الطائرات ذات الأجنحة المعكوسة(المائلة للأمام)
تتنافس الدول الكبرى في الجانب الإستراتيجي والتكتيكي في وقت واحد ، ويظهر هذا التنافس جلياً من خلال إنتاج طائرة مقاتلة متقدمة تتفوق عن مثيلاتها في الهجوم والدفاع لأنها تعتبر فخر الصناعات الحربية ومؤشر إيجابي على تقدم هذه الدول التقني والعلمي والتكتيكي ، فهي مجموعة معقدة من الإنجازات ذات التكامل الذاتي والقدرة على التطور المستمر ( سرعة ، قدرة على المناورة ، تسلح وقوة نارية ، دفاع ذاتي ، معدات طيران وأجهزة مساعدة ، معدات إلكترونية وأجهزة لا سلكية .... الخ.)، وهي أيضاً ذات مزايا مختلفة في تعاونها مع الأسلحة الأخرى في الدفاع والهجوم .
وعلى الرغم من أن الدوافع الأولى في تطوير الطائرات المقاتلة تنبعث في الأساس من منطلقات تكتيكية بحته ، إلا أن الكثيرين يعتقدون أن الطائرة المقاتلة يجب أن تستجيب أيضاً للمتطلبات الإستراتيجية نفسها .
وبصورة عامة فإن أهم الغايات التي يهدف إليها تطوير الطائرات المقاتلة في قرننا الحالي هي:
- الانسجام الكامل مع متطلبات نوع الحرب التي تخوضها الطائرة، أي حسب ما تكون هذه الحرب تقليدية أم نووية.
- القدرة على أداء عدة مهام في وقت واحد ( متعددة المهام )
- إمكانية العمل في كل الظروف ( نهار، ليل، ضباب كثيف ).
- إمكانية استخدام مطارات ( أولية ) أو مطارات معدة على عجل أو كانت قد تعرضت لأضرار هامة بسبب القصف أو الهبوط على حاملات الطائرات المتحركة.
وبرزت في السنوات الماضية أفكار جديدة في نماذج وتصاميم مختلفة للطائرات وشملت جميعها الاهتمام البارز والتركيز بصورة أساسية على النقطتين التاليتين :
القدرة الكبيرة على المناورة وهي تعني اجتماع وسائل ومزايا مختلفة ايروديناميكية وميكانيكية والكترونية ، تجعل الطائرة في أقصى درجات القدرة على المناورة في المعركة الجوية ، مع تحقيق بقائها في الجو أطول مدة ممكنة واستقرارها عند إطلاق الصواريخ وتحقيق الاقتصاد في المحروقات.
الأداء الجيد ويعرف بمبدأ ( دمج الأنظمة ) وذلك يعني ليس فقط الاكتفاء بحسن سير الأجهزة والمعدات الفنية في الطائرة لتحقيق هدف معين ، بل تركيز الاهتمام على حسن سير تقنيات متعددة جرى الاصطلاح على تسميتها بالأنظمة ( Systems) لتحقيق ظهور مجموعة واحدة أو ( كل واحد ) متكامل قادر على الوصول إلى الأهداف المحددة ضمن أفضل الشروط الممكنة .
واعتمدت النماذج والتصاميم لتلك الأفكار الجديدة نوع مختلف تماما من حيث الشكل المعهود التي اتخذتها أجنحة الطائرة في السابق والتي كان اتجاه هذه الأجنحة إما عمودياً على جسم الطائرة أو مائلاً على خط الطائرة من رأسها حتى ذيلها على شكل سهم رأسه إلى الأمام . ولكن الجديد في فن الاستخدامات الإيروديناميكية هو اكتشاف الأجنحة المعكوسة أي التي يسير اتجاهها في خط ( الذيل – الرأس) بدلا من خط ( الرأس – الذيل ) ، ويذكر البعض أن الألمان في العهد النازي كانوا أول من قام بدراسات حول الأجنحة المعكوسة ، وأطلق البعض عليه اسم ( السهم المعكوس ).
الخلفية التاريخية للأجنحة المعكوسة
في عام 1936م وضع الألمان فكرة الطائرة ذات الأجنحة المعكوسة (FSW) Forward Swept Wing ولكن لم يستطع أحد أن يصنع نموذج خاص بتلك الطائرة،وخلال الحرب العالمية الثانية توصل المهندسون الألمان لاختبار نموذج طائرة بأجنحة معكوسة في شركة ميسرشميت (Messer Schmitt) وهيالطائرة Me 163B حيث لم تشمل على الذيل التقليدي وأصبحت أساساً للوصول إلى التصميم النهائي للطائرات ذات الأجنحة المعكوسة ، ثم أنتج الألمان الطائرة النفاثة Ju 287القاذفة الخفيفة ذات الجناح المعكوس ويعود سبب وضع الأجنحة المعكوسة في الطائرة Ju 287 لعدم إعاقة الجناح العادي للقنابل القاذفة من الطائرة .
وفي عام 1944م تمكن الأمريكيون من صنع الطائرة XFG-1 وهي طائرة هوائية (Glider) مزودة بأجنحة معكوسة ، وبعد الحرب وضعت شركة الطيران والفضاء الأمريكية ( ناسا ) النموذج Bell X-1 المزودة بالأجنحة المعكوسة ووجدوا بعض الصعوبات والأخطاء الإيروديناميكية ، كما توصل الروس إلى نموذج هوائي بأجنحة معكوسة خلال تلك الفترة .
وفي عام 1964م عمل مهندسو مصنع الطائرات الألماني (Hamburger Flugzeugbau) على إنتاج طائرة ركاب تجارية نفاثة ذات أجنحة معكوسة والتي سميت HFB-320 حيث وضعت الأجنحة خلف كبينة الركاب على طول هيكل الطائرة ، وتم صنع 50 طائرة في تلك الفترة ولكن ظهرت عيوب الأجنحة المعكوسة في تلك النماذج أن أطراف الأجنحة المعكوسة (Wing Tip) تلتوي مشكلة أكبر مشكلة إيروديناميكية مسببة في انهيار الطائرة.
وتوالت التجارب على طائرات عدة لدول مثل روسيا ( سابقا) وامريكا وغيرها وهنا سوف نتحدث عن بعض الطائرات الحديثة التي تتصف بالأجنحة المعكوسة والتي دخلت الخدمة كطائرة فعالة مقاتلة تشترك في تنفيذ البرامج العملياتية لتلك الدول منها :
الطائرة الأمريكية X-29 A
وضعت وكالة مشروع أبحاث الدفاع المتقدمة (Defense Advanced Research Project Agency)(DARPA) التابعة للقوات الجوية الأمريكية برنامج عسكري سري لصنع طائرة مقاتلة فوق صوتية بأجنحة معكوسة وقد قررت أن تتم التجارب تحت مسؤولية وكالة الطيران والفضاء الأمريكية NASA التي عزت المهمة لشركة (Grumman) الأمريكية بصنع أول طائرة اختباريه تحمل أجنحة معكوسة وهي الطائرة X-29 A حيث عملت الشركة على تصنيع النموذج الاختباري في (Bethpage)وجرى تجميعه في كاليفورنيا وانتهت عملية الإنتاج والخروج من المصنع في 27 أغسطس 1984م وتم إجراء عددا من الاختبارات على الطائرة وهي جاثمة على الأرض ثم نقلت في شهر أكتوبر إلى القاعدة الجوية (Edwards) بطريق البحر عبر قناة بنما وجرت أول الطلعات الإخبارية لهذه الطائرة الفريدة في شكلها بتاريخ الرابع عشر من شهر ديسمبر 1984 حيث أقلعت وارتفع بها الطيار إلى علو 15000 قدم وأجرى عدد من المناورات على المحاور الثلاثة للطائرة ، ثم انخفض إلى علو 1000 قدم ليقوم بتلك المناورات ذاتها . وبعد أن قضى في الجو 57 دقيقة عاد بها إلى القاعدة واعتبرت هذه الطلعة الاختيارية ناجحة تماماُ.
ثم جرت بعد هذه التجربة ثلاث تجارب أخرى لم يتجاوز ارتفاع الطائرة فيها 17500 قدم كما لم تتجاوز سرعتها 600 كيلومتر / الساعة ، ولا شك في أن شروط الطيران في هذه التجارب تظل أقل بكثير من الإمكانات الحقيقية للطائرة والتي صممت وصنعت لتنفيذها.
واتصفت هذه الطائرة بصفات خاصة هي
- ميلان الأجنحة المعكوسة إلى الأمام بزاوية مقدارها 30 درجة وصنعت الأجنحة لتتحمل التغيرات الهوائية المتمددة التي لا تتشكل عادة في حالة الجناح ذي السهم العادي المتجه إلى الأمام تخلق هذه الظاهرة عاملا مسببا لعدم الاستقرار في حالة الجناح المعكوس.
- نظام القيادة فيها أوتوماتيكي بصورة كاملة .
- تتصف بعدم الاستقرار على المحور الطولي بدرجة مرتفعة ، وذلك بسبب وجود جنيحات متحركة من نوع ( جنيحات البطة Canard) موجودة أما م الجناح المعكوس ولكن هذه الجنيحات تقدم في المقابل قدرة كبيرة على المناورة .
- تم استخدام مواد مركبة جديدة صلبة في صنع الهيكل لمواجهة التغيرات التي قد تحدث للشكل الإيروديناميكية الجديد للطائرة وهذه المواد كمعدن التيتان الذي يجري لحام قطعه بطريقة القذف الإلكتروني ، وغالبية المواد مشكلة من ألياف الفحم والتي لا يزيد وزنها في الطائرة عن 131 كيلوجرام ( من أصل 8 أطنان وهو وزن الطائرة الكامل).
وفي عام 1985 عملت القوات الجوية ووكالة ناسا على تنفيذ المرحلة الثانية للتجارب على الطائرة وقد حققت 36 ساعة طيران وخلال العام 1985م واخترقت حاجز الصوت لأول مرة في 13/12/1985م إذ بلغت سرعتها 1.05 ماخ على ارتفاع 40000قدم ثم توالت التجارب حتى وصلت سرعة الطائرة إلى 1.2 ماخ لاختبار قدرة تحمل الأجنحة المصنوعة من ألياف الفحم في ظروف صعبة .
فوائد الأجنحة المعكوسة
- تيار الهواء المندفع إلى الخلف يميل إلى الالتقاء باتجاه الجسم وينتج عن ذلك أن الدفات الخلفية تظل تتغذى بالهواء بصورة منتظمة وتبقى فعالة في كل مجال الطيران ، وكذلك ينتج عن التقاء الهواء بالجسم أنه عند الانحرافات الكبيرة لا تحدث ظاهرة الشد أو الاقتلاع التي تطبق على نهايات الأجنحة .
- في العلاقة بين المقاومة والدفع (Thrust & Drag) فإن الأجنحة المعكوسة في الطائرة أدت إلى تخفيض المقاومة بنسبة 20 % تقريباً عندما تكون الطائرة بسرعة قريبة من سرعة الصوت.
الطائرة الروسية SU-47
أنتج مكتب سوخوي للتصميم بموسكو الطائرة المقاتلة SU-47 وسابقاً كانت تسمى (SU-37 Berkut) النسر الذهبي ، وكان أول طيران لها في سبتمبر 1997م وهي طائرة تشمل في تصميمها أجنحة معكوسة بالإضافة إلى وجود أسطح ثلاثية تؤمن القدر الكافي من قوة الرفع الإيروديناميكية وقد أكملت هذه الطائرة أول مرحلة اختباريه طيرا نية لها في ديسمبر من عام 2001م ، وفي مايو من عام 2002م اختيرت هذه الطائرة لتدخل مرحلة جديدة من التطور من برنامج المقاتلات الروسية .
أخذت هذه الطائرة أولوية التصميم المعتمد على القدرة العالية من المناورة والتجهيز العالي من المعدات الإلكترونية والتكنولوجيا الإيروديناميكية التي أنتجت للطائرة SU-27 في نسختها المتطورة والتي يسميها حزب الناتو ( فلانكر Flanker) ومن هذه الأنظمة نظام العجلات وتصميم المقصورة ، الذيل الشبه عمودي وغيرها .
والطائرة SU-47 تتمتع أيضاً بأقصى حد من رشاقة الحركة خلال السرعات فوق الصوتية ويساعدها في ذلك قدرتها العالية على التغيير السريع لزاوية الهجوم وخط الطيران ، كما تحافظ الطائرة على قدرتها العالية في المناورة أثناء السرعات فوق الصوتية .
ومن المزايا المهمة في الطائرات المقاتلة الهجومية هي أقصى معدل للدوران وكذلك أعلى وأدنى حد لسرعة الطائرة(Speed Limit) أثناء إطلاق الأسلحة ، وهذه المزايا متوفرة في الطائرة SU-47 التي لها أعلى مستوى للمناورة مع قدرة الطائرة على الاستقرار والثبات وسهولة التحكم في جميع مراحل تغير زاوية الهجوم ، أما معدل الدوران العالي في الطائرة SU-47 يساعد الطيار على الدوران بسرعة عالية باتجاه الهدف الآخر وتوجيه الأسلحة الخاصة إليه ، وهذا ما يحدث في المعارك الجوية القريبة وكذلك المتوسطة والبعيدة المدى.
أما المزايا الخاصة التي توفرها الأجنحة المعكوسة في الطائرة SU-47 هي
- معدل التسلق العالي على حساب قوة الكبح(Drag)
- القدرة الفائقة في المناورة وخاصة أثناء تنفيذ عملية القتال الجوي (Dogfight).
- الوصول إلى أقصى مجال طيران بسرعات فوق صوتية .
- خاصية مقاومة الانهيار وكذا الانهيار الحلزوني.
- القدرة على الطيران بزاوية هجوم عالية مما يسمح بالطيران بأقل سرعة ممكنة .
- الإقلاع والهبوط من أقصر مسافة في المدرج.
وبالنسبة لجسم الطائرة فتم صناعته من عناصر الألمنيوم والتيتانيوم و13% من وزنها مركب من عدة مواد أخرى، أما مقدمة الطائرة فصممت بشكل سطحي تقريباً وله حافة أفقية ليقلل من دخول الطائرة في الانهيار الحلزوني.
كما تتوفر في الطائرة أجنحة معكوسة صغيرة قبل الأجنحة الرئيسية توفر مزايا خاصة غير اعتيادية للطائرة SU-47 إذ تعتبر المولد الحقيقي لقوة الرفع في الطائرة كما تساعدها على الاستقرار أثناء اتخاذ وضعيات عالية لزاوية الهجوم كما تساعد على ضعف سريان الهواء فوق أسطح الأجنحة الرئيسية لإنتاج القدر الكافي من قوة الرفع.
الطائرة المستقبلية ذات الأجنحة المعكوسة المتحركة
هي طائرة قاذفة ، مقاتلة ، عالية السرعة ، ذات أجنحة معكوسة متحركة تسمى ( الأجنحة المتغيرة Switchblade) ويطلق عليه اسم ( الطائر المفترس ) كما تلقب بـ ( سكين الجيش السويسري ) لأن الأجنحة المرتبطة بجسم الطائرة في نقطة متأخرة منه تتحرك إلى الأمام حتى تلتصق بجسم الطائرة وهذه هي حركة سكين الجيش السويسري ، فعندما تكون أجنحة الطائرة في وضعية مفرودة بشكل كامل تعطي الطائرة سرعة منخفضة تمكنها من إطلاق القذائف وإصابة الأهداف بدقة عالية أو الهبوط بمسافة قصيرة من المدرج ، أما إذا تحركت الأجنحة إلى الأمام بشكل كامل فتعطي الطائرة مواصفات حسنة في المناورة حيث تصبح الحافة الخلفية للجناح المعكوس المتحرك هي الحافة الأمامية للجناح نفسه وتتخذ الطائرة حينها شكل مثلث (Delta Wing) وبذلك تصل سرعة الطائرة إلى ثلاثة ماخ Mack 3 , وبهذا فإن الطائرة Switchblade يمكنها أن تقوم بمهام عدة فقط لأنها تغير من شكلها وحركتها أثناء الطيران.
إن الطائرة Switchblade سوف تحل محل الطائرة المقاتلة القاذفة F-111التي تعتبر من الطائرات القاذفة متوسطة الحجم وهي إي F-111 طائرة تحمي نفسها كطائرة مقاتلة لديها سرعة هروب تصل إلى 1600 ميل في الساعة.
وقد شوهدت الطائرة Switchblade لأول مرة قريباُ من قاعدة كانون الجوية في نيومكسيكو، ومعلوم عنها أنه في نوفمبر من عام 1999م صرح لشركة (نورثروب وقرومان ) بعمل تصميم لطائرة ذات أجنحة معكوسة متحركة إلى الأمام ، ذلك لأن شركة ( نورثروب ) وشركة ( قرومان ) كانتا الشركتان اللتان أنتجتا طائرات متقدمة متطورة لسلاح الجو الأمريكي قبل اندماجهما في شركة واحدة عام 1994م
المصدر