كان الدعم الجوي القريب للقوات البرية احد الاسباب الرئيسية لتطوير القوة الجوية قبل قرن تقريبا. وقد بات هذا الدعم منذ وقت طويل ناحية ضرورية من الحرب الحديثة وقدرة رئيسية ايضا في النزاع المتواصل ضد المتمردين المسلحين والقوات غير النظامية حول العالم. ففي تأمين دعم جوي فعال يلبي المتطلبات الحالية، هناك الطائرات بجناح ثابت والطوافات والمركبات الجوية بطيار ودون طيار التي يمكن ان تقوم بأي مهمة دعم تقريبا، وذلك اعتمادا على طبيعة التهديد. فقادة القوات البرية ليسوا معنيين بشكل خاص بأي طائرة تستعمل لمساعدتهم في المعركة، طالما الدعم الجوي يصل بسرعة ويستطيع اطلاق قوة نار دقيقة على العدو، كما يمكن ان يتيح استمرار التحركات على الارض بأمان دون ان يستهدف خطأ. وتشكل الاتصالات الجيدة عنصرا اساسيا بين القوات البرية والجوية، كما التدريب العالي المستويات كذلك مواقع الاهداف والقوات الصديقة يمكن تحديدها قبل دعوة القوة الجوية للتدخل. ويمكن للمراقبين الجويين في المقدمة على الارض الاشارة للاهداف بالليزر، وسوف تستطيع طائرات عديدة ايضا تحديد الاهداف بنفسها. الا ان حوادث اطلاق النار الصديقة ما زالت تحدث بانتظام في مناطق القتال الحالية، مع انه يجب ان تخفض الاتصالات المبتكرة ونظم تعريف مخاطر اطلاق النار الصديقة.
يشكل الموقع والاحوال المحلية ايضا عوامل خطيرة تفرض نوع الدعم الجوي الاكثر فعالية للاستعمال في الظروف الراهنة. فعلى سبيل المثال، اذا كان الدعم الجوي المطلوب في منطقة معزولة نسبيا، مع وجود بعض المدنيين بقربها، عندئذ قد يكون من المناسب استعمال قنابل تفجير وقذائف صاروخية تزن 1000 او 500 رطل او نار مدافع جوية ثقيلة او ربما استعمال مركبات جوية مسلحة دون طيار لتحقيق الاهداف التكتيكية. اما اذا كان الدعم الجوي مطلوبا في منطقة مدينية او بلدة مكتظة بالسكان، فقد يكون من الانسب استعمال الاسلحة الدقيقة الاخف. اذ ان الاسلحة كالقنبلة ذات الاطار الصغير (SDB) وصاروخ (Brimstone) صممت للاستعمال حيث يشكل الضرر الجانبي اهمية كبيرة. وان القذائف الصاروخية العالية السرعة الموجهة بالليزر فقد اصبحت ايضا اسلحة اختيارية لمهام الدعم الجوي القريب. وقد تشكل الاحوال الجوية ايضا مشاكل اضافية مثل العواصف الرملية والضباب والمطر الثقيل او الثلج التي يمكن ان تحد من فعالية بعض الطائرات. ويمكن ان تكون العمليات في الليل في صالح الجانب المجهز بطائرات دعم جوي حديثة، اذ ان نظم الرؤية الليلية يمكن ان تتيح رؤية الاهداف المتحركة او الثابتة بسهولة اكثر في الليل من النهار.
Brimstone
اما العامل الآخر، فهو المسافة بين المكان الذي حصل فيه التماس مع العدو وقاعدة ادارة طائرات الدعم الجوي. فالعنصر الجوي سوف يتطلب قاعدة آمنة للانطلاق منها، مع حماية كافية للرجال والماكينات ومرافق الصيانة. وهذا قد يرتبط بقواعد عديدة عاملة متقدمة (FOBs) اقرب الى الاجراء على الارض، تتيح اوقات رد اسرع. لكن حتى هذه القواعد (FOBs) سوف تبقى بحاجة مع ذلك الى أمن محلي على الارض لمنع الغارات التسللية او وضع المتفجرات في المناطق العملانية، مثل المدارج الجوية، وسوف تحتاج القوات البرية دائما الى دعم جوي يكون قريبا في متناول اليد وسريعا للرد على نداءات المساعدة، الا ان المشغلين الجويين لا يتمنون بأن يكونوا في قاعدة قريبة كثيرا من العدو، او سوف تصبح مهمة حماية انفسهم على الارض جزءا من المشكلة. في الاوقات الاخيرة، تأكد تعرض القواعد الرئيسية المحمية حماية جيدة للخطر، مثل الهجوم الذي شنته قوات طالبان في ايلول/سبتمبر الماضي على قاعدة التحالف في معسكر (Camp Bastion) في افغانستان، الذي نجم عنه مقتل وجرح العديد من الاميركيين وتدمير 6 طائرات (Harrier) للدعم القريب لمشاة البحرية الاميركية. ففي العديد من ألوف ساعات الطلعات القتالية لطائرات (Harrier) البريطانية والاميركية، لم تفقد فيها اي طائرة في الجو، الا ان هذا الهجوم البري على قاعدتهم المحلية كان ضربة كارثية كان يجب الحؤول دون وقوعها. ففي نظرة اوسع على الصورة، تؤمن أحدث الطائرات ونظم الاسلحة للقوات البرية دعما قريبا ممتازا، يشكل غالبا فرقا حيويا بين النجاح والفشل في الميدان. فحماية تلك الاصول الجوية عميقا على مستوى الارض تشكل جزءا حيويا من العملية الجوية برمتها.
Harrier
الطائرات المصممة لمهمة محددة للدعم الجوي القريب كانت محدودة نسبيا في عددها. وهي تشمل الطائرات الاميركية من طراز (A-10) وطائرات (AV-8B Harrier) والطائرات الروسية من طراز (Su-25 Frogfoot). اما الطائرات الشائعة اكثر، فهي المقاتلات والطائرات الهجومية التي يمكن استعمالها لادوار مختلفة تشمل الدعم الجوي القريب. وهذه الطائرات تشمل طائرات (A-4Skyhawk) و(F-5) و(F-16) و(F-18) و(MiG-21) و(MiG-29). وقد استعملت مؤخرا، مع ادخال الصواريخ الجديدة، على منصات هجومية مثل (Tornado) و(Rafale) و(Eurofighter Typhoon)، بصورة فعالة للدعم الجوي القريب ولقدراتها الرئيسية في الهجوم على مدى بعيد وفي الدفاع الجوي. وقد حلت طائرات (Tornado GR4) محل طائرات (Harrier) الاكثر اختصاصا في سلاح الجو الملكي (RAF) البريطاني، التي كانت تستعمل سابقاً في هذا الدور. وهي تستعمل حالياً في افغانستان حيث يمكن أن تحمل حملاً ثقيلاً من الاسلحة المختلفة تشمل قنابل (Paveway IV) وصواريخ (Brimstone)، ويمكنها البقاء فوق منطقة الهدف لساعات عديدة والتزود بالوقود في الجو اذا اقتضى استدامة اضافية. وتتيح سرعتها التي تفوق سرعة الصوت إعادة نشرها في أي مكان داخل افغانستان بسرعة اكبر من أي اصول جوية اخرى، بما فيها المركبات الجوية دون طيار المسلحة. وتستعمل طائرة (Tornado) غالبا في المسرح للقيام بعرض للقوة، تتطلب العبور بسرعة تبلغ 500 كلم بالساعة تقريبا وبقدر منخفض على علو 100 قدم فوق مواقع العدو المشتبه بها. وهذا غالبا ما يكون كافياً ليشجعها على الانتشار حتى من دون ان يترتب عليها استعمال القنابل. وان الهجمات الارضية على مستوى منخفض، التي تستعمل فيها نار مدافع من عيار 27 ملم هي أيضا فعالة جداً في ازاحة قوات العدو المختبئة جيداً من مخابئها، وقامت في السنة الماضية، في ليبيا، طائرات (Typhoon) في مهام دعم جوي قريب من ارتفاع شاهق جدا، وهو تكتيك غير اعتيادي، ويشكل إجراء عمليا يستعمل فيه احدث حاضن تصويب للاسلحة الموجهة الدقيقة.
أثبتت طائرة (Harrier) انها طائرة دعم جوي قريب رهيبة باعتبار انها تتمتع بمجموعة مستشعرات واسلحة كبيرة للاشتباك مع اي هدف على الارض في اي حال من الاحوال وعلى مستوى منخفض جدا. وان رشاقتها العالية، التي لا تضاهيها اي رشاقة في اي مقاتلة نفاثة اخرى، قد منحتها شهرة تحسد عليها وهي الطائرة الوحيدة التي يمكن ان تقف في الجو وتطير الى الوراء. وان اقرب منافس لها من ناحية اداء الدعم الجوي القريب هي طائرة سلاح الجو الاميركي (A10)، المعروفة باسم (Thunderbolt II) او (Warthog) التي تتمتع بسرعة قصوى منخفضة نسبيا، لكن هي أيضا طائرة ذات رشاقة عالية، وتستطيع حمل اسلحة ثقيلة مختلفة. وان مدفعها الدوار السريع الاطلاق، عيار 30 ملم، مرهوب كثيرا على الارض، ويستطيع تقطيع المركبات والابنية وقوات العدو المختبئة. وان طائرة (Su-25 Frogfoot) من (Sukhoi) هي طائرة روسية متخصصة تماثل طائرة (A10). وقد بدأ استبدالها بالنموذج المسلح (Yak-130). وتشاطر هذه الطائرة اصلا الطائرة الايطالية(M-346) التي يجري عرضها ايضا كمقاتلة خفيفة ومنصة هجوم ارضية اضافة الى دورها الرئيسي كطائرة تدريب متقدم. وقد تلقت شركة (BAE) على منافستها (Hawk) اكثر من 1000 طلب حتى تاريخه. وقد استعملت هذه الطائرة ايضا كمقاتلة - قاذفة للدعم الجوي القريب. وشملت النماذج القديمة نماذج مسلحة بمقعد واحد، رغم ان الطراز المحدث الحالي ليس متاحاً الا بمقعدين.
Super Tucano
اما طائرة (Super Tucano) من شركة (Embraer) وطائرة (AT-6) من شركة (Beechcraft) وطائرة (PC-7Mk2) من شركة (Pilatus) وطائرة (PC-9) و(PC-21) هي طائرات تدريب متقدمة بمحركات تربينية يمكن تكييفها كلها للقيام بدور مسلح اذا اقتضى ذلك. وتتمتع طائرة (Super Tucano) بسجل مجرب في البرازيل وفي بلدان اخرى في اميركا اللاتينية، حيث هي طائرة يعتمد عليها جدا وهي رشيقة وخفيفة ومنصة هجومية قادرة على العمل من مدارج جوية بعيدة بادنى متطلبات الدعم. واذا تمتعت باستدامة طويلة، يمكن ان تشكل منصة مثالية للدوريات فوق المناطق البعيدة لمراقبة مهربي المخدرات والهجرة غير الشرعية والانشطة الارضية المعادية. وهي طائرة مجهزة بحواضن مدافع وقنابل وقذائف صاروخية، وتشكل حلا معقول التكاليف بالنسبة للزبائن بميزانيات دفاعية ضيقة. وهناك حاليا معركة مبيعات في الولايات المتحدة بين طائرة (Super Tucano) وطائرة (AT-6) لطائرة تدريب وطائرة هجوم خفيفة لتسلم بموجب برنامج المساعدة العسكرية الخارجية الذي تموله الولايات المتحدة ويجري توسيع سلاح الجو العراقي وسلاح الجو الافغاني بموجب هذا المشروع.
AH-64 Apache
ان الطوافات المسلحة تسليحاً ثقيلاً، مثل طوافة (AH-64 Apache) من شركة (Boeing) وطوافة (Tiger) من شركة (Eurocopter) ومجموعة من الطوافات الروسية القتالية بجناح دوار، اضافة الى الطوافة الهندية (HAL TD-2) وطوافة (Rooivalk) من شركة (Denel) بجنوب افريقيا هي طوافات قادرة على تقديم دعم جوي قريب برشاقة عالية. فقد أصبحت طوافة (AH-64) في أفغانستان اداة اساسية في دعم كل مهمة هامة تقريباً على الارض.
CH-47 Chinook
وهذا يشمل الرد السريع بنار قوية لدعم القوات والحراسة المسلحة لطوافات (CH-47 Chinook) في عمليات الزج بالقوات او سحبها في النهار او في الليل وفي القيام بنقل الاخلاءات الطبية الى الخارج، التي تتعرض غالباً لوابل من نار المتمردين الاعداء. ففي حادث لا يُنسى في جنوب افغانستان قادت طوافة (Apache) في الجيش البريطاني طوافة (Chinook) لسلاح الجو الملكي (RAF) عبر عاصفة رملية استعملت فيها مستشعرات الرؤية الامامية الخاصة لنقل قائد قسم اصيب اصابة قوية وكان بحاجة للإخلاء فوراً الى المرافق الطبية في القاعدة الرئيسية. وعلى رغم ان الأحوال الجوية المعادية كانت ابتعدت الى ما وراء حدود الطيران القياسي، برؤية امامية الى حد الصفر تقريباً، تمكن الطاقم من تنفيذ المهمة بنجاح. وقد تمكنت طوافة (Apache) من تأمين نار تغطية والعمل كراعية في تشكيل قريب مع طوافة (Chinook) التي كانت تفتقر الى هذا النظام من الرؤية المعززة المبتكرة على متنها. وفي حوادث قتالية اخرى، قدمت طوافات (Apache) في الجيش البريطاني دعماً ثقيلاً من النار للقوات التي كانت تبعد عن مواقع العدو امتاراً قليلة. وليس هناك من شك انه عندما تكون الطوافات مجهزة تجهيزاً مناسباً بمستشعرات وتدريع وأسلحة وبراديو تكتيكي آمن حديث وباتصالات بالأقمار الاصطناعية تشكل منصات دعم جوي قريب هائلة تمنح القوات شعوراً كبيراً بالأمن والثقة.
Predator
يجري استعمال الطائرات دون طيار بازدياد كطائرات دعم جوي قريب. وان الطائرات المزودة بكاميرات فيديو لالتقاط صور عالية الدقة وبرادار يدل على الهدف المتحرك وبأجهزة متابعة تعمل بالأشعة تحت الحمراء وبالقدرة على حمل قنابل دقيقة خفيفة وصواريخ (Hellfire)، تستطيع الطائرات الكبيرة، مثل مركبات (Predator) من شركة (General Atomics) ان تلعب دوراً قيماً في القتال ضد القوات غير النظامية. لكن بالنسبة للدعم التقليدي بنار قريبة للقوات البرية، فان المركبات الجوية دون طيار حالياً هي المفضلة غالبا، وذلك نظراً لطبيعة المرونة التي يؤمنها الطيار البشري عندما يتعلق الأمر باتخاذ قرارات فورية في أوضاع تتغير بسرعة. ولا شك ان المركبة الجوية دون طيار المتقدمة سوف تلعب دوراً اضافياً في المستقبل، الا ان طائرة الدعم القريب بطيار المجهزة بمستشعرات حديثة وأسلحة وباتصالات تكتيكية جيدة مع الارض تشكل خياراً متعدد المؤهلات كثيراً، لا سيما اذا لم تكن متاحة شبكة معقدة من البنى التحتية المركزية لاستثمار قدرات المركبات الجوية دون طيار استثماراً تاماً.
بقلم: ريتشارد غاردنر
http://www.arabdefencejournal.com/article.php?categoryID=12&articleID=1063