ملف «عماد سالم».. العميل المصري في المباحث الفيدرالية الأمريكية يسرا زهران |
ربما لم يسمع كثيرون منا عن اسم «عماد سالم».. لكن صاحب ذلك الاسم.. كان واحدا من الاسماء المصرية القليلة التي استمعت لها المباحث الفيدرالية الأمريكية.. علي الرغم منها أحيانا.
عماد سالم عميل للمباحث الفيدرالية الأمريكية.. جاسوس يخترق التنظيمات الارهابية الموجودة في أمريكا، ويبلغ تفاصيل تحركاتها للمباحث الفيدرالية.. قالوا إنه اخترق أقرب الدوائر إلي الشيخ الارهابي الشهير عمر عبدالرحمن الذي يقضي عقوبة السجن حاليا في أمريكا.. وقالوا إنه أحبط محاولة لتفجير مبني مركز التجارة العالمي في نيويورك، ومبني السفارة الأمريكية في القاهرة.. وكان السبب المباشر في إحباط محاولة لاغتيال الرئيس مبارك بطائرة سودانية.
وتناثرت شائعات تقول إنه عميل للمخابرات المصرية.. أو علي أقل تقدير عميل مزدوج لكل من المخابرات المصرية والمباحث الفيدرالية الأمريكية.
هو لغز مثير مليء بالصراعات والغموض.. علاقته مع المباحث الفيدرالية لاتعرف الراحة.. ولا الثقة منذ أن وصل إلي نيويورك في فبرير 1982 ليصبح عميلا للمباحث الفيدرالية.. كانت مهام العميل المصري الأولي مع المباحث الأمريكية، تتضمن اختراق العالم السفلي للمافيا والمخابرات الروسية في نيويورك، وعلي الرغم من النجاح الذي أظهره عماد سالم في تنفيذ المهام المطلوبة منه، إلا أنه ظل يعاني من شك المباحث الأمريكية في ولائه.. وخوفها من احتمال اتصاله بالمخابرات المصرية بي شكل من الأشكال.
بدأ عماد سالم يرسم خطوط واحدة من أشهر عملياته مع المباحث الفيدرالية، كانت تلك هي عملية اختراقه للدوائر القريبة من الشيخ عمر عبدالرحمن.. لقد دست المباحث الفيدرالية عميلها المصري في السجن، لكي يكسب ثقة رجل اسمه السيد نصير، كان مسجونا بتهمة قتل الحاخام الاسرائيلي المتطرف مائير كاهانا عام 1990.
ونجح عماد سالم في الاقتراب من السيد نصير، وزميل له اسمه علي شناوي.. وكشفا له أنهما ينويان بدعم من الشيخ عمر عبدالرحمن، تفجير 12 مبني «للمصالح اليهودية» في نيويورك تتنوع ما بين معابد، وبنوك وشركات.
ونجح عماد سالم في يهام الاثنين برغبته في الانضمام إليهما، وبدأ مع علي شناوي، مهمة يجاد مكان لتصنيع المتفجرات وتخزين الأسلحة اللازمة لتفجير المباني، وهو يبلغ تلك المعلومات أولا بأول للمباحث الفيدرالية الأمريكية.
كان هناك ضابطان يتابعان عماد سالم.. واحد اسمه لويس نابولي، والثاني اسمه «چون أنيسيف» لكن أصر رئيس الاثنين، وهو «كارسون دانبار» علي أن يضع عماد سالم جهاز تنصت لتسجيل كل الخطط التي تضعها جماعة عمر عبدالرحمن لتنفيذ عمليتها لكي تمتلك المباحث الفيدرالية دليلا ضدهم إذا ما قدموهم للمحاكمة.
ارتداء جهاز تنصت بالنسبة لعماد سالم وهو في اجتماعات الجماعة كان من الممكن أن يسبب له كارثة.. أن يجعل أفراد الجماعة يطلقون عليه النار بدون مناقشة لو عرفوا بوجوده.. كان أمرا محفوفا بالمخاطر في ري عماد سالم الذي لم يكن مرتبه من المباحث الفيدرالية يزيد علي 500 دولار شهريا، وهو بالطبع مبلغ ليستحق منه المجازفة بحياته، خاصة أن هناك العديد من عمليات المباحث التي يدرك عملاؤها خطورة أجهزة التنصت فيها ويعتمدون فيها فقط علي بذل مزيد من الجهد.. لم تكن «إف بي ي» راغبة فيه وقتها.
وهكذا قررت المباحث الفيدرالية بمنتهي الرعونة أن تستغني عن خدمات عميلها المصري، وأن تكتفي منه بهذا القدر من المعلومات، وهو القرار الذي أثار غضب ودهشة العديد من المراقبين الأمريكان الذين كانوا يعتبرون عماد سالم، أهم مصدر للمباحث الأمريكية في قلب دوائر عمر عبدالرحمن.
لم يمر وقت طويل قبل أن تتلقي المباحث الفيدرالية ردا قاسيا علي طردها لعماد سالم من جنتها.. أو نارها.. اتصل رجل اسمه محمود أبوحليمة، وهو واحد ممن خططوا لتفجير مركز التجارة العالمي عام 1993 بعماد سالم بعد عدة أشهر من فصله من المباحث الفيدرالية طالبا بعض أجزاء خاصة بالقنابل، والاستعانة بخبرته في تصنيع المتفجرات اللازمة لتفجير مركز التجارة العالمي، وبالطبع كان عماد سالم ينفجر غيظا من طرد المباحث الفيدرالية له، فلم يكلف خاطره بإبلاغهم عن اتصال أبوحليمة به.. وهي اللحظة التي قال عنها المراقبون الأمريكان فيما بعد، أنه لو لم تقم المباحث الفيدرالية بطرد عماد سالم، لكانت قد أحبطت محاولة تفجير مركز التجارة العالمي قبل أن تبدأ.
انفجرت القنبلة في قلب المركز، وأسقطت ستة قتلي وألف جريح.. قالوا إنه لو كانت القنبلة أقوي قليلا لانفجر مركز التجارة العالمي كله.. واكتشفت أمريكا فيما بعد أنها هي التي دربت عددا من منفذي الهجوم علي يديها ولكن بهدف تفجير أهداف سوفيتية في أفغانستان، وليست أهدافا أمريكية في نيويورك.
استدعت المحكمة عماد سالم للشهادة في قضية مركز التجارة العالمي، وأثناء ادلائه بأقواله: كشف عن وجود مؤامرة أخري، يخطط لها الشيخ عمر عبدالرحمن وجماعته، كانت المؤامرة تعتمد علي أن يقوم طيار من القوات الجوية السودانية بخطف طائرة والهجوم علي الرئيس مبارك ثم تحطيم هذه الطائرة في قلب مبني السفارة الأمريكية بالقاهرة، وطلب أحد المتهمين واسمه «صديق صديق علي» من عماد سالم: إن يساعده في يجاد ثغرات في نظام الدفاع الجوي المصري بحيث ينحج الطيار السوداني في قصف القصر الرئاسي والتوجه للسفارة الأمريكية لتحطيم طائرته فيها بعد أن يقفز بمقعده منها.
وأعادت المباحث الفيدرالية تعيين عماد سالم فيها علي الرغم من أنفها.. واضطرت لاسترضائه إلي أن تدفع له ما يقرب من مليون دولار للعودة إلي صفوفها.. وأثبت سالم أنه يستحق كل قرش دفع فيه عندما كشف للأمريكان عن مؤامرة لتفجير مبني الأمم المتحدة، ومقر المباحث الفيدرالية في نيويورك.
هو ملف مثير للدهشة.. وللشك.. لكنه لا يكف يضا عن إثارة الاهتمام والتساؤلات حول حقيقة ذلك الرجل الذي ليعرف أحد حتي الآن انتماءه.. أو مكانه وحاله اليوم.
المصدر
جريدة الفجر
http://www.elfagr.org/TestAjaxNews.aspx?secidMenu=2726