارز فى هذا المجال، فقد أنجبت الفرقة العشرات والمئات من الأبطال الحقيقيين الذين لا يهابون الموت، وعلى رأسهم اللواء أركان حرب معتز الشرقاوى.
فقد التحق معتز الشرقاوى بالكلية الحربية فى منتصف الستينيات وكان عمره وقتها ستة عشر عامًا فقط، وكان من عائلة عسكرية حيث كان والدة ضابط مدفعية "مضادة للطائرات" وكان وقتها فى تنظيم سلاح المدفعية ولم تكن قوات الدفاع الجوى قد شكلت بعد وكان ملتزما لأبعد الحدود معه، وفى نهائى الكلية الحربية عام 1966 كان يقوم بتدريس مادة التكتيك العسكرى، اثنان من النقباء المشهود لهم بالكفاءة وهم النقيب عبد القادر مرعى والنقيب محمد حسين طنطاوى "وزير الدفاع السابق"، وكان للنقيب عبد القادر نظرية فى أنه من مظاهر الرجولة والكفاءة للطالب أن يكون طويلا وعريضًا ومفتول العضلات وضخمًا أحيانًاعلى العكس من الطالب معتز الشرقاوى حتى وإن كانت لياقته البدنية عالية جدًا.
وفى أحد الأيام سأل النقيب عبد القادر مرعى معتز الشرقاوى بسخرية بعد أن تقدم للحصول على فرقة الصاعقة "هل ستتمكن من الحصول على فرقة الصاعقة"، مما أثار ضحك زملائه من أسلوبه الساخر، فى نفس الوقت دخل بعده النقيب محمد حسين طنطاوى وكان يدرس التكتيك العسكرى، وتساءل عن سبب ضحك الطلبة وعرف السبب، فسألة بنبرات عسكرية واضحة "هتأخذ فرقة الصاعقة يا معتز "فردد بتصميم أبوه يا فندم".
وقد أكد اللواء معتز الشرقاوى أن ما حدث فى يونيو 1967 لم يكن هزيمة بقدر ما كانت جولة من جولات الحرب لم نستطع تحقيق فيها أى نصر لظروف خارجة عن إرادة الجنود، مشيرًا إلى وجود تدخل خارجى ودعم كبير لإسرائيل وتطور تكنولوجى ساعد فى تحقيق هذه النتيجة، وكان الغرض من ذلك هو الإنهاء على روح القتال لدى الجنود المصريين وإقناعهم بمقولة الجيش الإسرائيلى الذى لا يقهر أبدًا، ولكن بعد عدة أيام قليلة فقط تمكنوا من القيام بعمليات واسعة أرهقت العدو.
وأوضح الشرقاوى أنه كان ملازمًا أول بالصاعقة وكانت لدية أوامر بأن يكون دائمًا على استعداد دائم للحرب، من خلال التدريب المستمر وشدة وقوة بأس وعبور مستمر إلى الضفة الشرقية للقناة للقيام بعمليات مستمرة لاستنزاف العدو، ورفع الروح المعنوية لدى الجنود المصريين والتدريب والتحضير للحرب فى نفس الوقت، مشيرًا إلى أنه بعد أيام قليلة من الحرب تمكنت قوات من الصاعقة لا تتعدى 25 فرداً بالأسلحة الخفيفة من تدمير "قول" أو طابور دبابات وعربات مدرعة تجاوز عددها 17 عربة ودبابة كانت فى بور فؤاد فيما عرف بموقعه رأس العش، وأثبت ذلك أن الجندى المصرى بالإيمان والعزيمة والتصميم وبإعطائه فرصة الهجوم والمواجهة المباشرة وإن كانت مقارنة القوة ليست فى صالحه يستطيع أن ينجز ما لا يتخيله أى عقل.
وقال إن معركة رأس العش أدت إلى إعادة النظر فى الجندى المصرى، وأنه بالإمكان مواجهة العدو من خلال هذه التحضيرات والتجهيزات، فيما كان يسمى بحرب الاستنزاف حيث كانت تدريباً عملياً للحرب واحتكاكًا مباشراً.
أما عن مهامة الخاصة داخل عمق سيناء فيؤكد أنه استطاع أن يعبر شرقًا إلى قناة السويس حوالى 9 مرات للقيام بمهام حربية قتالية واشتباك مباشر وهى العمليات التى تبرع فيها قوات الصاعقة ولنا فيها اليد الطولى على اليهود، موضحًا أن أهم العمليات كانت الإغارة نهارًا على لسان بور توفيق وتدمير النقطة الحصينة.
ويحكى اللواء معتز الشرقاوى عن كيفية الإغارة على موقع بور توفيق وكيفية الحصول ثانى أسير من القوات الإسرائيلية فى حرب الاستنزاف، مؤكدا أنه أحضر هذا الأسير من الضفة الغربية للقناة، وقال إنه فى هذه العملية أغار نهارا بتشكيل يتكون من 140 فرداً بالزوارق المجهزة بالمواتير، وهذا يمثل تحد سافر لقوات العدو بعد أيام قليلة من نكسة يونيو 67 وكانت النقطة الحصينة هدفه لأنها كانت موقع إطلاق النيران ضد السويس.
ويضيف الشرقاوى "أن الإغارة نهارا كانت بهدف تحقيق عنصر المواجهة والاشتباك المباشر وكان ذلك فى الساعة الخامسة بعد الظهر أى قبل المغرب بثلاث ساعات، واستطاع أن يدمر للعدو خمس دبابات وينسف ملجأ به ما لا يقل عن 25 فردًا تم تدميره تمامًا وتحولت جثث اليهود إلى أشلاء متناثرة الأمر الذى آلم اليهود كثيرًا فأصبح أهالى هؤلاء فى حداد مستمر لا يعرفون إن كان أبناؤهم أحياء أم أمواتًا، وفى نهاية المعركة لاحظ حركة غير طبيعية فى أحد جوانب الملجأ وكانت لحكمدار طاقم دبابة من الدبابات التى دمرها وعاد به أسيرًا إلى غرب القناة.
وقال الشرقاوى "وفى أحد الأيام وردت معلومات تؤكد أن هناك زيارة للجبهة بواسطة مسئول كبير فى الجيش هو قائد القطاع الجنوبى الجنرال "جافيتش"، مبينا أنه قام مع مجموعة قتالية بعمل كمين نهارى لقتل قائد القطاع الجنوبى فى الجيش الإسرائيلى أثناء زيارته للمواقع الإسرائيلية فى أصعب وأكبر عملية صاعقة فى قلب سيناء من حيث الصعوبة والهدف منها، موضحا أنه اضطر للعبور فى منتصف الليل يومى 15 و16 ديسمبر 1969 مع تسعة من زملائه بمركبين إلى الشط الشرقي، ومنها انطلقوا عدوًا على الأقدام فى الجبال حتى لا يرصدهم أى شخص وقاموا بعمل كمين على الطريق الذى سيسير عليه القائد بالمتفجرات يمينا ويسارا وبعدما مرت السيارة الجيب بدأ التعامل بعد الانفجار بالأسلحة وتم التعامل مع القائد والحراس والسائق، وحتى يتأكد من قتل الجنرال ذهب ليراه وأخذ شارته ورتبته والمحفظة الشخصية وحقيبة الوثائق التى لديه وبدأت المدفعية المصرية تطلق النيران على الموقع لتعطى انطباعاً بأن الانفجار ناتج عن قصف مدفعى وليس عملية قتالية حتى لا يشتبكوا معهم ويبيدوهم ولكن الوقت لم يسعفهم وبدأوا بالانسحاب عدوًا بالأقدام وعاد فى أقل من نصف الساعة ليبدأ الطيران فى التعامل مع الموقف بعدما وصلوا إلى الضفة الغربية.
رجل الصاعقة معتز الشرقاوى أكد أن حرب أكتوبر كانت حصيلة كل الحروب التى سبقتها وكانت أيضا حصيلة تدريب غير عادى وإعادة تنظيم واحتكاك بالعدو أدى إلى تحفيز وتحضير تلقائى للحرب على أسس نظرية وعملية وميدانية، وشحناً معنوياً ودينياً وإيمانا عميقا بالنصر نتيجة ما حققه الجيش المصرى خلال حرب الاستنزاف، مشيرًا إلى أن هذا أعطاه القوة والثقة والقدرة على تحقيق النصر وكانت المهمة المحددة له هى الهجوم والإغارة وتحرير لسان بور توفيق بطول كيلو ونصف الكيلو، وهو نفس الموقع الذى سبق وأغار عليه ودمره وكان برتبة رائد وكان قائد سرية صاعقة، ولكن هذه المرة أصبح مجهزًا وتم تطويره بشكل حديث وكبير وأصبحت النقطة العسكرية قادرة ومجهزة على تلقى ضربة ذرية أى إنها مجهزة تجهيزاً كبيرا حتى لا تتكرر نفس الهزيمة التى لحقت بهم عام 1969 وعندما بدأ العبور فى الرابعة مساء كانوا على استعداد كبير لاستقباله، حيث انضمت للنقطة قوات مظلات إسرائيلية وهى من أقوى القوات لدى العدو الإسرائيلي.
وأوضح أنه استطاع الهجوم على النقطة الحصينة من خلال سرية مواجهة بالإضافة إلى سريتين واحدة من اليمين وأخرى من اليسار للهجوم الخلفى واحتلال جنوب وشمال النقطة ومنع أى انسحاب للقوات وهناك سريتان للتحرير خلف سرية المنتصف التى عبرت فى المواجهة وهى التى شهدت مواجهة كبيرة لأن المدفعية التى كانت تطلق النيران كانت مخفية ولا يعرف مصدرها لكن السريتين الأخريين هجمتا من الخلف بعد العبور واستمرت الاشتباكات حتى تم التعامل مع الهدف وتم تدمير 3 دبابات من 6 وتم قتل 20 جندياً إسرائيلياً وهربت سيارتان نصف جنزير وتبقت باقى القوة 37 منهم 7 ضباط وكانوا على اتصال بالقيادة حتى أمروه بالاتصال بالصليب الأحمر بعدما اشتدت الهجمات واستسلموا وتم تحرير النقطة واللسان.
* اللواء أركان حرب باقى زكى يوسف: المهندس الذى حطم خط بارليف بقوة الماء.. وأمَّن عبور 80 ألف جندى ليحققوا أعظم انتصار
منذ 39 عامًا قامت قواتنا المسلحة بعبور قناة السويس واجتياز الساتر الترابى واقتحام خط بارليف، سالت دماء الأقباط جنبًا إلى جنب مع إخوانهم المسلمين لتحرير تراب مصر من الاحتلال الإسرائيلى، فوطنية الأقباط لا تحتاج لمن يزايد عليها لأن حبهم برهنوا عليه على مر التاريخ بسفك دمائهم الذكية حبًا فى تراب مصر العظيم.. الأكثر من ذلك أن هناك من الأقباط من قدموا عقولهم لخدمة هذه الحرب العظيمة، فعلى الرغم من أنه لم يطلق رصاصة واحدة إلا أنه مهد لعبور المصريين إلى سيناء، وحافظ على أرواح عشرات الآلاف وساهم فى عودتهم إلى أمهاتهم وزوجاتهم وأبنائهم..
بالتأكيد سمعنا جميعًا منذ صغرنا عن خط بارليف، لكن ما هو خط بارليف.. ومن الذى حطمه.. وكيف يعيش الآن.. هذا ما لم نتناوله من بعيد أو قريب من قبل.
خط بارليف أقوى خط تحصين دفاعى فى التاريخ العسكرى الحديث، صممه الجنرال حاييم بارليف، رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلى وقتها, والذى فكر فى إنشائه ليفصل سيناء عن الجسد المصرى بشكل نهائى، وليحول دون وصول الجيش المصرى إلى الضفة الشرقية للقناة من خلال إنشاء ساتر ترابى منحدر ومرتفع ملاصق لحافة القناة الشرقية بطول القناة من بورسعيد إلى السويس ليضاف للمانع المائى المتمثل فى قناة السويس، ويشكلان معًا أقوى مانع فى التاريخ.. ولكن من بنى الجدار وحصنه راح عن باله أن هناك معجزة اسمها "المصرى".. وللتاريخ أقول إن اللواء باقى زكى يوسف الذى عمل ضابطًا مهندسًا فى القوات المسلحة خلال الفترة من عام 1954 وحتى 1984، قضى منها خمس سنوات برتبة اللواء، كان العقل المصرى الذى تمكن من التغلب على القنبلة النووية وهو صاحب فكرة فتح الثغرات فى الساتر الترابى باستخدام ضغط المياه ليفتح الطريق إلى نصر أكتوبر المجيد أعظم انتصارات مصر فى القرن الماضى.
يعيش اللواء باقى فى منزله المتواضع بمدينة مصر، للوهلة الأولى تشعر فى منزله بأنك تعود إلى أيام الزمن الجميل، حيث الهدوء والضوء الخافت ونسمات العطور ينساب من خلفها صوت الرائعة فيروز تشدو بإحدى أغانيها، وبمجرد دخولنا إلى الصالون حضرت زوجته لترحب بى وفى يديها عدد من صور الذكريات.
باقى زكى يوسف حزن كثيرًا عندما علم أننا نتحدث معه لمجرد التأكيد أن مسيحيى مصر قدموا دماءهم من أجل تراب مصر قائلاً بالحرف الواحد: "ماكانش كده زمان.. كنا بنحب بعض.. وأصدقائى لم يعلموا أننى مسيحى إلا بعد معرفتى بهم بسنوات طويلة.. هو إيه إللى حصل"، وتدخلت زوجته فى الحوار بعصبية قائلة: "دى مؤامرة من الغرب يا باقى.. الغرب مش عايزنا نعيش بسلام.. هو أنا أنسى أيام ما كنت فى الحرب، جيرانى المسلمون لم يتركونى أبدًا.. وكنا ندعى للكل بأن يعود بسلام".
ماذا فعلت فى حرب أكتوبر من أجل مصر؟، هذا السؤال كاد ينهى حوارنا قبل أن يبدأ، فكيف لا نعلم ماذا فعل الرجل فى حرب أكتوبر؟، كيف نجهل دوره العظيم فى تلك المعركة؟، كيف تجاهلنا أنه تفوق على القنبلة الذرية التى زعم الروس والأمريكان قدرتها على تدمير خط بارليف؟، كيف نسينا ما قدمه الرجل لتأمين عبور 80 ألف مصرى بدون نقطة دماء أثناء العبور.
وقد أكد اللواء باقى يوسف أن الفكرة جاءت له بعدما امتلكه الخوف على أكثر من20 ألف جندى مصرى كانوا سيستشهدون فى لحظة العبور، لأن الجيش المصرى كان سيعبر حتى إذا لم يكن هناك ثغرات لعبور المركبات والآلات العسكرية، مشيرًا إلى أن الفكرة أتته نتيجة لعمله السابق فى إنشاء السد العالى بأسوان، وقام بعرض فكرته على قائد فرقته المرحوم لواء أركان حرب سعد زغلول عبد الكريم خلال اجتماع مع قائد الفرقة 19 فى أكتوبر عام 1969بمنطقة عجرود من الضفة الغربية للقناة، لتحديد مهام الفرقة وتخطى عقبات العبور.. وقال: "خطرت فى ذهنى فكرة المياه لأنه أثناء عملى بالسد العالى من عام 1964 وحتى 1967 كنا نستخدم المياه المضغوطة لتجريف جبال الرمال ثم سحبها وشفطها فى أنابيب خاصة من خلال مضخات لاستغلال مخلوط الماء والرمال فى أعمال بناء جسم السد العالى"، مشيرًا إلى أنه فى حالة الساتر الترابى شرق القناة فكان المطلوب لفتح الثغرات توجيه مدافع مياه مضغوطة إليه لتجرى رماله إلى قاع القناة، وعن طريق هذه الثغرات يتم عبور المركبات والمدرعات إلى عمق سيناء.. وأشار إلى أن جميع آراء رؤساء التخصصات والخبراء للتغلب على الساتر الترابى كانت تنحصر حول الاستخدامات العنيفة، فمنهم من قال بالقنابل، وآخر بالصواريخ والمفرقعات والمدفعية، ولكنهم أكدوا أن توقيت فتح الثغرات داخل الساتر الترابى يتم فى خلال 12-15 ساعة، وكانت هذه المقترحات والأفكار فى غاية الصعوبة لتنفيذها من خسائر مادية وتستغرق وقتًا طويلاً.. "ربنا حط المشكلة وجنبها الحل"، تلك هى العبارة التى وقف ليقولها المقدم باقى يوسف على قادته فى القوات المسلحة، استطاع بها أن يجذب انتباه تلك القيادات، فاستمر فى شرح فكرته الغريبة، والتى تعتمد على نظرية نيوتن وسط صمت ودهشة جميع الحاضرين فى الاجتماع، وبعدها بدأ قائد الفرقة يناقش الفكرة مع رؤساء التخصصات لمعرفة تأثيرها على أعمال القتال، واتضح من المناقشة أنه لا توجد أى مشاكل مبدئية فى المياه المحملة بالرمال عند عودتها إلى القناة ولا فى تربة الثغرة.. وبعد المناقشات المستفيضة فى الاجتماع شعر قائد الفرقة بأن هذه الفكرة يجب أن تدرس جيدًا، وخصوصًا أن البدائل التى عرضت فى الاجتماع لحل مشكلة العبور كانت بدائل تقليدية وقد تكون متوقعة من العدو، مشيرًا إلى أنه فى نهاية الاجتماع قام قائد الفرقة بالاتصال بقائد الجيش الثالث اللواء طلعت حسن على وأطلعه على الفكرة فطلب منه الحضور فى اليوم التالى لمناقشتها.. وقال اللواء باقى زكى إن قائد الفرقة طلب منه إعداد تقرير فنى وافى ليصل فيما بعد إلى يد الرئيس جمال عبد الناصر شخصيًا أثناء اجتماعه الأسبوعى بقادة التشكيلات بمقر القيادة العامة، والذى اهتم بالفكرة المبتكرة، وأمر بتجربتها واستخدامها فى حالة نجاحها.
تنهد باقى يوسف وهو يعود بالذاكرة لـ 40 سنة قائلاً: "قمت بعد ذلك بتصميم مدفع مائى فائق القوة لقذف المياه، فى إمكانه أن يحطم ويزيل أى عائق أمامه أو أى ساتر رملى أو ترابى فى زمن قياسى قصير، وبأقل تكلفة ممكنة مع ندرة الخسائر البشرية، وقد صنعت هذه المدافع المائية لمصر شركة ألمانية بعد إقناعها بأن هذه المنتجات سوف تستخدم فى مجال إطفاء الحرائق".. وأشار إلى أنه بعد ذلك قامت إدارة المهندسين بالعديد من التجارب العملية والميدانية للفكرة زادت على 300 تجربة اعتبارًا من سبتمبر عام 1969 حتى يناير عام 1972 بجزيرة البلاح بالإسماعيلية، حيث تم فتح ثغرة فى الساتر الترابى أقيم خصيصًا ليماثل الموجود على الضفة الشرقية للقناة، وتم على ضوء النتائج المرصودة إقرار استخدام فكرة تجريف الرمال بالمياه المضغوطة كأسلوب عملى لفتح الثغرات فى الساتر الترابى شرق القناة فى عمليات العبور المنتظرة.. وقال إنه لم يشعر على الإطلاق باحتمالية فشل هذه الفكرة المبتكرة، بل على العكس كان يقف على الضفة الغربية للقناة يراقب الثغرات وهى تفتح بعينيه، مشيرًا إلى أن المياه هزمت القنابل النووية وحققت نجاحات باهرة، فقد تم الانتهاء من فتح أول ثغرة فى الساتر الترابى الساعة السادسة من مساء يوم السادس من أكتوبر أى بعد بدء العبور بحوالى 3 ساعات، كما تم الانتهاء من فتح 75% من الممرات المستهدفة التى يصل عددها إلى 60 ممرًا حوالى الساعة العاشرة من مساء نفس اليوم بعد انهيار نحو 90000 متر مكعب من الرمال إلى قاع القناة، وعبر أول لواء مدرع من معبر القرش شمال الإسماعيلية فى الساعة الثامنة والنصف من مساء نفس اليوم.. وبيّن أن كميات الرمال والأتربة التى انهارت من خط بارليف فى ساعة واحدة قدرت بنحو 2000 متر مكعب وهذا العمل يحتاج إلى نحو 500 رجل يعملون مدة 10 ساعات متواصلة.. وهكذا انهار أقوى خط مانع فى العالم وأصبح مثل "الجبنة الريكفور" فى عدة ساعات، هذا الخط الذى أجمع جميع الخبراء العسكريين السوفييت والأمريكان والإسرائيليين على استحالة تحطيمه إلا بقنبلة نووية!!!، وبالطبع لا تملك مصر واحدة منها، وحتى بفرض وجودها فمن المستحيل استعمالها نظرًا لتلاصق القوات المصرية والإسرائيلية.
وكما يقول اللواء باقى يوسف كانوا محقين فيما أكدوه عن خط بارليف، فقد اهتم الإسرائيليون بإنشاء الخط وتجهيزه هندسيًا، وتدعيمه بمنصات للدبابات والمدفعية، وتحتله احتياطيات من المدرعات ووحدات مدفعية ميكانيكية عبارة عن 22 موقعًا دفاعيًا، و26 نقطة حصينة بطول 170 كم على طول قناة السويس، مشيرًا إلى أن الخط تم تحصين كل مبانيه بالكتل الخرسانية وقضبان السكك الحديدية المأخوذة من سكك حديد سيناء، بالإضافة لتغطيتها بأطنان من الصخور والرمال لامتصاص كل أشكال القصف الجوى والأرضى مهما كان حجمه، بالإضافة إلى الأسلاك الشائكة ومناطق الألغام، وأنابيب النابالم الحارق أسفل مياه القناة، وشبكات تليفونية تربط كل نقاط الخط ببعضها البعض من ناحية وبالقيادة داخل إسرائيل من ناحية أخرى.