قصفُ طائرات من سلاح الجو الإسرائيلي لمجمع
اليرموك للصناعات العسكرية جنوب الخرطوم ليس العملية العسكرية الأولى من نوعها التي تنفذها طائرات إسرائيلية في عمق الأراضي السودانية، لكنها العملية الأولى في السودان والقرن الأفريقي التي وضعها محللون سياسيون وعسكريون إسرائيليون في إطار ما يصطلح بعض المحللين على تسميته بـ "حرب الظلال" بين الدول الغربية وإسرائيل وإيران.

وهي، حسب الكاتب الإسرائيلي اليكس فيشمان، "حرب عنيفة تجري بين دول غربية - ومنها إسرائيل - وبين إيران. تشارك فيها منظمات استخبارات وقوات خاصة على العديد من الجبهات: في جنوب لبنان وفي سيناء وفي غزة والبحر الأحمر وإريتريا واليمن والسودان وغرب أفريقيا، وأوروبا، وعلى أرض إيران أيضاً..".
الحكومة الإسرائيلية، كعادتها إزاء مثل هكذا عمليات، لم تعلق على اتهامات وزير الإعلام السوداني أحمد بلال عثمان لإسرائيل بالمسؤولية عن الهجوم، لكن تعليقات المحللين السياسيين والعسكريين في الصحف الإسرائيلية تعاملت ضمنياً مع الهجوم على أنه يحمل بصمات تل أبيب، ويندرج في سياق مواجهة النفوذ الإيراني في السودان والقرن الأفريقي، وبروفة، أو كما يسميه فيشمان، تدريب على "هدف رطب"، لضرب المنشآت النووية الإيرانية، حيث قطعت الطائرات الإسرائيلية ما يقارب 2000 كيلومتر للوصول إلى الهدف، في عملية تحاكي مخطط تسلل الطائرات الإسرائيلية في العمق الإيراني، ونجحت العملية في امتلاك عنصر المفاجأة، وجمع معلومات استخبارية عن مجمع اليرموك للصناعات العسكرية والدفاعات الجوية السودانية قبل تنفيذ الهجوم.
لكن بالطبع المحاكاة تظل محاكاة افتراضية لا تقاس عليها تماماً الظروف الخاصة لهجوم عسكري على إيران، فالقدرات العسكرية السودانية لا تقاس بالقدرات العسكرية الإيرانية، إذ تمتلك إيران دفاعات جوية حديثة، تستخدم منظومة رصد ذكية من بين منظومات محلية الصنع للدفاع عن المنشآت النووية والمواقع الحيوية، فضلاً عن منظومات من صنع روسي. وقامت إيران بنشر منظومات رادارية وأجهزة إنصات إلكترونية للرصد، ومنظومات صواريخ متوسطة وعالية الارتفاع، ومدفعية منخفضة الارتفاع في أكثر من 3 آلاف موقع في البلاد، بشكل يضمن تغطية الدفاعات الجوية لجميع الأجواء الإيرانية.

والأقرب إلى الحقيقة، أن الهجوم الإسرائيلي على مجمع اليرموك وثيق الصلة بالصراع المحموم للسيطرة على النفوذ في منطقة القرن الأفريقي، وضرب التحالف السوداني - الإيراني، كمحور من محاور إستراتيجية بعيدة المدى لإضعاف إيران والسودان، ومحاورها الأخرى إضعاف مصر من البوابة السودانية، وإضعاف الدول العربية بوجه عام، وتهميش نفوذ القوى الدولية الكبرى المنافسة للقوى الغربية في شرق أفريقيا، وخاصة روسيا الاتحادية والصين.
في المحور الأول انتزعت إسرائيل موضع قدم في السودان عام 1967 عندما زار مؤسس حركة التمرد في الجنوب الجنرال جوزيف لاجو تل أبيب، بدعوة من وزيرة الخارجية الإسرائيلية آنذاك غولدا مائير، لبحث تقديم مساعدات عسكرية إسرائيلية، ربطت بعلاقات بين قيادات المتمردين والموساد الإسرائيلي. واستمرت العلاقات في عهد جون قرنق مؤسس الحركة الشعبية لتحرير السودان، وتطورت إلى تحالف معلن مع مجيء خلفه الرئيس الحالي لجنوب السودان سلفا كير. وقامت إسرائيل بدعم المتمردين بالسلاح على امتداد خمسة وأربعين عاماً عبر كينيا وأثيوبيا اللتين ينشط فيهما جهاز الموساد منذ خمسينيات القرن الماضي، إلى جانب العديد من الدول الأفريقية الأخرى، متخذاً أشكالاً سياسية واقتصادية وثقافية شتى، تستند إلى قاعدة الشراكة الإستراتيجية الأميركية - الإسرائيلية.

وخلال السنوات الأخيرة صار جنوب السودان محطة متقدمة للموساد، ومن أكثر مناطق عملياته الخارجية نشاطاً، نظراً للموقع الجيوستراتيجي الذي يتمتع به جنوب السودان والثروات المائية والباطنية في أرضه البكر. ومع بروز النشاط الإيراني وتناميه في المنطقة أضاف الموساد إلى أجندته مراقبة التحركات الإيرانية، والقيام بعمليات مركزة داخل السودان، تزعم إسرائيل بأنها ضد أهداف تستخدم لتزويد حركة "حماس" وحركة "الجهاد الإسلامي" في فلسطين بأسلحة ووسائل قتالية من صناعة إيرانية، بدأ السودان يصنعها محلياً بخبرات تقنية إيرانية وتمويل إيراني، في مجمع اليرموك للصناعات العسكرية جنوب الخرطوم، الذي كان هدف الهجوم الجوي الإسرائيلي الأخير.
ويبيّن تعيين حكومة نتنياهو لرجل الموساد الإسرائيلي حاييم كورين سفيراً لتل أبيب لدى حكومة جنوب السودان حجم العمل الاستخباري المطلوب من السفارة الإسرائيلية في جوبا، لتعزيز الوجود الإسرائيلي في منطقة القرن الأفريقي وجمع معلومات استخبارية عن دوله، مع إعطاء أولوية لشمال السودان. وللتذكير سبق لجمهورية تركمانستان في آب/أغسطس 2010 رفض قبول تعيين كورين سفيراً لإسرائيل في عشق أباد، كونه خدم لفترة طويلة في الموساد، وعمل تحت غطاء دبلوماسي في الولايات المتحدة ومصر ونيبال، إلى أن أستدعي إلى تل أبيب قبل عدة سنوات ليتسلم ملف المهاجرين الأفارقة في إسرائيل، لمعرفته باللغة العربية واللهجات المحلية في جنوب السودان.
وضمن المحاور الأخرى للإستراتيجية الإسرائيلية في أفريقيا، أن النفوذ الإسرائيلي المتعاظم في جنوب السودان سيعطي إسرائيل القدرة على التحكم في بعض مياه النيل، والضغط من خلالها على السودان ومصر لتحقيق مصالحها. كما أن تكثيف النفوذ الإسرائيلي في منطقة شرق أفريقيا يساعد على تحقيق هدف إسرائيل في السيطرة على البحر الأحمر، لأهميته الإستراتيجية بوصفه ممراً مائياً عالمياً مهماً يربط بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي.

وبالمقابل وسّعت إيران في غضون السنوات الثماني الماضية من دائرة اهتمامها بالعلاقات مع الدول الأفريقية، لاسيما الدول الإسلامية، مثل السودان وتشاد والصومال وموريتانيا والسنغال، أو تلك التي تضم أقليات إسلامية كبيرة ووازنة، مثل كينيا وأثيوبيا وأرتيريا ونيجيريا. وازدادت وتيرة الاهتمام الإيراني بالعلاقة مع أفريقيا لكسر طوق العقوبات الدبلوماسية والاقتصادية التي فرضتها عليها الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي لثنيها عن برنامجها النووي. ووجدت إيران في تقديم المساعدات والتعاون الاقتصادي والتكنولوجي وتوظيف رؤوس الأموال مجالاً رحباً لتوسيع نفوذها في أفريقيا، نظراً لما تعانيه الدول الأفريقية من حاجة ماسة في مجالات التنمية الاقتصادية والبنية التحتية.
وبطبيعة الحال أثارت التحركات الإيرانية حفيظة الولايات المتحدة وإسرائيل والدول الغربية الفاعلة في القارة الأفريقية، فانبرت تلك الدول للتعامل مع مناطق النفوذ الإيراني كساحة لصراع خفي مع طهران، تلعب فيه أجهزة الاستخبارات الدور الأكبر.
وفي واقع الأمر، فإن الهجوم على مجمع اليرموك للصناعات العسكرية جنوب الخرطوم ليس إلا حلقة من حلقات هذا الصراع العنيف والمتخفي في ثوب سياسي واقتصادي وعسكري، السودان بشقيه الجنوبي والشمالي أهم ساحاته، وأكثرها سخونة بين إيران ومناوئيها.

المصدر

موضوع مهم يجب التركيز عليه اولا دعم اسرائيل للتمرد وعلاقة اسرائيل الابدية والوثيقة مع التمرد على مدى التاريخ وايضا تركيز اسرائيل على شد وبتر اطراف اي دولة معادية لها حاليا ام مستقبلا لاضعاف الدول المعادية لها ,,, ثانيا التغلغل والتوسع الايراني في المحيط الافريقي للتنافس مع اسرائيل حيث اصبحت افريقيا مرتعا لنشاطات الدول الكبرى الاستخباراتية وبالطبع ايران احدث اللاعبين في المنطقة وتسعى لثبيت وجودها وايجاد حلفاء لديهم حيوية اقتصادية وسياسية واعلامية وثقافية .

Ali niss كتب:

ما زات افريقيا تحافظ بعذريتها فى مواردها الطبيعية المتنوعة وهذه ما يغرى الدول الكبرى للاسراع فى وضع موطئ قدم فيها

صحيح افريقيا الان اصبحت مواردها مصدرا لانتعاش اقتصادات كثير من الدول فمثلا من نفط ومعادن ومجوهرات لعلنا نتدارك ذاكرتنا السياسية لنجد ان الصراعات والنزاعات في افريقيا التي اصبحت كثيرة سببها الموارد المتنوعة وان هنالك اطراف لها ايادي خارجية لاشعال هذه الصراعات والنزاعات اما للاستفادة من هذه الثروات لاستخراجها او للابقاء عليها أمنة وبعيدة من ايدي من يريدون الاستفادة منها وعلى سبيل المثال الكونغو وانجولا ونايجيريا وغانا وسيراليون وليبيريا والصومال والسودان والقائمة تطول .

FALCON كتب:

هناك قناعه داخلى بامران

الاول هو ان اسرائيل ضربت مجمع اليرموك بزريعه مساعده حماس لكن الهدف الاساسى اضاعف جيش السودان فى مواجهه حليفها جنوب السودان

الثانى هو التدريب على الطيران بعيد المدى واستخدام القاعده فى جيبوتى واو ارتيريا فى تزويد الطائرات الاسرائليه بالوقود فى عمليه ضرب ايران لنها بهذه الطريف سوف تتفاده الطيران فى المجال الجوى للدول العربيه عبر الطيران فى المجال الجوى الدولى فوق البحر الاحمر والمحيط الهندى
والله اعلم

رأي منطقي جدا وواقعي نحييك عليه وبشدة .