[ عبد الله بن علي]- الحاكم العباسي- عم [أبي جعفر المنصور] . يوم دخل دمشق محتلا، دخلها في يوم واحد، فقتل ثمانية وثلاثين ألف مسلم في ست ساعات، قتل هؤلاء كلهم، ، حتى أدخل الخيول في مسجد بني أمية، ثم دخل قصره، وقال: من يعارضني فيما فعلت؟ قالوا: لا يعارضك أحد، قال: أترون أحدًا من الناس يمكن أن ينكر علىَّ . قالوا: لا يمكن أن ينكر عليك أحد إلا – [الأوزاعي] –عالم الدنيا في ذلك الوقت، الزاهد، المحدث الكبير-. قال: عليَّ ااتوني بالأوزاعي ، فلما نُوِدي الأوزاعي، علم أن الموت ينتظره، وأن الله أراد أن يبتليه؛ إما أن ينجح، أو يرسب رسوبًا ما بعده رسوب، علم أن الله أراد أن يمتحنه ليصبر، أولا يصبر. قالوا: للأوزاعى عبد الله بن علي يدعوك لمقابلته اليوم، الدماء تجري لا زالت لم تجف على أرض دمشق. فماذا كان من هذا العالم الزاهد؟ لبس أكفانه بعدما اغتسل، ثم لبس ثيابه من على أكفانه، ثم أخذ عصاه، وخرج من بيته، وقال: يا ذا العزة التي لا تُضام، والركن الذي لا يُرام، يا من لا تُهزَم جنوده، ولا يُغلب أولياؤه، اللهم أنت حسبي، ومن كنت حسبه فقد كفيته . ثم دخل، وقبل أن يدخل سمع عبد الله بن علي، فصف وزراءه وأمراءه ميمنة وميسرة، ليُرهب هذا العالم، ثم مد سماطين من الجلود، ثم أمرهم أن يرفعوا السيوف حتى التقت رؤوسها. ثم قال: أدخلوا الأوزاعي، فدخل من بين السيوف، فلما دخل، ووقف عند عبد الله بن علي، غضب هذا الأمير غضبًا حتى انعقد جبينه. قال: أأنت الأوزاعي؟ قال: يقول: الناس أنِّي الأوزاعي. قال: الأوزاعي في هذه اللحظة قال: والله ما رأيته إلا كأنه ذباب أمامي، يوم أن تصورت عرش الرحمن بارزًا يوم القيامة، وكأن المنادي ينادي: ( فريق في الجنة وفريق في السعير ) والله ما دخلت قصره إلا بعت نفسي من الله- عز وجل- قال الأمير: ما ترى في هذه الدماء التي سفكنا؟ قال: حدثني فلان بن فلان عن فلان عن جدِّك عبد الله بن عباس، أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- قال:" لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث؛ الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة" . فغضب حتى أصبح كالحية يتلظى، قال: ورأيت الوزراء يرفعون ثيابهم؛ لئلا يصيبهم دمي إذا قُتلت، قال: وأخذت أرفع عمامتي ليقع السيف على رقبتي مباشرة، قال: فرفع رأسه. فقال: ما ترى في هذه الأموال التي أخذت، وهذه الدور التي اغتصبت؟ قال: قلت: سوف يجردك الله يوم القيامة، ويحاسبك عريانًا كما خلقك؛ فإن كانت حلالا فحساب، وإن كانت حرامًا فعقاب. قال: فتلمظ كالحية، ورأيت الناس يتحفزون لئلا يقع دمي عليهم. قال: وكنت أقول في نفسي: حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت، وهو رب العرش العظيم. قال: فما كان منه إلا أن قال: اخرج . قال فخرجت فما زادني ربي إلا عزة وكرامة. لما مات هذا الإمام، أتى عبد الله بن علي ذلك إلى قبره، وقال: والله إني كنت أخافك أخوف أهل الأرض، والله إني كنت إذا رأيتك رأيت الأسد بارزًا . لم خافه؟ لأنه صدق مع الله، واعتصم بحبل الله، وخاف الله فخوف الله منه كل شيء.